منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةشروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرشروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورشروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةشروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةشروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودشروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرشروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناشروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبشروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرشروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبشروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارشروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زهر السوسن
عضو شرف
عضو شرف
زهر السوسن

القيمة الأصلية

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
879

نقاط :
1493

تاريخ التسجيل :
17/10/2012


شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان Empty
مُساهمةموضوع: شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان   شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2012-12-13, 22:43

كتبهـا : الكاتبة والشاعرة -
شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان

- : يبدو السؤال عن اللغة بمثابة السؤال عن الإنسان في بعده الرمزي وفي أبعاده ودلالاته المتعددة . وإذا كانت اللغة بوصفها ميزة إنسانية هي دلالة على وحدة الإنساني فإن اختلاف الألسن وتعدد مستويات الكلام هو ما يحيل على الكثرة فيه . فالإنساني من جهة كونه "حيوان رامز "على حد عبارة الفيلسوف الألماني أرنست كاسيرير يطمح إلى تشييد نظام رمزي يوسع من عالمه ويبني من خلاله بعدا جديدا في الواقع وفي نفس الوقت يشعر من خلاله الإنسان بأنه ينتمي إلى العالم الإنساني و يتوحد تحته من أجل تحقيق التواصل الإنساني في بعده الاجتماعي لا سيما وأن اللغة بنية رمزية نعي من خلالها العالم وهي تتوسط علاقتي مع الآخر إما وصلا أو فصلا حسب طرق توظيفها وتكشف وجودي للعالم ككينونة رمزية ووجود لغوي بحيث تتحول إقامة الإنسان من السكن في العالم الطبيعي إلى الإقامة في عالم رمزي بحيث أصير " أوجد في اللغة وباللغة".
وبما أن الإنسان كائن يبحث عن التفرد والخصوصية فإنه يسعى عبر فعل اللغة والكلام إلى إضفاء المعنى على وجوده الخاص عبر ما تتيحه مختلف الأنظمة الرمزية من تنوع وكثرة وتعدد يؤدي حتما إلى إنتاج دلالات متنوعة للعالم وهاهو العالم الإنساني يتسع بازدياد الفاعلية الرمزية لدى الإنسان بحيث استحال الوجود الإنساني إلى وجود رمزي تحول بموجبه فعل الترميز إلى كيفية وجود ورؤية للعالم لدرجة أصبح فيها الإنسان غير قادر على مواجهة الواقع مباشرة ولا بمقدوره " التحديق فيه وجها لوجه" بما يستدعي ضرورة تدخل الوسائط الرمزية المختلفة كالأسطورة والدين والفن واللغة بما هي نافذة الكثرة الإنسانية التي يطل بها الإنسان و منها على العالم فإذا كان الإنسان واحد باللغة فإنه كثرة بالألسن و إذا كان يتوحد ضمن انتمائه لدائرة القدرة على إنتاج الرموز من بين بقية الكائنات الأخرى فإنه كثرة من زاوية أن لكل ثقافة رموزها الخاصة بها.
لكن إذا كان لكل ثقافة أنظمتها الرمزية ولكل مجموعة بشرية لسانها الخاص الذي تتكلمه فإن السؤال الذي يطرح هنا هو التالي: كيف للإنسان أن يلتقي بالإنسان وكيف يغدو التواصل ممكنا و الحال اننا كثرة من زاوية الأنظمة الرمزية وتنوع من جهة الألسن ؟ هل من الممكن أن يحدث اللقاء بين الأنا والآخر في ظل هذا الاختلاف والكثرة ؟ وإن كان الأمر ممكنا فما هي شروط التواصل ومستوياته ؟ وخاصة تلك المتعلقة بالمستوى اللساني ؟ وهل حقا أن اللغة تعتبر أداة مثلى لانجاز التواصل الإنساني والتقريب بين مختلف الشعوب والثقافات وتبليغ ما نشعر به من ألم وحزن وفرح وحب تجاه الآخر الإنساني ومشاركته الوجدانية لنا مثلما نشاركه وجدانيا ؟ أم أن التواصل في بعده اللساني ما هو إلا قناع لممارسة الهيمنة على الآخر وهي لغة حافلة بالرغبة والزيف وهي لا تخرج عن كونها مجرد خطاب ينتهز الفرصة لممارسة كل أشكال التسلط والقمع والتمويه وأن أقصى ما يمكن أن نعرفه عن اللغة أنها تخفي ما نريد قوله ؟ ورهاننا في ذلك هو تجاوز الرؤية التسطيحية للغة بوصفها أداة نزيهة ومحايدة ووسيط رمزي أمثل لتواصل مع الآخر الإنساني .
ما من شك أن اللغة خاصية إنسانية مميزة ومنظومة رمزية تحقق عملية الوعي بالذات "فأكون أنا عندما أقول أنا" كما تمكنني من الوعي بالعالم والآخر, فهذا الأمر لا يختلف فيه اثنان. ومن هنا تأتي أهمية اللغة وما تلعبه من دور وظيفي في عملية التواصل. هذا الدور حمل اللغة اهتماما من قبل الفلاسفة والألسنيين والبنيويين والفينومينولوجيا بحيث حاولت أن تدرس كل واحدة من هذه المدارس اللغة من زاويتها الخاصة .
وفي هذا الإطار يمكن أن نقدم فكرة صغيرة وإجمالية عن هذه المواقف وكيف نظرت لإشكالية اللغة وعلاقتها بالتواصل .
-فمن وجهة نظر الفلسفة الكلاسيكية والحديثة خاصة مع أفلاطون وديكارت وروسو ركزت هذه النظرة إهتمامها حول البحث في أصل اللغة وبما أن البحث في الأصل هو خاصية وميزة الفلسفة الميتافيزيقية فإن هذا المبحث جعلها تصطدم بمعضلة لا حل لها ككل معضلة يصطدم بها الفكر الميتافيزيقي وتتمثل المعضلة هنا في علاقة الفكر باللغة وتدور حول الإشكالية التالية " هل الفكر يسبق اللغة أم اللغة تسبق الفكر؟" غير أن بظهور علم اللسانيات أعتبر هذا المبحث فاقد القيمة وأصبح رهان البحث في أصل اللغة رهانا خاسرا ومحاولة عبثية لا جدوى منها ومن هنا تأتي المرحلة الثانية وهي المتعلقة بالمرحلة الألسنية .
نعني بالمرحلة الألسنية هي الفترة التي نشأت فيها علوم اللسان أو علوم اللغة التي تأسست على يدي العالم الألسني دي سوسير وكل من رولان بارت وبنفنيست ومن سيأتي بعدهم من الألسنيين . ولم تهتم الألسنية بأصل اللغة وإنما ركزت على بنيتها الداخلية ومكوناتها وآلية اشتغالها حيث عمل دي سوسير على التمييز بين اللسان والكلام مبينا أن الأول يتميز بخاصية قهرية إلزامية وهو تعاقدي اصطلاحي أما الكلام فهو يعبر عن الفردية ويرتبط أكثر بالحرية كما قسم العلامة اللسانية إلى دال ومدلول واعتبر العلاقة بينهما اعتباطية.
أما المرحلة الثالثة فكانت مع فلسفة الرجة أو الفكر النقدي التفكيكي الذي نظر إلى اللغة كفضاء للتشويه والتزييف لكونها مرتبطة بالسلطة والرغبة وهي تخفي أكثر مما تظهر وقد مثل هذا التوجه كل من نيتشه وفوكو وبرغسون ودولوز .
المرحلة الرابعة فهي تلك التي مثلتها الفلسفة الفينومينولوجية والهرمينوطيقا التي تعتبر اللغة أداة لتحقيق المصالحة بين الإنسان وذاته والعالم والآخر وأنها قادرة على إنتاج المعنى وتوليد الدلالة التي تمثل حقيقة الوجود ويمثل هذا الموقف كل من ريكور ليفيناس وهابرماس .
إن هذا التنوع في دراسة اللغة من زوايا مختلفة هو الذي يجعل من اللغة معضلة فلسفية تستدعي إعادة البحث والنظر ذلك أن مهما بلغت أهمية الدرس اللساني ونضجه العلمي فإنه لا يمكن أن يصبح بديلا عن الدرس الفلسفي لأنه يبقى الدرس الذي يكشف عن مفاجآت اللغوي وتشعب منعطفاته. من هذا المنطلق لابد لنا أن نعود إلى البداية ونبدأ منها وسؤال البداية الأهم هو تحديد ما هذا الذي به يكون الإنسان إنسانا ؟ ما دلالته وكيف لنا أن نعتبر اللغة امتيازا إنسانيا وفعلا رمزيا يبنى بفعله عالما ويؤسس منظورا ورؤية في العالم من خلاله يصبح التواصل الإنساني ممكنا عبر وساطة اللغة ؟
لذلك يمكن أن نعتمد في العمل المراحل التحليل الآتية :
-التحديد المفهومي للغة
-اللغة بما هي خاصية إنسانية
-المستوى اللساني للغة
-علاقة العلامة بالرمز
-اللغة والتواصل
أولا –تحديد مفهومي : يحدد المعجم الفلسفي لصليبا اللغة بما هي مجموع من الأصوات المفيدة وهي "ما يعبر به كل قوم عن أغراضهم" كما يحددها الجرجاني في كتاب "التعريفات".
كما يحددها لالاند في معجمه الفلسفي بأنها "كل مجموعة رموز يمكن أن تستخدم لغاية التواصل". لذلك يمكن اعتبار اللغة نسق عضوي من العلامات وهي منظومة رمزية منظمة على صعيدين كما وضح ذلك إميل بنفنيست من حيث كونها
-واقعة فيزيائية تستخدم الجهاز الصوتي
-ومن حيث أنها بنية معنوية رمزية إذ يقول بنفنيست في هذا السياق " إن القدرة الترميزية هي أخص خصائص الكائن البشري " فاللغة ترتقي بالإنسان من الحسي إلى المجرد ومن الأشياء إلى مسمياتها
نفهم من خلال هذه التحديدات المتعددة أنها تلتقي حول اللغة بوصفها أداة تواصل وهي تتكون من مجموع علامات ورموز ترتقي بالإنسان من المستوى الوجود الطبيعي المباشر إلى مستوى الوجود الثقافي والرمزي بما هو خاصية إنسانية بامتياز ولعل لهذا الأمر اعتبرت اللغة خاصية إنسانية وأنها ما تميزه علن الحيوان وهي شرط التواصل الإنساني .
غير أن الواقع يكشف عن آليات أخرى للتواصل غير الكلام والكلمات وذلك بالحركات والإشارات كما هو الحال عند الصم والبكم وبالإيماءات الجسدية كما يتم أيضا في العلامات والرموز التي تحمل معان ودلالات مختلفة يستجاب لها بكيفية مناسبة ( علامات وأضواء المرور....) فإذا كان الأمر كذلك فكيف لنا أن نميز اللغة الإنسانية عن بقية أنماط التواصل الأخرى وخاصة عند الحيوان إذا ما علمنا أن هذا الأخير كما بينت الدراسات الزيولوجية ومنها النحل مثلا له تنظيم اجتماعي دقيق ينبني على توزيع الأدوار ويتواصل فيما بينه عبر تبادل الرسائل ؟
-ثانيا : اللغة بما هي خاصية إنسانية
يجيب ديكارت هنا بأن اللغة خاصية إنسانية وأنها تختلف عن بقية أنماط التواصل الحيواني وذلك لارتباط اللغة عنده بالتفكير فاللغة هي تعبير حر عن التفكير وتمكننا من بعض الألفاظ المحدودة أن ننتج إمكانيات تعبيرية متنوعة ووضعيات جديدة في حين يبقى التواصل الحيواني مجرد رد آلي فتواصل الحيوان هو غريزي وراثي ثابت محدود لا يتطور بينما اللغة الإنسانية مكتسبة كما يرى بنفنيست فالطفل كما يقول "يولد ويتطور في مجتمع إنساني وإنما يلقنه استعمال الكلام كائنان بشريان كهلان هما الأبوان " وهي ظاهرة إبداعية بوصفها إمكانات لامحدودة للخلق التعبيري كما يرى تشومسكي من خلال "النحو التوليدي"
لذلك لو أردنا بصفة مجملة أن نميز التواصل الإنساني عن التواصل عند الحيوان فإننا نلخصها كما فعل بنفنيست في المستويات التالية :
إذا كانت اللغة عند الإنسان مكتسبة وإبداعية فإنها عند الحيوان غريزية وثابتة . فإنه لو أخذنا مثال النحل فسنقول أن النحل يتواصل ويؤدي رسائل لكن لا يتحاور لأنه يجيب عن رسالة عن طريق تصرف في اتجاه واحد بينما اللغة الإنسانية تقوم على تبادل الرسائل بين الباث والمتقبل فهي حوارية بامتياز.
أما في مستوى مضمون الرسالة فالحيوان يتواصل استجابة لحاجة بيولوجية أما الإنسان فمضمون تواصله متعدد ومتنوع ويشمل كل الموضوعات العاطفية والبيولوجية والثقافية والدينية والجمالية ...
ومن حيث القابلية للتحليل فلتواصل الحيواني مضمون إجمالي غير قابل للتمفصل على عكس اللغة الإنسانية القابلة للتمفصل والتفكيك .
من خلال هذه المقارنة بين التواصل عند الحيوان والتواصل عند الإنسان نستنتج أنه ليست للحيوان لغة بل كل ما لديه شفرة لإشارات كما حددها بنفنيست وتبقى اللغة بهذا المعنى امتيازا إنسانيا . فإذا كانت اللغة خاصية الإنسان كما حددها الفلاسفة فكيف ستحدد الألسنية وتتعامل مع الظاهرة اللغوية؟
-ثالثا : المستوى اللساني للغة
لعل أهمية الدرس اللساني تظهر خاصة في الكشف عن طبيعة اللسان وتعيين وظائفه بما ساهم في وضع حد لكثير من التخمينات والتأملات حول أصل اللغة وعلاقتها بالفكر.
لذلك ميز دي سوسير في اللغة بين اللسان والكلام , فاللسان هو نظام من العلامات تستعملها مجموعة بشرية للتواصل وتجمع العلامة بين دال ومدلول أما الكلام فهو استعمال الفردي للسان وفي حين يخضع اللسان لدراسة العلمية فإن الكلام ليس موضوعا للدراسة العلمية. لذلك يمكن أن نحدد خصائص اللسان كما يلي :
-هو مؤسسة اجتماعية
-مكتسب
-تعاقدي اصطلاحي ناتج عن تعاقد اجتماعي
-إلزامي وقاهر فهو ظاهرة سلطوية سابق على وجود الأفراد يقول رولان بارت " اللغة سلطة تشريعية اللسان قانونها " فاللسان لا يعترف بمقولة الحرية.
أما الكلام فله الخصائص التالية: بما أنه مجموع ما يقوله الناس بصفة فردية فهو خاضع لإرادة المتكلمين فهو يتميز بالحرية والتنوع . فالكلام بهذا المعنى يمثل عالم الذاتية ومن خلاله تكشف الذات عن ذاتها لذاتها وللآخر .
لقد ثبت بهذا المعنى أن اللغة خاصة إنسانية : وأنها ليست أصوات بقدر ما هي نسق من العلامات والرموز اللسانية يستعملها الإنسان للتعبير عن حاجياته وعن الأشياء المحيطة به الأمر الذي يدل على وجود علاقة بين اللغة والأشياء ، فكيف تتحول الأشياء إلى علامات ورموز لسانية ؟ وكيف تبدو علاقة الأسماء بالأشياء هل هي ضرورية أم اعتباطية؟ بمعنى آخركيف تنشأ الدلالة والمعنى ؟ هل بصفة تلقائية وطبيعية ؟ أم بالمواضعة والاتفاق؟ كيف تتحدد علاقة العلامة بالرمز؟
-رابعا علاقة العلامة بالرمز
لعل ما يميز الإنساني ليس الفكر فقط بل قدرته على تشكيل وبناء عالم رمزي متعدد الألوان
فقد أنشأ الإنسان خيوطا متنوعة ساهمت في حياكة عالمه الرمزي. فالإنسان إذن كائن رامز يبدو لنا من خلال هذا الطرح أن العلامة هي الرمز ذاته ما داما بديلين عن الأشياء غير أننا إذا نظرنا إليهما على مستوى طبيعة علاقتهما بالأشياء فإننا سنكشف أنهما يختلفان فأين يظهر هذا الاختلاف؟
يقول هيقل " الرمز هو قبل كل شيء علامة , لكن في العلامة تكون العلاقة التي تربط العلامة بالشيء الذي تدل عليه اعتباطية" فالرمز يدخل في علاقة طبيعية مع ما يرمز إليه ولكن لا يشترط لكي يبقى رمزا أن يمثله على نحو كامل أما العلامة فعلاقتها مع ما ترمز إليه اعتباطية. ويفسر لنا هيجل هذه الصلة الطبيعية بين الرمز والشيء بالمثال التالي : عندما نرمز للقوة بالأسد وللمكر بالثعلب فلأن الأسد والثعلب يمتلكان في ذاتيهما الخصائص الطبيعية التي يفترض فيهما أنهما يعبران عن معنى القوة والمكر . وهكذا لا نستطيع أن نستبدل مثلا الأسد ( الدال ) بحيوان آخر لأننا لو فعلنا ذلك لتغير المدلول حتما . أما العلامة اللسانية فعلاقتها بما تعبر عنه هي علاقة اعتباطية لأننا قد نغير الدال ( المتوالية الصوتية ) ولن يتغير المدلول والسبب في ذلك يعود أساسا إلى اختلاف وتعدد اللغات والألسن.غير أن بنفنيست يعتبر هذه العلاقة بين الدال والمدلول ضرورية لأنهما (الدال\ والمدلول) متحدان ومتكاملان ووجهان لمعنى واحد والعلاقة بينهما جوهرية ضرورية .
فإذا كانت اللغة أداة الإنسان للتعبير عن أفكاره والتواصل بها مع الآخر فإن الفكر بدون اللغة يبقى على حد تعبير دي سوسير كتلة سديمة لا شكل له ولا صورة . الأمر الذي يعني أن اللغة وحدها هي شكله وصورته التي سيوجد عليها ، فاللغة شرط انطولوجي للفكر ، يدرك ذاته من خلالها وينظم وفق قوانينها الداخلية .ينتهي هذا التصور إلى استخلاص النتائج التالية :إن احتواء اللغة للفكر يفيد وجود تطابق بينهما بشكل يجعلها أمام وحدة لا تقبل الانقسام . فالدال والمدلول وجهان لعملة واحدة .وجود الفكر داخل اللغة ، وخضوعه لقوانينها وتطوره وفق آلياتها يجعله يحتل موقعا سلبيا ، فهو منفعل وليس فاعلا . الأمر الذي يدل على وجود علاقة ميكانيكية بين اللغة والفكر ، لعل أهم مكسب حققته االدراسات اللسانية المعاصرة هو تأكيدها على أن الفكر يتشكل لسانيا إلا أن ميرلوبونتي وإن كان قد حافظ على هذا المكسب فإنه يرفض العلاقة الميكانيكية التي أسسها دي سوسير بين اللغة و الفكر . يقول دي سوسير : " .... غير أن هذا الصمت المزعوم هو في الحقيقة ضجيج من الكلمات ، وهذه الحياة الداخلية هي لغة داخلية ، فالفكر والتعبير يتكونان إذن في آن واحد ". الأمر الذي يعني أن الفكر أصبح طرفا أساسيا في علاقته باللغة بما يجعل العلاقة بين الفكر واللغة علاقة حميمية وليست مجرد علاقة ميكانيكية .ولئن تمكن ميرلوبونتي من تحقيق قفزة في مجال علاقة الفكر باللغة لدرجة تطابقة مع اللغة ومعلوم أن هذا الاعتقاد يؤدي إلى استنتاج أن اللغة قادرة على التعبير على جميع أفكارنا فإن الإشكال الذي يطرح هنا هل حقا تستطيع اللغة أن تعبر بكل حياد وشفافية عما نريد قوله أم أنها في حقيقتها ما هي إلا مجال تختفي فيه رغبة الهيمنة والسيطرة والتشويه؟
-خامسا اللغة والتواصل:
يحدد التواصل بمعنى التبليغ المتبادل للأفكار والأحاسيس والخبرات والإنسان بوصفه حيوان اجتماعي يحتاج للتواصل مع الآخر فما مدى وجاهة قدرة اللغة على تحقيق هذا الفعل التواصلي؟
يعتبر نيتشه أن الإنسان ابتكر المفاهيم والكلمات لتمرير أوهام العقل حول الحقيقة المطلقة والذات العاقلة ولتحجب براءة الصيرورة فكل الأنظمة الرمزية حسب نيتشه أدوات تمويه وحجب للوجود وإخفاء للرغبة في الحياة لذلك يقول فرويد " لقد جعل الكلام لنخفي ما نريد". كما يعتبر برجسون أن اللغة عاجزة عن التعبير ويقول في هذا السياق "قصارى القول إننا لا نرى الأشياء ذاتها بل نكتفي بالبطاقات الملصقة عليها" ويقصد الأسماء . وعندما نقارن ألفاظ اللغة المحدودة بحالات الإنسان الشعورية فإننا نكتشف أن مشاعرنا شلال مياه جارف لا يمكن أن تعبر عنه بعض الألفاظ المحددة .
ننتهي إذن إلى أن مسألة اللغة والتواصل مسألة لا ينتهي فيها اللسان ولا فلسفته إلى جواب نهائي ذلك أن اللغة بقدر ماهي شرط ضروري للتواصل بين الذوات فإن الخوف من انقلابها إلى أداة لممارسة العنف والهيمنة والسيطرة قد يحولها إلى أداة لاتواصلية بما يدفعنا إلى البحث عن وسائل أخرى للاتصال والتواصل تكون أكثر براءة وحيادية وإنسانية فهل يمكن مثلا أن تكون الصورة أصدق نبئا من اللغة مثلا؟
سلمى بالحاج مبروك
منقول عن مدونة شتات الكلام
lkr;g
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بلال موقاي
نائب المدير
نائب المدير
بلال موقاي

وسام الإداري المميز

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
1216

نقاط :
1939

تاريخ التسجيل :
28/04/2012

الموقع :
https://twitter.com/mougay13

المهنة :
جامعة معسكر، الجزائر


شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان Empty
مُساهمةموضوع: رد: شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان   شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2012-12-15, 12:32

شكرا لك استاذة " زهر السوسن " على هذا الموضوع المتميز والذي يدخل ضمن اهتماماتي شخصيا وان سمحتي لي فان لي مداخلة في ذلك هي:
شروط التواصل عند هابرماس
تقديم:
لقد تبلورت فلسفة التواصل المعاصرة في لحظتين وهما
1 – لحظة التداولية:
قبل ان نعطي تعريفا للتداولية نقول، ان ما هو ملاحظ في بخصوص مصطلح " التداولية " هو عدم استقرار المصطلح على صيغة واحدة ( تداولية، مقامية، وظيفية، سياقية، ذرائعية، نفعية........الخ)، الامر عائد بالأساس الى عدم استقرار مفهوم التداولية نفسه وموضوعها في تيار واحد ، حيث تقول " فرانسوا ارمينغوا": " ...يظهر اننا امام تداوليات وليس امام تداولية واحدة ".
2 - تعريف التداولية:
يعرفها " تشارلز موريس ": " هي جزء من السيميائية واحد مكوناتها تهتم بدراسة العلاقة بين العلامات ومستعمليها أو مفسريها ( متكلم، سامع، قارئ، كاتب...الخ)، وتحديد ما يترتب عن هذه العلامات "( )
ذلك ما نلمسه حينما شرح ابعاد السيميائية الثلاثة:
أ - علاقة العلامات فيما بينها، وذلك بعد تركيبي يهتم به علماء التركيب
ب- علاقة العلامات بالموضوعات المعبر عنها، وذلك بعد دلالي يهتم به علم الدلالة
ج - علاقة العلامات بالناطقين بها وبالمتلقي، وبالظواهر النفسية والاجتماعية المرافقة لاستعمال العلامات وتوظيفها وذلك هو البعد التداولي
وتعرفها فرانسوا " ارمينغو : " انها تعني دراسة استعمال اللغة في الخطاب شاهدة في ذلك على مقدرتها الخطابية " ( )
ان التداولية تناولت مفاهيم كانت غائبة تماما من الدرس اللغوي واللساني الذي اهتم بقضايا شكلية وبنائية في اللغة كالنظام، النسق، البنية.
وهنا تكمن الثورة التي قادتها التداولية أي في تجاوزها للبعد الداخلي للغة والالسنية، الى البعد الاستعمالي للغة.
كما كان للمفكر المغربي " طه عبد الرحمان " دور كبير في اسهامه في وضع هذا المصطلح سنه 1970م كمقابل للمصطلح الاجنبي " البراجماتية " دالا به على البراكسيس (الممارسة )، علما ان لهذا المصطلح مقابلات عربية اخرى اقل شهرة في نظرنا امام شهرة التداولية وقد ذكرناه سابقا، ذلك لان مصطلح " التداولية " يتضمن دلالات على التفاعل والواقية والممارسة وكلها معاني يسعى هذا العلم لاستكشافها في نظام اللغة واستعمالها.
اما المعنى الحرفي المعجمي للتداولية، فهو الانتقال من حال الى حال اخرى حيث يقال: دال، يدول، دولا، وادال الشيء جعله متداولا.
اما من الناحية الاصطلاحية : ان التداولية هي الدراسة التي تتناول اللغة من جهة استعمالنا لا من جهة معناها او مبناها.
اذن فالتداولية تتناول البعد الاجرائي الخارجي للغة، ذلك البعد المنسي في الدراسات اللغوية باعتبارها تركز على علاقة اللغة بمستخدميها ومنه نقول ان التداولية متطورة ومتغيرة، في حين ان النحو دلالة ثابتة وشكلية.
فالنحو يعنى بتوضيح الشروط المحددة والقواعد التي تضمن صياغة الاقوال الجيدة، وتهتم الدلالة بالشروط التي تجعل الاقوال مفهومة وقابلة للتفسير، بينما التداولية هي العلم الذي يعنى بالشروط اللازمة لأن تكوت الاقوال مقبولة وناجمة وملائمة للموقف التواصلي الذي يتحدث فيه المتكلم.( )
اما الفرق بين الدلالة والتداولية يكمن في ان المعنى في الدلالة يعتمد على التفسير الحرفي لمنطوق الجملة والمعنى بشكل مطلق، ونقصد به المعنى المعتمد على العناصر المؤثرة في انتاجه في الابعاد اللسانية وغير اللسانية ، وضمنه يدخل المعنى التداولي أو السياقي.
فالدلالة جزء يتناول العلامة اللغوية باعتبارها ذات شكل نحوي معجمي، بينما التداولية تتعامل مع البلاغة، أي مع العلامة اللغوية باعتبارها احالة سياق وجودي، أي رمز إشاري ( يشير الى سياق معنى ).( )
تقريب للفهم:
ان الاشارة في كلمة ( انا هنا ) لا تتحقق الا من خلال السياق، وذلك بمعرفة الملابسات السياقية وذلك بمعرفة الملابسات السياقية عن المتحدث والمخاطب والخطاب.
ان التداولية تعد المرحلة الثالثة لتاريخ الدراسات اللغوية وابحاث المعنى، اضافة الى كونها الفرع الثالث من فروع السيميائية ، وعن اصولها النظرية تعد الفلسفة التحليلية المنهل الاول الذي انبثقت منه اولى البوادر التداولية والمتمثلة في الافعال الكلامية .وهذه الفلسفة تفرعت عنها فلسفات اخرى ساهمت كلها في بلورة هذه المقاربة بصورة عامة( ).
هابرماس:
اهتم بدراسة البعد التداولي للخطاب، حيث يربط هابرماس التداوليات بأفعال الكلام التي يصدرها الفاعل والمتكلم ازاء فعل تواصلي ما، لإثبات حقيقة شيء ما موجود في الواقع، أي ان التداوليات الكلية بالنسبة ل" هابرماس " تقوم بثلاث وظائف هي( ):
1 - وصف شيء ما بواسطة جملة، فالمتكلم عليه بصياغة جمل نحوية صحيحة والتعبير عنها بطريقة صحيحة
2 - التعبير عن قصد أو نية المتكلم
(Interpersonnelle) - 3 اقامة علاقة بيشخصية بين السامع والمتكلم
اهمية التداولية:
تتضح اهميتها وذلك من حيث انها مشروع شاسع في اللسانيات النصية ، تهتم بالخطاب ومناحي النصية فيه نحو: المحادثة ، المحاججة، التضمين...الخ.
ولدراسة التواصل بشكل عام بدا من ظروف انتاج الملفوظ الى الحال التي يكون فيها الاحداث الكلامية قصد محدد الى ما يمكن ان تنشئه من تأثيرات في السامع وعناصر السياق فهي تتساءل( ):
" الي أي مدى تنجز الافعال الكلامية تغيرات معينة ايضا وبخاصة لدى الاخرين "
وتظهر اهميتها من حيث انها:
- تهتم بالأسئلة الهامة والاشكاليات الجوهرية في النص الادبي المعاصر، لأنها تحاول الاحاطة بعديد من الاسئلة من قبيل( ):
" من يتكلم، والى من يتكلم ؟ ماذا نقول بالضبط عندما نتكلم ؟ما هو مصدر التشويش والايضاح ؟ كيف نتكلم بشيء ونريد قول شيء اخر ؟...."
وهي بهذا الطرح في امكانها الاجابة عن كثير من الاسئلة التي لم تجب عنها مجموع النظريات اللسانية السابقة بما عرضته من مفهوم اوسع للتواصل والتفاعل وشروط الاداء.
ولكنها مع ذلك لا ينبغي مقابلتها بمجال محدد لآن نشأتها الغير مستقرة جعلت منها تداوليات عديدة نحو ( ):
تداولية حقيقية لدى المناطقة، تداولية مقاربة لدى اللسانيين، تداولية الاقناع لدى البلاغيين....الخ.
وان هذه الصفة تفتح امامها رهانات عديدة، وتجعل تطورها انطلاقا لا يحد، وتنوعها غير محصور، وامتدادها غير محدود.
2 - لحظة النظرية النقدية:
نشأت هذه المدرسة في جامعة فرانكفورت حول معهد البحث الاجتماعي الذي تأسس عام 1923 م، وكان مؤسسوها أربعة من الفلاسفة وعلماء ألاجتماع وهم: ماكس هوركهايمر (1859 ـ 1973م) مؤسس معهد البحث الاجتماعي ومديره لمدة طويلة، وأدورنو(1903 ـ 1969م) الذي عمل أستاذاً في جامعة فرانكفورت، وماركوز (1898 ـ 1979م) الذي درس الفلسفة في برلين وفريبورج وحاضر في جامعات كولومبيا وهارفارد، وكان أستاذاً للفلسفة والسياسة في جامعة براندايز، ثم اصبح استاذاً للفلسفة في جامعة كاليفورنيا بسان ديبجو، وهابرماس (1929م) الذي كان أستاذا للفلسفة وعلم الاجتماع في جامعة فرنكفورت ثم أصبح مديراً لمعهد ماكس بلانك في شتارنبرج. أسس المعهد (مجلة البحث الاجتماعي) لنشر أبحاث هذا الفريق، فكانت الأبحاث تحقيقاً لمشروع مشترك، وهو تأسيس النظرية النقدية للعلوم الاجتماعية في صيغة برنامج مشترك، وهو يعادل في الفكر المعاصر المذهب في الفلسفة الحديثة( ).
كانت هذه المدرسة تعمل كفريق مشترك، إذ يأخذ هوركهايمر الموقف، ويقوم زملاؤه بالبحث: (بولوك) في الاقتصاد السياسي، و(فروم) في التحليل النفسي، و(لوفنتال) في النقد الأدبي، و(ماركوز) في الفلسفة، و(أدورنو) في الموسيقى خاصة وفي النقد الادبي والتحليل النفسي وعلم الاجتماع عامة ( ).
أجرت مدرسة فرنكفورت مراجعة شاملة للوعي الأوروبي تكويناً وبنية، وأعادت النظر في أهم مذاهب الفلسفة الغربية وتياراتها، وقد بيَّنَ هوركهايمر وأدورنو حدود التنوير بأنه أعلى ما وصل إليه الوعي الأوروبي، وأعلنا نهايته ( )
واذا كان " يورغن هابرماس " ينتمي الى الجيل الثاني لمدرسة فرانكفورت والوريث الشرعي لمدرسة فرنكفورت يتفق معهم في نقد حركة الانوار الا انه يختلف معهم في كيفية هذا النقد كيف ذلك ؟
يرى هابرماس ان مدرسة فرنكفورت لم تفهم الانوار كما كان يجب ان يكون ، ولكن للأسف لم يكن بالإمكان افضل بكثير مما كان ،فهابرماس يرى بأنه لا يجب التنكر لمنجزات الحداثة من تقدم هائل احدثته في شتى المجالات المختلفة ، اقتصادية سياسية...الخ. إلا انه يجب اعادة النظر في مشروع الحداثة وعدم تجاوزها الى ما بعد الحداثة وذلك باعتبارها مشروع لم يكتمل .
ومنه السؤال المطروح ما هو السبيل الى اكمالها ؟
سنجيب باختصار ونقول:
يرى هابرماس ان مشروع الحداثة انحرف عن الطريق وبالتالي وجب اعادته اليها ويتم ذلك عن طريق التواصل.
فالمشكلات التي نتجت عن حركة الانوار ماهي في الحقيقة الا تواصل مشوه ومزيف اذ كما يقول هابرماس انه من رحم التجريبية ولد الاغتراب والاستلاب والتشيؤ وبالتالي وجب علينا الانتقال من العلاقة بين ذات وشيء الى العلاقة بين ذات وذات اي الانتقال من النظرة الاحادية الى النظرة الثنائية او الانتقال من الاتصال الى التواصل ، ذلك لان الاتصال يكون من متصل الى مستقبل وتكون فيه المبادرة من احد المتصلين، بينما التواصل يتطلب شخصين اثنين ليتم التواصل بينهما وذلك من اجل الوصول الى التفاهم ولا يتم ذلك الا عن طريق الحوار الفعال، وعنما نقول الحوار فإننا نكون مع التواصل الذي يتطلب شروطا اهمها : الحقيقة - الصدق- الدقة- الذي يستلزم لغة بغيغ التفاهم. هذا باختصار ما اراد هابرماس التأكيد علية من خلال نظريته الفعل التواصلي.
مقدمة:
يبدو أن هابرماس بقدر ما اهتم بإشكالية الحقيقة داخل تصوره العام لمسألة اللغة والتواصل بقدر ما حاول الإقتراب من ضوابط الحوار وأخلاقياته، وذالك في إطار اهتمامه الأساسي بمسألة الكلام واللغة العادية والمناقشة وادعاءات الصلاحية. ومن أجل الكشف عن مستويات امتلاك الحقيقة – من خلال النقاش وأخلاقياته، وتقييم مختلف النظريات التي حاولت معالجتها وتحديدها- انطلق هابرماس من أعمال بعض اللسانيين وفلاسفة اللغة ولا سيما أوستين وسورل وكارسكي . وقد حاول طرح مجموعة من الأسئلة التي عمل علي اقتراح بعض عناصر الجواب عنها من خلال مناقشة النظريات التي قاربت مسألة الحقيقة ولذالك انطلق هابرماس من سؤال يمكن صياغته كالتالي: ماذا يمكن أن نقول حين نتساءل: هل هذا صادق أم كاذب؟ وللإجابة عن هذا السؤال تأتي اللغة لاقتراح مجموعة كبيرة من الصيغ سواء ما تعلق منها بالقضايا Propositions بالتلفظات énonciations أو بالملفوظات énonces... ذالك أن قضايا مختلفة لنفس اللغة يمكن أن تترجم نفس حالات الأشياء، كما أن هذه القضايا مصوغة في سياقات مختلفة للخطاب يمكنها كذالك أن تترجم حالات مختلفة من الأشياء. لذالك يلاحظ هابرماس أنه أمام هذه المسالة اقترح "أوستين" "أن الموضوع الذي يمكن أن نسميه بشكل مشروع، بأنه حقيقي أو كاذب لا يتعلق بالقضايا، ولكن بنوع معين من التلفظات وهي الإثباتات assertions لأن القضية تكون فقط مكونة من كلمات بينما باستعمال هذه الكلمات والقضايا التي تكونها ندعم إثباتا معين، ويعتبر هابرماس أنه بإثبات شيء ما، فإنني أعلن عن إدعاء يؤكد أن ما أثبته حقيقي، وأن ما أدعيه يمكن أن يكون خطأ أو صوابا لأن الإثباتات لا تكون صادقة أو كاذبة وإنما مبررة أو غير مبررة. ( )
فاختلاف النقاش يتحدد من الوجهة الإجرائية والوظيفية أساسا، فالنقاش يقتضي وجود طرفين أحدهما عارض وآخر معروض عليه، هذا النقد في التفاعلات الحوارية يعكس تعداد في الذوات المتخاطبة بشكل يسمح بتصنيف المتخاطبين إلى فئات نذكر منها ثلاثة: فالسائل قد يكون : أ- متعلما: هدفه اكتساب المعرفة والزيادة في التعلم ولهذا يرجى من الطرف الثاني أن يكون بمثابة الطبيب الذي يتحرى شفاء السقم، فيبين المعالجة على ما يقتضيه المرض لا على ما يحكيه المريض. ب- مستشكلا: يرغب في أن نوضح له ما استشكل عليه. ج- متشككا: يقوم شكه على النتيجة أو طريقة التدليل أو هما معا. وقد يكون مختصا معاندا مخالفة أو غلطا. ( )

للإحاطة بمختلف أنواع الأسئلة التي يمكن أن تطرح، على المجيب أن يحقق جملة من الشروط التي تمكنه من تنويع الأجوبة بتعدد الأسئلة وتنوع السائل. إذا مناقشة المستشير لا تجب أن تماثل في مفاهيمها ومسائلها مناقشة المتشكل. كما أن المناقش المعاند المختص لا ينظر إليه بنفس الكيفية والطريقة التي بها ينظر المعاند الغير المختص فالمفترض أن تراعي المناقشة عدة مقتضيات من بينها مقاصد المناقشين، بحيث أن: أخلاقيات النقاش تقتضي أن يكون الجواب مدللا ومفهوما لا غلط فيه ولا تقليد. ( )
- وأن يكون متطلبا رفع الإشكال وإزالة موضع العناد.
- يتبين مكمن الغلط في حين أن الجواب على الطالب المختص المعاند بالمغالطة تكون بالتمويه والتغليط حيث يقصد من وراء هذا اختبار مدى تمكن المعاند من صناعته. لهذا تسمى هذه المعاندة "امتحانا" ويطلق على صاحبه "السائل الممتحن". أما متى لم يتمكن المجيب والذي تم إقناعه – من الكشف عن مكمن التمويه والتغليط دل ذالك على عدم كفايته ولهذا يستحسن سد كل الثغرات التي يمكن أن ترد في الجواب والتي يمكن أن يستغلها الخصم لإتمام إضافات. ( )

الفروع القائمة بين أنواع النقاش وهي كما أقامها أرسطو بين أنواع المخاطبات.

أ- مخاطبة برهانية: يدور الكلام بين معلم ومتعلم، وعليه وجب على التعلم أن يلقن الحقيقة وعلى التلميذ تقليدها.

ب- مخاطبة جدلية: منها يعرض كل من المتناقشين للآراء الذائعة والمشهورة ويحاولان الكشف عن التناقضات التي تتضمنها لحلها معا. وتتألف من المسلمات أو المشهورات
ج- مخاطبة خطابية: تقوم بين من يدافع عن رأيه مستندا إلى علم يثبته ويسعى إلى أن يقتنع غيره به. إنها تلك التي تتكون من المقدمات المظنونة أو المقبولة.

د- مخاطبة سوفسطائية ومغالطة: يوهم صاحبها محاوره بأنه انطلق من مقدمات يقينية أو مشهورة ليضلله ويغلطه أو يضخمه ويلزمه شنعة، ففيها يستنبطن الشخص أمورا معايرة لما يظهره.

يستفاد من هذا أن لكل تبادل حواري أركانا تتمثل في المتكلم والمخاطب وموضوع التخاطب، وكلها تتفاعل فيما بينها لتحقيق غرض أو أغراض معينة ظاهرة أو باطنة، فتحقيق مقاصد النقاش يتطلب تدبر المنظور فيه في إطار تعاوني وضمن شروط نظرية وعملية لا يمكن بدونها أن يمر الحوار في جو سليم ويحقق النتائج المتوخاة منه وبما أن المراد الأسمى والأمثل من كل نقاش هو جلب المصالح (العامة) ودرء المفاسد (عن الكل) فإن تحقيق ذالك يتطلب رسم طريقة تحرك النظر وتتدبره بسبل عقلانية. كما أن نجاح كل تفاعل حواري يتطلب الإلتزام بقواعد مضبوطة ومحددة. وتحدد هذه القواعد بجعل منها ما هو نظري وما هو عملي وما هو عام وما هو خاص ونجمل هذه المقومات في( )

أ‌- المناقشة في المجالس: قد تتخذ هذه المجالس حكما بين المتنازعين بأن يشكل مجالا للشهادة لأحد المتناظرين والشهادة على الطرف الآخر، لهذا ينصح بعضهم باجتناب مناظرة تتم في مجلس يعوق جريانها الطبيعي ولا يسوى بين المتنازعين. كما ينصح باجتناب مجالس يسودها الخوف والترهيب والإكراه والوعيد ولا تستهدف بتمييز الحق عن الباطل، ضمن أخلاقيات النقاش تفادي التعنت والتباهي والهذر، وأن يكون هدفه الغلبة فقط. أما إن لم تعلمه حتى فاتحته بالكلام فعليك إما بالإمساك عن مناظرته، أو الإحتراز منه واستخدام الأساليب التي تليق بأمثاله، فإن عرفته مغالطا أو رأيته يكرر القول الواحد أو استهزأ بكلامك فلا تتركه يميد في فعلته. وإن أصر على موقفه فبإمكانك أن تصده عن ذالك وتقاطعه. بمقتضى هذا ذهب بعض الدارسين إلى استرذال جريان المناظرة في مجالس خاصة أو عامة (أو في بعضها على الأقل) لكونها تساعد على ألا يجري المتناظران منظارتهما على عرف واحد. وفي هذا تكمن أهمية البدء بتحديد من تجلس إليه، إذا لناس فئات وطبائع. ( )

ب‌- وجوب أن يكون الكلام لداع يدعو إليه، إما في جلب مصلحة أو درء مفسدة ولهذا قيل ما لا داعي له هذيان وما لا سبب له هجر، ومن سامح نفسه في الكلام إذاعن ولم يراع صحة دواعيه وإصابة معاينة كان قولا مرذوللا ولهذا يطلب أن يكون أصحاب الحوار (المناقشة) على علم بموضوع المناظرة والقصد منها. كما أن تمكين الخطاب من مجموع مقوماته يقتضي بناؤه بشكل يجعله يستجيب للعنصرين الأساسين التاليين: ( )

1- أن يتوجه المتكلم إلى المخاطب بكلام، القصد منه إبلاغ الخطاب بطريقة معينة وإعلام المخاطب بأن الخطاب تم بتلك الطريقة.

2- تمكين المخاطب من التعرف على المقصود المتكلم وإن كان قاصدا إلى ذالك ولم يصدر عنه سهوا أو غلطا أو تغليطا. بحيث يتفق ما تم تبليغه مع كون هذا التبليغ تم بطريقة محددة تحصل معها السكينة لدى المتلقي.

3- أن يلزم الحضور بما فيه المتناقشين الخشوع والتواضع وأن يحفظ كل منهما قدر الآخر بتجنب استصغاره والاستهزاء به والتشنيع عليه والإساءة إليه قولا أو فعلا كما أن عليه تجنب الكذب والشبهة والرفث والعناد ولا يناظر النظير مناظرة المسترشد، بل يناظر كلا على حقه. ولا تجعل همك هو النيل من مخاطبك والظفر به وإلزامه في النقاش.

فهابر ماس يرى أنه لا يمكن الحديث عن التواصل إلا بافتراض وجود خطاب، وعالم معيش، فالتواصل خطابا سيسيولوجي وليس فلسفي ولا ميتافيزيقي، فهابرماس يفكر انطلاقا من الواقع وهو ما سماه عالم المعيش. كيف السبيل في عالم يعيش المتناقضات لقضاء تستحضر فيه النقاشات؟ فالتداول لابد أن يسند إلى لغة تداولية. فهابرماس في هذا المجال استعان بكتابات أوستين (أفعال الكلام) واستعان ببارماد (نظريات الحجاج). ولكنه لم يقتفى بدربهما وإنما حاول أن يسلك طريقا خاصا في -التعامل مع اللغة. عندما نتكلم عن النقاش الحجاجي فنحن إذن أمام نقاش صحيح. فهو النقاش الذي يكون كل واحد يريد أن يفرض وجهة نظره وبالتالي هو نقاش منظم يريد به صاحبه أن يقنع بواسطة البراهين – بصلاحية دعواه، بمعنى أنه نقاش جدي، وهو النقاش الذي يريد به صاحبه- في موضوع ما، في قضية ما- إثبات حجته. ( )

النقاش الحجاجي الجاد هو نقاش منظم: أي أنه يروم موضوعا ما، أي إثبات صلاحية دعواه وإثبات عدالة قضية ما، بمعنى أن صاحبه لا يحاجج بسوء نية وإنما من أجل إثبات قضية ما. ( )
لمن الحجة الأقوى بين الناس وهم يتداولون؟ هذا النوع من الحجاج الجاد يتميز بثلاث مسائل:
أ‌- ينتظم ضمن متوالية حوارية: بمعنى أن هذا الحجاج في وضع يختلف عن ما هو سردي، ولا يدخل السرد في مجال النقاش.
ب‌- بعد سياسي: لا يمكن أن نتصور نقاشا سياسيا من دون استخدام العقل، واستخدام العقل يقتضي وجود حرية التفكير وحرية التعبير ويفترض أن يكون النقاش والحجاج ضمن فضاء، لا يمكن أن يكون هناك نقاش وحوار إلا متؤسس على العقل وعلى قضية الديموقراطية.

ت‌- بعد أخلاقي: بمعنى أنه يفترض أن هناك نمط من السلوك والاحترام الذي يسمح تبادل الأفكار فيما بين المتناقشين بمعنى أن النقاش يقتضي حضور سلوك أخلاقي مستوحى من العقل العملي (القانون) من هذه الزاوية يمكن أن تقول إن هذه الأبعاد الثلاثة هي ما يميز نقاشا حججيا عن غيره من النقاشات الأخرى. فالنقاش الحججي هو الذي يقبل العقل حكما. يجب أن تخضع حججنا ودعاوينا للنقاش لأنه شرط للتراضي ولاجتناب أنواع التهكم والعنف اللغوي أو اللفظي في مستوياته المادية أو الرمزية. فأخلاقيات النقاش لا تلزمك بفعل شيء أو تركه، فهذا النقاش له طابع إجرائي، فمشروعية هذا النقاش لا تقوم إلا من خلال اختيار وامتحان دعاوي ومقدمات الأطراف، وهذه الشروط هي( ):

أ‌- شروط مادية: أن يظهر المتناقشان بمظهر مقبول. فمن الناس من ينظر إلى من قال لا إلى ما قيل فخلقته وهيأته تلعبان دورا أساسيا في عملية النقاش ذالك أن المستمعين يتأثرون بكل الظروف الخاصة بالنص وكيفية أدائه وإخراجه بما فيه من استغلال للصوت وإحكام للألفاظ والإشارات، وغيرها من المسائل الخاصة بهيأة ومظهر الشخص. فهذه الشروط تلعب دورا أساسيا في استمالة المستمع وجلب عواطفه حتى يتمكن القول فيه، وما دام التجاوب النفسي بين المتكلم والسامع يساعد على تحقيق الهدف فلابد للناظر من خصال نفسية تشد أزره وتقوي عزمه ليمضي في كلامه وفق ما يقتضيه المقام.
ب‌- الصدق في القول والإخلاص في العمل: ما أثبته بقولك عليك تزكيته بعملك، ولا تحاجج إلا بمالك به علم وما تعتقد بصدقه، وعليك بالسعي إلى الحق وترك الباطل ولا تتبع الهوى فتلبس الحق صورة الباطل ولا تبتغي بنظرك التكسب والمباهات، وامتنع عن الرياء والفحش وكل أسباب الفتنة والفرقة، وتجنب اللمز والمواربة والعناد، وكل طرق الاحتيال والتذليل.

ت‌- المناسبة والملائمة في الكلام: ما دام الغرض من الكلام هو الإعلام والإفهام فيجب توخي المناسبة فيه بأن تأتي به في موضعه، فلكل مقام مقال. فلا تورد في كل موضع من الكلام إلا بقدر ما تحتاج إليه .

حقيقة النقاش والإجماع عليه:
حاول هابرماس طرح مجموعة من الأسئلة التي عمل على اقتراح بعض عناصر الجواب عنها من خلال مناقشة النظريات التي قاربت مسألة الحقيقة. وأول سؤال طرحه يمكن صياغته كالتالي: ماذا يمكن أن نقول ومن ثم فإن "الحقيقة" هنا تشير إلى الاستعمال والإستقرار لأن الصلاحية المبررة لادعاء ما تضمن تحقيق انتقادات يحدثها إدعاء معين. ( )

أما السؤال الثاني: الذي اقترب منه هابرماس فهو متعلق بما يسمى بنظرية الحقيقة التكرار ذالك أنه إذا كان صحيحا أن كل القضايا من نوع "ب صادقة" فإن تعبير "هي صادقة" غير ضروري من الناحية المنطقية وبالتالي فإن كل النظريات المتعلقة بالحقيقة ليست ضرورية. ومع ذالك يلاحظ هابرماس، أن نظرية الحقيقة- التكرار يمكن أن تعتمد على ملاحظة صحيحة وهي أنه حين نقول بأن "ب صادقة" فإن ذالك لا يضيف أي شيء إلى الإثبات "ب" لأنه بإثبات "ب" فإنني أعبر عن إدعاء على صدق "ب" وهنا يتجلى المعنى التداولي للإثباتات. إن معنى هذه العلاقة الخاصة بين إدعاء الصلاحية والإثبات الساذج أو المشكوك فيه يمكن إظهار معناه من خلال العلاقة التي توجد بين المناقشات والأفعال ذالك أن هابرماس في إطار ما يسميه ب"النشاط" يدخل مجال التواصل الذي فيه تفترض ونعترف ضمنيا بادعاءات الصلاحية المتضمنة في الملفوظات وفي الإثباتات بهدف تبادل المعلومات فتحت لفظة مناقشة أدخل شكل التواصل المتميز بالبرهنة. وهذا ما يسمح بالإجابة عن السؤال المتعلق بالحقيقة التكرار. ذالك أن هابرماس يرى أنه "حينما نكون أمام أفعال تواصلية، فإن تفسيرا لادعاء الصلاحية معبرة عنها من خلال إثباتات يكون تكرارا، لكنها في المقابل ضرورية في المناقشات. ( )

أما السؤال الثالث: المرتبط بصلب الهاجس الذي يحرك تفكير هابرماس بخصوص الحقيقة، فإنه يتعلق بالفرضية الأساسية لنظرية "الحقيقة-التطابق" وهو يصوغ سؤاله بالطريقة التالية: "ما هي العلاقة الموجودة بين الوقائع التي نثبت وموضوعات تجربتنا؟" ويقول هابرماس إنما يحق لنا إثباته، نسميه واقعا. والواقع هو ما يشكل حقيقة ملفوظ ما، لذالك نقول بأن الملفوظات تترجم وتصف وتعبر عن وقائع". ويعتبر هابرماس أنه في سياق البرهنة يمكن أن نعتمد على التجربة. ولكن لكي نعتمد، منهجيا، على التجربة، في حالة التجريب مثلا، فإننا نضطر للرجوع إلى تأويلات لا يمكن أن تتضح صحتها إلا داخل المناقشة. وبالتالي فإن التجارب تصبح كقواعد استنادا لادعاء الحقيقة التي تعبر عنها التأكيدات. وطالما لا نواجه تجارب غير مطابقة، فإننا نتمسك، عموما بهذا الإدعاء للحقيقة. غير أن هابرماس يرى أن كل ذالك لا يكتسب مصداقيته إلا بواسطة براهين لأن إدعاء مؤسسا على التجربة ليس إدعاء مبررا بشكل مباشر. ويعترف هابرماس أن مفهوم الحقيقة في التراث الفلسفي كان دائما يأخذ بعدا أكثر تجريدا واتساعا مما يسميه ب"حقيقة الملفوظ" وكثيرا ما اتخذت الحقيقة معنى "العقلانية" غير أن هابرماس يحدد ما هو عقلاني ليس فقط بالإثباتات، ولكن أيضا بنماذج أخرى من أفعال الكلام مثل المعايير والأشخاص. ويعتبر هابرماس أن هناك على الأقل أربع أنواع من إدعاءات الصلاحية وهي المعقولية، الحقيقة، الدقة، الصحة وهذه الإدعاءات تشكل كلا يمكن تسميته ب"العقلنة" ولهذا السبب يرى هابرماس أن "نظرية إجمالية للحقيقة" يجب أن لا تقتصر على حقيقة الملفوظات لأن المسألة تدخل فيها اعتبارات الدقة والصدق والمعقولية.ثم إن الإجماع يكمن، بالضبط في كون هذه الإدعاءات الأربعة يجب أن يكون معترفا بها من طرف المتكلمين المشاركين في المحاولة أو المناقشة. ( )

وهكذا يمكن أن تدعى معقولية التلفظ، وحقيقة تكوينه القضوى، ودقة تركيبه التلفظي وصدق النية المعبر عنها من طرف المتكلم" ومن ثم فإن تواصلا غير استراتيجي، أي ذالك الذي يحصل فيه تفاهم سيجرى بدون اصطدام. ( )

ويلاحظ هابرماس أن هذه الإدعاءات الأربعة للصلاحية ليست كلها قابلة لأن تبرر بواسطة المناقشة إذ أنه لا يمكن أن نعتبر "الإستنطاقات" أو الحوارات التحليلية بين المريض والمحلل مناقشات في اتجاه البحث التعاوني عن الحقيقة، لذالك فإن هابرماس يميز "الصدق" بوصفه إدعاء للصلاحية غير خطابي عن إدعاءات الصلاحية الخطابية التي هي "الحقيقة" و"الدقة"، غير أن الأمر لا ينطبق على إدعاء المعقولية. ( )
فعندما تكون القواعد لغة المستخدمة من طرف أحد الأطراف غير واضحة بما فيه الكفاية ولا يفهم القضايا الملفوظة (على المستوى الدلالي، النحوي بل وحتى الصوتي) فإن كلا الطرفين يمكنهما أن يتوصلا إلى اتفاق حول اللغة التي يستعملان بهذا المعنى، فإن المعقولية يمكن أن تحسب مع إدعاءات الصلاحية الخطابية" . ومع ذالك فهناك اختلافات بين مستويات إدعاءات الصلاحية الخطابية. ففي الخطاب اليومي وفي إطار من التفاعل، فإن إدعاءات الحقيقة والدقة تستغل باعتبارها إدعاءات تكون مقبولة أخذا بعين الإعتبار إمكانية تبريرها بواسطة المناقشة عند الإقتضاء، أما المعقولية فهي ضرورة ما دام التواصل يتم بدون صدام وبالتالي فإنها ليست مجرد وعد. لذالك يحسب هابرماس المعقولية من بين شروط التواصل وليس من بين إدعاءات الصلاحية المعبر عنها داخل التواصل سواء كانت خطابية أو غير خطابية، ولذالك فإن هابرماس يرى أنه من الضروري ضبط الروابط الموجودة بين إدعاءات الصلاحية من جهة والنوايا وتجارب اليقين المقابلة لها من جهة ثانية. لأنه حينما أفهم أو أعرف شيئا ما، أو عندما أعترف بصلاحية هذا الشيء، أو حين أصدق شخصا ما، فإنني أكتسب، في كل مرة، أشكالا مختلفة من اليقين، وهي مختلفة لأن إدعاءات الصلاحية تختلف عن اليقين بطابعها الذي تكون فيه الذوات متفاعلة ومتداخلة. ومع ذالك فإن هابرماس يرى أنه حين أعبر عن إدعاء الصلاحية فإنني أكون متيقنا من ذالك، أي أنني أحوز يقينا من تعبيري عن هذا الإدعاء. ولذالك فإنه يخلص إلى أن الحقيقة تتحدد بالبرهنة مقرا أن البرهنة لا يمكن أن تدعى الوصول إلى مستوى القوة الإجمالية إلا ذا ثبت أنها لا تكتفي بالاعتماد على علاقة ما بين نسف لغوي والواقع، أي على علاقة المطابقة والملائمة. ( )

إن الأمر عند هابرماس لا يتعلق بالالتجاء إلى نظرية الحقيقة –التطابق، وإنما يعتبر أن تقدم المعرفة لا يمكن أن يكون إلا في شكل نقد أساسي للغة، بل إنه يذهب بعيدا في سياق التأكيد على النظرية الإجمالية للحقيقة. فالإجماع هو نتاج مواقف وممارسات متفاوض عليها، وبالتالي فالحقيقة ليست تتويجا لتأمل منعزل كما هو الحال في التراث الفلسفي الميتافيزيقي، كما أنه ليست هناك حقيقة واحدة أو مطلقة، لأن الحقيقة المثالية ليست إلا كذبا أو إدعاءا زائفا يخفى وراءه مصالح محددة. ( )

لذالك فالحقيقة عند هابرماس لا تنفصل عن رهانات الكلام واللغة المتداولة، بل إنما تنبعث من داخل المحادثات وصيغ التبادل، الهادئ تارة والساخن تارة أخرى، الذي يحصل بين الذوات المنتجة للتواصل ومن هذا المنطلق فإن هابرماس يساهم بنظريته الإجمالية للحقيقة في "جنازة" الحقيقة المتعالية وفي الوهم الدائم بامتلاك الحقيقة الواحدة ولا سيما في زمن خلقت فيه الحداثة صيغا متعددة للحوار وللصراع ومجالا عموميا له آليات تكشف عن مختلف الحقائق في سياقات ومجالات للقول متحركة دوما.( )
وفي المحصلة نقول إن النقاش هو أساس التواصل وأن التواصل عند هابرماس غدا الفاعلية الوحيدة التي في إمكانها إعادة ربط الصلة بين أطراف هذا العالم متقطع الأوصال، عالم فقد كل مرجعياته ونقاط ارتكازه، وانقطعت صلة الحميمة بالإنسان، وعوض التقدم والمحبة والسلام ساد الاستبداد والعنف، حتى صار هذا العنف كما يقول إريك فاي موضوعا محوريا من مواضيع الفلسفة في المرحلة المعاصرة. إن المفارقة الكبرى، وهذه اللحظة ربما تمثل اللحظة الثالثة في تراتبية اللحظات المؤثرة – سلبا- في مبحث فلسفة التواصل، هي أن هذا التواصل الأصيل الذي نفتقده جميعا، وليس هابرماس وحده يتم على مرأى ومسمع من الثورة الكبيرة التي يعرفها عالم الإتصال والإعلام بمعناه الإبلاغي الآلي المباشر. ثورة شملت كل مناحي الحياة في أدق دقائقها، ووصلت إلى أبعد نقاط الأرض وأكثرها انعزالا. أليس هذا التناقض الواضح بين تواصل إنساني مرغوب ولكنه مفقود، وبين وفرة إعلامية شكلانية جعلت الإنسان أكثر غربة، بل أكثر اغترابا وأقل تواصلا. هنا مكمن الخطر الذي كان قد تنبأ به عالم المستقبليات والسوسيولوجي الأمريكي ألفين توفلر. ومن هنا فإن التجربة التواصلية تأتي من العلاقة التفاعلية التي تربط شخصين، على الأقل داخل العالم المعيش وفي إطار من التوافق اللغوي والتذاوتي. ومن ثم فإن كل شخص أو فاعل يملك القدرة على الكلام والفعل يمكنه أن يشارك في التواصل، وأن يعلن إدعاءاته للصلاحية، لكن شريطة أن يراعي مقاييس المعقولية والحقيقة والدقة والصدق. ( )
إن التجربة التواصلية تأتي من العلاقة التفاعلية التي تربط شخصين على الأقل، داخل العالم المعيش وفي إطار من التوافق اللغوي والتذاوتي. ومن ثم فإن كل شخص أو فاعل يملك القدرة على الكلام والفعل يمكنه أن يشارك في التواصل، وأن يعلن عن إدعاءاته للصلاحية، لكن شريطة أن يراعي مقاييس المعقولية والحقيقة والدقة والصدق. وتأكيد هابر ماس على هذه المقاييس يرجع سببه إلى إلحاحه على قضية التفاهم داخل مجال عمومي حديث لبلورة نوع من "النظرية الإجمالية للحقيقة" من جهة، وإلى حرصه على نسج علاقات تواصلية غير خاضعة لأي نوع من أنواع الضعف والسيطرة من جهة أخرى. ولذالك فإن نظرية الفاعلية التواصلية، بالرغم من تأكيدها على أهمية التفاعل اللغوي أو بسبب هذا التأكيد، فإنها تؤدي إلى التفكير في شروط إمكان ما هو مجتمعي نفسه، وبالتالي إلى التفكير في المجتمع بصفة عامة. ( )
فالهدف من التفاهم هو الوصول إلى نوع من الاتفاق يؤدي إلى التذاوت المشترك وإلى التفهم المتبادل وإلى التقارب في النظرات والآراء وهذه الأبعاد من التذاوت تقابلها ادعاءات للصلاحية تتمثل في المعقولية والحقيقة والدقة والصدق والتي يستند عليها كل شكل من أشكال الاتفاق، ومن ثم فإن"التفاهم هو العملية التي من خلالها يتحقق اتفاق معين على الأساس المفترض لادعاءات الصلاحية المعترف بها باتفاق مشترك.( )
مصادر الهوامش:
1 - اودينة سالم، فلسفة التداوليات واخلاقيات النقاش عند يورغنهابرماس، ملخص مذكرة لنيل درجة الماجيستير في الفلسفة، تحت اشراف د. لخضر مدبوح، جامعة منتوري قسنطينة- الجزائر - سنة 2008/2009.م.
2 - الفلسفة المعاصرة
http://www.profvb.com/vb/t861.htmlه
3 - محمد نور الدين أفاية - الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة ، - نموذج هابر ماس، إفريقيا الشرق، المغرب، طبعة ثانية 1998، ص82
4 - حسان الباهي، الحوار والمنهجية التفكير النقدي، إفريقيا شرق، طبعة 2004، ص:31.
5 - جان مارك فيري، فلسفة التواصل، ترجمة عمر امهيبل، منشورات الاختلاف، الجزائر 2006، ص:75.


لمعرفة المزيد http://www.ta5atub.com/t5868-topic#ixzz2F7R66dgc
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زهر السوسن
عضو شرف
عضو شرف
زهر السوسن

القيمة الأصلية

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
879

نقاط :
1493

تاريخ التسجيل :
17/10/2012


شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان Empty
مُساهمةموضوع: رد: شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان   شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2012-12-15, 12:39

شكرا اخي بلال على هاته الاضافة القيمة ..ويبدو انني استفز معلوماتك الفلسفية التي تخزنها في ذلك العقل الكبير
ومنكم نستفيد يا استاذ.. ما نحن الا طلبة ننتظر الغيث.....
شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان 388965 شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان 388965 شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان 976116 شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان 390140 شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان 390140
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بلال موقاي
نائب المدير
نائب المدير
بلال موقاي

وسام الإداري المميز

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
1216

نقاط :
1939

تاريخ التسجيل :
28/04/2012

الموقع :
https://twitter.com/mougay13

المهنة :
جامعة معسكر، الجزائر


شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان Empty
مُساهمةموضوع: رد: شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان   شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان I_icon_minitime2012-12-15, 19:20

شكرا لك استاذة " زهر السوسن " على هذا الرد الجميل، كما اشكرك على حسن الاختيار والانتقاء المبدع
كما انني اعتبر ردك هذا بمثابة محفز لي ....بارك الله فيك ....تحية احترام وتقدير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» شروط التواصل عند هابرماس
» علاقة علم الدلالة بعلم اللغة
» تعليق على ما كتبه الأستاذ الدكتور محمد يونس علي حول علاقة اللغة بالتخلف
» اللغة و التفسير و التواصل
» تحميل كتاب التداولية اليوم علم جديد في التواصل مترجم الى اللغة العربية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللغة والنحو والبلاغة والأدب :: فقه اللغة-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
الحذف الخطاب العربية موقاي مبادئ العربي اللغة اللسانيات قواعد على مجلة مدخل البخاري المعاصر ننجز محمد اسماعيل ظاهرة كتاب النحو الخيام بلال التداولية النقد النص الأشياء


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | Ahlamontada.com | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع