انكسارُ الأَخِيرَيْن (2) من قلم:فتحي رَمَضَان الأَغا
* حقوق الملكية الفكرية محفوظة للكاتب.
توقف الموضوع السابق عند تساؤلٍ حول انكسارالأخيريْن، وأُريدَ بذلك: الآخِر الصرفيّ والآخِر النحويّ "لام المفردة"،أما عين المفردة فلوحظ أن ما قبل الآخِر كان مكسورًا وفق مجموعة الأسماء والأفعال ،يمكن الزعم أن ذلكم المسمَّى "قبل الآخِر" يقابل ما يسميه الدرس الصرفيّ أو الصنعة الصرفية "عين الكلمة"، وهذا الكسر لا دخل للنحو فيه، فهو انكسار ثابت يرتبط بنظام دقيق من بِنية الكلمة التي يعالجها علم الصرف، أما كسر الآخر فهو ينصَبّ على مايسميه الصرف لام الكلمة، وهو خاضع للاعتبارت النحْويّة الخالصة، كما أنه قابل للتغيير من كسر إلى فتح أو ضم طبقا لما يَعْتَوِر المفردة من مؤثرات وعوامل النَّحو، وهذه تتمة للموضوع السابق. لقد تبين بعد استقراء آيات كريمات من البيان العالي أنّ مما ورد ضمن منظومة انكسار الأخيرين:
أولاً: أسماء منكسرة الآخِرَيْن وردت جموعًا تكسيرية مجرورة بالكسرة :
1- وزن مَفاعِلِ"بكسر الأخيرين": { فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ } المعارج40
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } المائدة6
{ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } البقرة 187
2- وزن فَعائِل "بكسر الأخيرين": { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ } النحل48
{ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ } يس56
3- وزن فَواعِل"بكسر الأخيرين": { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ } المائدة4
{ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ } البقرة19
{ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ } النحل26
ثانيًا: أسماء منكسرة الأخيرين وردت مفردة مجرورة بالكسرة:مَفْعِل-مُفْعِل-فاعِل- فَعِل:
{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً } المزمل9
{ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ }البقرة220
{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ القلم48
{ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } الذاريات19
{ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ } الشعراء114
{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } الجمعة1
{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } المائدة42
ثالثًا: أفعال مضارعة معتلة وردت منكسرة الأخيرين تراوحت بين الأجوف والناقص، حُرِّكَ آخرها المجزوم بالسكون نحو الكسر تخلصا من التقاء الساكنين:
{ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالاً } نوح24
{ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً } البقرة41
{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء110
رابعا: أفعال مضارعة صحيحة كُسِر آخرها المجزوم على السكون تخلصًا من التقاء ساكنَين:
{ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا } البقرة63
{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء110
{ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ } المرسلات16 { وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } النساء143
{ إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } النساء35
{ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } الأنفال13
خامسًا:أفعال أمر كُسِر آخرها المبنيّ على السكون تخلصًا من التقاء ساكنَين:
سكون البناء آخر الفعل، وسكون الحرف الأول من الكلمة المجاورة: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } الأعلى1
{ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } المزمل4
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ } الأنفال65
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ } التوبة73
لقد أفضت هذه الدراسة إلى أنَّ مِمَّا ينجمُ عن انكسارِ الأخيرين في كتاب العربيّة الأكبر: 1-أسماء منها جموع التكسير على نمط:- المَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ -المَسَاجِد- المَرَافِقِ –الْشَّمَآئِلِ- الْأَرَائِكِ- الْجَوَارِحِ- الصَّوَاعِقِ- القَوَاعِدِ، وغيرها مما سبق في -الجزء الأول من انكسار الأخيرين-،ومنها الأسماء المفردة على نمط: المَشْرِقِ –المَغْرِبِ- المُصْلِحِ- صَاحِبِ- لِّلسَّائِلِ- طَارِدِ- الْمَلِكِ- الكَذِبِ ،والملحظ أنها أسماء فاعل من ثلاثيّ،ومما زاد على الثلاثيّ،تبقى الإشارة إلى كلمتيّ: المَلِك-الكَذِب وهي ذات وزن خاص:الفَعِلِ،كل تلكم الأسماء مجرورة بالكسرة،فضلًا عن انكسار ما قبل الكسرة. 2 -أما الأفعال مكسورة ما قبل الآخر -حقيقةً أو حكماً-ومكسورة الآخر اضطرارًا فلا تخرج عن: -أفعال مضارعة: { وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالاً } نوح24 { وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً } المائدة41 {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء110، { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا } البقرة63
{ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ } المرسلات16 { وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } النساء143
{ إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } النساء35
{ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } الأنفال13
- أو أفعال أمر:مع ملحظ أنها جاءت من ثلاثيّ مزيد : بالتضعيف في: -{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } الأعلى1
{ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } المزمل4
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ } الأنفال65
أو بالألف في:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ } التوبة73
وهذا لا ينفي ولا يلغي كونها مجزومة بالسكون في المضارعة،ومبنية على السكون في الأمر،يُذكر ذلك حين الإعراب فيُقال:مجزوم بالسكون أو مبنيّ عليه.., ذلكم السكون المُتَخَلَّص منه لتحاشي التقاء الساكنَين. الخاتمة: لقد أفضت هذه الدراسة بقسْمَيها :الأوّل والثّاني إلى: 1- كسر الأخيرين إنما يركّز على العين واللام،وكون اللام -غالبا-هي مناط العلامة الإعرابية. 2-حالة الجر بالكسر هي السائدة في الأسماء ،ومنها الممنوع من الصرف -لتواجد مُوجبات جره- على تعدد عوامل الجرّ بالحرف أو بالإضافة،أما الأفعال فالكسر فيها إنما هو تخلّصٌ من التقاء ساكنين. 3- هنالك ضمائر تتصل بالأفعال، وأخرى بالأسماء مكسورة الأخيرين تفضي دراستها إلى نفس النتائج.
أما ما يتعلّق بالأفعال، فقد لوحظ أن منظومة الأفعال التي نجمت عن انكسار الأخيرين لم تتعدَّ حاجز المضارعة والأمر ،فكُسِر ما قبل الآخر "عين الفعل" وفق تلازمية ثابتة تنكسر فيها عين الفعل، وهي لا تخرج عن:عين مكسورة في الوزن المضارعيّ:يَفْعِل"بفتح حرف المضارعَة" الذي نجم عن المضعف، والمثال الواويّ، والأجوف اليائيّ، ومكسور العين مُضِيّا ومضارعةً على نمط يحسِب،يرِث. إن كسر ما قبل الآخر في منظومة المضارعة والأمر لا يخرج عن تلكم الحالات،وهو -كما أشير في حينه- حالة اضطرارية اقتضتها ضرورة التخلص من التقاء ساكنين تيسيرًا لظاهرةٍ نطقيةٍ صرفة، أما الأسماءُ مكسورة ما قبل الآخر "العين"، فقد ورد ذلك وفق البنية الصرفية لتلكم الأسماء. الحمد لله رب العالمين.