الجملة :
يتسم مفهوم الجملة بالتباين والغموض حتى اليوم , ففي النحو القديم تداخلت الجملة مع الكلام , ثم استقل كل واحد منهما على يد ابن هشام الأنصاري , إذ عرف الجملة بأنها المبتدأ والخبر وما كان بمنزلة أحدهما , أو الفعل والفاعل , والكلام هو القول المفيد بالقصد . ثم تتابعت تعريفات الجملة عند الدارسين بحسب الاتجاهات , ومن هذه التعريفات : الجملة عبارة عن فكرة تامة أو تتابع من عناصر القول , ينتهي بسكتة , أو نمط تركيبي ذو مكونات تشكيلية . أو هي بناء لغوي يكتفي بذاته , وتترابط عناصره المكونة ترابطاً مباشراً أو غير مباشر بالنسبة لمسند إليه واحد أو متعدد .
والمتأمل لهذه التعريفات يتضح لديه التباين الواضح في الاتجاهات التي تعتمد عليها التعريفات , فمنها ما يرتكز على منطلق دلالي محض , ومنها ما يرتكز على منطلق شكلي محض , ومنها يعتمد على المزج بين الدلالة والشكل , ولكن معظم هذه التعريفات تؤكد على استقلالية الجملة , وهذه الميزة تتضح في نحو الجملة إذ يقتصر على دراسة الجملة منزوعة من سياقها , ومن الباحثين المحدثين من عرفها من حيث ارتباطها بالسياق , فيقول : (( الجملة وحدة تركيبية تؤدي معنى دلالياً واحداً , واستقلالها فكرة نسبية تحكمها علاقات الارتباط والربط والانفصال في السياق )) , مما تقدم يمكن تقسيم الجملة على نوعين :
1- جملة نظام : هو شكل الجملة المجرد الذي يتولد عنه جميع أشكال الجملة الممكنة , وهو ما اعتمد عليه التوليديون التحويليون , وهذا يعطي للجملة معنى بعيداً عن السياق .
2- جملة نصية : وهي جملة تتسم بالتواصل مع جملة أخرى حيث يحتويها نص ما , ولها مدلولها في السياق , وتعطي دلالتها من خلال الاتساق والانسجام .
النص :
إن المفهوم الأساسي لأي نص أن يكون وسيلة لنقل الأفكار والمفاهيم للآخرين , فهو ينقل شيئاً ما إلى المخاطب , يقول جيفري ليتش إنه عبارة عن (( التوصيل اللغوي سواء كان منطوقاً أو مكتوباً باعتباره وسيلة فحسب تتخذ صورة شفرات محددة في صورتها المسموعة أو المرئية )) , من هنا يكون الاتصال واقعاً عن طريق النص لا عن طريق الكلمة أو الجملة المجردتين من النصية .
وكما اختلفت آراء الدارسين في تعريفات الجملة , فقد تعددت تعريفاته وتنوعت , وتداخلت إلى حد الغموض أحياناً ولكثرة تعريفات النص نختار هنا أبرزها :
عرف هاليدي ورقية حسن النص بأنه : أي فقرة مكتوبة أو منطوقة مهما كان طولها , شريطة أن تكون وحدة متكاملة .
والنص عند برنكر وايزنبرج هو تتابع مترابط من الجمل وقد علق برند شبلنر على هذا التعريف بأنه دائري , أي إنّه يوضح الجملة بالنص والنص بالجملة , فهو غير منهجي ولا يمكن تطبيقه ؛ لعدم توضيح الحد الفاصل بين الجملة والنص , وكذلك إمكانية وصف الجمل على أنها وحدات مستقلة , وقد لاحظ جون ليونز أن النص بناءً على هذا التعريف لا رابط بين مكوناته , ولابد أن يحتوي النص على مجموعة مميزة من الخصائص التي تفضي إلى التماسك والانسجام .
وبمثل هذا عرفه سعد مصلوح فقال (( أما النص فليس إلا سلسلة من الجمل , كل منها يفيد السامع فائدة يحسن السكوت عليها, وهو مجرد حاصل جمع للجمل , أو لنماذج الجمل الداخلة في تشكيله )) ويلحظ أن الجمل هنا فقدت خاصية الاتصال أو خاصية ارتباطها بالسياق .
ومن التعريفات من ركزت على العلاقة والربط بين أجزاء النص كتعريف د. الأزهر الزناد الذي يقول فيه (( النص نسيج من الكلمات يترابط بعضها ببعض , وهذه الخيوط تجمع عناصره المختلفة والمتباعدة في كل واحد )) .
والمتأمل لمجموع هذه التعريفات وغيرها التي لم نردها هنا اختصاراً يرى أن كل تعريف يركز على جانب من جوانب النص ويترك الأخرى , ولذا يقول د. صلاح فضل : (( علينا أن نبني مفهوم النص من جملة المقاربات التي قدمت له في البحوث البنيوية والسيميولوجية الحديثة , دون الاكتفاء بالتحديدات اللغوية المباشرة ؛ لأنها تقتصر على مراعاة مستوى واحد للخطاب هو السطح اللغوي بكينونته الدلالية , فالنص ليس مجرد لغة , وليس مجرد اتصال , وليس مجرد كتابة , وليس تتابعا لجمل مترابطة يراعي فيه الظروف الخارجية أحداثاً وزماناً ومكاناً , إنه يتكون من كل ذلك وأكثر )) .
ونستطيع أن نضيف لملامح النص ما أطلق عليه دي بوجراند ودريسلر ( المعايير النصية ) إذ أشار إلى مفهوم النص على أنه حدث تواصلي يلزم لكونه نصاً أن تتوافر له سبعة معايير للنصية مجتمعة ويزول عنه هذا الوصف إذا تخلف واحد من هذه المعايير, وهي : السبك , والحبك , والقصد , والقبول , والإعلام , والمقامية , والتناص .
-----------------------------------
ملخص من كتاب ( نحو النص اتجاه جديد في الدرس النحوي ) تأليف الدكتور أحمد عفيفي .