التمهيد
أولا : التعريف بـ(صاحِب حَماة )
لدى بحثي واطلاعي على ما توافر لديّ من مصادر ، لم أجد مصدرا جامعا لحياته ، ومؤلفاته ، ولذا كان لزاما عليّ ان اتوسع فيه بعض التوسع واجمع من المصادر المتناثرة ما تناولوه واجعله في خزانة بحثي .
أ – اسمه : (( الملك المؤيد عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن علي بن السلطان الملك المظفر تقي الدين أبو الفتح محمود بن السلطان الملك المنصور ناصر الدين أبو المعالي محمد بن السلطان الملك المظفر تقي الدين أبو الخطاب عمر بن شاهنشاه بن ايوب بن شادي .))(1)
ب- ولادته : تكاد تجمع المصادر التي ترجمت له على أن ولادته كانت في سنة (672 هـ ) ، وكانت ولادته في دمشق لأن اهله غادروا من حماة إلى دمشق خوفا من التتار .(2)
جـ - نسبه :ينتمي أبو الفداء إلى الأسرة الأيوبية التي حكمت الشام ، ومصر ، وتاريخها اشهر من أن يعرّف .(3)
وشارك أبوه الملك الأفضل علي بن الملك المظفر أخاه (صاحِب حَماة ) الملك المنصور في معاركه ، وفتوحاته ضد الصليبيين حتى توفي.(4)
د- كنيته : (( أبو الفداء.))(1)
هـ- لقبه : ((صاحِب حَماة .))(2)
و- حياته العلمية : يعد (صاحِب حَماة) موسوعة علمية ثقافية متنوعة ، فقد نهل من علوم كثيرة ، وتفنن بها ، وكان كما وصفته الكتب التي ترجمت له رجلا عالما جامعا لاشتات العلوم ،ماهرا في الفقه والتفسير ، والنحو ، والفلسفة ، والمنطق، والطب، والعروض ، والتاريخ ، وغير ذلك من العلوم ، وكان شاعرا ماهرا ، كريما ،معتنيا بعلوم الأوائل اعتناءً كبيرا .(3)
وكان ياتي اليه العلماء والأدباء ، شأنه في ذلك شأن أولاد الملوك والأمراء ، فاخذ عنهم ، ونهل من معينهم ، وتفتق ذهنه عن عبقرية مبدعة ، فاصبح اعجوبة من عجائب الدنيا.(4)
ويروى أن (صاحِب حَماة ) حفظ القران العزيز ، وعدة كتب ، وقد حفظ القران على يد كبار المقرئين ، حتى برع في قراءاته ، وتجويده ، وتفسيره ، ومعرفة علوم العربية من نحو ،وصرف ، وبلاغة ، وغيرها ، ونلحظ ذلك في اثناء تصفحنا لكتاب (الكناش في فني النحو والصرف)اذ ضمنه كثيراً من الشواهد القرانية ، ولو لم يكن متمكنا من ذلك لما استطاع أن يتمثل بهذه الشواهد .(5)
وكان (صاحِب حَماة)معجبا بشيخ له وهوجمال الدين محمد بن سالم بن واصل الشافعي(ت697هـ)الذي كان مبرّزا في علوم كثيرة،وصاحب كتاب(مفرج الكروب في اخبار بني ايوب) وبين أن (صاحِب حَماة) كان يتردد عليه وعمره خمسة وعشرون عاما ، وقرأ عليه شرحه لعروض ابن الحاجب .(6)
ز- مصنفاته : ألفَّ (صاحِب حَماة) في عدد من الفنون كتبا ذاع صيتها لاهميتها ، وانتشر امرها لشهرة مؤلفها . قالَ ابن قاضي شهبة : اشتغل في العلوم ، وتفنن بها ، وصنف التناصيف المشهورة منها التاريخ في ثلاثة مجلدات ، والعروض ، والكلام
على البلدان في مجلد ، وله نظم الحاوي الصغير وعدة كتب .(1)
ومن اهم مؤلفاته :
1- في التاريخ : المختصر في اخبار البشر ، والتبر المسبوك في تواريخ اكابر الملوك ، وتاريخ الدولة الخوارزمية ، ومختصر اللطائف السنية في التواريخ الأسلامية .(2)
2- في الجغرافية : تقويم البلدان ، واوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك .
3- في الفقه : الحاوي في فقه الشافعي .(3)
4- في الطب : ورد في كتاب (نوادر المخطوطات العربية ) للدكتور (طه ششن) ان لـ(صاحِب حَماة) قطعة من كتاب في الطب في مكتبة مدينة (مغنيسيا) تحت رقم (1836/2) كتب في اخرها : قرأت جميع هذا الكتاب قراءة على مؤلفه مولانا السلطان الملك المؤيد عماد الدنيا والدين ابي الفداء اسماعيل (صاحِب حَماة) المحروسة .(4)
ولعل هذا الكتاب الذي لم يردنا اسمه هو الكتاب الثالث من الكناش الذي اشار اليه (صاحِب حَماة) في خطبة هذا المُؤلّف وذكر أن الكتاب الثالث سيكون معقودا في الطب .(5)
5- في العروض : شرح قصيدة ابن الحاجب (المقصد الجليل في علم الخليل ).(6)
6- في النحو والصرف : له عدة مؤلفات منها : شرح منظومة الكافية لابن الحاجب،وكشف الوافية في شرح الكافية،والكناش في فنّي النحو والصرف ، الذي هو بحث دراستنا . . ولعل هذه الكتب التي أشار إليها (صاحِب حَماة) في كتاب (الكناش ) وبين أنه مشتمل على كتب عديدة ، الأول :في النحو والتصريف ، والثاني: في الفقه ، والثالث : في الطب ، والرابع: في التاريخ ، والخامس:في الأخلاق والسياسة ، والزهد ، والسادس:في الأشعار ، والسابع:في فنون مختلفة ، ولم يذكر لنا الكتب التي اعتمدها في عمله كما صنع في مقدمة المختصر ،اذ ذكر في مقدمته الكتب التي نقل عنها ، ولعله كان عازما على كتابة خطبة طويلة يبين فيها ذلك بعد انتهائه من تأليفه كل الكتب ، ولكن المنية حالت دون ذلك. (1)
وما كثرة هذه الكتب الأ دلالة واضحة على ان (صاحِب حَماة) كان عالما باكثر الفنون ، ومتقنا لها.
وروى لنا ابن حجر العسقلاني : ان (صاحِب حَماة) كان يقتني كتبا نفيسة ، ولم يزل على ذلك إلى أن مات .(2)
ح- وفاته : تجمع جميع المصادر التي تناولت (صاحِب حَماة) أن وفاته كانت في شهر محرم سنة (732هـ) عن ستين سنة الأ ثلاثة اشهر واياما ، ودفن ضحوة عند والديه بظاهر حماة .(3)
وقد بين لنا الأستاذ قدري الكيلاني : ( أنه دفن في مسجده الذي بناه سنة (727هـ) كما وجد مكتوبا على محيط ضريحه ، وسمي هذا المسجد بجامع (أبي الفداء )، وكان يسمى أيضاً بجامع (الدهشة) لجمال بنائه ، وروعة موقعه اللذين كانا يدهشان الناظر اليه.)(4)
ومن الغريب في موته : أن زوجته كانت قد مرضت وأشرفت على الموت فجزع عليها ، وصنع لها تابوتا ليضعها فيه اذا توفيت ، ويحملها إلى حماة ، فلما توفي هو وضعته والدته في ذلك التابوت ، وحملته إلى حماة من ليلته ، ثم إن الزوجة المذكورة توفيت عشية ذلك اليوم ، وتوجها ابناه بعد ذلك بصحبة جدتهم إلى مصر ، فاكرموا نزلها ، إكراما لابنها الملك الأفضل ، فأعطوا لابنه الكبير امرة سبعين فارسا ، فمات في مصر قبل خروجهم منها ، فسبحان من يقرب الأجال ويقطع الأمال .(1)
قال شاعره وشاعر ابيه محمد بن نباته يرثيه(2) :
تغرب عن مغني حماة مليكها فأودى بها من بعد ذلك مماته
ومات حتى مات بعض نسابه بهم وكادت أن تموت حماة
ثانيا : التعريف بعنوان كتاب ( الكناش )
كتاب الكناش في فني النحو والصرف للملك المؤيد عماد الدين ابي الفداء اسماعيل بن الأفضل علي الأيوبي الشهير بـ(صاحِب حَماة) درسه وحققه الدكتور رياض بن حسن الخوام .(3)
وقد عرف الفيروز ابادي (ت 817 هـ) و الزبيدي (ت1205 هـ ) الكناش بالقول ((والكناشات بالضم ، والشد ، الأصول التي تتشعب منها الفروع ، ومنه (الكناشة) الأوراق تجعل كالدفتر يقيد فيها الفوائد ، والشوارد للضبط . ))(4)
وأظن ان (صاحِب حَماة) أطلق على هذا الكتاب (الكناش ) لأنه جعله جامعا للقواعد النحوية ومبينا ما كان منها مفيدا وما كان شاذا لا يعتد به .
ونص العنيسي ان : ( كناشة ، وكناش في قانون ابن سينا مشتق من (كنش) الأرامي أي : جمع ، والمراد به : دفتر يدرج فيه ما يراد استذكاره.)(1)
وقد شرح (صاحِب حَماة) في (الكناش) اجزاء من مفصل الزمخشري ، واجزاء من كافية ابن الحاجب وشافيته ، فاتى من ذلك على الموضوعات النحوية والصرفية ، والأملائية جميعها ، وسار في تقسيم (الكناش) وراء تقسيم الزمخشري لمفصله اذ قسم (الكناش) على اربعة اقسام :
1-الأسم.
2- الفعل.
3- الحرف.
4- المشترك.(2)
وانهى (الكناش)بعقد فصل خاص عن الخط والأملاء ، التزم فيه بالشافية لابن الحاجب ، والتزم في القسم الرابع (المشترك) بالمفصل للزمخشري(3).
ونظم المادة العلمية المختارة تنظيما رائعا على وفق منهج دقيق ، وخطة محكمة ، وتبويب رائع ، فنراه يضع الدوائر والجداول الهندسية للمسائل النحوية تارة ،(4)
ونراه يعنون موضوعاته ويربط بين فصوله ، واقسامه فيكثر من الأحالأت على مواضع في (الكناش) حتى لا يقع في التكرار تارة اخرى.(5)
واشار الدكتور حسن الساعاتي إلى غاية ابي الفداء في تاليفه (الكناش) وهي : ((انه انما يكتب مختصرات تكون بمثابة مذكرات يكون فيها الغناء عن مطالعة الكتب الكبيرة في كل موضوع من الموضوعات التي عالجها . ))(6)
واستدل على ذلك بما ورد في مقدمتي الكتابين (المختصر ، وتقويم البلدان )اذ قالَ في مقدمة كتاب المختصر : ( سنح لي ان أورد في كتابي هذا شيئا من التواريخ القديمة ، والأسلامية يكون تذكيرا لي يغنيني عن مراجعة الكتب المطولة فاخترته واختصرته من الكامل .)(1)
فـ(صاحِب حَماة) نراه دائما يميل إلى اختيار ما هو مفيد من الكتب المطولة بعد الأطلاع عليها وترتيبها في فصول خاصة ، وذكر ذلك أيضاً في مقدمة كتاب (تقويم البلدان) ما نصه : (( لما وقفنا على ذلك ، وتاملناه جمعنا في هذا المختصر ما تفرق في الكتب المذكورة من غير ان ندعي الأحاطة .))(2)
وخير دليل على ذلك كتاب (الكناش) الذي تصفحنا البحث فيه فوجدناه كتاب معارف متنوعة ، يشبه الموسوعات العلمية في عصرنا ، يكتبه المرء لنفسه، فيختار له المادة العلمية من كتب كثيرة ، ثم يصنفها ، ويرتبها ترتيبا جيدا ، يسهل معه للطالب ان يرجع اليه من ناحية ، وسرعة تذكرها من ناحية اخرى.
ثالثا : مذهبه النحوي :
يميل (صاحِب حَماة) إلى المذهب البصري على ضوء ما رايناه لدى البحث في كتاب (الكناش) فايد البصريين في عدد كبير من ارائهم ومواقفهم النحوية.
ونلحظ ذلك في تاييده للبصريين في نظرية ( العامل اللفظي والمعنوي ) فجعل العامل في الفاعل والمفعول به هو الفعل .(3) ، وعامل الرفع في المُبتَدأ معنوي (4) ، وعامل النصب في المفعول معه هو الفعل ،(5)
ونصه على ان الجزم بكيفما شاذ ،(1) ، وعدم جواز دخول (يا) النداء على ما فيه (الـ) ،(2) وتقديره لـ(من ) الزائدة وعدم زيادتها الأ بعد غير الموجب ،(3) وكذلك مال إلى البصريين بتعريفه العدد المركب يكون بتعريف جزئه الأول (4).
وميل(صاحِب حَماة) إلى المذهب البصري ، لا يمنعه من ان يؤيد الكوفيين في بعض ارائهم فايد الكوفيين في تجويزهم النصب في باب ذكر المفعول به الذي اضمر عامله (5).وكذلك تاييده للكوفيين في كون (كي) هي الناصِبة للفعل المضارع ، وليس (ان) المضمرة .(6)
واتجاه (صاحِب حَماة) نحو المذهب البصري ، رافقه اتجاه خاص نحو اعلام كثير من النحويين ، فقد توقف امام ارائهم عالما ملك اصول واطراف هذه الصناعة ، فقد عرض الخلاف بين الخليل (ت75 هـ ) وسيبويه (ت 180 هـ ) من دون ان يرجح رأيا على اخر.(7)وكذلك عرض الخلاف بين سيبويه ويونس (ت 183 هـ)من دون ترجيح (8) . وكذلك عرض موافقته لابي علي الفارسي (377 هـ).(9) وموافقته لابن السراج (ت 316 هـ) ومخالفته للزجاج (ت 311هـ) في بعض الأقوال(10). فنرى ان (صاحِب حَماة) يعرض الخلاف بين النحويين من دون ان يرجح رأيا على اخر أحياناً ، ونراه يوافقهم في بعض الأراء أحياناً اخرى ، ويخالفهم في بعضها ويذكر سبب ذلك.
الل