ان اول ما نتوقف عنده من الأوجه البيانية : الاستعارة ، باعتبارها الوجه البلاغي الأهم ،ولعلاقتها
الوطيدة بالصور الشعرية ،وأتوقف أولا عند حدِّها اللغوي :
قال "الأزهري " : وأما العارية ، والإعارة ، والاستعارة ، فان قول العرب فيها : هم يتعاورون العَواري ، ويتعوَّرونها بالواو، كأنهم تفرقة ما يتردد من ذات نفسه ، وبين ما يُردَّد . قال : والعارية منسوبة الى العارة . وهو اسم من الإعارة تقول : أعرته الشئ ، أُعيرُه إعارة و عارة ، ويُقال : استعرت منه عارية فأُعارينها ..... واستعار ثوبا ، فأعاره إياه ، ومنه قولهم : كير مستعار ، قال بشر بن أبي حزم :
كأن خفيف منخره إذا ما كتمان الرَّبو كيرٌ مستعار
قيل في قوله مستعار قولان ، (أحدهما : أنه أستُعير فأسرع العمل به مبادرة لارتجاع صاحبه إياه، والثاني أن تجعله من التعاور ، يقال : استعرنا الشيء واعتورناه وتعاونها بمعنى واحد ، وقيل : مستعار بمعنى متعاور : أي متداول .)" 1"
يتضح من التعريف اللغوي للاستعارة الى علاقة المعير بالمستعير ، وهذا لايقع إلا بين طرفين متعارفين . ويوضح ابن الأثير هذه العلاقة في قوله : " المشاركة بين اللفظين في نقل المعنى - في الاستعارة - من أحدهما إلى الآخر ، كالمعرفة بين الشخصين في نقل الشيء المستعار من أحدهما إلى الآخر "2"
أما مفهوم الاستعارة اصطلاحا لم يك واضح الحدود على مر العصور ، فقد تنوع من ناقد إلى آخر ، ومن عصر إلى عصر ، ولا يهمني إذا استعراض كل التعريفات البلاغية للاستعارة عبر العصور ، وتحديد بنيتها ، وآليتها للوصول إلى إبراز دورها في التصوير الفني ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى بيان حدود تمايزها عن الأوجه البيانية الباقية المؤلّفة للصورة الفنية .
ولمّا كانت تعريفات الاستعارة كثيرة ، متشعبة ومعقدة عند بعض البلاغيين ،فإنني أورد هذا التعريف لما ألمس فيه من دلالة شاملة لحدِّالاستعارة عند كل من تعرَّض لتعريفها تقريبا .
الاستعارة ضرب من المجاز اللغوي علاقته المشابهة ، أي استعمل في غير ما وضع له ، لعلاقة المشابهة ، ومع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي الذي وضع اللفظ له ، كقول المتنبي "
فلم أرى قبلي من مشى البحرُ نحوه ولارجلاًقامتْ تعانقه الاسْدُ
إن الاستعارة في لفظة ( البحر) المستعملة استعمالا مجازيا ، تحمل من مشابهة للممدوح في معانٍ كثيرة : القوة والاتساع والجود الدائم والكرم.......، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي هي نسبة المشي إلى البحر .
الاستعارة هي قمة الفن البياني ، وجوهر الصورة الرائعة ، والعنصر الأصيل في الإعجاز والوسيلة التي يحلق بها الشعراء وأولو الذوق الرفيع إلى سماوات من الإبداع ما بعدها أروع ولا أجمل ولاأحلى وخير شاهد على قولنا قول الشاعر أحمد شوقي :
رفعوا رفاتك في الرمال عاليا يستنهض الوادي صباحَ مساءَ
يا ويحهم ، نصبوا منارا من دم يوحي إلى جيل الغد البغضاء
ياأيها السيف المجرد بالفلا يكسو السيوف على مر الزمان مضاءَ
د / رجاء بنحيدا