الإحالة الزمنية للأفعال في العربية
د. المتولي محمود المتولي عوض حجاز
معهد اللغة العربية للناطقين بغيرها
جامعة أم القرى
المقدمة:-
* الزمن مفهوم لغوي يرتبط أساسًا بالمتكلم، فهو ظاهرة تتمركز حول الذات البشرية وما يعتريها من تغير وتعقيد وتداخل، والزمن من أكثر الظواهر اللغوية تعقيدًا؛ لأنَّ الإنسان لا يحكمه في هذه الحياة زمن واحد دائمًا، ولكنه يدور في فلك أنواع من الأزمنة المتداخلة في محيطه اللغوي وغير اللغوي، نحو: الزمن الفلكي الوجودي، والزمن اللغوي بأنواعه، والزمن الذاتي (النفسي)، والزمن الواقعي، والزمن السردي، والزمن البيولوجي، والزمن الفلسفي... إلخ، فالكلام الملفوظ لا يصبح نصًا إلا بترابط عناصره بعدة روابط أبرزها الزمن، ولا يُفهم القول أو التركيب إلا بفهم إحالته الزمنية، فالإحالة الزمنية مفهوم لغوي لا يتم إلا في تركيب وفي إطار نسق معين من الربط بين الألفاظ والجمل والفقرات... إلخ. ولا يكتسب الزمن محتواه وقيمته إلا في إطار علاقات تركيبة. وليس الزمن من نافلة الروابط التي يمكن لمنشئ النص الاستغناء عنه أو استبدال غيره من الروابط به، ولكنَّ الزمن من الروابط الإجبارية التي لا يمكن لمبدع النص إهمالها، ولكنَّ الاختيار للمبدع يكون في استخدام أنواع معينة من الأزمنة تتناسب مع المعطيات اللغوية، وقد أثبت الأزهر الزناد أنَّ هناك اتساقًا وتناظرًا بين قواعد الربط الزمني والربط التركيبي(2).
* لقد كان لسطوة الاقتران بين الصيغة والزمن في تراثنا العربي أثر كبير في قصْر وظيفة الزمن الصرفي أو القاعدي على التمييز بين ما قبل الأحداث وما بعدها في منظومة تختلف تمامًا عمَّا يُراد بالإحالة الزمنية في إطار فك الارتباط بين الصيغة والزمن، واعتماد السياق أصلاً وليس فرعًا، ولهذا فليست الغاية في درسنا للإحالة الزمنية رصد الأزمنة المقررة سلفًا للأفعال في العربية ثم تأويل ما يخالف ذلك في إطار التوسع والمجاز وحكاية الحال... إلخ، وإنما الغاية من دراسة الإحالة الزمنية رصد الزمن بوصفه أبرز وسائل التماسك النصي، وذلك للكشف عن طريقة الانتقال الزمني من زمن لآخر، فربما لم يكن الزمن نفسه هدفًا رئيسًا عند المتكلم، ولكنه وسيلة للترابط النصي كما في الأفعال الإيقاعية الإنجازية، وصيغ الأمر والنهي، والصيغ الفعلية الدالة على الحقائق والأحكام والمواعظ والأمثال... إلخ.
* يجب علينا ألاَّ نُلزم أنفسنا بما ألزم النحاة أنفسهم به من الربط المطلق بين الزمن الفلكي والزمن الصرفي القائم على الصيغة، بل آن الوقت كي نتحرر من هذا القيد وما تبعه من تأويلات متعددة إلى فضاء الزمن السياقي بشِقيه، وبهذا لا ينتظر مِني القارئ الكريم أن أدور في فلك حصر الصيغ والدلالات الزمنية في العربية، كما هو ملاحظ في معظم الدراسات الحديثة للزمن في العربية(3)، ولكني أهدف في هذا البحث إلى فصل القيم والدلالات الزمنية عن الصيغ، والاهتمام بالزمن السياقي وجعله أصلاً لا فرعًا، وكذا فإنني أهدف إلى بيان أنَّ الأفعال مدار بحثنا لا يشترط أن تكون ذات دلالات زمنية، بل قد تنعدم فيها الدلالات الزمنية، وتصبح دلالاتها الزمنية حينئذٍ صفرية آنية لا إحالة فيها، وأنها سِيقت من أجل الربط والتماسك النصي لا غير، وفي هذا الإطار قد انطلقت من أمهات الكتب التراثية راصدًا مفهوم الإحالة وأثرها، وأبرز الاتجاهات النحوية في حد الفعل باختصار، ثم الكشف عن مناهج تقسيم الفعل في العربية ورصد لتنوع الأنظار والأفهام في تحليل حد الفعل عند سيبويه، وختمت هذا البحث بطرح تقسيم دلالي إحالي (مُقْترَح) لأزمنة الأفعال في العربية، فهذا البحث يشتمل بعد المقدمة على أربعة مطالب، وبعدها خاتمة، ثم فهرس للمصادر والمراجع.
أولاً: المقدمة: فيها ذكر لأهمية الموضوع، وحدوده.
ثانيًا: المطلب الأول: الإحالة الزمنية (مفهومها وأثرها).
ثالثًا: المطلب الثاني: اتجاهات النحاة في حَدِّ الفعل.
رابعًا: المطلب الثالث: مناهج النحاة في تقسيم الفعل.
خامسًا: المطلب الرابع: تقسيم دلالي إحالي (مُقْترَح) لأزمنة الأفعال في العربية.
سادسًا: الخاتمة: فيها ذكر لأهم نتائج البحث.
سابعًا: فهرس المصادر والمراجع.