إنكِسَارُ الأَخِيرَيْنِ- من قلم :فتحي رمضان الأغا - حقوق الملكية الفكرية محفوظة للكاتب.
يقصد بانكسار الأخيرَيْن هنا أن يَرِد الآخِر وما قبل الآخِر منكسرَين، ولربما يفهم ضمنا أنّ انكسار ما قبل الآخر ينصبُّ على عين المفردة وفق المصطلح الصرفيّ،كما أن انكسار الآخر يشي بأن لام المفردة منكسرة بالحكم أو بالقوة-ظهورا أو تقديرا ،أي أن الكسر هو علامة إعراب "لام المفردة" شريطة اسْمِيَّتها –مع بعض التحفظات والمحاذير-،دعني أُسلّم أو لا أُسَلِّم بالفرضية السابقة، وها هي متابعة لآيات البيان العالي:
أولاً: أسماء منكسرة الآخِرَيْن وردت جموعًا تكسيرية مجرورة بالكسرة :
وزن مفاعِل { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } الواقعة75
{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } السجدة16
{وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ }إبراهيم45
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ }المجادلة11
{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ }الشعراء53
وزن فواعِل { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }الممتحنة10
{ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } التوبة87
وزن فعالِل{ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ }غافر18
وزن فعائِل{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }يوسف55
{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ }الحج36
ثانيًا: أسماء منكسرة الآخِرَيْن وردت مفردة مجرورة بالكسرة: "فاعِل-مُفْعِل-فَعِل" .
{ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }التوبة105
{ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا }النساء75
{ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } إبراهيم27
{ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } البقرة 236
{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ }سبأ16
ثالثًا: أفعال وردت منكسرة الآخِرَيْن في منظومة وَلَا تُطِعِ - وَمَن يُطِعِ- وَمَن يُهِنِ المضارعة الجوفاء وهنا ملحظ أن الانكسار ليس من سمات الأفعال، ذلك أن الأفعال"النحوية والصرفية" لا تنكسر، وإن حدث، فهو اضطراريّ اقتضته ضرورة التخلص من التقاء ساكنَين، الفعل تُطِعْ يحمل سمتين: الأولى أنه مضموم حرف المضارعة، والثانية أنه منكسر الفاء،على غير المألوف في هذه المنظومة من سكون الفاء بعد حرف المضارعة وفق الأوزان الصرفية، وحركة الفاء بالكسر تشي بأن هذه الحركة منقولة عن حرف علة محذوف، وهذا يبين أن ماضيه لا يخرج عن مزيد الثلاثي بحرف: الهمزة أطاع-تضعيف العين طَوّع-الألف طاوَعَ، أو أن يكون من مجرد الرباعيّ وهو ليس منه، تلكم هي حالات ضم حرف المضارعة، فماضيه هو أطاع، ومضارعه: يُطْوِع ذلك لأن ضم حرف المضارعة يحتم انكسار ما قبل الآخر، لتلازُم ضم حرف المضارعة مع انكسار ما قبل الآخر في المبني للمعلوم من هذه المنظومة ،وتنقل حركة الواو إلى الحرف الصحيح الساكن لأن الصحيح أولى بالحركة من العليل؟ قبلها: يُطْوِع، قلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة لتصبح: يُطِيع، ولما جزم الفعل حذف وسطه: لا تُطِعْ، ثم حرك السكون نحو الكسر تخلصا من التقاء ساكنَيْن، هكذا خلعوا على أفعالهم وأسمائهم صفتيّ الصحة والعلة كالكائن الحيّ، وكسروا سكون أفعالهم فانكسر تخلصا من التقاء ساكنين. اللافت للنظر أنه يمكن الاستئناس بطريقة ضبط حروف العلة والمد واللين: الألف والواو والياء الواردة بمنتهى الدقة في كتاب العربية الأكبر،-فضلا عما لها من قيمة فائقة في الترتيل والتلاوة- للوقوف على مايسمى صرفيا "الإعلال بالنقل-الحذف-القلب"، وهو نقل ضمة الواو إلى الحرف الساكن الصحيح قبلها، ونقل كسرة الياء إلى الحرف الساكن الصحيح قبلها، وبقاء الواو والياء بلا رسم "السكون" ،وتطبيق ذلك على الفعل الأجوف:" أُرِيدُ-يصيب- أُنِيب- أُجِيب أُمِيتُ- يُعِيدُ- يُقِيمَا- يُمِيتُكُمْ –نُطِيع- يُجِيرَنِي- لِيُذِيقَهُم- تُثِيرُ- أَتُوبُ- يَتُوبُ- يَحُورَ- تَدُورُ- يَبُورُ-يَقُول-يَقُوم-تَمُور-يَغُوص-تجوع وهكذا... مضارع الأجوف المبني للمعلوم مما ضُمَّ حرف المضارعة فيه أو فُتح، إن عدم رسم السكون على تلكم الحروف لا تقتصر قيمته على التلاوة،بل يمكن أن يُثري دارسي وباحثي علم الصرف،وييسر فهمه بطريقة ذكية من دقة الملاحظة، وهذا ما يستوجب دورًا رياديًّا لمن يقومون بهذه المهمة لحث طلابهم على الملاحظة ومحاولة الاستفادة من هذه الظاهرة في مسائل أخرى غير الحفظ الآليّ الموسميّ الشكليّ التهريجيّ الذي تعوزه فطنة ونباهةلفهم غياب رسم السكون في تلكم المواضع،وكيفية توظيف ذلك ، ومن هذا المنطلق يحاول كاتب هذه السطور تطبيق تلكم الظاهرة المثيرة اللافتة للنظر على "عين الفعل" الواو أو الياء في مضارع الفعل الأجوف.إن تلكم الياء أو الواو "عين الفعل " لم ترسم عليهما السكون،سُبقت كل واحدة منهن بحركة من جنسها، الضم قبل الواو،والكسر قبل الياء،وهنا يُفهم أن تلكم الحركة ليست حركة أصيلة بل منقولة من الياء أو الواو، لذا بقيت كل منهما دون رسم سكون لمجموعة من الدواعي المتعددة، قد يكون منها التنبيه إلى نقل حركة عين المضارع الأجوف "الياء، والواو" إلى فاء المضارع الأجوف، إن ثبوت واو الأجوف أو ياؤه في صيغة المضارعة قد عومل بعدم رسم السكون عليهما،كما أن حذفهما لعلة من جزم قد نقل حركة الواو إلى فاء الفعل ضمة،وحركة الياء كسرة علمًا أنه إذا نُقلت الحركة يسكن الحرف آليًّا، لكن مناطَ الملحظ هنا أن السكون لم يرسم؟؟ لقد نُقلت الحركة من عين مضارع الأجوف إلى الحرف الصحيح الساكن قبلها"فاء الفعل" فمن الواو نُقلت الضمة، ومن الياء نُقلت الكسرة.
*أفعال مضارعة جوفاء حذف وسطها"حرف العلة الساكن" تخلصًا من التقاء ساكنيْن"في الفعل: سكون العلة، وسكون الجزم على الآخِر":
{ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً } الفرقان52
{ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }الحج18
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } الأحزاب1
{ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً } الأحزاب 48
{ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ } القلم8 -{ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } الفتح17
{ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم } النساء69
{ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } النساء13
{ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } النساء80
{ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } النور52
* أفعال مضارعة صحيحة كسر آخرها المجزوم بالسكون تخلصًا من التقاء ساكنَين"سكون الجزم آخر الفعل، وسكون الحرف الأول من الكلمة المجاورة:
{ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } ص26
{ وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } القصص57
{ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ } إبراهيم44
{ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } الجن9
{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء110
{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ }النور33
{إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ }الشورى33
*أفعال أمر كُسِر آخرها المبنيّ على السكون تخلصًا من التقاء ساكنَين: سكون البناء آخر الفعل، وسكون الحرف الأول من الكلمة المجاورة:
{ مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ } الملك3
{ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئأً وَهُوَ حَسِيرٌ } الملك4
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ }يونس2
{ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} إبراهيم44
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ }لقمان17
لقد أفضت هذه الدراسة إلى أن انكسار الآخِرَيْن ينجم عنه :
1- أسماء منها جموع التكسير على نمط:- الْحَنَاجِرِ-،الْمَضَاجِعِ – الْمَدَائِنِ –وغيرها مما سبق، ومنها الأسماء المفردة على نمط: الْمُوسِعِ- الظَّالِمِ- عَالِمِ- الْمُقْتِرِ، والملحظ أنها أسماء فاعل من ثلاثيّ،ومما زاد على الثلاثيّ،تبقى الإشارة إلى كلمة: العَرِمِ وهي ذات وزن خاص: الفَعِلِ، كل تلكم الأسماء مجرورة بالكسرة،فضلًا عن انكسار ما قبل الكسرة.
2- أما الأفعال مكسورة ما قبل الآخر -حقيقةً أو حكماً-ومكسورة الآخر اضطرارًا فلا تخرج عن أفعال مضارعة: تَتَّبِعِ- يَسْتَمِعِ يُسْكِنِ، أو أفعال أمر: ارْجِعِ- أَنذِرِ-بَشِّرِ، وهذا لا ينفي ولا يلغي كونها مجزومة بالسكون في المضارعة،ومبنية على السكون في الأمر،يُذكر ذلك حين الإعراب فيُقال:مجزوم بالسكون أو مبني عليه.., ذلكم السكون المُتَخَلَّص منه لتحاشي التقاء الساكنَين.
السؤال: إلامَ ستُفضي الدراسة القادمة من انكسار الأخيرَين في الأسماء والأفعال - علمًا أن الحروف ليست ضمن هذه الدراسة-كونها لا تدخل علم الصرف ،وقد تكون موضع دراسة مستقلّة- ترى هل ستكون نفس النتائج أم ستظهر أخرى؟. الحمد لله رب العالمين.