كم هو جميل أن يتجول الأنسان في شوارع المدينة فيجدها نظيفة عطرة كما هو الحال في الدول الأوروبية .اذ تقوم الحكومة بتنظيف الشوارع ورشها بالماء العطر في صباح كل يوم فاذا ما تجول فيها المواطنون أحسوا بضرورة المحافظة على هذه النظافة و تحمل كل واحد مسؤولية ذلك .
وجميل جدا أيضا أن يجلس المواطن البسيط في حديقة واسعة أزهارها متفتحة و أشجارها مورقة تفوح منها رائحة زكية تذهب عنه الهم و الغم وجميل جدا أن يخرج المواطن كل صباح ليتسوق فيجد نفسه أمام سوق نظيفة قد صففت بها الخضر والفواكه بشكل جميل وجذاب يبعث في النفس الفرح و السرور لا الضيق والملل .فيظل يدور في أروقة السوق يتمتع بمناظر الأشياء والغبطة تشع من عينيه و حتى ان عجز عن شراءها على الأقل يفرح برؤيتها
وكم هو جميل أن يرجع الرجل الى بيته بعد يوم كامل من العناء و الشقاء ليجد نفسه داخل بيت غرفه مرتبة و نظيفة و رائحة العطر تفوح من زواياه وزوجته أمامه في أجمل ملابسها و زينتها تنتظره وقد رسمت ابتسامة عريضة على وجهها .ورائحة الطعام الشهي تفوح من المطبخ النظيف اللامع .أليس هو هذاأجمل شيئ يتمناه الانسان المسكين و المواطن البسيط ليحس بأن كرامته مصونة وعزة نفسه محفوظة على الأقل داخل
وطنه وبين أهله وذويه .
أمامراد المسكين فقد حرمته الحياة من كل هذه الأشياء .لم يكن يخطر بباله يوما أن الفتاة التي أحبها طول حياته و عمل المستحيل للحصول عليها وما زال يبذل كل ما في جهده ليؤمن لها حياة سعيدة هانئة ويوفر لهاهذه الحياة اللتي تحلم بها كل واحدة بيت تسكن فيه لوحدها وأثاث فاخر وملابس غالية أن تكون في هذه الدرجة من الوقاحة والبلاهة و التهاون والكسل . حتى أصبح يتفادى الرجوع للبيت و يفضل البقاء في الشارع أو الجلوس على المقاهي على أن يدخل الى ذلك البيت البارد الذي تفوح منه روائح نتنة فهو يغادر كل صباح الى عمله دون أن يتناول فطور الصباح لأنها مازالت نائمة و يعود في المساء ومازالت متمددة في فراشها تتابع المسلسلات التركية والمكسيكية .حتى ملابسه التي غيرها الأسبوع الماضي مازالت في مكانها ,فيحملها المسكين الى والدته ككل مرة وقد غلب عليه الحياء .وقد صبر على كل هذا لأنها حامل ويخاف على صحة الجنين ولكن بقي الحال على ماهو عليه بل زاد بعد ولادة الصغير .وكم من مرة جاءت أمها ونظفت وغسلت ومسحت وطبخت ثم تصرخ في وجهها وتعود لبيتها ومسؤولياتها ولكن ماان تمر الأيام حتى تتراكم الأوساخ حتى الأواني و الصحون اللتي تستعملها في الأكل تعيدها الى الخزانة دون تنظيفها ,أما وليد الصغيرفقد أصيب عدة مرات بحمى ونزلات برد وعسر في الهضم لتراكم الأوساخ و الميكروبات على زجاجات الحليب التي تستعملها يوميا ودون تنظيف .و كأني بها لا تملك أي حس للمسؤولية ومما يزيد الأمر تعقيدا قد تناوله الحليب باردا أو فاسدا دون مراعاة تواريخ الاستعمال .ملابس الصغير متسخة ورائحته نتنة .لقد أصبح البيت مكبا للنفايات و الروائح القبيحة و أصبحت الحياة مستحيلة بعد هذا التهاون والامبالاة وطال صبره وأقام معها الليلة الماضية خصاما كبيرا فذهبت لبيت والديها ولم يكن مرحبا بها هناك لأنهم يعرفون جيدا لأنه لاينقصها شيئ في بيتها و حملوها المسؤولية وحدها ,ثم جاء الى بيتها أهل زوجها وقاموا بتنظيفه طول النهاروكان كل شيئ رهيبا لا يصدقه العقل و لا المنطق .ومضت الأيام وأعادها لبيته لا من أجلها ولكن اشتاق لوليد الصغير ,و بقي الحال على ماهو عليه حتى فاض الكيل و لا أحد يعلم ماذا التقط ذلك الصغير من على الطاولة أو من الأرض فأصيب بتسمم حاد و ماان نقلوه على جناح السرعة الى المستشفى حتى فارقت روحه الجسد الصغير فطردها لبيت والديها وكره ذلك اليوم اللذى أحبها فيه وقضى حياته حزينا على فراق فلذة كبده ومهجة عينه وليد .أما هي فمازالت تقضي مابقي من حياتها نائمة غائبة عن الدنيا ...ان النظافة من الايمان والوسخ من الشيطان ...