زيان ليلى .عضو مشارك
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 13 نقاط : 37 تاريخ التسجيل : 21/05/2010 المهنة : أستاذ مكلف بالدروس بجامعة بشار الجزائر
| موضوع: العلاقة بين اللهجـة و اللغـة 2010-06-05, 21:10 | |
| العلاقـة بين اللهجة و اللغـة ذكرنا أنّ اللّهجة هي طريقة معينة في الاستعمال توجد في بيئة خاصّة من بيئات اللغة الواحدة .كما قد تكون أداة تخاطب ، ووسيلة تفاهم بين الأفراد الذين يتحدّثون لغتهم المشتركة والتي تأخذهم على التعامل اليومي و التبادل التجاري ، و غيرهما من أساليب التعايش و شؤونهم الفكرية أو سواها ، و بهذا تكون عاملا مؤثِّرًا ، و سببًا مهمًّا في الرّبط بين الأفراد ، لتمكِّنهم من التَّعبير عن خلجاتهم الفكرية و النَّفسية . وبهذا تكون اللّهجة قد ارتبطت بمفهومي اللّغة و اللّحن ، إلاَّ فيما اختلفت عنهما في بعض الميزات التي جعلت كلاًّ منهما ينفرد باسمه و أخصِّ خصوصياته . و لعلّ هذا التداخل الواضح يُفسِّره تجاور الفصحى و اللّهجات في العصور الأولى إلى يومنا هذا . يقول " فندريس " : « الذين يتكلَّمون إحدى اللّغات يَمِيلون دائمًا إلى المحافظة عليها كما هي ، و كذلك التبادل الكلامي الذي يحدث باستمرار بين أعضاء مجموعة اجتماعية واحدة يؤدِّي إلى توحيد اللّغة . و من هنا تنشأ اللّهجات ، و كذلك اللّغات المشتركة التي تسير مع اللّهجـات جنبًا إلى جنب » .[1] فالذي ينبغي معرفته أنَّ اللّغة العربية في كلِّ عصورها المعروفة اختلفت ألسنة العرب في نطق لهجاتها تبعًا لاختلاف القبائـل و ظروفـها الاجتمـاعية ، فمسَّ أصوات الكلمات و بنيتها و الجمل و الإعراب ، كما شمل أيضًا معاني الكلمات فهمًا و دلالة .[2] فمن الأسانيد الدالة على وجود كل من الفصحى و اللهجات في الجاهلية ، ما ورد من كلام الرسول - صلى الله عليه و سلم - مع الوفود العربية التي كانت تأتيه رغبة في الإسلام ، و كذلك كُتُبُـه إلى الملوك و رؤساء العشائر العربية في الدعوة إلى الإسلام و شرح مبادئه . روى ابن الأثير : قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- للرسول – صلى الله عليه و سلم- و سمعه يخاطب وفد بني نهـد : يا رسول الله نحن بنو أب واحد و نراك تكلِّم وفود العرب بم لا نفهم أكثره ، فقال : ( أدَّبني ربِّي فأحسن تأديبي ، و رُبِّيتُ في بني سعد ) . فكان الرّسول – صلـّى اللّه عليه و سلّـم – يُخاطب العرب على اختلاف شعوبهم و قبائلِهم ، كلاًّ منهم بما يفهمون ، و لهذا قال – صلّى الله عليه و سلّم - : ( أُمِرْتُ أن أُخَاطِبَ النَّاس على قدر عُقُولِهِم ) [3]. و من أقوى الأسانيد أيضًا على هذه القضِيَّة قِراءات القرآن المتعدِّدَة التي أُبيح للعرب القراءة بها تيسيرًا عليهم ، فإنَّ هذه القراءات كانت لاختلاف اللّهجات بين العرب [4]. إنَّ اللّغة تحتوي إلى حدٍّ كبير على بعض اللّهجات المتنوِّعة ، إذْ تشترِك هذه اللّهجات فيما بينها بِمواصفات شكلية هي التي تجعل منها بالذات لهجات متنوِّعة عن اللّغة [5] . أمَّا العلاقة بين اللّهجة و اللّغة فهي علاقة الخاصّ بالعام ؛ لكلٍّ منها خصائصها و لكنّها تشترك جميعا في مجموعة من الظواهر اللّغوية التي تيسِّرُ اتِّصال أفراد هذه البيئات بعضهم بِبعض ، و فهم ما قد يدور بينهم من حديث فهمًا يتوقّف على قدر الرَّابطة ، التي تربط بين هذه اللّغات ، و تلك البيئة الشاملة ، التي تتألَّف من عِدَّة لهجات ، هي التي اصطلِح على تسميتها باللّغة ، فاللّغة تشمل عادة عدّة لهجات ، لكلٍّ منها ما يُميِّزها من الصِّفات اللّغويّة و العادات الكلامية ، التي تؤلِّف لُغة مستقلّة عن غيرها من اللّغات [6]. و في رأي بعض العلماء أنّ هذا التلازم يقتصر أيضاً ، في الحياة العامة للأفراد بحيث قد تتنوّع بين الطبقات ، كما قد يلزم على الفرد المثقَّف أن يستعمل الفصحى في وسطه العلمي بين النخبة المثقفة ، في حين أنه عندما ينزل إلى عامّة الناس يضطر إلى تغيير أسلوب التواصل فيستعمل بذلك اللغة العامية ، و في ذلك يقول الدكتور محمد أحمد أبو الفرج : « و في رأيي أنّ المجتمع اللغوي العربي كان على هذه الشاكلة التي نراها من حولِنا منذ العصر الجاهلي ، لُغة فصحى مشتركة تُستَعمل في المحافل العربيّة العامّة و يكتب بِها الشعراء ، و يخطب بها الخطَباء في المحافل العامَّة ، كأيَّام الحجِّ ، و يتنافسون في الأسواق الأدبيَّة التي كانت تُقام مثل سوق عكاض . و لهجات عامِّية مختلِفة يتحدَّث بِها النَّاس في أسواقهم و بيوتِهم و حياتهم اليوميّة عامَّة هنا و هناك »[7]. و يقول الأستاذ إبراهيم أنيس في موضع من كتابه ، مؤكِّدًا وجود الفصحى من ناحية و اللَّهجات من ناحية أخرى جاعِلاً ذلك نتيجة للتوحد بين القبائل لِحاجات معيَّنة ، و للثقافة و المناظرات الأدبيَّة و المساجلات في الشعر أو الخطابة فيقول : « فكلامهم في حياتهم العاديَّة كان يُخالف إلى حدٍّ كبير لغة الكتابة و الأدب التي كانوا يلجأون إليها في المجال الجدِّي من القول »[8] . [1] - اللّغة : فندريس .ص236. نقلا عن المستوى اللّغوي للفصحى و اللّهجات . محمّد عيد ص 89. [2] - المرجع السابق : ص39- 40.[3] - اللّغة : فندريس . ص236. نقلا عن : المستوى اللّغوي للفصحى و اللّهجات : محمد عيد . ص40.[4] - المرجع نفسه : ص 42. و ينظر . بوادر الحركة اللّسانية عند العرب : د . عبد الجليل مرتاض . ص53- 54.[5] - الألسنية المبادئ و الأعلام : د . ميشال زكريا . المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع .ط2. بيروت 1983. ص122.[6] - في اللّهجات العربية : د إبراهيم أنيس . ص16. و ينظر . فصول في فقه اللّغة : د. رمضان عبد التوّاب .مكتبة الخانجي .ط 3 . القاهرة .1987. ص72. [7] - مقدّمة لدراسة فقه اللّغة : د . أحمد محمّد أبو الفرج . ص91. [8] - في اللّهجات العربية : إبراهيم أنيس . ص5- 6. |
|