إنّ العرب شبّوا على الشّمم وسكنوا أكنان الجبال فراراً من الملوك المستبدين ، ولم يدينوا بدين ولكنّهم رأوا انطباق الإسلام على قواعد الدّيمقراطية فدخلوا فيه أفواجاً ، إذ لم تخلُ آياته الكريمة من ذكر الجماعات والأحكام والأوامر الدّالة على ابتنائه على قواعد الدّيمقراطية الصّحيحة ، فقد قال تعالى لنبيه الكريم r : } فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ { ( [1] ) ، كما قال تعالى : } وأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ { ( [2] ) ولولا اتباعه r هذه الآيات وغيرها من الآيات الدّالة على إشراك الجماعة وعدم الانفراد بأمور الأمة ، ولولا اشتراك النّاس ، ولولا أسرار القرآن الّتي لا ينكرها إلا من عميت عينه عن الحقائق ، لانفضت الجماعة من حوله ، وتركه العقلاء الذين أجابوا دعوته ، إذ رأوا أنّ المسألة مسألة هداية وعبادة وإرشاد ، ودعوة إلى الله U، وأنّ النَّبيّ r لا يفرّق بين الغني والفقير ، ولا بين الشّريف والوضيع ، ولم يطمع في تاج ملك أو مال متمول ، بل كانت غايته القصوى إعلاء كلمة الله ، والدّعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة . لذلك نرى موقف قريش إزاء دعوة الإسلام هو الرّفض و الإنكار ، فلم يؤمن بها إلا نفر قليل من ذوي النّفوس الخيرة ، والعقول المستبصرة ، الذين رأوا فيها دعوة حقّ وخير ، أو من المستضعفين المقهورين ، الّذين وجدوا فيها ملاذاً من الظّلم والجور الحائق بهم . ومع أنّ قريشاً قد عهدت في محمّد كلّ الصّفات الخُلقية الحميدة من الصّدق ، والأمانة ، والاستقامة ، والمعاملة الحسنة ، والكلمة الطّيبة ، والحكمة الصّائبة ، إلا أنّها نظرت إلى دعوته من زاوية مادية ، لم ترَ خلالها إلا مصالحها الدّنيوية ، القائمة على ما اكتسبته من مكانة دينية واجتماعية في نفوس العرب ، وما تحقّق لها من أسباب السّيادة والشّرف بين قبائلهم ، لقيامها على خدمة الكعبة المشرفة ، و إشرافها على الطقوس الدّينية لمن يقصدها من حجيج ومعتمرين ، وما تكسبه من ثروة في تجارتها مع وفود القبائل في أسواق عكاظ ومجنة وذي المجاز ، ومن رحلاتها التّجارية صيفاً وشتاءً إلى
[1] - سورة آل عمران ، من الآية : 159 .
[2] - سورة الشورى ، من الآية : 38 ,
2010-07-13, 07:50
