بسم الله الرحمن الرحيم

يذرف الدموع ، ودموعه تبكي لبكائه ، وأحزانه تحترق ألما لأحزانه ، يعتصر قلبه الصغير من شدة الوقع ، رئته الصغيرة تكاد تنفجر من شدت الشهيق والزفير ، عيناه لا تكتحل بسنة نوم ، شفتاه البريئتين الجامدتين لا تتحركان ببسمة أو حتى كلمة .
يتأمل بحسرة وألم كل الوجوه الغادية والبادية والراجعة ، يتساءل كثيرا ولا يجيد جوابا مقنعا ، يريد تفسير الأمر وهو لا يفهم ولا يعي ما وقع بالضبط ، يريد أن يتكلم كثيرا ويحكي كثيرا ليشكي قليلا مما يمتلئ به قلبه وعقله
يبيت سهران الدجى في فراشه كالحلزون في الماء الدافئ الكل يسمع شكواه وأنينه ، ولكن الكل يئن ويحترق ، الكل على الجمر والنار ، الكل في قدر واحد منهم من اعتاد الأمر وتناسى الهموم ريثما تعيد الكرة ، ومنهم من لا يزال دفء النار وحرها قادما إليه بكل أنواع الهموم من بعيد ، لأنه صغير فقط لا يستطيع تفسير الأمر
يتساءل كثيرا لما ذا أنا هنا ؟ لماذا الأمر هكذا ؟ وكيف جئت إلى هنا ؟ ولما ذا هؤلاء كلهم هكذا ؟ وهل الناس كلهم هكذا ؟ وماذا يوجد وراء تلك الأسوار لعالية ؟ ومن أين يأت هذا الضجيج كله ؟
يرتمي على ظهره المثقل بكل هذه الأسئلة والهموم ، يحملق في الجدار نصب عينيه يتبع خطوات العناكب المعلقة على الجدران ، يتيه في عمق الحزن والخيال تنزل دموعه هونا على وسادته المنهكة بالهموم لتتبخر كما تبخرت الكثير من أحلامه وسروره وأفراحه
يجتمع عليه أصدقاؤه في فوضى وضوضاء يمتزج فيها البكاء والحزن والأنين والضحك والصخب والصياح . والجامع بينهم جميعا الحزن والفراق ، والرغبة والحنين إلى يوم التلاقي ، الذي قد لا يتحقق إلى يوم التلاقي يوم يقوم الناس لرب العالمين ؟
ينهرهم الحارس ويأمرهم بالصمت والهدوء ، وكيف لقلب صغير يحمل كل هذه الهموم أن يلتزم الهدوء ؟
يرجع إلى حالته من الانغلاق والصمت والتدبر يجتمع عليه أصدقاؤه مرة أخرى لتعود الفوضى إلى سابق حالها ، لأن الفوضى في العاطفة والشعور تنتج عنها فوضى في التصرفات والأفعال
ذات ليلة قرر جمع أصدقاءه أو إخوته وهو لا يدري فقال لهم : هل تتذكرون ذلك الطفل مثلنا الذي جاء مع ذلك الرجل وتلك المرأة ؟
قالوا جميعا نعم ،
قال لهم : كيف كان يناديهما ؟
قالوا جميعا : كان ينادي الرجل " بابا" والمرأة " ماما "
فقال لهم : بكل حسرة وألم : وهل لنا " بابانا ومامانا " مثله ؟ وأين هما ؟ وهل يسأتون عندنا يوما ما ؟
فأترقوا جميعهم رؤوسهم إلى الأرض واستغرقوا في التساؤل والبكاء


ملاحظة : هذه القصة مجرد صنع الخيال ، ولكن لو زار أحدنا دارا للأيتام من الأكيد أنه سيراها مكتوبة على نواصي هؤلاء الأيتام كما قرأها هنا ، وليسارع كلنا إلى زيارة الأيتام للتخفيف عنهم { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا }