عاش عمي محمود طول حياته يحلم بولد يحمل اسمه ويرث رزقه الذى ظل طول حياته يجمعه بعمله وكده وشقائه حتى صارت ثروة كبيرة من أراضي فلاحية واسعة وبساتين فيها خير كثير وغنم وبقر وخيول .و نقود كثيرة، و لكن كل هذا وكان بيته خاليا من صرخة طفل و باردا من لمسة حنان وبريق ابتسامة . كان ينظر الى الناس وهم يحملون أولادهم ويقبلونهم ويلعبون معهم ونار الألم ولوعة الشوق تتأجج في قلبه ,كيف وهو يرى نفسه وزوجته يتقدم بهما السن وهما يحلمان بملاك صغير يملأ حياتهما فرحا و سرورا .
ولكن لا يأس من رحمة الله و يبقى الأمل موجودا ماوجدت رحمة الله تعالى ومهما ضاقت بنا الدنيا واسودت في أعيننا إلا وتليها رحمة الله فتعيد للإنسان ثقته بنفسه و بخالقه . وفعلا وبعد مشوار طويل من العلاج أشرقت عليهما تباشير السعادة والفرح وبشرتهما الطبيبة ببشرى الخير والأمل ففرحا وحمدا الله على هذه الهبة واعتبراها هدية من المولى عز وجل وكان الطفل يكبر في أحشاء أمه و الآمال والأحلام تكبر معه ،فكان في بعض الأحيان قاضيا يحكم بالعدل بين الناس .
وفي أحيان أخرى طبيبا يداوى المرضى أوعالماينفع الناس بعلمه أو إماما يصلي بالناس في المساجد .إلى أن جاء يوم مولده ففرح به كثيرا واحتفل بقدومه أيما إحتفال فأطعم المساكين وكسى الفقراء ليشكر الله على النعمة اللتي خصهما بها . وتمر على مولد الطفل الأيام و الشهوروهو يكبر بين والديه مدللا لا ينقصه شيئ ،وكل رغباته مستجابة حتى صار شابا مستهترا و لم يتعلم شيئ في حياته سوى تبذير المال الذي جمعه والده طول حياته . وقد جمع حوله عددا من السفهاء الطماعين الذين يلتفون حول صاحب المال وإذا نفذ بحثوا لهم عن صديق آخر يمتصونه كما يمتص العلق الدم من الكائن الحي .
سئم والده المسكين من نصحه بأن يحافظ على ماله لأنه إن ضيعه لن ينظر إليه أحد، أما هو بغباءه وغفلته كان دائما يرد على والده بأن أصحابه يخلصون له ويحبونه وسوف يستجيبون لندائه إن هو إستغاث بهم .وما كان على عمي محمود سوى البحث والتفكير عن حيلة تخلص إبنه من هؤلاء المتطفلين وتجعله ينتبه لما يدور حوله .و في إحدى المرات بعد أيام وليالي من التفكير وانتظار طويل لإنصلاح حالة إبنه، فاهتدى إلى فكرة جهنمية وهي كالتالي ...
ظل ينتظر هذا الإبن الظال إلى الساعات الأولى من الصباح وفجأة سمع نحنحته خارج الدار ففتح الباب بالمفتاح ودخل يتسلل الى غرفته دون أن يشعر به أحد ,ولكن فوجئ بصراخ والده الذي كان ينتظره طول الليل والشرر يتطاير من عينيه .
الأب : كل يوم تدخلفي هذا الوقت المتأخرألا يهديك الله وترجع مثل الناس لتنتبه لمالك ورزقك , كم من مرة إحتجت إليك ولم أجدك أيساعدني الغريب بينما إبني صاحب المال لا يعرف عن رزقه شيئ . وفي هذه الليلة بالذات لولا رحمة الله لقتلنا اللصوص أنا و أمك المسكينة
الإبن :اللصوص ياأبي أين هم ؟
الأب :إنهم في غرفة الجلوس ينتظرونك
الإبن :. كفى مزاحا ياأبي أنت تعرف جيدا بأن هذا هو الوقت الذى أعود فيه للبيت كنت مع أصدقائي
الأب :وماذا أفعل أنا بأصدقائك ,أنا أحتاج إليك أنت لكي تكون بجانبي فلولا رحمة الله بنا لوجدتني جثة هامدة أنا و أمك
الإبن :ماذا حدث يا أبي ؟
الأب: دخل لصان وحاولا سرقة الماشية ،فسمعت نباح الكلب وأخذت بندقيتي وصوبتها ،فقتلت واحدا بينما هرب الثاني ، والآن إذهب و أحضر أحد أصدقائك ليساعدوني على دفنه ، هيا
الابن: ولكن أين القتيل ؟
الأب: هو في غرفة المعيشة، مغطى.
خرج الابن وذهب لأصدقائه واحدا واحدا وكان كل مرة يحكي لهم ماجرى ، بين والده واللصوص ، وأنهم بحاجة للمساعدة للتخلص من الجثة . ولكن لم يجد أحدا من أصدقائه على استعداد للمساعدة ، فكل مرة كان يجد أحدهم أعذارا واهية أو أكاذيب . المهم دار حتى تعب وعاد بِخُفّي حُنين.
الأب: أين أصحابك المخلصون يا ولدي ، أصحابك الذين إذا ناديتهم أغاثوك ؟
الإبن ورأسه مطأطئ : كلهم منشغلون .
الأب : فيما ينشغلون ؟ فهم جماعة من البطالين الكسالى. هيا اذهب ونادي صديقي "سي محمد" وقل له أبي يحتاجك فورا .
انصرف الفتى بأقصى سرعة ممكنة إلى عمه السي محمد، ظنا منه أن القتيل يحتاج إلى الدفن حالا قبل شروق شمس الغد وافتضاح أمر والده .
وما ان وصل إلى بيت السي محمد وأبره بما حدث لوالده حتى قام من مكانه منتفضا ، وحمل الفأس على كتفه وأسرع في خطاه متقدما على ابن جاره و صديق عمره.
ولما وصلا وسلم عليه أمرهما بالدخول و الجلوس و الإستراحة ، فاستغرب سي محمد تباطأ عمي محمود بعد أن كان قد أرسل في طلبه على وجه السرعة فسأل : لماذا التهاون يا محمود في إخفاء الجثة ، سوف نستريح بعد التخلص منها، فأجاب عمي محمود : غدا في الصباح سوف نقوم بدفنه عند شروق الشمس .
عندما نهض عمي محمد عند شروق الشمس للقيام بواجبه والرجوع لبيته ، وهنا أخبره صاحبه بما يلي :
يا صديقي أنا لم أقتل أحدا ، وإنما هي حيلة صنعتها لإبني كي يكف عن مخالطة هؤلاء الأشرار ، ويعرف أن الصديق الذي لا ينفعك في أوقات الضيق ، لا حاجة لك به ، وإنما أنا ذبحت كبشا كبيرا ووضعته في غرفة المعيشة وغطيته بغطاء وأخبرت إبني بأنني قتلت أحد اللصوص .
وبعد ذلك تشارك الخروف مع صديقه ، وشكره على حبه و إخلاصه لصداقتهما التي تمتد منذ سنين، وعلم إبنه أن نوعية الأصحاب خير من الكمية .
ما أكثر الأصحاب حين تعدهم ولكنهم عند الشدائد قليل