يختلف النحاة في أصل الاشتقاق أهو الفعل أم المصدر؟ فالكوفيون يرون الفعل أصلا، والبصريون يرون أن المصدر هو الأصل، بيد أنّ المتأمّل في الأمر بدقّة ليلحظ أنّ أصل المشتق هو العَجمة، أي الجذر المعجمي، وليس الفعل أو المصدر؛ إذ العلاقة بين الجذر، وما اشتق منه (من فعل، ومصدر، واسم فاعل، واسم مفعول، وصفة مشبهة، وصيغة المبالغة، واسم الآلة) شبيه بالعلاقة بين العجين وأنواع الكعك أو الحلويات المصنوعة منه، فمثلما كان العجين هو المادة الخام لتلك الحلويات، فكذلك الجذر هو أصل كل المشتقات.

وهذا مقتطف مما ذكرته في الموضوع في كتابي "الميسّر في فقه اللغة المطور"

"يعدّ الاشتقاق من أهم السمات المميزة للعربيّة، وقد اختلف لغويو العربية في الأصل الذي يشتق منه اللفظ: فالبصريون ذهبوا إلى أن المصدر هو الأصل، في حين ذهب الكوفيون إلى أن الفعل الماضي هو الأصل، ومما اعتمد عليه البصريون في تأييد رأيهم أن المصدر يدل على الحدث فقط، أما الفعل فيدل على الحدث والزمن، وما دلّ على الأقل فهو أولى بأن يكون أصلاً. أما الكوفيّون فنظروا إلى اللفظ؛ ولذا اختاروا الفعل لأن يكون أصلا؛ لأنه أكثر تجردا من المصدر ومن غيره من المشتقات. وفي واقع الأمر فإن الجمع بين المعيارين اللذين استخدمهما البصريون والكوفيون يؤول إلى القول بأن الأصل في الاشتقاق هو الجذر المعجمي، لأنه يدل على أبسط المعاني، وهو المعنى المعجمي، دون أن يدل على معنى صرفي، أما المصدر فيدل على المعنى المعجمي للجذر علاوة على الحدث، ويدل الفعل على المعنى المعجمي والحدث، والزمن. فإذا طبقنا معيار التجرد فسنجد أن الجذر هو الأكثر تجردا؛ وهو ما جعل المعجميّين يختارونه مدخلا عند تصنيفه للكلمات داخل المعجم. ولذلك فالأفضل عدّ الجذر أصلاً لكل المشتقات، لأنه يمثل المادة الخام التي تتكون منها الأصول التي هي بمنزلة المادة أو الجوهر الذي تؤلف منه جميع المشتقات مهما اختلفت صيغها، مثلما يكون العجين أصلا لأشكال الحلويات المختلفة. ومما يدل على أن الأصل هو الجذر أن الجذر موجود في كل المشتقات سواء أتصرّفت تصرّفا تامّا كما يتصرّف الفعل "كتب"، أم تصرّفا ناقصا كما يتصرف الفعل "دع"، و"يدع" دون أن يكون له ماض أو مصدر أو أي مشتق من المشتقات الأخرى. فكلا الفعلين الأمر، وهو "دع"، والمضارع وهو "يدع" مشتق من الجذر "و د ع"، غير أن الواو حذفت لأسباب صوتية صرفيّة. وومما يرجح أن الاشتقاق مصدره الجذر المعجمي، وليس المصدر أو الفعل أن كثيرا من المشتقات لم تستمد لا من الفعل، ولا من المصدر، بل استمدت من الحيوانات كاستنوق، ومن الجوامد كأبحر، ومن أعضاء الجسم كتأبّط، ومن الأعداد كثلّث، ومن أسماء الأماكن كأهضب، ومن أسماء الأزمنة كأصبح، ومن غير ذلك."