توطئـــــة :
الواقع أن تاريخ اللغات يحيطه الغموض لتغلغله في أزمان سحيقة ولذلك لا نكاد – على وجه التحديد – نعرف عصر الطفولة للغة ما على نحو واضح دقيق.
واللغة العربية هي أقدم تلك اللغات الكثيرة التي بسطت نفوذها على رقعة متسعة من الأرض ، ودرجت عليها وهي – كغيرها من اللغات – لا نكاد نعرف شيئا مفصلا عن حياتها الأولى.
وقد نشأت العربية ضعيفة محدودة في ألفاظها وتصرفاتها لأن مظاهر الحياة آنذاك كانت محدودة ، وفي غضون قرون عديدة تشعبت حاجات أهلها وكثرت متطلباتهم تبعا لنموهم المطرد ، وتنقلاتهم في موطنها (شبه الجزيرة العربية). من مكان إلى آخر ، وهذا يدعو إلى ابتكار لغوي جديد يعبر عما يريدون من رغبات ، فكثرت الألفاظ والتصريفات اللغوية، وظهرت لهجـات عربية في أماكن متفرقـة، ولهذا تكون اللغة قد دخلت مرحلة متقدمة من النضج والكمال.
كان للقرآن الكريم حدثا ضخما في حياة اللغة العربية، إذ قام بتوجيهها إلى أن تكون لغة فكر، يصلح واقعها ويخطط لمستقبل الحياة ، ويدل على مواطن العبرة في مظاهرها الكونية العجيبة. كما كان سببا في تهذيبها لتصير لغة من أكثر لغات العال انتشارا ، ولعل من أعظم معجزاتها الباهرة أن تحقق لهاهذا المكسب في ظرف زمني وجيز ، و عاشت اللغـة العربية قرابـة ألف وخمسمائـة سنة وهي تؤدي مهمتهـا على نحو متحرك تجاوبـت فيه مع الزمن والتطور وتفردت حتى بين اللغات السامية . واستطاعـت أن تجري مع الحضـارات وتلبي مطالبها دون تقهقر يذكر.
ولعل أهم الدراسات المبكرة التي أولت عناية للغة العربية من حيث هي كائن اجتماعي يتطور تلك التي تبناها الغربيون في أواخر القرن التاسع عشر ،وبداية القرن العشرين ،وربما أمكننا الاستئناس بها في هذا المقام إذتتنزل جلها في سياق الاعتراف بفرادة البناء اللساني العربي ،وقدرة هذه اللغة على مواكبة مستجدات العصر والحدث الحضاري ، فإرنست رينان مثلايذكر في كتابه تاريخ اللغات السامية أنه من أغرب ما وقع في تاريخ البشر ،وصعب حل سره، إنتشار اللغة العربية. فقد كانـت هذه اللغة غير معروفة ثم بـدأت فجأة في غاية الكمال ، سلسـة أيٌ سلاسـة، غنية أيٌ غنى ، كاملة بحيث لم يدخل عليها إلى يومنا هذا أي تعديل مهم، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، فظهرت لأول أمرها مستحكمة، ولم يمض على الأندلس أكثر من خمسين سنة حتى اضطر رجال الكنيسة أن يترجموا صلواتهم بالعربية ليفهمها النصارى، ومن أغرب المدهشات أن تثبت تلك اللغة القوميـة وتصـل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمة من الرحل، تلك اللغة فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها، وحسن نظام معانيها ، أما فرينبـاغ الألمـاني فيذكر أنه ليست لغة العرب أغنى لغات العالم فحسب بل الذين نبغـوا في التأليف بهـا لا يكاد يأتي عليهم العد، وإن اختلفنا عنهم في الزمان و السجايا والأخلاق، أقام بيننا نحن الغرباء عن العربيـة وبين ما ألفوه حجابا لا تبين ما وراءه إلا بصعوبة .
أ-التفكيـر اللسانـي عند العـرب
العربية أو علـم العربية أو النحو أو علم اللغة أو علم اللسان، عددا من المصطلحات تترد في التراث اللغوي العربي للدلالـة على دراسة اللغـة العربيـة أو بعض جوانبها دراسـة علمية منظمـة . وإذا أردنـا ترتيب هذه المصطلحات حسب الظهور ، وجدنا أن مصطلـح ” العربية “ أقدم هذه المصطلحات، يلي ذلك مصطلح ” اللغة “ أو ” متن اللغة “ ، أما مصطلحات ” علم اللسان“ و ” علم اللغة“ فلم يظهر إلا بصورة ضئيلــة في كتب تصنيف العلـوم ، و عند بعض المؤلفين في القرون المتأخرة مثل: السيوطي ( ت 911 هـ) وطاش كبرى زادة (ت 968 هـ) و الفارابي في كتابه ” إحصاء العلوم “ .
وسنعرض فيما يلي لمفهـوم وحدود كل مصطلـح من المصطلحـات وما يدل عليه في التراث اللغوي عند العرب :
1- العربية و علم العربية :
إن مصطلح ” العربية “ كان أسبق إلى الظهـور من ” علم العربية “ وقد ظهر مع مصطلحات لغوية في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، للدلالة على الذين اشتغلوا بدرس اللغة العربية كأبي الأسود الدؤلي وطبقة من قراء القرآن الكريم، وقال أبو النضر :"كان عبد الرحمن بن هرمز أول من وضع العربية " ، ثم استقر هذا المصطلح مع طبقة من علماء العربية مثل عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي (ت 117 هـ)، و عيسى بن عمر (ت 149 هـ) ، وأبي عمرو بن العلاء (ت154 هـ) ويونس بن الحبيب (ت 189 هـ)، والخليل بن أحمد (ت 175 هـ) ،وتلميذه سيبويه (ت 180 هـ). هؤلاء العلماء الذين درسوا اللغة العربية دراسة علمية منظمة، تقوم على جمع المادة اللغوية و تحليلها واستقرائها من خلال رؤية وصفية ثم استخلاص النتائج وصياغتها في شكل قواعد فيما بعد من طرف النحويين ،كما اتسمت هذه الدراسة بالشمول أي دراسة اللغة العربية صوتيا وصرفيا ونحويا ودلاليا.
ومن خلال هذه النظـرة الشاملـة القائمة على أصول ومبادئ نظريـة وتحليلية أضيف مصطلح ” علم “ إلى مصطلح ” عربية“ فأصبح ” علم العربية “ . وقد ظهر هذا المصطلح في القرن الثاني الهجري .
2-النحــو :
أغلب الظن أن مصطلح ” النحو“ ظهر بعد مصطلح ” العربية“ أو ” علم العربية “ وذلك عندما ظهـرت فئة أو طبقة من المعلمين الذين أخذوا يعلمون الناس قواعد العربية لكي تستقيم ألسنتهم بعد تفشي اللحـن فيهم، ،وكـان هذا المصطلـح- أول ما ظهر-يشير إلى القواعد التعليمية التي تعلمها الناس لكي يلحقوا بالعرب الفصحـاء في إجادتـهم العربية . كما تدل كلمة ” نحويين“ على تلك الطبقة من الناس التي أخذت تشتغل بتعليم النحو أي القواعـد التعليميـة ،وهو يختلف عن العربية أو علم العربية الذي كان يشير إلى الدراسة العلمية للغة العربية إلاّ أننا نجد من يسوي بينهما كأبي حيان الذي يرادف بينهما مستدلا بقول سيبويه :"هذا علم ما الكلم من العربية " .
3- علم اللغة :
كان مصطلح ” اللغة“ يدل على نوع من الدراسة المنظمة بخاصة تلك التي تتصل بعمل المعاجم و تأليف الرسائل اللغوية ، و بصورة عامة فإنه يدل على دراسة المفردات و معرفة الدلالات ، و تنظيم ذلك في صورة كتب أو معاجم ، و هو بهذا يختلف عن مصطلح ” العربية“ أو ” علم العربية“ ،كما يختلف عن مصطلح ” النحو“ أيضا.
و استبدل هذا المصطلح فيما بعد بمصطلح جديد و هو ” علم اللغة“ الذي يشمل دراسة الجوانب التالية :
1 – العلاقة بين اللفظ و المعنى
2 – الأصوات أو الحروف التي تتألف منها المفردات
3 – الصيغ الصرفية
4 – الدلالة الوضعية للمفردات( ) .
و يجمع اللسانيون اليوم على أن هذا العلم ، علم معياري (Prescriptive) أي أنه يبحث في جوانب الصواب و الخطأ في استعمال المفردات من حيث الدلالة و البنية ، وليس علما وصفيا (Discriptive) يصف المادة اللغوية في ذاتها دون البحث عن الصواب و الخطأ في الاستعمال .
أما الموضوعـات التي كانـت تدل عليها مصطلحات ” اللغة“ أو ” علم اللغة“ أو ” علم اللغات “ فتتمثل فيما يلي :
1 – جمع المادة اللغوية المتمثلة في المفردات و ترتيبها
2 – عمل المعاجم و بعض الرسائل اللغوية في تنظيم المادة.
3 – دراسة نص الجوانب (صوتية، صرفية ، إشتقاقية).
4 – معرفة اللهجات العربية القديمة و الفروق بينهما.
5 – البحث في نشأة اللغة 1.
4-علم اللسـان :
يعد هذا المصطلـح من المصطلحـات النادرة الإستخدام في الدلالة على الدراسة اللغة في التراث اللغوي العربي، و يعـد ” الفارابي“ (ت 339 هـ) أقدم من إستخدمه في كتابة ” إحصاء العلوم “ و الذي قسمه إلى خمسة فصول و هي :
1 – في علم اللسان و أجزائه
2 – علم المنطق و أجزائه
3 – في علوم التعاليم (العدد ، الهندسة ، علم المناظر ...) .
4 – في العلم الطبيعي و أجزائه .
5 – في العلم المدني و أجزائه و في علم الفقه و علم الكلام .
و نلاحظ أن الفارابي قد وضع في مقدمة هذه العلوم ” علم اللسان “ كأنما هذا العلم عنده هو مفتاح العلوم الأخرى ومصرفها.
أما ما يقصـده الفارابي بمصطلح ” علم اللسان “ و تصوره لموضوعاته و منهجه، فنجد ذلك في الفصل الأول ، حيث يرى أن علـم اللسان ضربـان : أحدهما حفـظ الألفاظ الدالـة عند أمـة ما و علم ما يدل عليه شئ منها.
و الثاني : علم قوانين تلك الألفاظ.
أي أن علم اللسان يتفرع عنده إلى فرعين هما : علم اللسان الاجرائي ذي الغرض التعليمي و علم اللسان النظري الذي يعنى بالقضايا العامة في البنية اللغوية .
أما فروع علم اللسان و هي عنده تقع في سبعة فروع أو علوم – كما أسماها – بعضها عام يشمل كل اللغات و بعضها خاص للغة معينة و هي :
1-علـم الألفـاظ المفـردة:
2-علم الألفاظ المركبة
3-علم قوانين الألفاظ المفردة
4-علم قوانيـن الألفـاظ عندما تتركب :
5-علم قوانين الكتابة (Graphemics):
6-علم قوانين تصحيح القراءة :
7-علم الأشعــار
من خلال ما سبق نستطيـع القول أن الفارابي في عرضه لفروع ” علم اللسان “ يوسع من دائرة هذا العلم بحيث يشتمـل عنده على علوم خاصة و علوم أخرى عامة ، كما أدخل في هذا العلم جوانب تعليمية تطبيقية تنتمي الآن إلى فرع مستقل في اللسانيات الحديثة يطلق عليه اسم اللسانيات التطبيقية ( d’appliqué linguistique ).
وما هذه إلا إطلالة سريعة على التراث اللغوي عند العرب الذي قدم لنا عددا من المصطلحات التي تدل في مجملها على طرق ومناهج متعددة في دراسة اللغة العربية وهي النحو واللغة أو علم اللغة، في حين قدم لنا التراث الفلسفي أو المفهوم العلمي لدراسة اللغة عامة واللغة العربية خاصة كما يتمثل في مصطلح علم اللسان .
ب-قطاعات البحث اللساني عنـد العـرب :
البحث اللغـوي قديم في التـراث العربي، بدأ مع قيـام الحركة العلميـة في القرن الثاني الهجـري، ولقد نشأت الدراسة اللغوية العربية في رحاب التحول الفكري والحضاري الذي أحدثه القرآن الكريم في البيئة العربية، انطلاقا من الشعور بمعجزة البناء اللغوي على المستويين التركيبي و الدلالي .
ولم يكن البحث اللغوي عند العرب من الدراسات المبكرة التي خفوا لها سراعـا ، لأنهم وجهـوا اهتمامهم أولا إلى العلوم الشرعية الإسلامية ، و حين فرغوا منها أو كادوا اتجهـوا إلى العلوم الأخرى ،و منذ منتصف القرن الثاني الهجري بدأ العلماء المسلمون يسجلون الحديث النبوي الشريـف ، ويؤلفـون في الفقه الإسلامي والتفسير القرآني و بعد أن تم تدوين هذه العلوم اتجـه العلماء وجهة أخرى نحو تسجيل العلوم غير شرعية ومن بينها اللغة والنحو .
و سنعرض فيما يلي لأهم المستويات اللسانية التي تناولها اللغويون العرب بالدراسة ، و هي على الترتيب:
1- المستوى الصوتي.
2- المستوى الصرفي والنحوي.
3- المستوى المعجمي.
4- المستوى الدلالي.
5- المستوى البلاغي
1- المستوى الصوتي :
إن أقل الناس إلماما بالرصيـد اللساني في للتراث العربي يدرك أن الجانب الصوتي قد حظي باهتمام خاص لدى الدارسين الأقدمين على اختلاف توجهاتهم العلميـة ، منهم القـراء ، و النحاة، وعلماء الأصول، والفلاسفـة، وأحسـن دليـل علـى ذلك أن الإهتمـام بالظاهـرة الصوتيةكان هو أن الأساس الأولي المعوٌل عليــه في وضع المعايير التأسيسية للنحو العربي، ،ويبدو أن أصفى صورة لتبرير ما نحن بسبيله قصة أبى الأسود الدؤلي (ت 68هـ) مع كاتبه حينما همّ بوضع ضوابط لقراءة القرآن إذ قال له : ”إذ رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، فإن ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف، فإن أتبعت شيئا من ذلك غنة فاجل مكان النقطة نقطتين “.
ولقد اهتم النحويون بعدة قضايا صوتية وصرفية، وشغلت الفصول الصوتية عدة صفحات في أمهات كتب النحـو، وكتاب سيبويه وهو أقدم كتاب وصل إلينا في النحو العربي يضم صفحات قيمة في الدراسات الصوتية . إذ جعل البحث الصوتي وسيلة من وسائل التحليل الصوتي بالدرجة الأولى. ولذلك كان البحث الصوتي عند سيبويه أساسا لتفسير عدد من الظواهر في مقدمتها ظاهرة الإدغام ، وكان عند الخليل مدخلا للإعجـام، وعند مؤلفي كتـب القراءات وسيلـة لوصف ظواهرهـا الصوتية. أما الكتاب الوحيد الذي ألف في الدراسات الصوتية وحدها فهو كتاب ” سر صناعة الإعراب“ لابن جني ،ومن أهم الموضوعات الصوتية التي ركز عليها ابن جني في كتابه ” سر صناعة الإعراب“ ما يلي :
1- عدد حروف الهجاء وترتيبها ووصف مخارجها .
2- بيان الصفات العامة للأصوات وتفسير باعتبارات مختلفة .
3- ما يعرض للصوت في بنية الكلمة من تغيير يؤدي إلى الإعلال أو الإبدال أو الإدغام أو النقل أو الحذف .
4- نظرية الفصاحة في اللفظ المفرد ورجوعها إلى تأليفه من أصوات متباعدة المخارج
أما أهم النتائج الصوتية التي توصل إليها العرب وهي باختصار :
1- وضع أبجدية صوتية للغة العربية ، رتبت أصواتها بحسب المخرج ابتداء من أقصى الحلق حتى الشفتين.
2- تسمية أعضاء النطق بأسمائها (رئة، حلق، حنجرة ... ) وتقسيم الحلق إلى : (أقصى، وسط، أدنى) . واللسان إلى : (أصل ، أقصى ووسط ، ظهر، حافة، طرف ).
3- تقسيم الأصوات إلى : شديدة ورخوة باعتبار مجرى الهواء ووضع قائمة بأصوات كل نوع .
4- تقسيم الأصوات إلى : مطبقة ومفخمة.
5- تقسيم الأصوات إلى :مجهورة ومهموسة باعتبار وجود رنين يصحب نطق الأصوات.
6- تقسيم الأصوات إلى : صحيحةومعتلة على أساس اتسـاع المخرج مع العلة دون الصحيحة، كما اهتدوا إلى الصفات التي تميز بعض الحروف كاللام الذي وصفوه بالمنحرف، والراء التي وصفوها بالمكرر وغيرها .
7- قسموا حروف العلة (أوى) إلى : قصيرة وطويلة وأصول .
8- تحدثوا عن الائتلاف بين الحروف وكيفية بناء الكلمة العربية.
إن الرقي الذي بلغه الفكر العربي في مجال الدراسة الصوتية منذ القرن الثاني للهجرة، جعل بعض الباحثين الغربيين يفترض وجـود اقتباس واسع عن حضـارات سابقـة تتمتع بمفاهيم لسانية متطورة، كالحضارة اليونانية، والهنديـة، وفي هذا السبيل حاول الباحـث ( فولرز- K-Volers) تبييـن بعض نقاط التقاطـع بين جهود (يانيني) في مجال الدراسة الصوتية والعلوم الصوتية العربية التي أنشأها الجيل الأول من النحويين العرب أمثال الخليل، وأما (بروكلمان) فقد رفض هذا الرأي القائل بتأثر العرب بالدراسات النحوية والصوتية للحضارات القديمة وعد علم الأصوات عند العرب ظاهرة قائمة بذاتها .
2- المستوى النحوي والصرفي :
إن تفشــي اللحن في العربية وخوف العـرب من وقوعه في القرآن لم يكـن وحده هو الذي دعاهم إلى وضع النحو، بل هناك بواعث أخرى، ففهم النص القرآني الكريم والتعرف على أسراره كان هدفا يتوخاه كل مسلم ، وعلم النحو هو أقرب العلوم اللغوية إلى هذه الغاية ،ونشأة العلوم الإسلامية تدعم هذا إذ نشأت كلها لهذه الغاية ، كما أن حاجة المسلمين من غير العرب إلى تعلم العربية والتعبـد بكتابها الخالد ،والحرص أول الأمر على تعلمها دعاهم إلى وضع القواعد التي تضبط الاستعمال اللساني للغة العربية الصحيحة .
وتكاد الروايات تتفق على أن أبا الأسود الدؤلي هو الذي وضع النحو بعد أن أخذه عن علي بن أبى طالب(كرم الله وجهه) ، وعلم النحو يعرف به أواخر الكلم إعرابا وبناء، وهو ما يعرف بعلم الإعراب ، وهي نظرة ضيقة جدا سادت في العصور المتأخرة ،أما علم الصرف فيبحث فالتغيرات التي تلحق بنية الكلمة لغرض معنوي أو لفظي، ويراد ببنية الكلمة هيئتها أو صورتها الملحوظة من حيث حركتها وسكونها وعدد حروفها ، وقد كان من الطبيعي أن يبدأ علمــاء العربية في جمع ألفاظها قبل أن يضعوا قواعدها و لهذا يرجٌع المؤرخون البحث النحوي – بالمعنى الفني لكلمته نحو- قد بدأ متأخرا عن جمع اللغة، لأن تقعيد القواعد ما هو إلاٌ فحص لمادة لغوية تم جمعها بالفعل و محاولة لتصنيفها و استنباط الأسس و النظريات التي تحكمها ،ويعد سيبويه المقنن الأول لمنظومة النحو العربي من خلا ل كتابه : الكتاب ،الذي يشيد بقيمته المازني في قوله : ”من أراد أن يعمل كتابا في النحو بعد كتاب سبويه فليستحي“ ،وعده الإمام الشاطبي عالم الأندلس الأصولي موجها منهجيا للمفكر العربي بقوله : هذا كتاب يتعلم منه النظر والتفتيش في المسائل ، وعلى الرغم من نسبة الكتاب إلى سبويه فإن دور الخليل فيه لا يجحد، حتى أن هناك من قال أن الأوفق أن ينسب الكتاب للخليـل، يقول ثغلــب : ” إجتمع على صنعـة الكتاب إثنان وأربعون إنسانا منهم سبويه، و الأصول والمسائل للخليل“
اعترف جميع الدارسين بمدرستين الكوفة و البصرة ، وأقروا بأسبقيتهمـا في الدراسات النحوية تنظيرا وتطبيقا، وأضاف آخرون من أمثال مهدي المخزومي وبروكلمان وشوقي ضيف وطه الراوي وغيرهم مدارس أخرى في بغداد والشام ومصروالأندلس والمغرب...يتبع...
المصدر : http://ghilous.hooxs.com