ظاهرة القلب بين اللغتين العربية والإنجليزية
إعداد : ألطاف محمد
من ظواهر انماء اللغة أشتقاقياً القلب ، فهو يعنى في تعريفة الللغوي ، يأتي من قلب الشئ قلباً ،أي جعل أعلاه أسفلة ،أويمينة شمالة ،أو باطنه ظاهره،ويقال :- قلب الامر ظهراً لبطن أي أختبره ،وقلب التاجر السلعة أي :-تبصرها ،أما قلب عينية وحملاقها أي :- غضب وتهدد.وقلب كل شئ وسطة ولبة ومحطه، وقلب النخلة جمارها وقلب الشجر ما لان من أجوافها (1). أما القلب في الإصطلاح فهو أنتزاع كلمة من آخرى ،بتغير في بعض أحرفها مع تشابه في المعنى وأتفاق في الأحرف المغيرة ،أو فيهما معا ً نحو:- ج ب ر وتقلباتها من جرب جراب وكذالك قولنا ق و ل وتقلباتها من ل ق و ،ل و ق ، و ل ق ،.... ألخ .وهاتان الكلمتان تعنيان الخفة والسرعة والقول على الترتيب(2). ويقول أبن جني في ذلك بأنه أخذ أصل من الأصول الثلاثية ،والأقعاد عليه ،وعلى تقاليبة السته معنى واحداً، تجتمع التراكيب الستة ،ومايتصرف من كل واحد منها عليه ،وأن تباعد شئ من ذلك عنه ،رد بلطف الصنعه ،والتأويل أليه ،كما يفعل الاشتقاقيون في ذلك التركيب (3) نحو:-ك م ل ---< ك م ل ،م ك ل ،م ل ك ،ل ك م ،ل م ك ، وكلها تدل على القوة والشدة ،ومثال آخر قولنا في قول ---<ق و ل ،ق ل و ،و ق ل ،و ل ق ، ل و ق، وكلها تحمل معنى واحد إلا وهو القول .
ولأن القلب تقديم بعض أحرف الكلمة نحو قولنا:- أستدمى غريمه وأستدامه ،إذا رفق به . فالقلب يدخل في القلب المكاني والذي هو غير القلب الصرفي الذي هو أبطال أحرف العلة والهمزة بعضها من بعض ،وكلاهما غير الأبدال نحو:- أخذ بزأمجه وزأبجه وزأبره ،مهموزات بمعنى أخذه كله (4). أي أن القلب المكاني (Metathesis) وهو عملية تبادل صوتين لمواقعهما ضمن كلمة واحدة ،وهو على العموم ثمرة من ثمار قانون الإقتصاد في الجهد .
مما يجدر التنويه عنه أن هذه الظاهرة سببها الخطاء والتوهم السمعي ،أي صعوبة تتابع بعض الأصوات داخل الكلمة الواحدة ،بإعتبار أن الجانب الصوتي له اثر كبير في الكلمة خاصة عندما تكون مجتمعه . وكون هذا الخطاء وارد في أي لغة ما، ليس في العربية بل لغات آخرى كالإنجليزية مثلاً، وهذا ماذهب إليه بعض الباحثين لسبب نشوء ظاهرة القلب .(5)
ومن الطبيعى أن تظهر هذه الأخطاء السمعية في أي لغة ،وهذا الخطاء كان لابد أن يرد حتماً، إلا أن العرب تفادوا ذلك ،وذكروا أن هذا ناتج من تقارب في المخرج ،وتغيير في اللهجات وتنوعها، خاصة في اطار الحياة العامية ،والتى بدورها اثرته على اللغة ككل ،وعلى نظامها الصوتي والصرفي .
ففي هذه الامثلة الآتية سنجد مايثلج صدرونا من الفهم ،والوعي لهذه الظاهرة نحو:- دهش ،وشده ،كرسف، وكرفس ،لعمري ،واعملي ،بكل ،لبك ،دبرودرب ،غضروب وغضروف ،وغيرها (6).
أن القلب ضربان،قلب الواو وقلب الياء ،فتقلب الياء إلى ألف ،وتسكن حركتها نحو:- باع وهاب ،لأننا نجد منه البيع والهيبة على الترتيب . كما تقلب الياء إلى ألف ،فلاتكون ألفاً إلا بعد حرف حلقي أو نون ،وليس باصل مستمر(7). أما قلب الواو إلى ألف فنحو:- قام ودعا ،لان أصلها يقوم ، يدعو ،وكذا تقلب الواو إلى ياء في كل موضع أجتمع فيه واو وياء سبقته إحداهما بالسكون ،فالواو تقلب ياءً تقدمت أو تأخرت ، كما أن الياء تدغم في الياء نحو:- سيد ،ميت ، وقولنا طويتُ الكتاب طياً .وهناك ايضاً قلب الواو همزة إذا وقعت بعد ألف قد زاحم حرفي العلة ألف التكسير ،أو ياء التصغير نحو:- واثق ،وواصل ،فتقليبهما أواصل ،أواثق . وتقلب الواو والياء معاً إلى همزة إذا وقعتا بعد ألف الفاعل نحو:- قائم وسائر ؛لان أصله يقوم ويسير .
من هذه الأحرف التى تقلب فإننا نجد القلب في حرفي الواو والياء فقط ،فتارة تقلب الياء ألفاً ، والواو تقلب ألفاً وياءً ،وتارة نجدهما معاً – الياء والواو – تقلب إلى همزة . ولا يخرج القلب عن هذه الأحرف . وقد أورد الشدياق نماذجاً من القلب (8).
منها :-
أيس ويئس
أشبا شاب بمعنى خلط ،والأوشاب الأوباش.
الهداريس و الدراهيس بمعنى الدواهي .
جلب ولجب بمعنى صاح . وغيرها . فهذا جزء مما أوردنا من الأمثلة ونماذجاً من القلب .
نجد مما سبق أن نضع سؤالاً هاماً ،وهو هل ظاهرةالقلب موجودة في اللغة الإنجليزية ومعترف بها كما وردت في العربية؟! وللإجابة على ذلك فإننا نقول بإن ظاهرة القلب ، قد إختصت بها العربية فقط ، دون غيرها من اللغات ، ولم تخص بها الإنجليزية ، والسبب في ذلك قد أرجعناه إلى سببين هما:-
1) أن الجذر في اللغة العربية يعتمد على نوعين هما الثلاثي والرباعي وطرف ثالث وهو الخماسي ، فالنوعان الأولان يسميان بالمجرد الثلاثي والرباعي ،بينما الجذر في اللغة الإنجليزية لا يعتمد على ثلاثي الجذر أو رباعي ؛ ذلك لأن الجذر اساساً يعتمد على عدد المورفيمات (Morphemes) ،فالمورفيمات عند العرب يتكون من الجذر الثلاثي والرباعي من ثلاثة مورفيمات فقط نحو:- كتب، كً /تً/ بً . وكذا في دحرج ، دًحْ /رً/جً ، بينما الإنجليزية قد يكون الجذر مكون من مورفيم واحداً فأكثر نحو:- Play مورفيم واحد،ومن أثنين نحو:- Un\happy
وقد يكون من ثلاثة نحو:- Help \Full\ness .
2)إن آلية القلب تكمن فى الجذر الواحد فقط ،بتقديم وتأخير للأحرف؛ ولأن الجذر مختلف فى عدد المور فيمات فى الإنجليزيةوالعربية وإذا أجرينا تقليبا تبعا للقاعدة العامة للقلب ،لوجدنا إختلالافى المعنى ،والكلمة ككل ،فستجد كلمة غريبة:
(ypla, pyla , lpay, lapy ,lypa >.....Play)
والمثال الثانى:(helpullf, hple ful helpfull, >.....Helpful) وجذر مكون من ثلاثة مقاطع نحو
Helpfulness).
وهذا صعب جدا فى الإنجليزية،خلافا فى العربية ،فنجد الجذر الثلاثين قول....< ق و ل ،ل ق و ،و ل ق ،و ق ل ،ق ل و، ل و ق، وكلها بمعنى القول .وفى الرباعى نحو:- دحرج،صحصح،فدحرج حدرجة ، وفى صحصح بمعنى بين وهكذا ، ولكى لا نطيل ، فإن الغرض الأساسى من القلب هو تقليب حروف الكلمة فى الجذر الواحد ،وان تتفق جميعها فى المعنى ،وهذا لايوجد فى اللغة الإ نجليزية ،وبعض الكلمات التى أجريت عليها القلب ،منبوذة ،وبعضها مقبولة ،مستعمل ومهمل ،ولاتوجد فى الإنجليزية حروف تقلب –مخصصة لإجراء آليات القلب – كما فى العربية والتى اقتصر القلب على الواو ،والالف والياء ،زيادة على ذلك ما يجري على الجذرمن تقديم وتأخير للأحرف .
إذن ،من خلال هذين السببين الذى ذكرناهما سابقا ،نجد أن القلب يوجد فى العربية فقط ،وكظاهرة إشتقاقية ،وابتدعها الخليل بن أحمد الفراهيدي فى كتابه العين ،والذي أورد فيهما كان من القلب من قواعد للثلاثي والرباعي ، والخماسي. أي أن القلب ظاهرة من ظواهر إنماء اللغة . بينما لا توجد هذه الظاهر ة في اللغة الإنجليزية . فليس من العجيب أن نجد هذه الظاهرة في العربية ،دون غيرها من اللغات ، وكيف أكسبته لغتها ثراءاً ونماءاً ؟!
وأليس من المهم ، والواجب علينا أن نقدر هذه اللغة ونهتم بها كونها زودتنا بوسائل ، تزيد من ملكة اللغة ومخزونها اللغوي ؟!
الهوامش :
(1)انظر المعجم الوسيط صــ753ــ.
(2)انظر مباحث في علم اللغة صــ214ــ.
(3)انظر الخصائص لابن جني صــ137ــ.
(4)انظر نشوء اللغة العربيةصــ16ــ.
(5) انظر القوانين الصوتية صــ426ــ.
(6)انظر آثر القوانين الصوتية في بناء الكلمة صــ462ــ.
(7)انظر كشف المشكل في النحو صــ574،575ــ.
(8)انظر الجوانب اللغوية عند أحمد فارس الشدياق صــ.