السرد الإعجازي في القرآن الكريم
قصة يونس-عليه السلام- دراسة سردية
د/ نجلاء علي مشعل
كلية الآداب- جامعة كفر الشيخ
تقديم:
القران الكريم هو الفيض الإلهي المعجز، الذي سيظل يقارب إلى يوم الدين دون أن يبوح بكل تجلياته وكنه إعجازه، والسرد هو أخص وسائله التى يلتبس بها التبليغ والتأثير والإبهار الجمالى . لقد أعشى ألقه العيون، فكم من متأمل قد كل بصره أو خسئ من وهج نوره، فهو سرد ذو خصوصية ، فضلاً عن جمالياته الإعجازية في إحالته الحكي إلى العليم القدير مغايراً بذلك كل نمط بشري ما يصبغ النص الإعجازي القرآني بالقدسية والتنزيه ، وهي خصوصية تبرز اليقينية في جنس المقول ، وتلك اليقينية التي تجعل للوظيفة المرجعية ـ حسب رأي جاكبسون ( ) ـ أهمية بالغة فى إحالتها إلى حكي واقعي له من شواهد الدقة في آثار الأمم السابقة وأخبارها في الكتب السماوية وآثارها البشرية ، فيتحقق له بذلك فرادة القصة ـ في تحقق الوظيفة المرجعية ، وفرادة الخطاب في تواتر تجليات سردية مبهرة تتوافق وطبيعة السياق المحكي وأغراضه وغاياته، وفرادة النص في إيقاع صوتي معجز بكل مقايسه، مساوق لدلالة الأحداث، موافق لأغراضها يشتد ويصخب لشدتها، ويلين ويعذب فيما رق منها، ولا أدل على خصوصيته من انفعال النفس بقصصه مع مرات تكراره على الرغم من الإحاطة بمجريات أحداثها ومواطن التصاعد الحدثي أو انفراجه.
وفي قصة "يونس" ـ عليه السلام ـ تتجلى إعجازية السرد القرآني في نص شديد الإيجاز على مستوى السطح أو النص، شديد الامتلاء على المستوى العميق، كما أن فرادة السرد القرآني لقصة "يونس" نابعة من إعجازها السردي وخصوصية المضمون المفارق لسائر قصص الأنبياء، فلم يتحدث السرد عن عدم استجابة الأقوام وإنما الضد في التركيز السردي على مخالفة النبي ـ عليه السلام ـ في ترك القرية دون الإذن الإلهي، ثم تزدوج المفارقة باستجابة قومه دون سائر الأقوام.
والمقاربة السردية لقصة "يونس" ـ عليه السلام ـ سترتكز على معطيات نظريات السرد الحديثة ولا سيما البنيوية والسيميائية خاصة ما يبرز منها إعجاز السرد القرآني، فضلاً عن الدراسات الصوتية باعتبار الخصوصية الصوتية للسرد القرآني في كونه مقروءاً ومتلوا في آن، فيشكل إيقاعه تمفصلاً خاصاً نحيل فيه على نتاج الدراسات الصوتية في دراسة المكتوب ، فيمثل خصوصية القص القرآني في إيقاع معجز لقوم صناعتهم البيان ، و بما أن السردية تعمد إلى معالجة النصوص باعتبارها نصا جماليا، فتهتم بشكل أساسي بالمستويين التعبيري والمحتوى فسنعتمد هذا التقسيم و لكن مع دمج شقي السرد المتن والمبنى/ القصة والخطاب في تمفصل واحد بتقسيم قائم على المكونات السردية، أو عناصر السرد الفعل والفاعل و المكان و الزمان و أنماط السرد، ثم يخصص التمفصل الصوتي لدراسة الإيقاع كجزء من النص السردي، وبهذا ينقسم البحث إلى:-
1- مدخل:
وفيه عرض لبعض المفاهيم المتعلقة بموضوع البحث كالسردية أو علم السرد، وتقسيم السرد إلى ألوان تبعا لمناهج نظرية السرد، والحبك السردي و مرجعية قصة يونس- عليه السلام-.
2- تمفصلات سردية وتشمل مباحث أربعة لمكونات السرد:
المبحث الأول: الفعل القصصي ومتوالياته و فواعله.
المبحث الثاني: الشخصيات السردية وتشمل البطل يونس _ عليه السلام_ والحوت البطل الضد وقوم يونس.
المبحث الثالث: المكان القرآني أنواعه و جمالياته .
المبحث الرابع : الزمان السردي و أنماط السرد، وفي كل وحدات إشارية (دالة)، فالمكان مثلا القرية (نينوى) والبحر والسفينة وبطن الحوت والعراء، والفعل وحداته الإرسال و الإباق/ ذهب مغاضباً، و المساهمة، والالتقام، والنبذ إلى العراء، وإنبات اليقطين.
3- التمفصل الإيقاعي، ويمثله : المبحث الخامس :
و يشمل وحدات صوتية تُقَارب الإيقاع الإعجازي بكل مصاحباته الصوتية، فيبحث في جماليات فونيمات الفواصل، وتكرار بعضها على نحو دال يساوق أغراض السرد، وتوازي الآيات و تشاكلها التركيبي في تساوي أو تقارب عدد الحروف والكلمات ، وتكرار الروابط وحروف الجر على بعد مسافي متماثل أو متقارب.
ثم الخاتمة و تعرض بعض النتائج التي كشف عنها السرد الإعجازي في قصة يونس – عليه السلام- .