سأشرع’ بعون المولى عز وجل يوم غد الأثنين الموافق 22 -3-2013م-بأهداء أول قصيدة من أول ديوان لوالدى المغفور له إن شاءالله عز وجل ، الشاعرالراحل لطفى عبداللطيف ، حصريا فى منتدى تخاطب المميز...وقد صدر الديوان عام-1967م تحت عنوان " أكواخ الصفيح " بمقدمة يقول فيها طيب الله ثراه :-من الصعب أن يكتب
الانسان مقدمة ديوانه بنفسه ... خصوصا إذا كان هذا الانسان يكره المقدمات فى كل شىء ...ولكن ...من الصعب أيضا أن أبعث هذا الديوان الى الوجود-وهو الأول-بدون مقدمة فقد أحسست-غير الشعر-أننى أريد أن أقول شيئا منثورا بودى لو مر عليه القارىء قبل أن يقراء شعرى .
أريد أن أقول-غير متطفل على التواضع اللامجدى-أننى كنت أعتقد ذات يوم بأننى شاعر ، ولا امرؤ القيس فى "قفا نبك" أو عنترة فى حماس شعره ، أو المتنبى فى روائع
مدائحه ومراثيه ... وأفقت ذات يوم إلى أننى متطفل أدق باب مدرسة مغلقه ، علا جدران فصولها العنكبوت ، وهى مزار أكثر منها مدار...وأن مدرسة الشعر الحديث ، مهما تقول فيها المتقولون ، ومهما رماها الرماة بالأحجار التى يجمعونها من الأطلال ، فمدرسة الشعر الحديث هى مدرسة العصر وهى نتاج القديم من شعر العرب والقديم من شعر الغرب ، ولذا فهى جامعة جديدة أخذت من قديم الشرق والغرب أسسها ، ومسحت عن الشعر المديح والرثاء والتمرغ فى القصور ،والتركع تحت أقدام العشيقات الوهميات ... وهذا ليس معناه محاولة "الإحاد" بالقديم ومسحه من الوجود ، فليس هناك لخالد حق الموت والقتل ، وحاشى لعربى أن يتناسى أمجاده ، وبودنا أيضا لو تحاشى هذا العربى عن الشبث بعصر هو ليس فيه ، فلكل زمان جيله ، ولكل جيل سمته ، ولكل سمة أبعاد ومعان وخطوط ، قد تأخذ قوة النشأة من القديم ، إلا أن سنة الزمن لابد فارضة عليها أن تتجدد لأنها جديدة بطبعها ...ولكل جيل حق الخلق ، وإن كان ذلك الخلق قبيحا، أو وافر الجمال ، أو مسخا ، فإنما تلك أمور نسبية بقدر رؤيا الرائى ، ورأى الناقد ، ومدى التفاعل الذى يلى مرحلة الخلق ، بين الخالق والمستفيد ...
والشعر الحديث ليس هروبا من القافية كما يزعم ، ولا قصورا فى لغة الشعراء المحدثين كما يقال ، ولا فرارا من عظمة و "اهرامية" الأوزان والبحور...
وإنما الشعر الحديث مخلوقا ولده جيلنا ، أو هو نتيجة أوجدتها مراحل ، وليس من حق أحد الغاؤها أو الطعن فيها ... وأعنى بالشعر الحديث روائع نزار ، وعذابات البيتاتى ، وأحزان صلاح ، ومسيرة حجازى .. وأعنى الكلمات البسيطة المتناثرة والتى تحمل مضمونا يعبر عن هذا العصر وهذه الأجيال .. عن أمانيها وعذاباتها وفقرها ، واستعمارها ، وتاريخها العظيم وحاضرها المؤلم ، وفرقتها ولقاءاتها المبتورة ، وقلقها القلق ، وشهدائها الذين يغتالون كل يوم ، وعاملها وفلاحها، وأرضيها المغتصبة ، وفلسطينها .. وتأخرها الاقتصادى والصناعى ..إلى غير ذلك مما جمعه واقع هذه الأجيال ..
فهل ينفع فى هذا الواقع عجز من معلقة عنترة ، أو بيت من مجون أبى نواس ، أو مراثى الخنساء فى صخر ؟ .
لا اعتقد .. وإنما قد ينفع قول البياتى :
-فقراء يا قمرى نموت ...
-وقطارنا أبدا يفوت ...
فهو يشعرنا بأن لنا قطارا ، وأنه يجب أن لايفوت ،
وأننا يجب ألا نموت فقراء ...
هذا مثل بسيط يغنينا عن ضرب المزيد من الأمثال
قد تملأ الورق حبرا بدون جديد .
هذا هو ما دفعنى إلى رحاب المدرسة ، المدرسة الحديثة ،
اجلس فى فصولها محاولا أن أكون تلميذا نجيبا ..
أعيش واقعى ...وواقع وطنى وجيلى ...وواقع عالمى ...أعبر عنه
من خلال عمرى وتجاربى ...
ولعل كل هذه التجارب - أغلى ما أملك - سيمر عليها
القارىء فى قصائد هذا الديوان .. وضعتها صادقا بدون
"رتوش" ...وهى ليست رحلتى أنا فقط، وإنما هى رحلة الآلاف
من أبناء وطنى ..
وقد يقال أننى متأثر بالبياتى فى ديوانه "مدينة بلا قلب" ..ولكن
هذا التشابه أو التقارب من حيث قصصية الشعر إنما هو مفروض ...
لأن رحلتى من الريف إلى المدينة كانت تجربة لم أرد تجاهلها ، ولم
أستطيع نسيانها .
ومع أننى عشت جلا من صباى فى تونس كمهاجر ..
فأنا كأننى لم أخرج من قريتى ومدينتى ، ومن جيلى ..
أحببت فى هذه القرية وهذه المدينة ، وهذا الجيل كل شىء ..
ذلك أنه كل ما أملك أن أراه وألمسه وأسير فوقه وتحته وإلى
جانبه ، أمضغ أيامى بطعمه .. لا يبعدنى عنه وهم حب غادة
اسبانية من قرطبة .. ولا وهم جفا وهجران وجوى وحبيب كالقمر ،
أو كالوردة فى أوان تفتح أكمام الربيع .. ذلك أن هنا جيلا يسير ..
وصفيحا قائما .. ورحلة شعب ..على كل فنان أن يجسم تجاربها ويلقى
الضوء على ما فيها بحب واخلاص .. فربما عرف هذا الجيل من خلال
محبيه نفسه .. وإذا عرف هذا الجيل نفسه فهو حتما سيد طريقه إلى الخير
والنور ..
و ..
إلى جيلى أهدى هذه العصارة ...
########################
مقدمة : من ديوان "أكواخ الصفيح" بقلم الراحل لطفى عبداللطيف، وإلى الغد مع أول قصيدة فى الديوان
إبن الشاعر الراحل لطفى عبداللطيف @"خالد"@