ملخّص :
القرآن كتاب خوطبت به الأمة كلها خاصتها وعامّتها، علماؤها ومتعلِّموها ، مفسِّروها وغيرهم، وخوطبت الأمّة كلّها بتدبُّره والنظر فيه ، فكان لفئات كثيرة من العلماء مختلفي الاختصاص ومتنوِّعي الاتجاهات إسهام ما في خدمة هذا القرآن وتدبّره، ومن هؤلاء علماء العربية، ومن علمائها الذين عنوا بالقرآن وعلومه أحمد بن فارس (ت 395هـ) مؤلِّف كتاب "الصاحبي" في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها .
وهذه الورقة عرض لجهده في علوم القرآن والتفسير خصوصًا من خلال كتابه "الصاحبي"تناولت فيها : تعريفًا بجهده على العموم، فالمصطلحات والمفاهيم لديه ، وربطه شرف علوم العربية بمدى ارتباطها بالقرآن والسنة ، واللغة التي نزل بها القرآن ، وشيء من رسم القرآن ، وتعويله على التمثيل بآي القرآن في الأمثلة والأبنية الصرفية ومعاني الكلام ، وتوجيه ما جاء من الآي مخالفًا للشائع ، ونماذج للأدوات ، ونماذج من تفسير المفردات ، والحروف المقطّعة في أوائل السور، واستشهاده بآي القرآن والتفسير من خلال الأدوات، وتتبُّعاته لما في القرآن.
وجوانب استعمالية للكلم في القرآن وتفسيره وتحليله الكلمة القرآنية إلى أجزائها الأولية ، والأساليب والمغاني الطارئة ، وما يحتمله الأمر من المعاني خلاف الظاهر ، والمجاز وربطه بكتاب الله وهو ممأ أجاده وأبدع فيه ، وتأثره بالقيم الشرعية في تفسير بعض الألفاظ وبيان معناها اللغوي والفرق بينها ، وكذا حديثه عن نظوم القرآن ، وحديثه عمّا يقع في لغة العرب ولا يقع في القرآن ، وفي كتابه مباحث لغوية تنطبق على نص الوحي وغيره . وعلى كلٍّ فابن فارس لم يخلِ أبوابه وأفكاره من آي القرآن والتعويل عليها استشهادًا وتمثيلا وتفسيرًا ودرسًا .
وقد انتهى العمل إلى مجموعة من النتائج والتوصيات دوّنتها في آخر العمل .
*****
كلُّ يعرف جهود ابن فارس في خدمة اللغة العربية ، ويخفى على بعض جهوده في خدمة القرآن الكريم ، وقد ترجمه الحافظ شمس الدين محمد بن علي الداوودي (ت945هـ) في كتابه "طبقات المفسِّرين" ، وعزا له من مصنفاته التي تخدم القرآن "جامع التأويل في تفسير القرآن" في أربع مجلَّدات ، وكتاب "غريب إعراب القرآن" (الداوودي / طبقات المفسِّرين (تحقيق علي محمد عمر/ مكتبة وهبة /القاهرة/ ط الأولى 1392هـ 1972م : 1/6 ) وهما كتابان لم يصلا إلينا ، والحديث عنهما عسير ، والظفر بمعلومات وافية عنهما صعب المنال.
وقد خص ابن فارس "كلا وما جاء منها في القرآن" بكتاب صغير ، ومما قاله عنها في الصاحبي اختصارًا من تلك الرسالة : ((كلاَّ : تكون ردّاً ورَدْعاً ونفياً لدعوى مُدَّعٍ إذ قال: لقيتُ زيداً قلتَ: كلاَّ. وربما كان صِلةً ليمين، كقوله جلّ ثناؤه "كَلاَّ والقمر". وهي - وإن كانت صِلةً ليمين - راجعةٌ إلى ما ذكرناهُ. قال الله جلّ ثناؤه: "كَلاَّ لا تُطعِهُ" فهي رَدْعٌ عن طاعةِ من نَهاهُ عن عبادة الله جلّ ثناؤه. ونكتة بابها النفي والنهي. ....)) ص250-251
وما نستطيع الحديث عنه في خدمته للقرآن هو ما كتبه في تصانيفه في اللغة وفقهها ؛ فابن فارسٍ في عمله المعجميِّ لا يرى ضرورةً للإحاطةِ بغرائب الألفاظ ، وشواذّ الأبنية ، ويرى أنْ تتّجه العناية لما هو أكثر دورانًا واستعمالًا في لسان العرب ولغتهم ، خاصَّةً لغة القرآن والسُّنَّة والكلام العالي من شعرٍ ونثر ، ممّا له صلةٌ بلغة القرآن والسنّة ، ويعينُ على تفسيرهما وفهمهما ، وهذا هو منطلق ابن فارس وهمّه وسدمه .
ولم يكن ابن فارس متفرِّدًا بذلك ؛ فله سلف وله خلف من علماء العربية ؛ فقد تقدّمه الفراء ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة ، وان كانت إفادته من ابن قتيبة أظهر وأمكن ؛ لأنه قبس كثيرًا من كلامه وآرائه وعنواناته في كتابه "تأويل مشكل القرآن" وغيره من كتبه . وقد لحقه بهذا النهج علماء آخرون من أمثال الثعالبي في فقه اللغة وسر العربية ، والمرادي في حروف المعاني ، والمالقي في رصف المباني ، وابن هشام في مغني اللبيب . فكان هؤلاء مفسَّرين وإن لم يقصدوا بظاهر فعلهم إلى التفسير .
وقد قرأت الصفحات المائة الأولى من "طبقات المفسِّرين" للداوودي من اسمه "إبراهيم " أو "أحمد" فألفيت فيها نحوًا من سبعة وعشرين علمًا من العلماء المعدودين من علماء العربية ، ولهم مشاركات في التصنيف في علوم القرآن من : قراءات ، ومعنٍ ، وتفسير، وغريب، وإعراب، وأمثال، وترتيب سور، ووقوف وائتناف، ونقط ، وشكل، ومصادر، وموضوعات في القرآن خاصة ، مثل : الاستثناء، وشروط القراءات . وهؤلاء هم : إبراهيم بن يحيى اليزيدي (ت225هـ) ، وإبراهيم بن إسحاق الحربي(ت285هـ) وأبو إسحاق إبراهيم بن السري"الزجاج" (ت321هـ) ، وإبراهيم بن محمد بن عرفة "نفطويه" (ت323هـ) وإبراهيم بن عبد الله بن خلف المقرئ (ت749هـ) وإبراهيم بن موسى بن بلال (ت853هـ) ، وإبراهيم بن قائد (857هـ) . وأحمد بن يحيى "ثعلب" (291هـ) وأحمد بن داود "أبو حنيفة الدينوري" (ت291هـ) ، والقاضي وكيع (ت305هـ) ، والنحّاس (ت337هـ) ، وأبو عبيد أحمد محمد الهروي (ت401هـ) ، وأحمد بن عمّار المهدوي (ت430هـ) وأحمد بن محمد بن رستم الطبري من طبقة (أبي يعلى بن أبي زرعة) ، وأحمد بن الزبير الغرناطي (ت627هـ) ، وابن المنيِّر الإسكندري (683هـ) ،وأحمد بن صدقة الصيرفي (705هـ) ، وأحمد بن محمد القمولي (727هـ) ، وأحمد بن محمد المقدسي (ت728هـ) ، وأحمد بن الفرج النجيبي (ت749هـ) ، وأحمد بن سعد الأندرشي (ت750هـ) ، والسمين الحلبي (ت756هـ) ، وأحمد بن عمر الربيعي (795هـ) ، وأحمد بن محمد القرافي المعروف بابن الهائم (ت815هـ) ، وأحمد بن رسلان (ت844هـ). وهذا غير من يذكر في ترجمته عنايته أو تقدّمه في علم أو علوم من علوم العربية ؛ إذ لا تكاد تخلو ترجمة مفسِّر أو علم في طبقات المفسِّرين للداوودي من مثل هذه العبارة ، وأكثر المفسِّرين يذكر في تراجمهم أنّهم علماء باللغة أو لهم مشاركة في فروع منها.
وكان علماءُ العربيّة الأوائل يجمعون إلى علم العربيّة علماً أو أكثر من علوم القرآن ، من قراءة ، أو تفسير ، أو غير ذلك ، فقد جاء في ((مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي)) (( أخذ عبد الله ابن أبي إسحاق عن يحيى بن يعمر القراءة ، وأخذها عن نصر بن عاصم )) ص32 . وكان أبو عمرو بن العلاء إماماً في العربيّة والقراءة ، حتّى (( قال شعبة لعليّ بن نصر الجهضمي : خُذِ قراءة أبي عمروٍ ، فيوشِكُ أن تكون إسناداً . قال أبو حاتمٍ : وكان أبو عمروٍ يكتب إلى عكرمة بن خالدٍ في مكّة ، فيسأله عن الحروف )) ص35 .
وممّن فاق في الإقراء والقراءة عاصم بن أبي النّجود وابن محيصن ، وكانا يلمّان بشيءٍ من النحو ص49.
وممّن أجاد النحو من القُرّاء يحيى بن يعمر ، كان أعلم النّاس وأفصحهم ، ومع ذلك لا يذكرونه ؛ لأنَّه استبدَّ بالنّحو غيرُه ص50 .
وكان الأوائل من أهل العلم يَعُدُّون العلم بالعربيّة منقبةً للقارئ ، ومدعاةً لتفضيله على غيره ، حتّى (( قال أبو حاتم ( عن حمزة الزّيّات ) : وإنّما أهل الكوفة يكابرون فيه ، ويباهتون ، فقد صَيَّره الجُهَّال من النّاس شيئاً عظيماً بالمكابرة والبَهْتِ ، وقولُ ذوي اللِّحى العظام منهم : (( كانتِ الجِنُّ تقرأُ على حمزةَ)) . قال : الجنُّ لم تقرأْ على ابن مسعودٍ ، والذين من بعده ، فكيف خصّت حمزة بالقراءة عليه ؟ وكيف يكون رئيساً وهو لا يعرفُ الساكن من المتحرّك ، ولا مواضع الوقف والاستئناف ، ولا مواضِعَ القطع والوصل والهمز ! وإنما يحسن مثل هذا أهل البصرة ، لأنهم علماء بالعربية ، قرّاء رؤساء )) ص52-53. وكان الأصمعيُّ : (( لا يفسِّر شيئاً من القرآن ، ولا شيئاً من اللُّغة له نظير ، أو اشتقاق في القرآنِ ، وكذلك الحديث تحرُّجاً )) ص83. و(( قال أبو حاتمٍ : الكسائيُّ أعلم الكوفيّين بالعربية والقرآن ، وهو قدوتهم )) ص121. و(( قال المازني : قرأت على يعقوب الحضرميِّ القرآن ، فلمّا ختمْتُ رمى إليَّ بخاتمه ، وقال : خُذْ ، ليس لك مثل . وختم أبو حاتم على يعقوب سبع خَتَماتٍ ، ويُقالُ : خمساً وعشرين ختمةً ، فأعطاه خاتمه ، وقال : أقْرئ النّاسَ ص126. (( كان أبو حاتم في نهاية الثقة والإتقان ، والنهوض باللُّغة والقرآن مع علمٍ واسعٍ بالإعراب أيضاً )) ص130 وانظر ص131-132.
هذه شذراتٌ من كتاب ترجم اللغويين ، ولو نقلنا نظرنا إلى كتابٍ في تراجم القُرَّاء نموذجاً لعلوم القرآن ، وقرأنا في كتاب (( معرفة القُرّاء الكبار للذّهبيّ ( ت 748 هـ ) لوجدنا فيه كثيراً من مثل : (( قال اليزيديُّ : كان أبو عمروٍ قد عرف القراءات ، فقرأ من كل قراءة بأحسنها ، وبما يختار العرب ، وممّا بلغه عن لغة النّبيّ ش وجاء تصديقه في كتاب الله ( عزّوجلّ ) )) ص4. ونجد مثل (( أحكم العربية )) ص54، ومثل (( النحويّ )) ص109،55، و(( قرأ العربيّة )) . ومثل (( كان عاصم نحويّاً فصيحاً )) ص75 و(( كان حمزة الزَّيَّاتُ بصيراً بالعربيّة )) ص93 و(( إليه ( الكسائي ) انتهت الإمامةُ في القراءة والعربيّة )) ،101 ومثل (( كان أبو المنذر المُزنيّ فصيحاً نحويّاً )) ص116. ومثل (( كان يحيى بن المبارك اليزيديُّ فصيحاً مُفوَّهاً ، بارعاً في اللُّغاتِ والآداب )) ص125 ومثل (( ثمّ اشتغل ورشٌ بالقرآن والعربيّة فمهر فيهما )) ص126. ((وتبتَّلَ قالونُ لإقراء القرآن والعربيّة )) 129. وقول أبي حاتم السجستاني في يعقوب بن إسحاق الحضرميّ : (( هو أعلم من رأيت بالحروف والاختلافِ في القرآنِ وعلله ومذاهبه ، ومذاهب النحويّين ))ص131،130. (( وكان لا يلحن في كلامه )) ص131و(( برع العبّاس بن الفضل في معرفة الإدغام الكبير ، وورد أنّه ناظر الكِسائيّ في الإمالة )) ص133. (( وكان القاسم بن سلاّم من أعلم أهل زمانه بلغات العرب )) ص141وقالوا في أحمد بن صالح (( كان رجلاً جامعاً يعرفُ الفقه والحديثَ والنحو )) ص153. و(( صنّف محمد ابن سعدان في العربيّة والقرآن )) ص178ومثله ص199. وقالوا عن أبي حاتم السجستانيّ : (( له اليدُ الطُّولى في اللُّغاتِ ، والشّعر ، والأخبار ، والعروض ، واستخراج المعمّى ، ولم يكُ في النّحو بذاك الماهر ، وقد قرأ كتاب سيبويه مرّتين على الأخفش )) ص179. ونجد مثل (( المقرئ الأديب )) ص197، و(( المقرئ المؤدِّب )) 196، وقال أبو عليّ القاليّ عن محمّد بن القاسم الأنباريِّ : (( كان يحفظ ثلثمائة ألف بيتٍ شاهداً في القرآن )) ص225، وفي ترجمة أحمد بن يعقوب التائب : (( له كتابٌ حَسَنٌ في القراءاتِ ، وهو إمام في هذه الصنعةِ ، ضابطٌ ، بصيرٌ بالعربيّة )) ص227. ومثل (( كان محمد بن النّضْرِ عارفاً بعلل القراءاتِ بصيراً بالتفسير والعربيّة )) ص235، وفي ترجمة أبي بكر محمد بن مقسم : (( كان من أحفظ أهل زمانه لنحو الكوفيّين ، وأعرفهم بالقراءات مشهورها وغريبها وشاذّها . قال أبو عمروٍ الدانيُّ : ((هو مشهور بالضبط والإتقانِ، عالمٌ بالعربيّة، حافظ للغة، حَسَنُ التصنيف في علوم القرآن)). وفي ترجمة أحمد بن نصر (( عالم بالقراءة ، بصير بالعربيّة )) ص34ص258ومثله ص275، وفي ترجمة محمد بن عبد الله بن أبي بكر الأصبهاني (( ثقةٌ عالم بالعربيّة )) ص259. وفي ترجمة عبد الله بن عطيّة (( كان يحفظ فيما يقالُ خمسين أَلْفَ بيتٍ للاستشهاد على معاني القرآن )) ص281. وفي ترجمة عبد الباقي بن الحُسَيْنِ: (( كان عالماً بالعربية بصيراً بالمعاني )) ص287. وفي ترجمة أبي عمر الطَّلَمَنْكي : (( كان رأساً في علم القرآن : قراءاته وإعرابه )) ص309. وفي ترجمة مكي (( كان من أهل التبحُّر في علوم القراءات والعربية ... عالماً بمعاني القراءات )) ص217وكان أحمد بن عمّارٍ ( ت 430 هـ ) (( رأساً في القراءات والعربيّة )) ص320. وتصدر إسماعيل بن خلفٍ ( ت 455 هـ ) (( للإقراء زماناً ولتعليم العربية )) ص341 . وكان عبد الرحمن بن أحمد الرّازي العجليّ ( ت 504 هـ ) (( عالماً بالأدب والنحو )) ص337ومثله ص275. (( وكان الهذليُّ يدرس علم النحو ويفهم الكلام منه وكان مقدّماً في النحو والصرف ، عارفاً بالعلل ، وكان القشيريُّ يراجعه في مسائل النحو )) ص349. وكان أبو محمّد التميميّ ( ت 488 هـ ) (( مفسِّراً لُغويّاً )) ص356، و(( تصدّر ابن شعيب لإقراء القرآن والعربية والآداب )) ص359. وفي ترجمة صاحب التجريد (( قرأ العربيّة على ابن بابشاذ )) ص383. وكان عبد الله ابن سعدون ( ت قبل 540 هـ ) (( محققاً للعربيَّة )) ص398. و(( برع عبد الله بن عمرو بن هشام في العربية )) ص419. و(( أخذ عنه أبو عمر بن عيّادٍ القراءات والتجويد )) ص419. (( وكان أبو بكرٍ اللّخميُّ إماماً في صناعةِ الإقراء ، مشاركاً في العربيّة )) ص425. وفي ترجمة يحيى بن سعدون ( ت 567 ) (( المقرئ النحويّ ... برع على الزمخشريِّ وغيره في العربيَّة )) ص429ومثله ص442. وكان الحسن بن أحمد الهمذانيّ ( ت 569 هـ ) إماماً في النحو واللغة )) ص435. وكان لعبد المنعم ابن أبي بكر ( ت 586 هـ ) (( حظٌّ من العربيّة )) ص444. (( وكان زيد بن الحسن ، أبو اليمن الكنديّ شيخَ القُرَّاء والنحاة بدمشق )) ص467. (( وكان شعلةُ ( ت 656 هـ ) ذا معرفةٍ تامّةٍ بالعربية واللُّغة )) ص536. (( وانتهت إلى محمد بن عليّ الشاطبيِّ معرفة اللغة وغريبها )) ص542. و (( كان العماد الأصفهاني ( ت 682 هـ ) فصيحاً مُفَوَّهاً ، جيِّد العربيّة )) ص550. وكان محمد بن أبي العلاء ( ت 569 هـ ) (( جيِّد المعرفة بالأدب )) ص568. وفي ترجمة أبي حيَّانَ (( له مصنّفات في القراءاتِ والنحو )) ص578. وفي ترجمة أبي بكر بن يوسف (( ولي مشيخة القراءة والعربيّة )) ص596. وطلحة بن عبد الله مهر في القراءات والعربية ص597. ووصف إسماعيل بن محمد ( ت715هـ ) بمعرفة القراءة ، والبصر بالعربيّة ص599. و(( محمد بن خالدِ بن بختيار النحويّ .. تخرج به جماعة في العربيّة )). والحسن بن عليّ بن عُبيدة النحويّ أخذ العربيّة عن أبي السعاداتِ بن الشجريّ ص55. وفي ترجمة عبد الرحمن بن هرمز (( أوّل من وضع العربيّة بالمدينة )) ص63.
وقد قيل نحو من هذه العباراتِ في أمثال ابن مالك وغيره من الأئمّة، وفيما أوردناه كفاية ، وهو يُصوِّر مدى الترابط والتلازم بين العربية وعلومها والقرآن وعلومه من قراءاتٍ ، وتفسير ، ورسم ، وغير ذلك .
وأنت لو نظرت تراجم القرّاء ، وتأمَّلْتَ أحوالهم لوجدت أنّ المقدَّم منهم في القراءة متقدّم في علم العربيّة ، والمتوسّط متوسّط ، والضعيف ضعيف ، فلا تكادُ تجدُ متقدِّماً في القراءة، وترى في ترجمته مثلاً ((ونظر في العربيّة)) ص581، أو نحوها من العبارات التي توحي بضعف علمه في العربيّة. ولو نظرت في ترجمة أبي بكر بن محمّد المرسيّ لوجدت فيها (( تصدَّر لتعليم النحو )) ص590، (( ولم يكن من ذلك الوقت يجاريه أحدٌ لا في القراءاتِ ولا في النحو )). و(( تخرّج به جماعة في القراءات والعربية والأصول )). (( ولم أشاهد أحداً في القراءات مثله )) ص590، ومثل هذا في ترجمة محمد بن أحمد بن بضحان ص592، وكان إحكام العربيّة مدعاةً لحذقِ الفَنّ وعلم القراءة، كما جاء في ترجمة محمد بن أيُّوبَ ( ت 705 هـ ) الذي قيل عنه (( أقرأ الناس دهراً ، وأحكم العربية ، وشارك في اللُّغة ... وكان حاذقاً بالفنّ عليماً بالحلّ لحرزالأمانيّ ... )) ص575. وقد وصف يوسفَ بن إبراهيم بإحكام العربيّة ص540.
وكان القرّاء سابقاً يبذلون ما يملكونه في سبيل إتقان العربيّة ، قال خلف بن هشام ( 150 - 229 هـ ): (( أشكل عليّ بابٌ من النحو ، فأنفقت ثمانيةَ آلاف درهمٍ ، حتّى حذفته )) ص172. وكانوا يعنون بمعرفة من أخذ عنهم القارئ علم العربية، النحو ، واللغة ، والأدب ، والمعاني ، وقد مَرَّ ما يشهد لهذا في النصوص المنقولة آنفاً .
والتميُّز في علوم العربية مدعاة الاستقلال والانفراد بقراءة ، ومدعاة للاجتهاد في الاختيار (( قيل : إنّ ورشاً لمّا تعمَّق في النحو اتّخذ لنفسِه مقرأَ ورشٍ ، فلمّا جئت [ القائل أبو يعقوب الأزرق ] لأقرأ عليه قلت له يا أبا سعيد : إنِّي أُحِبُّ أن تقرئني مقرأ نافع خالصاً ، وتدعني ممّا استحسنْتَ لنفسك ،فقلَّدته مقرأ نافع )) ص150. ويظهر ممّا أوردناه من نصوصٍ أنهم ما كانوا يقنعون بإتقان علوم العربيّة صناعةً ، بل كانوا يطلبون الفصاحة،وكانت الفصاحة قبل أن تُدَوَّنَ علوم العربية ص74، وقالوا في عاصم : (( كان نحويّاً فصيحاً )) ص75و(( كان ذا نُسُكٍ وأدبٍ، وفصاحة، وصوت حَسَن )) ص76. (( وكان أحمد بن عبد العزيز من أطيب النّاسِ صوتاً ، وأفصحهم أداءً )) ص254. وقد وصف عبد الوارث التنوُّري بالفصاحة والبلاغة ، قال أبو عمر الجرميُّ : (( ما رأيْتُ فقيهاً أفصح منه )) ص135. وفي ترجمة أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري ( ت 705 هـ ) (( كان أحسن أهل زمانه قراءةً للحديث ؛ لأنَّه كان فصيحاً مفوَّهاً، عديم اللّحن،عذب العبارة ، طيِّب الصّوت ، خبيراً باللُّغة ، رأساً في العربيّة وعللها )) ص135 .
وكان ممّا ينتقص به المقرئ أو القارئ قصوره في العربية ، كما قال أبو حيّان في حسن بن عبد الله التلمساني ( ت 685 هـ ) كان بربريّاً ، في لسانه شيءٌ من رطانتهم ، وكان مشهوراً بالقراءات ، عنده نزرٌ يسيرٌ جدّاً من العربيّة ، كألفيةِ ابن معط ، ومقدمة ابن بابشاذ ، يحلّ ذلك لمن يقرأ عليه )) ص561. وقد ردَّ الذّهبيّ على أبي حيَّان قوله فيه ، وقال : (( إنّه كان عارفاً بالعربيّة ، بل قويّ المعرفة ، ويكفيه أن يشرح ألفيّة ابن معطٍ للناس ... )) ص560-561. وكان القصور في علم العربيّة مدعاةً إلى القصور في علم القراءاتِ ، كما قيل في محمد بن منصور ( ت 700 هـ ) : إنّه لم يبرع في العربيّة ... وكان متوسِّط المعرفةِ في القراءات )) ص569. وقال عاصمٌ : (( من لم يحسِن من العربيَّةِ إلاّ وجْهاً لم يُحْسِنْ شيئاً )) ص75.
واتّفق القُرّاءُ مع أهل العربيّة على ممارسة صنعة التأديب ؛ إذ كثيراً ما نجد في تراجمهم (( المؤدّب )) ، (( وقام على التأديب )) . وهي أوصافٌ استأثر بها أهل العربية ، رواة الأدب أوّل الأمر .
وبعد ، فلعلّ هذه النظرة العجلى في كتابٍ ترجم للنحاة واللغويين ، وآخر ترجم القرّاء ما يقفنا على صلةٍ وثيقة بين علوم القرآن وعلوم العربية، وكأنّهما توْأمان ، لا ينفكُّ أحدهما عن الآخر . والنوعان من العلوم مختلفان . فأوّلهما غاية ، والعلوم الأخرى خدمٌ له ، والثاني آلةٌ يتوصَّل بها إلى فهم النوع الأوّل ، وخدمته وإتقانه . ولا نغالي إذا قلنا : إنّ علوم العربية على اختلاف أنواعها ، إنّما وُجِدَتْ لخدمة القرآن وعلومه، ولعلّ المسلمين لم يُعْنوا بالعربية وآدابها ، ولم يخدموها إلاّ لأنّها تمسُّ أو تخدم القرآنَ وعلومه ، من قراءةٍ ، ورسم ، وإعراب ، وبلاغة ، وإعجاز ، ومعنى وتفسير .
تلاقت جهود علماء العربيّة ، وجهود خدمة القرآن في ميادين ، يُهمّنا منها ما كان لعلماء اللغة العربية جهدٌ بارزٌ فيها ، وما كان فيه الدافع القرآني جليّاً واضحاً ، ويمكن لنا أن نحصر الموضوع في الأصناف التالية :
- علم الرسم ، ومدى إسهام علماء العربيّة في ذلك .
- ألفاظ القرآن ، ومدى مشاركة اللُّغويين في شرحها ، وتصنيفها ، ودرسها .
- معاني القرآن الكريم ، وتفسيره ، وإسهامهم في ذلك .
- الاحتجاج للقراءات وبها .
- جهود علماء العربية في بيان إعجاز القرآن، وأوجه بلاغة القرآن.
- دراسات عامة حول القرآن .
وقد فصّلنا القول فيها في بحثنا "عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم"
***************
وقد تنوّع إسهام ابن فارس في علوم القرآن في كتابه "الصاحبي" ما بين حديث عن المصطلح والمفاهيم ، والمفردات وتفسيرها ، وحديث عن حروف المعاني (الأدوات) واستعمالاتها ، وفي التراكيب ومدلولاتها ، وفي آراء وتفرّدات حول لغة القرآن استأثر بها دون غيره .
*******
المصطلح والمفاهيم :
تفريقه بين المعنى والتفسير والتأويل ((باب معاني ألفاظ العبارات التي يعبّر بها عن الأشياء ، ومرجعها إلى ثلاثة وهي: المعنى، والتفسير، والتأويل. وهي وإن اختلفت فإن المقاصد بها متقاربة.
فأما المعنى - فهو القصد والمراد. يقال: عَنَيْتُ بالكلام كذا أي: قَصَدْتُ وعَمَدْت. أنشدني القطّان عن ثعلب عن ابن الأعرابي:
مثلُ البُرام غدا في أُصْدَةٍ خلَـقِ لم يستَعِن وحوامي الموتِ تَغشاهُ
فَرَّجْتُ عنه بِصِرْعَيْنـا لأرمَـلـــة وبائس جـــــــــاء معناه كمـعـنـاهُ
يقول في رجل قُدِّم لِيُقتل، وأنه فرج عنه بِصِرْعين، أي فِرْقين من غنم: قد كنتُ أعددتُها لأَرملة تأتيني تسألني أو لبائس مثل هذا المقدَّم ليقتل معنا، أي إن مقصدهما في السؤال والبؤس ومقصد واحد ويجوز أن يكون المعنى الحال أي حالهما واحدة.
وقال قوم اشتقاق المعنى من الإظهار يقال: عَنتِ القِرْبة إذا لم تحفظ الماء بل أظهرته، وعُنوان الكتاب من هذا. وقال آخرون: المعنى مشتق من قول العرب عَنتِ الأرض بنبات حسن إذا أنبتت نباتاً حسناً. قال الفراء: لم تَعْنُ بلادنا بشيء إذا لم تُنبت وحكى ابن السّكِّيت: لم تَعْنِ من عَنَتْ. تعني فإن كان هذا فإنَّ المراد بالمعنى الشيء الذي يفيده اللفظ كما يقال: لم تَعْنِ هذه الأرض أي لم تُفِدْ.
وأما التفسير - فإنه التفصيل كذا قال ابن عباس في قوله جلّ ثناؤه: "وأحْسَنَ تفسيراً" أي: تفصيلاً.
وأما اشتقاقه فمن الفَسر. أخبرني القطّان عن المَعْدَانّي عن أبيه عن معروف عن الليث عن الخليل قال: الفسر البيان، واشتقاقه من فَسرِ الطبيب للماء إذا نظر إليه، ويقال لذلك: التَّفْسِرَة أيضاً.
وأما التَّأْويل - فآخِرُ الأمر وعاقبته. يقال: إلى أي شيء مآل هذا الأمر? أي مَصيرُهُ وآخِره وعقباه. وكذا قالوا في قوله جلّ ثناؤه: "وما يَعلم تأويلَه إلاَّ الله" أي: لا يعلم الآجال والمُدَدَ إلاَّ الله جلّ ثناؤه، لأن القوم قالوا في مدّة هذه الملة ما قالوه، فأُعلموا أن مآل الأمر وعقباه لا يعمله إلا الله جل ثناؤه.
واشتقاق الكلمة من المآل وهو العاقبة والمصير، قال عَبْدَةُ بن الطبيب:
ولِلأَحِبَّة أيام تَـذَكَّـرُهـا ولِلنّوى قبل يوم البين تأويلُ
وقال الأعشى:
على أنًّها كانَتْ تَأَوُّلُ حُبِّهـا تَأّوُّلَ رِبِعِيِّ السِّقاب فأَصْحَبَا
يقول: إن حبّها كان صغيراً في قلبه فآلَ إلى العِظَم ولم يزل يَنْبُت حتى أصْحَبَ، فصار كالسَّقب الذي لم يزل يَشِبُّ حتى أصحب، يعني أنه إذا استصحبَتْه أمّه صَحِبَها)) ص312-315 وشرحه المصطلحات الثلاثة ، والتفريق بينها ، على غاية من الأهميّة ؛ نظرًا لقدمه، وصدوره عن عالم لغة ، وإمام فيها.
*****
المفردات وتفسيرها :
كان لأحمد بن فارس إسهام في المفردات وتفسيرها، وفي حروف المعاني (الأدوات) واستعمالاتها ، وفي التراكيب ومدلولاتها ، وفي آراء وتفرّدات حول لغة القرآن استأثر بها دون غيره .
ففي المفردات ألف معجميه "معجم مقاييس اللغة" و"المجمل" ينطلق ابن فارسٍ من منطلقاتٍ جعلها أساسًا وركائز لصنعته المعجميَّة ؛ إذْ يَجْعَلُ هذا العملَ قربةً، وأنّه إنّما يعنى بشيءٍ من علوم الشريعة التي ترفع صاحبَها ، وتكتب له الأجْرَ والمثوبة عند الله .
من مقدمة كتاب ” الجيم “من المجمل؛ إذ فيها:” هذا كتاب الجيم من مجمل اللّغةِ قد ذكرنا فيه الواضح من كلام العرب والصحيح منه دون الوحشيِّ المستنكر، ولم نألُ في اجتناءِ المشهورِ الدَّالِّ على غريب آيةٍ، أو تفسير حديثٍ ، أو شعرٍ، والمتوخَّى في كتابنا هذا من أوّله إلى آخره التقريب والإبانةُ عمّا ائتلف من حروف اللغة، فكان كلامًا، وذكر ما صحَّ من ذلك سماعًا، أو من كتابٍ لا يشكُّ في صحَّةِ نَسبه؛ لأنّ من علم أنّ الله ( جلّ ذكره ) عند مقال كُلِّ قائلٍ فهو حريٌّ بالتحرُّج من تطويل المؤلّفاتِ وتكثيرها بمستنكر الأقاويل، وشنيع الحكاياتِ، وبنيَّات الطريق، فقد كان يقالُ: من تتبَّع غرائب الأحاديث كُذِّبَ، ونحن نعوذ بالله من ذلك، وإيّاه نسأل التوفيق للصّدقِ، وإليه نرغب في الصلاة على محمد وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) “([1]) .
وابن فارس يقصد إلى دراسة اللغة التي جاء القرآن عليها ، ولذلك قال : ((باب الخطاب الذي يقع به الإفهام من القائل والفَهم من السامع
يقع ذلك بين المتخاطبيْن من وجهين: أحدهما الإعراب، والآخر التصّريف. هذا فيمن يعرف الوجهين، فأمّا من لا يعرفهما فقد يمكن القائل إفهامُ السامع بوجوه يطول ذِكرها من إشارة وغير ذلك وإنّما المُعَوَّل على ما يقع في كتاب الله جلّ ثناؤه من الخطاب أو في سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أو غيرهما من الكلام المشترك في اللفظ)) ص309
وقد وجدنا ابن فارسٍ يروم من تأليف كتابه ” المجمل “ الآتي :
1 - الاقتصار على الواضح الصحيح من كلام العرب، دون الوحشيِّ المستنكر .
2 - اجتباء واختيار المشهور الدَّالِّ على غريبِ آيةٍ ، أو تفسير حديث أو شعر ، وهذان - باختصار - يعنيان عناية ابن فارسٍ بالدَّوّار كثير الاستعمالِ ، ممّا الحاجةُ إليه قوِيَّةٌ .
3 - اقتصاره على تفسير وشرح ما ائتلف من حروفه كلامٌ صحيحٌ ثابتٌ إمّا بسماعٍ صحيح ، أو قراءةٍ ( وِجادة ) من كتابٍ صحيح لا يشكّ في صحة نسبه ، والصِّحَّةُ عنده تتحقَّقُ بإمكان ائتلاف الحروفِ على مقتضى نظام اللُّغة ، وثبوت ذلك روايةً إمّا بالسّماعِ ، أو من خلالِ الكتب الصحيحة الثابتة ، ممّا رواها الثقات ، أو وجدت معزوَّةً ثابتةً إلى ثقةٍ معروفِ الخط متقنه .
4 - الجانب الدينيّ ، وخشية الله ، والخوف منه يدفعه إلى التحرِّي والاختصار، والكفِّ عمّا لا داعيَ له من التطويل ؛ لأنّه يؤدِّي إلى التكثّر من الرواياتِ والغرائب ، ولا يبعد أن يَكونَ في هذه الروايات والغرائب ما يستنكر من الأقاويل وشنيع الحكاياتِ، وبُنَيَّات الطريق ، وقد كان يقال : من تتبع غرائب الحديث كُذِّبَ ، وقد رُوِيَ ” كفى بالمرء إثمًا أن يُحدِّثَ بكلِّ ما سَمِعَ “ .
وهذا يعكس لنا حرص ابن فارسٍ على الانتقاءِ وغربلة المادّة اللُّغويَّةِ الغزيرة ، ليختار منها ما يراه صحيحًا ثابتًا ، مقبولًا ، تدعو الحاجة إلى تدوينهِ .
5 - تلافي طريقة ” العين “ التي تنصُّ في كُلِّ مادَّةٍ على تقاليبها الممكنة إن كانت ثلاثيَّةً المستعمل منها والمهمل ، والاكتفاء بالإشارة إلى ضوابط كليَّة ، أو الإشارة إلى ما تدعو الحاجةُ إلى بيان إهماله.
**********
وقد جعل ابن فارس الرتبة العليا لطالب علوم العربية أن يعلم بها "خطاب القرآن والسنة, وعليها يعوِّل أهل النظر والفتيا، وذلك أن طالب العلم العلويّ يكتفي من أسماء الطويل باسم الطويل ، ولا يضيره أن يعرف الأشقّ والأمقّ، وإن كان في علم ذلك زيادة فضل،
وإنما لم يضره خفاء ذلك عليه؛ لأنّه لا يكاد يجد منه في كتاب الله (جلّ ثناؤه) شيئًا فيُحْوَجَ إليه؛ ويقلّ مثله أيضًا في ألفاظ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ؛ إذْ كانت ألفاظه(صلّى الله عليه وسلّم) هي السهلة العذبة.
ولو أنّه لم يعلم توسُّع العرب في مخاطاباتها لعيَّ بكثير من علم محكم الكتاب والسنّة، ألا تسمع قول الله (جلّ ثناؤه) ﴿ولا تطردِ الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشيِّ يريدون وجهه﴾ إلى آخر الآية . فسرّ هذه الآية في نظمها لا يكون بمعرفة غريب اللغة والوحشيِّ من الكلام، وإنما معرفته بغير ذلك ممّا لعلّ كتابنا هذا يأتي على أكثره (بعون الله تعالى). ([2])
ولابن فارس إشارات إلى ما في كتاب الله "جلّ ثناؤه" من الخطاب العالي ، وما يفوق ما جاءت به الشعراء وأرباب البيان من أهل العربية ، ممّا عدّه اللاحقون أسرارًا بلاغية. قال: ((وَمَا فِي كتاب الله جلّ ثناؤه من الخطاب العالي أكثر وأكثر، قال الله جلّ وعزّ: "ولكم فِي القصاص حياة" و "يحسبون كلَغ صَيْحة عليهم"، و "وأُخرى لم تَقْدروا عَلَيْهَا قَدْ أحاط الله بِهَا" و "إِن يتّبعون إِلاَّ الظَّنَّ وإن الظن لا يُغني من الحقّ شيئاً" و "إنما بَغيكم عَلَى أنفسكم"، "ولا يَحيق المكر السّيّئ إِلاَّ بأهله" وهو أكثر من أن نأتي عَلَيْهِ))ص23-24
اللغة التي نزل بها القرآن :
ونقل ابن فارس ((إجماع العلماء بكلام العرب ، والرُّواةُ لأشعارهم، والعلماءُ بلُغاتهم وأيامهم ومَحالّهم أن قُرَيشاً أفصحُ العرب ألْسنةً وأصْفاهم لغةً. وذلك أن الله جل ثناؤه اختارهم من جميع العرب واصطفاهم واختار منهم نبيَّ الرحمة محمداً صلى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم. فجعل قُريشاً قُطَّان حَرَمِه، وجيران بيته الحرام، ووُلاتَهُ. فكانت وُفود العرب من حُجاجها وغيرهم يَفِدون إِلَى مكة للحج، ويتحاكمون إِلَى قريش فِي أُمورهم. وَكَانَتْ قريش نعلّمهم مَناسكَهم وتحكُمُ بَيْنَهم. ولم تزل العرب تَعرِف لقريش فضلها عليهم وتسمّيها أهل الله لأنهم الصَّريح من ولد إسماعيل عَلَيْهِ السلام، لَمْ تَشُبْهم شائبة، وَلَمْ تنقُلْهم عن مناسبهم ناقِلَة، فضيلةً من الله - جلّ ثناؤه - لهم وتشريفاً. إذ جعلهم رَهط نبيّه الأدنَيْنَ، وعِتْرته الصالحين.
وَكَانَتْ قريش، مع فصاحتها وحُسن لغاتها ورِقَّة ألسنتها، إِذَا أتتهُم الوُفود من العرب تخيّروا من كلامهم وأشعارهم أحسنَ لغاتهم وأصفى كلامهم. فاجتمع مَا تخيّروا من تِلْكَ اللغات إِلَى نَحائزهم وسَلائقهم الَّتِي طُبعوا عَلَيْهَا. فصاروا بذلك أفصح العرب)). ص33
وقال ابن فارس: ((ونحن وإن كنا نعلم أن القرآن نزل بأفصح اللغات، فلسنا نُنكر أن يكون لكلّ قوم لغة. مع أن قحطان تذكر أنهم العرَب العارِبة، وأن مَن سواهم العرَب المَتَعَرِّبة، وأن إسماعيل عَلَيْهِ السلام بلسانهم نَطق، ومن لغتِهم أخَذَ، وإنَّما كَانَتْ لغةُ أبيه صلى الله عليه وسلم العِبرية وَلَيْسَ ذا موضوعَ مفاخَرة فنَستَقصي)).ص38-39
وقال ابن فارس في باب القول فِي اللغة الَّتِي بِهَا نزل القرآن وأنه لَيْسَ فِي كتاب الله جلّ ثناؤه شيء بغير لغة العرب
(عن ابن عباس قال: نزل القرآن عَلَى سبعة أحرُف أَوْ قال بسبعِ لغات، منها خمسٌ بلغة العَجْزِ من هَوازن وهم الذين يقال لهم علُيا هَوازن وهي خمس قبائل أَوْ أربع، منها سَعدُ بن بكر وجُشَمُ بن بكر ونَصْر بن مُعاوية و ثَقيف.
قال أبو عُبيد: وأحسب أفصَحَ هؤلاء بني سعد بن بكر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أفصَح العَرَب مَيْد أني من قريش وأني نشأت فِي بني سعد بن بكر" وَكَانَ مُسْتَرْضَعاً فيهم، وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العَلاء: أفصح العرب عُليا هَوازِن وسُفْلى تميم.
وعن عبد الله بن مسعود أنه كَانَ يَستَحبُّ أن يكون الذين يكتبون المَصاحف من مُضر.
وقال عمر: لا يُمْلِيَنَّ فِي مَصاحِفِنا إِلاَّ غلمان قريش وثَقيف.
وقال عثمان: اجعلوا المُمليَ من هُذَيل والكاتبَ من ثقيف.
قال أبو عبيد: فهذا مَا جاءَ فِي لغات مُضر وَقَدْ جاءت لغاتٌ لأهل اليَمن فِي القرآن معروفةٌ. منها قوله جلّ ثناؤه "مُتَّكِئين فِيهَا عَلَى الأرائك" فحدّثنا أبو الحسن علي عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال حدثنا هُشَيْم أخبرنا منصور عن الحسن قال: "كُنا" يقال إنها بالحبشية. وقوله "هَيْتَ لَكَ" يقال إنها بالحوْرانيَّة. قال: فهذا قول أهل العلم من الفُقهاء.
قال: وزعم أهل العَربية أن القرآن لَيْسَ فِيهِ من كلام العجَم شيء وأنه كلَّه بلسانٍ عربيّ، يتأوَّلون قوله جلّ ثناؤه "إنا جعلناه قرآناً عربياً" وقوله "بلسان عربيّ مبين".
قال أبو عبيد: والصواب من ذَلِكَ عندي - والله اعلم - مذهب فِيهِ تصديق القوْلين جميعاً. وذلك أنَّ هَذِهِ الحروف وأصولها عجمية -كما قال الفقهاء -إِلاَّ أنها سقَطَت إِلَى العرب فأعرَبَتها بألسنَتها، وحوَّلتها عن ألفاظ العجم إِلَى ألفاظها فصارت عربيَّة. ثُمَّ نزل القرآن وَقَدْ اختَلَطت هَذِهِ الحروف بكلام العَرَب. فمن قال إنها عَرَبية فهو صادق، ومن قال عجمية فهو صادق.
قال: وإنما فسَّرنا هَذَا لئلا يُقدِمَ أحد عَلَى الفقهاء فَيَنْسَبهم إِلَى الجهل، ويتوهَّم عليهم أنهم أقدموا عَلَى كتاب الله جَلَّ ثناؤه بغير مَا أرداهُ الله جلَّ وعزَّ، وهم كانوا أعلمَ بالتأويل وأشدَّ تعظيماً للقرآن)).ص41-47
قال أحمد بن فارس: لَيْسَ كل من خالف قائلاً فِي مقالته فقد نَسَبه إِلَى الجهل. وذلك أن الصدر الأول اختلفوا فِي تأويل آي من القرآن فخالف بعضهم بعضاً. ثُمَّ خَلَفَ من بعدهم خلف، فأخذ بعضهم بقولٍ وأخذ بعض بقول، حسب اجتهادهم وَمَا دلَّتهم الدَّلالة عَلَيْهِ. فالقول إذن مَا قاله أبو عبيد، وإن كَانَ قوم من الأوائل قَدْ ذهبوا إِلَى غيره ، واستكمل مناقشة : هل في القرآن ألفاظ من غير العربية؟وينظر بقيّة كلامه هناك))..ص41-47
خط القرآن ورسمه :
ومما يتعلّق بالخطِّ قوله: "تكون (النون) للتأكيد مُخَفَّفة ومُثقَّلَة. نحو "اضْرِبَنْ" و "اضْرِبَنَّ" إِلاَّ أنها تقلب عند التخفيف فِي الكتاب ألفاً. نحو "لَنَسْفعاً". ص154 وحديثه عن الخط العربي أهو توقيف أم تفيق؟ وأورد طرفًا من الأحكام ، من ذلك ((ومن الدليل عَلَى عرفان القدماء من الصحابة وغيرهم بالعربية كتابتهم المصحف عَلَى الَّذِي يعلله النحويُّون فِي ذوات الواو والياء والهمز والمدّ والقصر فكتبوا ذوات الياء بالياء وذوات الواو بالواو وَلَمْ يصوّروا الهمزة إذَا كَانَ مَا قبلها ساكناً فِي مثل "الخبء" و "الدفء" و "الملء" فصار ذَلِكَ كلّه حجة، وحتى كَرِهَ من العلماء تركَ اتباع المصحف من كَرِهَ.... قال الفرَّاء: "اتِّباعُ المصحف -إذَا وجدت لَهُ وجهاً من كلام العرب -وقراءةِ القراء أحبّ إليَّ من خلافه" قال وَقَدْ كَانَ أبو عمرو بن العلاء يقرأ "إن هذين لساحران" ولست أجترئ عَلَى ذَلِكَ. وقرأ "فأصَّدَّقَ وأكون" فزاد واواً فِي الكتاب وَلَمْ أستحبّ ذَلِكَ. والذي قاله الفرّاء حَسَن، وَمَا بحَسَنٍ قول ابن قتيبة فِي أحرُف ذكرها، وَقَدْ خالف الكُتَّابُ المصحفَ فِي هَذَا)) ص14-15
ربطه الأمثلة والأبنية الصرفية بما جاء في القرآن :
وهو حين تحدّث عن المعاني الصرفية لم يخل حديثه من سياق أمثلة قرآنية من مثل قوله : "وربّما كَانَتْ هَذِهِ الألف للشيء نفسه، ويكون الفاعل ذلك بلا ألف نحو "أَقْشَعَ الغيمُ" و "قَشَعْته الريحُ"، و "أًَتْرَفَتِ البئرُ" ذهب ماؤها و "تَرَفْناها نحنُ" و "أنْسَلَ رِيشُ الطائر" سقط و "نَسَلته أنا"، و "أكبَّ عَلَى وجهه" قال الله جل ثناؤه: "أفمنْ يمْشي مكِبَّاً عَلَى وجههِ" و "كَبَّهُ اللهُ" قال الله جل ثناؤه: "فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ". ص128
*******
ومما عمله التمثيل لمعاني الكلام من القرآن ، وكذا ما جاء على خلاف ظاهره ((والأمر نحو قوله جلّ ثناؤه: "والمطلَّقات يتربَّصْنَ". والنهي نحو قوله: لا يَمَسُّهُ إلاّ المطهَّرون. والتعظيم نحو سبحان اللهِ. والدُّعاء نحو عفا الله عنه. والوعد نحو قوله جلّ وعزّ: "سنريهم آياتنا في الآفاق". والوعيد نحو قوله: "وسيَعلم الذين ظلموا" والإنكار والتبكيت نحو قوله جلّ ثناؤه: "ذُقْ إنّك أنتَ العزيز الكريم".
وربّما كان اللفظُ خبراً والمعنى شرطٌ وجزاء، نحو قوله: "إنّا كاشفو العذاب قليلاً إنكم عائدون" فظاهره خبر، والمعنى: إنّا إن نكشف عنكم العذاب تعودوا. ومثله "الطلاق مرتان" المعنى: مَن طلّق امرأته مرتين فليُمْسِكها بعدهما بمعروف أو يسرّحها بإحسان.
والذي ذكرناه في قوله جلّ ثناؤه: "ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم" فهو تبكيت وقد جاء في الشعر مثله. قال شاعر يهجو جريراً:
أبلغْ جريراً وأبلغ مَن يُبَلّغُـه أني الأغرُّ وأني زهرةُ اليَمَنِ
فقال جريرٌ مبكّتاً له:
ألم تكن في وُسُوم قد وَسَمْتُ بها من حَانَ موعظةٌ يا زهرةَ اليَمَنِ
ويكون اللفظ خَبَراً، والمعنى دعاء وطلب مَرّ في الجملة. ونحوه: "إيّاكَ نعبُد وإياكَ نستعين" معناه فأعِنّا على عبادتك. ويقول القائل: أستغفر الله والمعنى: اغْفِرْ. قال الله جلّ ثناؤه: "لا تثريبَ عليكم اليومَ يغفِرُ الله لكم" ويقول الشاعر:
أستغفرُ اللهَ ذنباً لستُ مُحْصِيَهُ ربَّ العبادِ إليه الوَجهُ والعملُ)). ص290-291
نموذج جيّد : هو الاستثناء ، وقد بحث في قضايا منها تعريفه ومفهومه ، واستثناء القليل من الكثير ، ومجيء أداة الاستثناء بمعنى "الواو" و"بل" و و"لكن" ، واستثناء الشيء من غير جنسه. ص184-188 واستثناء ما زاد على النصف. ص189-191
توجيه ما جاء في الآيات مخالفًا للشائع :
وقد يوجّه الآية أو يخرجها مثل قوله :"فأما الكاف فِي قوله جل ثناؤه: "أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عليّ?" فقال البصريون: هَذِهِ الكاف زائدة، زيدت لمعنى المخاطَبة. قال محمد بن زبد: وكذلك رُوَيْدكَ زيداً. قال: والدليل عَلَى ذَلِكَ أنّك إذَا قلت أرأيتَكَ زيداً? فإنما هي أرأيت زيداً? لأن الكاف لَوْ كَانَتْ اسماً لاستحال أن تُعَدَّى "أرأيت" إِلَى مفعولين إِلاَّ والثاني هو الأول. يريد قولهم "أرأيتَ زيداً قائماً?" لا يتعدى "رأيتَ" إلى مفعولين إِلاَّ إِلَى مفعول هو "زيد" ومفعول آخر هو "قائم" فالأول هو الثاني. قال: و "أرأيتَك زيداً?" الثاني غير الكاف" 145-146
نماذج من كتاب الصاحبي : الأدوات نموذجًا :
وقد أكثر من إيراد الآيات في "باب اللام" ويحسن عرض كلامه عن آية الفتح ""إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبيناً لِيغْفَر لَكَ الله" فقال قائل: لِمَ جاز أن تكون المَغْفِرة جزاءً لِما امُتَنَّ بِهِ عَلَيْهِ وهو قوله: "إنا فتحنا لَكَ فتحاً"? فالجواب من وجهين: أحدهما أن الفتح وإن كَانَ من الله جلَّ ثناؤه فكل فعل يفعله العبد من خير فالله الموفق لَهُ والمُيَسّر، ثُمَّ يجازي عَلَيْهِ، فتكون الحسنة من العبد مِنةً من الله جلّ وعزّ عَلَيْهِ. وكَذلك جزاؤه لَهُ عنها منّة منه. والوجه الآخر أن يكون قوله جلّ ثناؤه: "إِذَا جاء نَصرُ اللهِ والفتحُ ورأيتَ النَّاس يَدخُلون فِي دين الله أفْواجاً فَسَبّح بحمدِ ربّكَ واسْتَغْفِره" فأمَرَهُ بالاستغفار إِذَا جاء الفتح، فكأنه أعلمه أنه إِذَا جاء الفتح واستغفر غفر لَهُ مَا تقدم من ذنبه وَمَا تأخر، فكأن المعنى عَلَى هَذَا الوجه: إنا فتحنا لَكَ فتحاً مبيناً، فإذا جاء الفتح فاستغفر ربك ليغفر لَكَ الله مَا تقدم من ذنبك وَمَا تأخر. وقال قوم: فتحنا لَكَ فِي الدّين فتحاً مبيناً لتهتدي بِهِ أنت والمسلمون فيكون ذَلِكَ سبباً للغفران" ص251
نموذج جيد ، وهو نص جيِّد لمعاني الأدوات : ((ثُمَّ – يكون لِتَراخي الثاني عن الأول: "جاء زيد ثُمَّ عمرو".
وتكون "ثُمَّ" بمعنى "واو عطف" قال الله جلّ ذِكرهُ: "فإلينا مرْجِعُهم ثُمَّ الله شهيد عَلَى مَا يفعلون" أي وهو شهيد.
وتكون بمعنى التعجّب كقوله جلّ ثناؤه: "ثُمَّ يَطْمَعُ أنْ أزيد" و "ثُمَّ الذين كفروا بربهم يعدلون" وأنشد قطرب أن "ثُمَّ" بمعنى "الواو":
سألت ربيعةَ مَن خَيرُها أباً ثُمَّ أمّاً فقالت لِمَـهْ
ومنه قوله جلّ ثناؤه: "ثُمَّ إنّ علينا بَيانُهُ" فأمّا قوله جلّ وعزّ: "ولقد خلقناكم ثُمَّ صوَّرناكم"فقال قوم معناها: "وصوّرناكم"وقال آخرون: المعنى "ابتدأنا خلقكم" لأنه جلّ ثناؤه ابتدأ خلق آدم عَلَيْهِ السلام من تُراب، ثُمَّ صَوَّره. وابتدأ خلق الإنسان من نُطْفَة ثُمَّ صَوَّره. قالوا: فـ"ثُمَّ" علي بابها. قال الله جلّ ثناؤه: "يُوَلُّوكم الأدبار ثُمَّ لا يُنصَرون".
وزعم ناس أن "ثُمَّ" تكون زائدة. قال الله جلّ ثناؤه: "وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُوا، حَتَّى إِذَا ضاقت عليهم الأرضُ بما رَحُبتْ –" إِلَى قوله جلّ ثناؤه – "ثُمَّ تاب عليهم" معناه: "حَتَّى إذا ضاقت عليهم الأرض تاب عليهم" وقوله جل ثناؤه: "خلقكم من طين ثُمَّ قضى أجلاً" وَقَدْ كَانَ قضى الأجل، فمعناه: "أُخْبِرُكم أنّي خلقتُه من طين، ثُمَّ أخبركم أنّي قضَيتُ الأجَل" كما تقول: "كلمتك اليومَ ثُمَّ قَدْ كلمتُك أمسِ" أي إني أخبرك بذاك ثُمَّ أُخبركَ بهذا.
وهذا يكونُ فِي الجُملِ، فأما فِي عطف الاسم عَلَى الاسم، والفعل عَلَى الفعل فلا يكون إِلاَّ مرتّباً أحدُهما بعد الآخر)) ص215-216
ومن كلامه الجيّد عن الأدوات كلامه عن الواو وحديثه عن إضمارها ص156
وحديثه عن مجيئها بمعنى "مَعَ.ص156-157
وقوله :"ومجيئها صِلةً زائدةً وتكون بمعنى "إِذ"{وهي الحالية}.ص157 وينظر بقية كمه عن الواو ص157-158
وحديثه عن "أم". ص168-169و"إنما" ص182-183 و "إذا" ص193-195 و"إذ" ص196-197 وأحيانًا يمحض ابن فارس حديثه للنص القرآني ، ويديره عليه ، مثل : "باب أَنَّى" ص200 " و"أيّان". ص202 و "حَتَّى" ص222
و هذه أدوات جديرة بأن تجعل نماذج: (("في" ص239 و"كَيْفَ" ص241-242 و"كَانَ" ص246-247 و"لَوْ ولَوْلا" ص252-254 و"لا" ص257-263
نموذج من تفسير المفردات غير الأدوات :
تفسيره الحروف المقطّعة يدل على عنايته بالتفسير في كتابه "الصاحبي" وهو كتاب لغة ، ولا يترك المفسِّرون بسط الحديث عن الحروف المقطّعة في أوائل السور ، وابن فارس شاركهم في كتاب لغويٍّ ، قال ابن فارس : ((فأمّا الحروف الَّتِي هي فِي كتاب الله جلّ ثناؤه فواتحَ سور فقال قوم ، فذكر أقوال أهل العلم ، واختلافهم ، وحاورهم ، ورجّح ، واختار ، في كلام طويل يعزّ نظيره في الكتب الممحوضة للتفسير. انظره في .ص161-ص165وهذا العمل قد يستغرب من ابن فارس ؛ إذ كيف يورد مثل هذا في كتاب لغوي ، وحق هذا التفصيل والجمع لا يكون إلا في كتب التفسير .
الألفاظ الدوّارة التي ليست أدواتٍ وحروفَ معنى : وقد يخص ابن فارس بعض الألفاظ الدوّارة الواردة في القرآن بمزيد عناية وتفصيل قول ، مثل "الآن" يقول : ((و "الآن" فِي كتاب الله جلّ ثناؤه: "الآن وفد عَصَيْتَ قَبلُ"، "الآن وَقَدْ كنتم بِهِ تستعجلون" أي فِي هَذَا الوقت وهذا الأوان تتوب وَقَدْ عصيت قبل.