منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك الوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةالوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرالوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورالوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودالوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرالوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة الوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناالوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة الوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبالوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرالوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبالوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارالوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 الوظائف اللغوية نموذج الحال

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
رشيد الهادي علي
.عضو فعّال


القيمة الأصلية

البلد :
تونس

عدد المساهمات :
38

نقاط :
90

تاريخ التسجيل :
15/07/2013

المهنة :
أستاذ


الوظائف اللغوية نموذج الحال Empty
مُساهمةموضوع: الوظائف اللغوية نموذج الحال   الوظائف اللغوية نموذج الحال I_icon_minitime2013-11-03, 13:40

الوظائف النحوّية بين المركزي والهامشي
"مثل من وظيفة الحال"
د. لطيفة إبراهيم النّجار
جامعة الإمارات العربيّة المتحدة

يعرض هذا البحث إلى جانب من التداخلات الدلاليّة النحويّة، وإلى اشتراكها في بعض الأبعاد المعنويّة التي لم يعتدّ بها النّحاة العرب، وإنما أشاروا إليها إشارات عابرة فوضعت في نظريّتهم موضع الهامشي.
ويتخذ البحث من وظيفة "الحال" مثالاً دالاّ؛ إذ يبيّن، من خلال شواهد الاستعمال في العربيّة، أنّ هذه الوظيفة، في صور كثيرة منها، تتداخل دلالياً مع وظائف نحويّة أخرى: كالمفعول لأجله، والمفعول فيه، والمفعول معه، والصفة.
ويحاول البحث، في خاتمته، أن يفسرّ عدم احتفال النّحاة بأشكال هذا التداخل بين الحال والوظائف النحويّة المذكورة، فيبيّن أنّ النحاة قد قعّدوا قواعدهم معتمدين ضوابط مختلفة، يعدّ المعنى واحداً منها، وهو ضابط مهمّ جدّاً في جوانب كثيرة من نظريّة النحو العربي، إلا أنّ ضوابط أخرى كالبنية الصرفيّة والموقع النحوي تتقدم عليه أحياناً، وقد يكون ذلك لما تحققه هذه الضوابط لنظريّتهم من تماسك وثبات.
وقد كان لإشارة موجزة في بحث بعنوان " الجملة في نظر النحاة العرب" للدكتور عبد القادر المهيري دور مهم في توجيه اهتمامي لإعادة النظر في باب الحال ليكون منطلقاً، فيما بعد، للبحث في التداخل الدلالي بين الوظائف النحويّة في العربيّة: فقد ذكر د. المهيري في ختام بحثه أنّ جملة الحال تخرج، في بعض استعمالات العربيّة، عن الملحظ الدلالي الذي وضعه النّحاة لهذه الوظيفة، فتعبر عن أبعاد دلاليّة أخرى لوظائف نحويّة أخرى. فأضافت هذه الإشارة المركّزة شيئاً جديداً لما يستشعره المرء إزاء وظيفة الحال.

منهج الدراسة:
قامت هذه الدراسة على استقصاء صورة المسألة في كتب النحو العربي، ثم على امتحانها في بعض النصوص العربيّة، وتجدر الإشارة، هنا، إلى أنّ اختيار النصوص كان انتقائيّاً؛ لأنّ الهدف الأوّل كان يتركّز على التحقق من وجود دلالات أخرى لوظيفة الحال، وهذا مطلب قد يلبيه أيّ نص من نصوص العربيّة، فاستوعبت النصوص مجموعة من السور، وكتاب رياض الصالحين، ومجموعة من الشعر الجاهلي، والإسلامي والأموي، والعباسي من خلال كتاب: المفضليات، وبعض دواوين الشعر، ثمّ نصاً نثرياً حديثاً هو الأيام لطه حسين، واكتفيت بهذه النصوص لأنني وجدت فيها من الأمثلة ما يغني، والمسألة، بعد ذلك، مفتوحة لمزيد من البحث والاستقصاء.

الوظائف النحويّة بين المركزي والهامشي: مثل من وظيفة الحال
يقوم النحو العربي على قوانين وأحكام عامة مستنبطة من كلام العرب، ومضبوطة بضوابط كليّة اعتمدها النّحاة في وصفهم العربيّة وتقعيد قواعدها. وتشكّل هذه الضوابط، مع الأسس المنهجيّة التي اتّبعها النحاة في عملهم، عناصر نظريّة نحويّة متماسكة تتناسق معطياتها وتتوافق عناصرها.
وإذا جاز لنا أنْ نعرّف النظريّة بأنّها "بناء عقلي يتوق إلى ربط أكبر عدد من الظواهر الملاحظة بقوانين خاصّة تكوّن مجموعة متّسقة يحكمها مبدأ عام هو مبدأ التفسير" فإنّ هذا البناء سيحتاج، بلا ريب، إلى نوع من التحكّم النظري يمنع شتات العناصر من التفلّت من قوانينه الخاصّة، ويحافظ على اتّساقها وتناغمها في إطار تفسيريّ مخصوص، ولكّنه، في الوقت نفسه، لا يسعى إلى تحقيق هذا الاتّساق خارج الإطار التفسيري الذي ارتضاه، أو الرؤية المنهجيّة التي تبنّاها.
وقد سار النحاة على هذا النهج في وضعهم قواعد العربيّة وفي صوغهم عناصر نظريّة النحو العربي، فحاولوا أن يبنوا هذه النظريّة على أسس تفسيريّة تتقبلّها المعطيات المدروسة وتندغم معها في توافق يحقق لنظريّتهم ما ينشدونه لها من كفاية وتماسك، كما أنّهم حاولوا، كذلك، أنْ يعتمدوا معايير ثابتة في وصف تراكيب العربيّة وفي تجريد قواعد الأبواب النحويّة المختلفة.
والمتأمل في مصنّفاتهم سيلحظ أنّهم يفردون لكل وظيفة نحويّة باباً يتضمّن تعريفاً يحدد للوظيفة شروطها الصرفيّة والإعرابيّة والموقعيّة ويعيّن أبعادها الدلاليّة، ثمّ يمتّد الوصف ليشمل ما يطرأ على الوظيفة من تقديم وتأخير وحذف ضمن العلاقات التركيبية المختلفة التي تربطها بغيرها من الوظائف النحويّة والتي تنتظم جميعها في إطار نظريّة العامل النحوي.
وتمثّل شروطُ الوظيفة النحويّة المذكورةُ في الحدّ الصورةَ الأصليّةَ لتلك الوظيفة التي قد تتغيّر وتبتعد عن الأصل بما يطرأ عليها من استثناءات متعدّدة يسمح بها الاستعمال، ويجوّزها النّحاة مستضيئين بالأسس التفسيرية التي اعتمدوها في وصفهم.
وتشكل الأصول والاستثناءات على الأصول في الوظائف النحويّة مفاتيح دالّة توجّه الدارس أو المعرب إلى تحديد الإعراب الصحيح للمفردات المختلفة داخل التراكيب المتنوّعة، كما أنّها تصبح، بعد ذلك، مرجّحات يؤخذ بها عند تعدد الاحتمالات الإعرابية للكلمة الواحدة.
وقد نبّه النحاة إلى التداخل الدلالي بين الوظائف النحويّة المختلفة مبيّنين المساحة الدلاليّة التي تشترك فيها ثم ما تنفرد به كلّ وظيفة من خصوصيّة دلاليّة تعطيها موقعاً ممّيزاً على تلك المساحة المشتركة؛ فالحال تشبه الخبر في "كونها محكوماً بها في المعنى على صاحبها، وإن كان الحكم في الخبر قصدياً وفي الحال تبعياً. وتشبه النعت في إفهام الاتصاف بصفة، وإن كان قصدياً في النعت وتبعياً في الحال". وتشبه التمييز في "أنّ كل واحد منهما يذكر للبيان ورفع الاشتراك" إلا أنها مبيّنة للهيئات والتمييز مبيّن للذوات. وعطف البيان يشبه النعت؛ لأنّه "يؤتى به لإيضاح ما يجري عليه وإزالة الاشتراك الكائن فيه، فهو من تمامه كما أن النعت من تمام المنعوت" إلا أنّ النعت يتضمّن حالاً من أحوال المنعوت يتميّز بها أمّا عطف البيان فهو تفسير الأوّل باسم آخر مرادف له.
والملاحظ أنّ اشتراك الوظائف النحويّة في البعد الدلالي يتيح اشتراكاً آخر في الشرط الصرفي أو في التنوع البنيوي للوظيفة النحويّة، وأنّ التمايز الدلالي من جهة أخرى يؤدي إلى تمايز في الشرط الصرفي والتنوع البنيوي، وقد يبدو الأمر في ظاهره متناقضاً لكنّ شبكة العلاقات بين الوظائف بتنوّعاتها المختلفة وبمستوياتها المرتبّة ترتيباً يراعي الأولويّة والتدرج تخلق نوعاً من الانسجام داخل بنية اللغة، بحيث يفرز التداخل والتمايز نتائج متوافقة نوعاً ما؛ فالحال، مثلاً، لشبهها بالخبر والنعت جاز فيها أنْ تتعّدد، وأن تأتي جملة، إلا أنّ جملة الحال لا تكون إلا خبريّة، خلافاً للخبر، وذلك "تغليباً لشبهه بالنعت في كونه قيداً مخصصاً على شبهه بالخبر في كونه محكوماً به؛ لأنّ الغرض من الإتيان بها تقييد عاملها" وكذلك "التمييز" فهو نكرة لأنّه يشابه الحال في كونه يبيّن ما قبله، ولكنهّ جامد بخلاف الحال التي تأتي مشتقّة في الغالب؛ لأنّ التمييز مبيّن للذوات والحال مبيّنة للهيئات.
فالاشتراك يُدْخِل الوظيفة في نقطة تماس مع وظائف أخرى، والتمايز يحفظ لها منطقة خاصّة بها، وهكذا تدور الوظائف النحويّة في فضاء التركيب بين معايير تقربّها من نقطّة ما، وأخرى تبعدها عنها، وتنضبط المسألة، بعدئذ، بالموازنة بين المعايير المختلفة وترجيح بعضها على بعض، أو ترك المسألة مفتوحة لعدّة احتمالات يقبلها التركيب.
وكما أنّ الاشتراك في الشروط الصرفيّة بين الوظائف النحويّة يفتح باب الاحتمال والتعدد فإنّ عدم الاشتراك في ذلك يغلق هذا الباب تماماً وإنْ كان هناك تداخل دلالي واضح بين وظيفة وأخرى؛ فالاشتراك الدلالي وحده لا يسوّغ القول بالتعدد والاحتمال، بل هو محتاج إلى ما يعضّده من معايير شكليّة كالإعراب والبنية الصرفيّة وبعض الشروط الموقعيّة والشكليّة الأخرى.
ويبدو هذا الأمر واضحاً في وظيفة الحال التي تتداخل دلاليّاً مع وظائف شتى، ولكنّ هذا التداخل يتفاوت ويختلف؛ فإذا كان هناك ما يقوّيه من ضوابط نحويّة وشكليّة اعتمدها النّحاة في تحليلهم انفتح الباب للقول بتعدّد الإعراب وتداخل الوظائف، والتُفِتَ، حينئذ، إلى السياق لترجيح وجه على آخر، وهذا نهج معروف عند النّحاة، ويتّضح جدّاً في كتب إعراب القرآن وتفسيره، أمّا إذا كان التداخل بين الحال والوظائف النحوّية الأخرى دلاليّاً خالصاً لا يعضّده اشتراك نحويّ أو صرفي أو موقعيّ فإنّ هذه الأبعاد الدلاليّة المشتركة لا يُلتفت إليها في الغالب، ويبقى القول في إعراب الكلمة محصوراً في الحال لا يخرج عنها إلى غيرها، وهذا ما سنحاول توضيحه في هذا البحث.

الأبعاد الدلاليّة للحال في حدود النحاة وتعريفاتهم:
تكاد حدود النحاة، على اختلاف أزمنتهم، تتّفق في تحديد الملحظ الدلالي للحال في كونه هيئة الفاعل أو المفعول وقت وقوع الفعل، وواضح أنّ هذا الملحظ يشترك في تكوينه ثلاثة عناصر:
- الفعل (وهو العامل في الحال).
- الفاعل أو المفعول (وهو ما اصطلح على تسميته بصاحب الحال).
- الحال.
وعلى الرغم من أنّ سيبويه، وهو يعرض لوظيفة الحال، اتّجه إلى ربطها مباشرة بالفعل في قوله:"هذا باب ما يعمل فيه الفعل فينتصب وهو حال وقع فيه الفعل وليس بمفعول كالثوب في قولك: كسوت الثوب، وفي قولك: كسوت زيداً الثوب، لأن الثوب ليس بحال وقع فيها الفعل ولكنه مفعول كالأول" فإنّ أغلب حدود النحاةّ وشروحهم التي توضّح الملحظ الدلالي لهذه الوظيفة تتّجه إلى التركيز على العلاقة بين الحال وصاحبها؛ كقول ابن السراّج مثلاً:" والحال إنما هي هيئة الفاعل أو المفعول أو صفته في وقت ذلك الفعل المخبر به عنه" وكقول ابن يعيش: "اعلم أن الحال وصف هيئة الفاعل أو المفعول وذلك نحو جاء زيد ضاحكاً، وأقبل محمد مسرعاً، وضربت عبدالله باكياً، ولقيت الأمير عادلاً". أمّا ربطهم الحال بالفعل (العامل) فيأتي في سياقات أخرى؛ كبيان ما يصلح أن يعمل في الحال من العوامل اللفظية والمعنويّة، أو بعض التفسيرات التي توضّح أبعاداً خاصّة في هذه الوظيفة وأشكالاً بنيويّة معيّنة تأتي عليه؛ كتعليلهم الذي مرّ قبل قليل لمنع مجيء جملة الحال إنشائية بقولهم إنّ الغرض من الحال تقييد عاملها.
وقد كان لهذا التوجّه في ربط الحال بصاحبها في بيان الملحظ الدلالي الذي تؤديه هذه الوظيفة أنْ أصبح هذا الملحظ هو الأكثر وضوحاً وبروزاً، وهو الضابط الذي يوجّه تحليل النّحاة وتفسيرهم لكثير من الأبعاد الدلاليّة التي تتشعّب عنها هذه الوظيفة.
وربّما كان للتنوّعات الدلالية التي تأتي عليها هذه الوظيفة دور في تفطّن بعض النّحاة إلى أنّ وظيفة الحال تتعدّد صورها وتتنوّع دلالاتها بحيث لا يستوعب الحدّ الموضوع لها كلّ هذه الصور والدلالات، ولذلك، مثلاً، خالف الرضيّ سابقيهم من النّحاة؛ فلم يرتض الحدّ الذي وضعوه للحال، ووجد أنّ كثيراً من الأشكال التركيبيّة للحال لا يصدق عليها حدّ النّحاة، وعلى هذا نجده يقول: "فالأوْلى أن نقول: الحال على ضربين: منتقلة ومؤكدة، ولكلّ منهما حدّ لاختلاف ماهيتهما، فحدّ المنتقلة: جزء كلام يتقيّد بوقت حصول مضمونة تعلّق الحدث الذي في الكلام بالفاعل أو بالمفعول أو بما يجري مجراهما... وحدّ المؤكدة: اسم غير حدث يجيء مقرراً لمضمون جملة" .
ويبدو من حدود النّحاة وحديثهم في بيان الملحظ الدلالي العام لوظيفة أنّ هذا الملحظ يتراوح عندهم بين بعدين: الأوّل يربط الحال بصاحبها، والثاني يربط الحال بعاملها؛ فهي بيان لهيئة الصاحب وتقييد لزمن العامل، كما يتّضح ذلك من خلال الرسم التوضيحي التالي:

الأبعاد الدلاليّة للحال في صور الاستعمال العربي:
تأتي الحال في أكثر صور استعمالها متوافقة مع ما وضعه النّحاة من حدود وتقسيمات: فهي في أغلب استعمالاتها تبيّن هيئة صاحبها وقت وقوع عاملها، والأمثلة على ذلك كثيرة مستفيضة تمتلئ بها مصنّفات النّحاة وتزخر بها نصوص الاستعمال العربي على اختلاف زمنها.
وإذا كان هذا التوافق مع وصف النّحاة وقواعدهم يمثّل الكثرة الكاثرة من صور استعمال هذه الوظيفة فإنّه يقع على هامش هذه الكثرة أمثلة أخرى تغاير ما أصّله النّحاة، وتتّجه في دلالاتها إلى حدود وظائف نحويّة أخرى فتتداخل معها وتعبّر عن أبعاد دلاليّة لا تقع ضمن الدائرة الدلاليّة لوظيفة الحال.
وقد تنبّه النّحاة إلى بعض صور هذا التداخل، وأشاروا إليها إشارات عابرة، ولكنّهم ظلّوا متمسكين بضمّ هذه الصور الاستعماليّة المخصوصة إلى باب الحال، رغم ابتعادها دلاليّاً عما تعبّر عنه هذه الوظيفة عادة، وسنحاول، من خلال هذه الدراسة، أن نعرض لجوانب من هذا التداخل وأن نتلمّس الأسباب التي منعت النّحاة من القول به.
أوّلاً- التداخل بين الحال والمفعول لأجله:
يجيز كثير من النّحاة في باب المفعول لأجله أنْ يُعْرَب المصدر الواقع في هذه الوظيفة، في كثير من المواقع، حالاً؛ لأنّ المصدر، عندهم، يجوز أن يقع حالاً، وإن كان هذا خلاف الأصل، كما قال في ذلك ابن مالك:
ومصدر منكّر حالاً يقع بكثرة كبغتة زيد طلع
وعليه، فقد جوّز النّحاة، مثلاً، وجهين في إعراب "عبثاً" من قوله تعالى :
 أَفَحسِبتُم أَنّما خَلقناكُم عَبثاً وأّنكُم لا تُرْجَعُون
فقالوا فيها: يحتمل أن تكون مفعولاً لأجله ويحتمل أن تكون حالاً، فهذا الاحتمال مقبول؛ لأنّ في الشروط الصرفيّة للوظيفتين ما يبرّره؛ فالمفعول لأجله لا يكون إلا مصدراً، والحال يجوز فيها ذلك أيضاً، فهذا التجويز فتح قناة تواصل بين الحال ووظائف نحوية أخرى، منها المفعول لأجله، مما سمح بتعدد الاحتمالات الإعرابية في التركيب الواحد.
فالنّحاة قالوا عن المفعول لأجله الذي يلتقي مع الحال في البعد الدلالي في سياق ما: حالاً؛ لأنّ الشرط الصرفي للحال يسمح بذلك.
ولكن هل قالوا عن الحال التي تلتقي مع المفعول لأجله في البعد الدلالي في سياق ما: مفعولاً لأجله؟ هذا الاحتمال غير وارد عندهم في الحقيقة؛ لأنّ الشرط الصرفي لوظيفة المفعول لأجله لا يسمح بهذا الاحتمال؛ فنحن عندما نقول: جئتك رغبة في الاستفادة من علمك.
نسمح بإعراب "رغبة" مفعولاً لأجله، أو حالاً. ولكن إذا قلنا: جئتك راغباً في الاستفادة من علمك.
لم يبق في إعراب "راغباً" إلا وجه واحد؛ فهي حال، ولا احتمال آخر فيها، على الرغم من أنّ الكلمة "راغباً" ما زالت محتفظة بالبعد الدلالي نفسه، فملحظ العلة واضح فيها، وإنْ كانت صيغة المشتق "اسم الفاعل" قد أضفت على المعنى لوناً خاصاً وبعداً جديداً فإنّها لم تسلب التركيب المعنى المستفاد من صيغة المصدر. ولعل هذا يتّضح إذا وضعنا هذا المشتق بإزاء مشتق آخر لا يتضمّن معنى العلّة، وذلك كما في الجملتين التاليتين:
- جئتك راغباً.
- جئتك ماشياً.
إذ يتبيّن من المثالين السابقين أنْ ليس كلّ مشتق، في وظيفة الحال، يبيّن هيئة صاحبه، وأنّ بعض المشتقات تتضمّن أبعاداً دلاليّة أخرى، كبيان العلّة، وهذا يعتمد، في جانب كبير منه على الفروق في المعاني المعجميّة للمشتقات؛ فـ"راغباً" ينتمي إلى مجموعة الأفعال التي يسميها النّحاة قلبيّة، والتي يقولون في تعريفها:"إنّها أفعال غير مؤثرة ولا واصلة منك إلى غيرك، وإنّما هي أمور تقع في النفس"، أمّأ "ماشياً" فينتمي إلى مجموعة أخرى تعرف بالأفعال العلاجيّة، وهي التي يناسبها أن تكون مبينّة للهيئات، أمّا سابقتها فإنّ بيان الهيئة فيها يأتي ضمنياً مُسْتَنْتَجاً. وقد يتّضح كيف يتحمّل النوع الأوّل من المشتقات ملحظ العلّة، أحياناً، كما في الأمثلة الآتية:
- لا ترُزْني مزاولاً لاختباري بعد هذي البلوى فتنكر مسّي (البحتري، الديوان، 2/1153).
- أسارقك اللحظ مستحيياً وأزجر في الخيل مهري سراراً (المتنبي،الديوان 2/197).
- وهم يصدونه عن ذلك مشفقين عليه.(الأيام، طه حسين 3/112).
وهكذا يبدو أنّ التعميم الذي نجده في الشرط الصرفي للوظيفة النحويّة قد يُغَيّب بعض الفروق الدلاليّة الدقيقة بين مجموعة الألفاظ التي يتحقق فيها ذلك الشرط.
وقد يبدو التداخل الدلالي بين الحال والمفعول لأجله، إذا جاءت الحال وصفاً مشتقاً، ضعيفاً يمكن التجاوز عنه، خاصّة إذا كانت الأمثلة عليه قليلة قابلة للتأويل الذي يردّها إلى دلالتها الأصليّة وهي بيان هيئة صاحبها. ولكنّ هذا التداخل يقوى ويشتدّ عندما يعبّر عن وظيفة الحال بجملة فعليّة مضارعيّة؛ إذ يأتي ملحظ التعليل في مقدّمة الأبعاد الدلاليّة التي يعبّر عنها بالجملة الفعليّة المضارعيّة، لكنّ هذه الجملة تعرب حالاً، ولا ينظر في احتمال كونها تعليلاً؛ لأنّ التداخل الدلالي لا يكفي وحده، فلا بدّ من اشتراك في الشرط الصرفي أو التنوّع البنيوي للوظيفة، والمفعول لأجله لا يأتي جملة عند النحاة؛ وهكذا يبدو أنّ تمسّك النّحاة بكون المفعول لأجله لا يكون إلا مصدراً جعلهم لا يتنبّهون إلى ملحظ العلّة في كثير من التراكيب التي عُبّر فيها عن هذا الملحظ بالجملة، ففي مثل هذه السياقات تعرب الجملة حالاً بغض النظر عن البعد الدلالي الذي يفهم منها.
وعليه فإنّ ما تحته خط فيما يأتي يعرب عند النّحاة أحوالاً، من دون أن ينصّ على ما يتحمّله اللفظ من دلالة تفسيريّة معلِّلة :
- (إَنّا خَلَقَنا الإنْساَنَ مِن نُطْفَةٍ أَمشاجٍ نبَتليه) الإنسان/2.
- "هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله تعالي " رياض الصالحين/218.
- "بعثنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأمّر علينا أبا عبيدة، رضي الله عنه، نتلقى عيراً لقريش " رياض الصالحين/232.
- "... وتفرّق
- لناس يستظلون بالشجر..." رياض الصالحين/51.
- "... كان أبي، يزيدُ، أخرج دنانير يتصدّق بها..." رياض الصالحين/60.
- قال بشامة بن عمرو: (المفضليّات/57).
بعينٍ كعين مُفيض القِداح إذا ما أراغ يريد الحويلا
- قال المزرّد: (المفضليّات/101)
فطَوّف في أصحابه يستثيبهم فآب وقد أكدتْ عليه المسائل
- قال المرقش الأكبر: (المفضليّات/226)
إذا علمٌ خلّفْته يهتدى به بدا علم في الآل أغبرُ طامس
- قال عمر بن أبي ربيعة: (الديوان/24)
خرجت غداة النفر أعترض الدمى فلم أر أحلى منك في العين والقلب
- قال البحتري: (الديوان/19)
حَضَرْت رحلَي الهموُم فوجهـ ـتُ إلى أبيضِ المدائنِ عَنْسي
أَتسلى عن الحظـوظِ وآسى لمحلٍ من آلِ ساسـانَ درسِ
- حتى إذا تمّ له من تهيئة الطعام ما أراد خلّى بينه وبين هذه النار تنضجه على مهل. (الأيام، طه حسين 2/41).
- وأقبل الفتى ذات يوم إلى القاهرة يتهيَأ للسفر البعيد. (الأيام، 3/70).
- وأبرقا إلى الجامعة وإلى من يعرفان من الصديق يتعجلان هذا الإذن.(الأيام 3/89).
وهكذا يمثل الاشتراك في الشرط الصرفي قناة تواصل مفتوحة تتداخل فيها الوظائف وتتعدّد فيها أوجه التأويل الدلالي، وفي المقابل يمثّل عدم الاشتراك في الشرط الصرفي حاجزاً وهميّاً يغيّب بعض الأبعاد الدلاليّة التي ينتجها التركيب أحياناً ويوجّه إليها سياق الكلام .
وإذا تأملنا نصوص النّحاة وجدنا أنّهم كانوا، في الغالب، يربطون بين الملحظ الدلالي والشرط الصرفي للوظيفة النحويّة؛ فالمفعول لأجله لا يكون إلا مصدراً "لأنّه علّة وسبب لوقوع الفعل وداعٍ له، والداعي إنما يكون حدثاً لا عيناً".
فهم في تفسيرهم يضعون المصدر في مقابل اسم العين الذي ينتفي وقوعه علّة انتفاء واضحاً، ولكنّهم لا يضعون المصدر في مقابل المشتق أو الفعل، على الرغم من أنهم يصرّحون بأنّ "الفعل إمّا أن يجتذب به فعل آخر؛ كقولك: احتملتك لاستدامة مودتك وزرتك لابتغاء معروفك، فاستدامة المودة معنى يجذب بالاحتمال وابتغاء الرزق معنى يجذب بالزيارة، وإما أن يدفع بالفعل الأول معنى حاصل؛ كقولك: فعلت هذا حذر شّرك، فالحذر معنى حاصل يتوصل بما قبله من الفعل إلى دفعه، والمصادر معان تحدث وتنقضي فلذلك كانت علة بخلاف العين الثابتة" .
وواضح أنّ المقياس الذي وضعوه لمجيء المفعول لأجله مصدراً يصدق على الفعل المضارع؛ فملحظ العلّة غير منتف فيه، حتى إننا لو قلنا: احتملتك أستديم مودّتك، وزرتك أبتغي معروفك، لبقي معنى العلّة مفهوماً؛ لأنّ الأفعال، أيضاً، معانٍ تحدث وتنقضي كالمصادر تماماً.
ونحن إذا قلّبنا المسألة ونظرنا فيها من بعد آخر وجدنا أنّ التعبير عن العلّة بالفعل لا يمتنع؛ فقد علّل النْحاة جواز مجيء الحال جملة بقولهم "لأنّ مضمون الحال قيد عاملها، ويصحّ أنْ يكون القيد مضمون الجملة كما يكون مضمون المفرد" . وبالقياس يمكننا القول إنّ مضمون المفعول لأجله علّة عاملة، ويصحّ أن تكون العلّة مضمون الجملة كما تكون مضمون المصدر، خاصّة إذا علمنا أنّ الفعل يتضمّن، دلالياً، معنى الحدث.
وإذا كان المفتاح المبدئي الذي وضعه النّحاة للتمييز بين الحال والمفعول لأجله هو أنّ الأولى تقع في جواب: كيف فعلت؟ والثاني يقع في جواب: لم فعلت؟ فإنّ هذا الضابط قد يشير أحياناً إلى أنّ بعض الأبنية يصح فيها أن تقع جواباً للسؤالين، وقد يتقدّم وقوعها جواباً عن العلة، أحياناً، على وقوعها جواباً عن الهيئة، ويتّضح ذلك إذا أعدنا النظر في الأمثلة المذكورة قبلُ.
بل إنّ بعض الأبنية ترد مباشرة في الاستعمال العربي جواباً عن السبب والعلّة؛ فقد ورد في الحديث الشريف قوله:"... خرج معاوية رضي الله عنه على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله قال: الله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا ما أجلسنا إلا ذاك" رياض الصالحين/508.
وفي حديث آخر :"عن أبي طلحة زيد بن سهل رضي الله عنه قال: كنا قعوداً بالأفنية نتحدّث فيها، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقام علينا فقال: ما لكم ولمجالس الصعدات؟ فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر ونتحدّث ..." رياض الصالحين/579.
فالجملتان الفعليّتان (نذكر/ نتذاكر) تعربان حالاًَ بناء على القاعدة النحويّة التي تنص على أنّ الجمل واشباه الجمل بعد المعارف أحوال وبعد النكرات صفات، على الرغم من وقوعها في سياق الإجابة عن العلّة والسبب.
ويزيد المسألة وضوحاً أنّ النّحاة وضعوا شرطاً لانتصاب المصدر على أنّه مفعول لأجله؛ فلا يعرب المصدر مفعولاً لأجله إلا إذا صحّ تقديره باللام: "لأنّ اللام معناها العلّة والغرض"، ونحنُ إذا أعدنا النظر في الأمثلة السابقة وجدنا أنّ تقدير اللام فيها محتمل ولا يناقض دلالة التركيب، فلو قلنا:
- جلسنا لنذكر الله/ قعدنا لنتذاكر. وقبل ذلك:
- إذا علمٌ خلّفْته ليهتدى به.
- تفرّق الناس ليستظلوا بالشجر.
- أخرج دنانير ليتصدّق بها.
- فطوّف في أصحابه ليستثيبهم.
- خرجت غداة النفر لأعترض الدمى.
- فوجّهت إلى أبيض المدائن عنسي لأتسلى عن الحظوظ.
- خلّى بينه وبين هذه النار لتنضجه على مهل...
- وأقبل الفتى إلى القاهرة ليتهيّأ للسفر البعيد...
- وأبرقا إلى الجامعة... ليتعجّلا هذا الإذن...لصحّ التقدير واستقام المعنى .
بل إننا لو عكسنا الأمر فجرّدنا الفعل المضارع من هذه اللام في أي سياق يرد الفعل فيه مقروناً بها لوجدنا أنّ دلالة التعليل تبقى، أحياناً، مفهومة واضحة، إلا أنّ اختلاف الشكل البنيوي لعناصره يوجّه القول فيه توجيهاً آخر. فلو تأملنا، مثلاً، العبارة الآتية:
- وربما اشتملت بعض هذه الرسائل على زهرة قد جففت وأرسلت إليه ليحملها كما تحمل التمائم لتذكّره إن عرض له النسيان.(الأيام،3/90).
لوجدنا أنّ إسقاط اللام الدالّة على التعليل في قوله :"ليحملها "و"لتذكّره" لا يجرّد التركيب من دلالة التعليل تماماً، فلو قلنا:
- وربّما اشتملت بعض هذه الرسائل على زهرة قد جففت وأرسلت إليه، يحملها كما تحمل التمائم، وتذكّره إن عرض له النسيان.
لبقي هذا المعنى مفهوماً مراداً، فإن كان وجود اللام يدفع أي احتمال دلاليّ آخر، ويجرد التركيب لدلالة التعليل وحدها، فإنّ غياب هذه اللام لا يعني، بأي حال، غياب دلالة التعليل تماماً.
وعليه، فإنّ التداخل الدلالي بين الوظيفتين، في مثل هذه التراكيب، واضح جدّاً، ولكنّه مع ذلك، غائب في مصنّفات النّحاة؛ ذلك أنّ ضوابط الوصف والتقعيد عندهم تتعدّد ولا تقتصر على البعد الدلالي وحده، وهذا ما سنوضّحه في خاتمة البحث.
ثانياً- التداخل الدلالي بين الحال والمفعول فيه أو بين الحال والمفعول معه:
إذا كان النّحاة لم يشيروا إلى التداخل الدلالي بين الحال والمفعول لأجله فإنّهم استشعروا تداخلاً آخر وأشاروا إليه وعرضوا للإشكال فيه؛ فقد نصّوا على الشبه بين الحال والمفعول فيه "وخصوصاً ظرف الزمان؛ لأنّ الحال لا تبقى بل تنتقل إلى حال أخرى، كما أنّ الزمان منقضٍ لا يبقى ويخلفه غيره" .
وقد أشار سيبويه، منذ البَدْء، إلى هذا التداخل وهو يفسّر قوله تعالىSadيغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم) فقال فيه: (فإنما وجّهوه على أنّه يغشى طائفة منكم وطائفة في هذه الحال، كأنّه قال: إذ طائفة في هذه الحال، فإنما جعله وقتاً ولم يرد أن يجعلها واو عطف، وإنما هي واو الابتداء"، ويبدو من تفسير سيبويه أنّه استشعر الدلالة الزمنيّة التي تتحملّها أمثال هذه الجمل فصرّح بها، ولكنّ متأخري النّحاة فسّروا قوله تفسيراً يجرّد الجملة ممّا استشعره وأشار إليه، ويقصرها على دلالة الحال التي تعارفوا عليها .
ولشدّة الارتباط بين واو الحال والدلالة على الزمان أوردها ابن منظور في اللسان مقسّماً إيّاها قسمين على الرغم من عدم وجود فارق دلالي بينهما؛ إذ يقول:" ومنها واوات الحال، كقولك: أتيته والشمس طالعة، أي في حال طلوعها، قال الله تعالى (إذ نادى وهو مكظوم)، ومنها واو الوقت كقولك: اعمل وأنت صحيح، أي في وقت صحتك والآن وأنت فارغ، فهذه واو الوقت وهي قريبة من واو الحال..." .
كما نصّ عليها ابن السرّاج، وهو يتحدّث عن مواضع كسر همزة (إنّ)، فقال: "وإذا ذكرت:" إن "بعد واو الوقت كسرت، لإنه موضع ابتداء، نحو قولك: رأيته شاباً وإنه يومئذ يفخر" .
ولعل ابن هشام يكون أوّل من وضع هذا التداخل الدلالي بين هاتين الوظيفتين موضع الإشكال الذي يسأل عنه؛ فقد قال في المغني: "ومما يشكل قولهم في نحو" جاء زيد والشمس طالعة" إنّ الجملة الاسميّة حال، مع أنّها لا تنحل إلى مفرد، ولا تبيّن هيئة فاعل ولا مفعول، ولا هي حال مؤكدة، فقال ابن جني: تأويلها جاء زيد طالعة الشمس عند مجيئه، يعني: فهي كالحال والنعت وقال ابن عمرون: هي مؤولة بقولك مبكّراً ونحوه، وقال صدر الأفاضل تلميذ الزمخشري: إنما الجملة مفعول معه، وأثبت مجيء المفعول معه جملة، وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى (والبحرُ يمدّه من بعده سبعة أبحر) في قراءة من رفع البحر، هو كقوله: وقد أغتدي والطير في وكناتها.. و"جئت والجيش مصطف" ونحوهما من الأحوال التي حكمها حكم الظروف، فلذلك عريت من ضمير ذي الحال" .
والشواهد على مثل هذه الأحوال كثيرة جدّاً، نورد منها هذه الأمثلة لتبرز المسألة في بعد واضح جليّ:
- قال عمرو بن الأهتمSadالمفضليّات/126):
ومُسْتَنْبِح بعد الهدوء دعوته وقد حان من نجم الشتاء خفوق
- قال عبدة بين الطبيب: (المفضليّات/143):
وقد غدوت وقرن الشمس منفتق ودونه من سواد الليل تجليل
- قال ربيعة بن مقروم: (المفضليّات/189):
فأوردها ولون الليل داج وما لغبا وفي الفجر انصداع
- قال متمم بن نويرة: (المفضليّات/271)
لذكرى حبيب بعد هدء ذكرته وقد حان من تالي النجوم طلوع
- قال علقمة بن عبدة: (المفضليّات/395):
فقاتلْتَهم حتى اتقَوْك بكبشهم وقد حان من شمس النهار غروب
- قال أبو ذؤيب: (المفضليّات/424)
فوردن والعيوق مقعد رابئ الـ ـضُّرَباء فوق النظم لا يتتلّع
فلا شكّ أنّ الدلالة على الزمان في الجمل الحاليّة السابقة واضحة جدّاً؛ إذ تنعقد علاقة الإسناد فيها بين ركنين يحددان زمان الحدث، ولكنْ لم يقل أحد من النّحاة في إعرابها إنّها في محل نصب مفعول فيه؛ لأنّ النّحاة مجمعون على أنّ المفعول فيه لا يقع جملة؛ فهو في عرفهم: "ما ضمّن معنى" في "باطّراد، من اسم وقت، أو اسم مكان، أو اسم عرضت دلالته على أحدهما، أو جار مجراه"، ولكنّهم نصّوا في مثل الجمل الحاليّة السابقة على أنّه يجوز إخلاؤها "عن الراجع إلى ذي الحال إجراء لها مجرى الظرف لانعقاد الشبه بين الحال وبينه".
وواضح أنّ أمثال هذه الجمل العارية من ضمير ذي الحال ترتبط، دلاليّاً، بالعامل فيها، وليس لها أيّ ارتباط دلاليّ بالصاحب، وهي بذلك تبتعد عن الصور الاستعماليّة المألوفة لوظيفة الحال التي تتضمّن بعدين دلاليّن، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً، هما: بيان هيئة الصاحب، وتقييد زمن العامل؛ فهذه الجمل تقتصر دلالياً على البعد الثاني فقط ممّا يخلصّها للدلالة على الزمان.
ولا تقتصر هذه الجملة الحاليّة الخالية من ضمير ذي الحال على بيان الزمان؛ إذ قد تأتي في استعمالات أخرى لتحوّل انتباه السامع إلى حدث آخر تقع عناصره في الوقت الذي يقع فيه مضمون العامل، وهذا النوع من الجمل يوسّع إطار الصورة ويوزّع التركيز على حدثين أو أحداث تتزامن جميعها في اللحظة نفسها، ولعل أمثال هذه الجمل هي التي يصدق عليها مفهوم المعيّة الذي قال به بعض النّحاة؛ إذ إنّ التنصيص على المعيّة عند النحاة يعني " مصاحبة ما بعد الواو لما قبلها في وقت واحد". وهذا البعد الدلالي (المصاحبة الزمنيّة) متحقّق في تراكيب كثيرة في العربيّة، إلا أنه، وحده، لا يكفي، عند النّحاة، للقول بوقوع الجملة مفعولاً معه، ومن الأمثلة على ذلك:
- "كنت جالساً مع النبيّ، صلّى الله عليه وسلم، ورجلان يستبّان..." رياض الصالحين/35.
- قال المتنبي: (الديوان 1/189)
ولكنّه ولّى وللطعن سوْرةٌ إذا ذكرتها نفسه لمس الجنبا
- قال المتنبي: (الديوان 2/343)
وما حمدّتك في هول ثبتّ له حتى بلوتك والأبطال تمتصع
- قال سويد بن أبي كاهل اليشكري: (المفضليّات/20)
وارتمينا والأعادي شهّد بنبال ذات سم قد نقع
- قال بشر بن أبي خازم: (المفضليّات/ 347)
نعلو القوانس بالسيوف ونعتزي والخيل مشعلة النحور من الدم
- "قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في بيتي" رياض الصالحين/ 354.
- "وأقبل الشاعر ينشدهم وصاحبنا جالس يسمع" (الأيام، طه حسين 1/25).
وواضح أنّ المعنى المستفاد من علاقة الإسناد في هذه المجموعة يختلف عنه في المجموعة السابقة؛ إذ لا تنعقد العلاقة بين ركني الإسناد هنا لتحديد زمان العامل، ولكّنها تبيّن أحداثاً يقترن وقوعها بوقوع العامل، ولذلك كانت الدلالة على الزمان في هذه المجموعة ضمنيّة.
ويلاحظ، أيضاً، أنّ هذه المجموعة خالية من أيّ رابط يربطها، دلالياّ، بالصاحب، فهي لا تدلّ على الزمان مباشرة، ولا ترتبط بالصاحب مطلقاً. بل ترتبط بالعامل على وجه مخصوص يقرّبها من دلالات المفعول معه؛ لأنّها تبيّن أنّ وقوع الحدث فيها متزامن مع وقوع الحدث في العامل، وهذا ما تدل عليه واو المعيّة؛ إذ إنّها "للتنصيص على مصاحبة ما بعدها لمعمول العامل السابق، أي مقارنته له في الزمان سواء اشتركا في الحكم كجئت وزيداً أولا، كاستوى الماء والخشبة"، ولعلّ أمثال هذه الجمل هي التي دفعت الرضيّ، شارح الكافية، إلى وضع حدّ آخر للحال، كما أشرنا قبل هذا، يشمل ما تتضمنّه من دلالات.
ويبدو أنّ الدلالات المستفادة من علاقة الإسناد في مثل هذه الجمل الحاليّة تتنوّع وتتغاير حسب ركني الإسناد وطبيعة العلاقة بينهما؛ فانعقاد علاقة الإسناد بين ركنين ليس ضمير صاحب الحال واحداً منهما هو الذي يسمح بتحمّل هذه الجملة دلالة جديدة مستقلة غير مقيّدة، إلا زمنيّاً، بعناصر الجملة التي تتضمن العامل والصاحب، لأن كل حدث في مثل هذه التراكيب يدور حول محور مستقل، بخلاف الجمل الحاليّة التي يكون أحد ركني الإسناد فيها ضمير ذي الحال؛ فهذه تتوحّد فيها الصورة ,إن تعددت الأحداث، ولكنّ هذه الاختلاف لا يطال الدلالة على الزمان فيها؛ فهي باقية مفهومة ضمنياً، ويتّضح ذلك في الأمثلة الآتية:
- "كنت وأنا في الجاهليّة أظنّ أنّ الناس على ضلالة وأنّهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان" رياض الصالحين/202.
- "وإذا أراد هلكة أمّة عذّبها ونبيّها حيّ، فأهلكها وهو حيّ ينظر، فأقر عينه بهلاكها" رياض الصاحلين/204.
- "...أنّ تَصَدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغني..." رياض الصالحين/57.
- قال المتنبي: (الديوان/2/67)
سعوا للمعالي وهم صبية وسادوا وجادوا وهم في المهود
- "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإنّه إذا صلّى وهو ناعس" رياض الصالحين/79.
ويبدو أنّ الفرق بين هذه المجموعة وسابقتيها أنّ الأولى قد خلصت للدلالة على الزمان تماماً، وأنّ الثانية تشير إلى حدث مستقل يتزامن مع مضمون العامل، أما هذه فكأنّها يتنازعها معنيان؛ معنى الزمان ومعنى الحال (بيان الهيئة)، بل إننا إذا تأملنا العبارات السابقة وجدنا فروقاً دلاليّة دقيقة بينها؛ فبعضها يعلو فيه الإحساس بالدلالة الزمنية (وأنا في الجاهليّة، ونبيّها حيّ، وهم صبية، وهم في المهود)، ويخفت فيها بيان الحال، حتى كأنّه ظل باهت يلوح وراء نصاعة معنى الزمان، وبعضها الآخر يتقدّم فيها ملحظ بيان الهيئة (وهو يصلي، وهو ناعس) حتى إنّه ليزاحم معنى الزمان، وقد يتقدّمه بدرجات. بل إنّه يصعب أحياناً الحكم لأحد الملحظين بالتقدم على الآخر (وأنت صحيح) .
ولعلّ التمايز يكون أوضح وأجلى إذا وضعت العبارات السابقة بإزاء هذه العبارات:
- "فانطلقت وأنا مهموم على وجهي..." رياض الصالحين/277.
- "لا تحقرّن من المعروف شيئاً، وأنْ تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك" رياض الصالحين/329.
- "مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا.. " رياض الصالحين/337.
- "ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون..." رياض الصالحين/545.
فهذه ينعدم فيها معنى الزمان أو يكاد، ويبرز فيها بيان الهيئة بروزاً قوياً لا يكاد يُلتفت فيه إلى معنى آخر غيره .
ويبدو أنّ هذه الفروق الدلاليّة بين المجموعتين السابقتين تعتمد، بالدرجة الأولى، على دلالات الخبر في الجملة الحاليّة؛ تأمّل، مثلاً الفرق بين:


والذي يتضّح من العرض السابق أنّ الحال، إذا كانت جملة، تتعدّد دلالاتها وتتنوّع معانيها ممّا يجعلها، في أحيان كثيرة، تبتعد عن الأصل الدلالي الموضوع لها وتقترب من تخوم وظائف نحويّة أخرى فتعبّر عمّا تعبّر عنه تلك الوظائف، ولكنّ الشروط البنيوّية للوظائف النحويّة تقف حاجزاً أمام تبصّر الفروق الدلاليّة بين هذه الجمل والتفطن إلى الأبعاد الدلاليّة الأخرى التي يتضّمنها السياق الواقعة فيه.
ثالثاً: التداخل الدلالي بين الحال والصفة:
يبدو أنّ السياق الذي ترد فيه جملة الحال يؤثر تأثيراً قوياً في توجيه معنى هذه الجملة وفي تقريبها من أبعاد دلاليّة لوظائف نحويّة أخرى؛ فإذا كان الفرق الحاسم بين الحال والصفة أنّ الحال طارئة تزول بزوال العامل وأنّ الصفة لا تتقيّد بالعامل بل هي تحلية للموصوف وتبين له أنّه المعروف بهذه الصفة، فهي "لفظ يتبع الموصوف في إعرابه تحلية وتخصيصاً له بذكر معنى في الموصوف أو في شيء من سببه، وذلك المعنى عرض للذات لازم له"، فإنّ جملة الحال تأتي، في بعض السياقات، قريبة من الصفة متداخلة معها دلالياً؛ إذ يبرز فيها ملحظ التحلية والتبيين الذي نجده في وظيفة الصفة، فلا تكون طارئة ولا يتعلّق وجودها بوجود العامل فيها، وهي في مثل هذه السياقات تختلف عن الحال اللازمة التي ذكرها النّحاة وعدّدوا أقسامها. وذلك كما في الأمثلة الآتية:
- (لَيُوسُفُ وأخُوهُ أَحبُّ إلى أبينا مِنّا وَنَحْنُ عُصْبة) يوسف/8.
- (وَعَسى أنْ تكرهُوا شيئاً وَهُوَ خيرٌ لكُم وعسى أن تُحِبّو شيئاً وهُوَ شرٌّ لكُم) البقرة/216.
- "أما إنّه قد صدقك وهو كذوب...) رياض الصالحين/394.
- قال المتنبي: (الديوان 1/361)
أبِالغمرات توعدنا النصارى ونحن نجومها وهي البروج
- "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة" رياض الصالحين/387.
والملاحظ على الأحوال السابقة أنّها، جميعها، جمل اسميّة مسبوقة بالواو، وخبرها اسم، وهو مما يرجح ملحظ الثبات والتحلية فيها، كما يبرز في الأمثلة الأربعة الأولى ملحظ آخر، هو ما اصطلح د. عبد القادر المهيري على تسميته بالمقابلة، وهو ما نستطيع أن نوضّحه بإضافة عبارة "على الرغم" إلى التركيب.
وواضح، عند اعتماد المعنى وحده، أنّ أمثال هذه الجمل تفارق الأبعاد الدلاليّة العامّة لوظيفة الحال، التي سبق أن وضّحناها آنفاً، وتستقل بأبعادها الدلاليّة الخاصة التي تضعها على تخوم قريبة جدّاً من وظيفة الصفة، لولا أنّ القيود والضوابط الشكليّة الأخرى التي تنص على أنّ الجمل بعد المعارف أحوال تجذبها ثانية إلى حدود وظيفة الحال في العربيّة.
خاتمة البحث
لعلّه يجدر بنا، الآن، أن نحاول تفسير عدم احتفال النّحاة بهذا التداخل بين الحال والوظائف النحويّة المذكورة آنفاً، على الرغم من استشعارهم بعض صوره والتفاتهم إلى أشكال مختلفة منه، فما الأسباب التي منعت النّحاة من القول بضمّ تلك الصور التركيبيّة إلى الوظائف التي تتوافق معها في الأبعاد الدلاليّة؟
إنّ المتأمّل في الأصول العامّة التي قامت عليها النظريّة النحو العربي، وما صاغه النّحاة من ضوابط رئيسة توجّه القول في وصف العربيّة وتقعيد قواعدها يستشعر تنبّه النّحاة إلى ما يعتري التراكيب، أحياناً، من تجاذب بين المعنى والإعراب، أو بين الأبعاد الدلاليّة الخالصة من جهة والضوابط الشكليّة المختلفة من جهة أخرى، وهو ملحظ أشاروا إليه في مرحلة مبّكرة من وصف العربيّة؛ من ذلك، مثلاً، ما ألمح إليه سيبويه في قوله: "ومثل ذلك قولك: إن زيداً ظريف وعمروٌ وعمراً، فالمعنى في الحديث واحد وما يراد من الإعمال مختلف".
وقد وضع ابن هشام باباً كاملاً للحديث عن الموجّهات التي تضبط القول في إعراب العناصر في التركيب، وضّح فيه من خلال أمثلة كثيرة كيف تتداخل المرجّحات الدلاليّة والصناعيّة، وكيف السبيل إلى ضبط المسألة على نحو من التحكّم المشروع الذي يحفظ للنظريّة تماسكها وتوافقها .
كما جرّد ابن جنّي هذه المسألة في خصائصه على نحو يخرجها إلى مستوى تأصيلي أساسيّ تنبني عليه نظريّة النحو العربي من خلال ثلاثة أبواب مهمّة، هي:
- باب في تجاذب المعاني والإعراب.
- باب في التفسير على المعنى دون اللفظ.
- باب في الفرق بين تقدير الإعراب وتفسير المعنى.
وهو يقول في الباب الأول منها:"هذا موضع كان أبو عليّ –رحمه الله- يعتاده، ويلمّ كثيراً به، ويبعث على المراجعة له وإلطاف النظر فيه، وذلك أنّك تجد في كثير من المنثور والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذبين، هذا يدعوك إلى أمر وهذا يمنعك منه، فمتى اعتورا كلاماً أمسكت بعروة المعنى، وارتحت لتصحيح الإعراب". وعلى الرغم من أنّ ابن جنّي يقدّم المعنى على الإعراب في أغلب الأمثلة التي عرض لها، إلا أنّ هذا الإجراء لم يكن وارداً عند النّحاة في الأمثلة التي سيقت في هذا البحث؛ ذلك أنّهم لا يمانعون أنْ يختلف تفسير المعنى عن تقدير الإعراب، وهي المسألة التي تناولها ابن جني، أيضاً، في الباب الثالث المذكور هنا.
إنّ نظريّة النحو العربي القائمة على القول بالعامل منضبطة، عند النّحاة، بضوابط مختلفة، يعد المعنى واحداً منها، فهول ليس ضابطاً رئيساً، في كثير من المواضع؛ "فبنية النظريّة النحويّة المتمثّلة في العامل النحوي ذات طبيعة تركيبيّة شكليّة، تتّخذ من العلاقات النحويّة أساساً في رسم أطرها وأبعادها الرئيسة، ولكنّها في الوقت نفسه لا تغفل دور العناصر (الدلاليّة) في تشكيل النسق النهائي للنظريّة، فتضع لها أدواراً مؤثرة تحرك مكوّنات النظريّة في اتّجاهات مخصوصة"، لكنّها لا تُطلِق لها زمام التحكّم في الوصف، بل تقيّدها بالضوابط الشكليّة والبنيويّة الأخرى التي تُعدّ أكثر انضباطاً وتماسكاً.
إنّنا إذا افترضنا أنّنا واجهنا النّحاة بمثل تلك التداخلات الدلالية بين الوظائف النحويّة التي عرضنا لجانب منها في هذا البحث، فإنّ جوابهم سيكون حاضراً، متوافقاً مع أصولهم، متناغماً مع ضوابطهم؛ لأنّهم سيقولون "وأيّ منعٍ في أنْ يتّفق في المعنى المقصود المختلفان في الإعراب؟ إلا ترى أنّ معنى "جئت راكباً": جئت وقت ركوبي، والأوّل حال والثاني مفعول فيه؟".
لا شكّ أنّ هذا النص يدلّ دلالة قاطعة على استشعار النّحاة التداخل الدلالي بين الوظائف النحويّة، وأنّ هذا التداخل، وحده، ليس كافياً، عندهم، للقول بتعدّد الاحتمالات الإعرابيّة في التركيب؛ لأنّهم لا يقتصرون عليه في الوصف والتقعيد، ولا ينطلقون منه في التأصيل والتنظير، إنّهم يستأنسون به ويلتفتون إليه، ولكنّهم يتمسّكون بضوابط أخرى أكثر تماسكاً وأقلّ تفلّتاً منه، وهي بذلك، تحقق لنظريّتهم ما ينشدونه لها من قوّة ومتانة.
ولكّننا إذا أردنا أنْ نجعل الأبعاد الدلاليّة التي تعبّر عنها الوظائف النحويّة منطلقنا الأوّل في الوصف والتقعيد فلا شكّ أنّ هذا الوصف سيختلف، وسيصبح للوظائف النحويّة صوراً أخرى لم ينصّ عليها النّحاة. وهذا أمر مرهون بإعادة وصف العربية وفق ترتيب للضوابط يختلف عمّا تعارف عليه النّحاة العرب.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

الوظائف اللغوية نموذج الحال

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» تخصيص منتدى للتصويبات اللغوية والتنبيهات التي توجه للأعضاء، بخصوص الأخطاء اللغوية
» الدلالة و الوظائف النحوية
» كتاب(الوظائف التداولية في اللغة العربية)د.أحمد المتوكل
» نموذج رسالة رسمية
» تحميل كتاب الوظائف التداولية فى اللغة العربية (د.احمد المتوكل)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللغة والنحو والبلاغة والأدب :: النحو والصرف-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


الوظائف اللغوية نموذج الحال 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
اللغة النحو محمد الخطاب ظاهرة البخاري اسماعيل كتاب مجلة النقد مدخل التداولية على ننجز مبادئ الخيام بلال موقاي الأشياء الحذف المعاصر النص قواعد العربي اللسانيات العربية


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | منتدى مجاني | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع