الترجمة هي أحد الجسور الثقافية والحضارية والإنسانية الكبرى. فبفضلها يستطيع بنو البشر باختلاف ألسنتهم التواصل والتفاهم فيما بينهم. وقد شهدت الترجمة تطورا مستمرا عبر الزمن، من ترجمة شفهية أساسها لسان الترجمان في ميادين التجارة وغيرها، انتقالا إلى الورق والحبر والأقلام. وهي أداة لا محيد عنها لتحقيق التقدم والتطور، فعندما تسعى أمة ما لبناء حضارتها، فإن أول ما تبحث عنه هو حصيلة ما فاتها من حضارات الأمم الأخرى. ويتأتى ذلك بكسر الحاجز اللغوي عن طريق الترجمة بين اللغات، والتاريخ مليء بالأمثلة الدالة على دور الترجمة في نهضات الأمم وبناء الحضارات.
وقد أعلن دخول الحاسوب في القرن العشرين بداية عهد جديد، حيث اكتسح مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... وهكذا لم يعد البحث في المراجع، وتقليب صفحات القواميس والموسوعات الورقية، بالحل الأمثل أمام نظيرتها الإلكترونية، التي يمكن الإبحار فيها للحصول على نتائج وافرة ومتنوعة في غضون ثوان. كما أدى التدفق الهائل للمعلومات، في عصرنا الحالي، إلى ضرورة اللجوء إلى وسائل التقنية الحديثة من أجل الإسراع بعملية نقلها وتناقلها بين الشعوب المختلفة.
وبدأت الترجمة تشهد ميلاد نظم ترجمة آلية في محاولة لإقصاء عمل المترجم؛ لاستعادة السيطرة على الكم الهائل من المعلومات المتوفرة في اللغات المختلفة، وإزاحة العقبات التي تحول دون التبادل المعلوماتي الواسع السريع. فظهرت الترجمة الآلية كميدان رحب للبحث العلمي الجاد والإعداد التطبيقي والأنظمة الوظيفية، يقوم على أساس عملية الترجمة من لغة طبيعية (Natural Language) إلى لغة طبيعية أخرى باستخدام الحاسوب والأنظمة الحاسوبية.
ولكي ينجز الحاسوب هذه الترجمة بكفاية وإتقان، لابد أن يفهم طبيعة اللغة البشرية، ومعاني كلماتها، وأسلوب تركيب جملها وعباراتها، وكل ما له صلة بصرفها وتفصيلاتها المختلفة، ومن ثم ضبط قواعدها الصرفية والتركيبية والدلالية والتداولية. لكن سرعان ما تبين فشل هذا المسعى، وركن الحاسوب إلى تقديم العون للمترجم. وأصبحت بذلك الترجمة الآلية إحدى الدعامات المساعدة للمترجم، إلى جانب حزم أخرى من البرمجيات التي تشكل في مجملها ما يعرف بمحطة عمل المترجم.
مع ازدياد الحاجة إلى الترجمة في مختلف بقاع العالم، وتبين فشل الآلة في احتواء عملية الترجمة بمفردها، أي مكننتها بشكل تام دون أي تدخل بشري، لم تتوار الآلة عن تقديم خدماتها للانسان من خلال مساعدته في مهامه الترجمية، إذ أصبحت الترجمة ممارسة يحكمها عاملا الوقت والفعالية أكثر من أي وقت مضى، في عصر يشهد طفرة تكنولوجية وتقنية. ولم يعد المترجم يقتصر على البحث في المعاجم الورقية التقليدية لما لذلك من أثر يتمثل في تبديد المجهود وهدر الوقت.
ونقصد بمحطة عمل المترجم مختلف الأدوات الحاسوبية أو حزمة البرمجيات التي تدعمه في عملية الترجمة. وتشكل هذه الأدوات أيضا ما يعرف بالترجمة المدعومة بالحاسوب CAT مع وجود فرق دقيق بين الترجمة المدعومة بالانسان HAMT والترجمة البشرية المدعومة بالحاسوب MAHT .
برمجيات محطة عمل المترجم
من بين أهم الأدوات الحاسوبية أو البرمجيات التي تشكل محطة عمل المترجم نجد:
أ- معالجات النصوص: وأشهرها Microsoft Word الذي يتضمن منقحات إملائية ونحوية تساعد المترجم على تصحيح الأخطاء المرتكبة ضمن عدد من التصويبات التي يقترحها.
ب- برمجيات معالجات الصور والخرائط ومختلف الأشكال: ومن بينها Quark Express وAdobe Photoshop إذ لا ينحصر عمل المترجم فقط في ترجمة الكلمات والجمل؛ بل يكون أحيانا في حاجة إلى استخدام مثل هذه البرمجيات لتعديل عناوين أو محتوى بعض الوثائق والأشكال والخرائط.
ت- ذاكرات الترجمة: تساعد المترجم على تخزين الترجمات السابقة، من خلال ترجمتها مباشرة ضمن شريط أدوات يدرج بشكل آلي في معالجات النصوص عند تثبيت أحد هذه البرامج كما هو الشأن لبرنامج SDL TRADOS، إضافة إلى إمكانية تبادل الذاكرات أو الولوج إليها من خلال الشبكة العنكبوتية أو المحلية الخاصة بمؤسسة معينة. كما توفر برمجيات ذاكرة الترجمة إمكانية إعداد بنوك المصطلحات مثل MultiTerm.
ث- الموارد المعجمية الإلكترونية: ونقصد بها القواميس والمعاجم الأحادية أو الثنائية أو متعددة اللغات العامة والمتخصصة، إضافة إلى الموسوعات والمكانز الإلكترونية التي يمكن تثبيتها على الحاسوب بشكل مستقل أو الولوج إليها عبر شبكة الإنترنيت، فهي تقدم تعريفات وشروح وترجمات آنية تخفف عناء البحث في المراجع الورقية. وتشمل هذه الموارد أيضا بنوك المصطلحات عن بعد كخدمة Le Grand Dictionnaire Terminologique التي توفر بنكا هائلا من المصطلحات في شتى الاختصاصات من وإلى الإنجليزية والفرنسية واللاتينية.
ج- المواقع الإلكترونية والمنتديات: أصبحت الكثير من المواقع التي تعنى بالترجمة تقدم مجموعة من الخدمات للمترجم بما فيها المنتديات، حيث يمكن البحث في العديد من بنوك المصطلحات والتفاعل مع أعضاء المنتدى من خلال الاستفسار عن المصطلحات أو التعابير المستعصية. ويعمد المشتركون إلى التعاون وتقديم المساعدة وتبادل الآراء والخبرات، ويعد موقع www.proz.com من أهم هذه المواقع والمنتديات.