am
________________________________________
علاقة علم الدلالة بعلوم اللغة
بشكل عام ينصرف مفهوم علم الدلالة إلى الدلالة اللغوية
أولا : علاقة علم الدلالة بالأصوات (المستوى الصوتي)
ما زلنا نذكر حين حديثنا عن المستوى الصوتي أن الأصوات [ الحروف / (حروف البناء)] وحدات غير دالة ، وهي القطع الصوتية الصغرى التي تتشكل منها بجمع بعضها إلى بعض الوحدات الدالة (الكلمات). هذه القطع الصوتية الصغيرة التي تظهر في التقطيع الثاني عند البنويين الوظيفيين (مارتينيه). وهنا يجب أن نشيرإلى أن هناك ما يسمى بالوحدات الدلالية التي هي أقل من الكلمة و تتمثل في (المورفيم المتصل) مثل السوابق و اللواحق و الضمائر المتصلة بل أن هناك وحدة دلالية أقل من المورفيم ، مثلا دلالة الحركات على تاء الفاعل ( كتبتم ، كتبت ، كتبتما ..) انظر أحمد مختار عمر ص34.
هذه الأصوات في الواقع تدرس من جانبين هما
الجانب الأول : هو من حيث طبيعتها الفيزيائية الفيزيولوجية والجانب الثاني : من حيث وظيفتها (الدلالية) في بنية الكلمة أو الوحدة الدالة و لذلك صار للأصوات علمان أحدهما:
علم التصويت ، والثاني : علم وظائف الأصوات ، حيث تدرس وظائف هذه الأصوات من خلال التقابلات الثنائية التي تظهر القيمة الدلالية أو المعنوية للصوت بالاشتراك مع أصوات أخرى ، فالفرق الدلالي بين قال و مال جاء من التقابل بين (ق) و (م).
وتبدو علاقة الدلالة بالأصوات جلية هنا . وهناك كلمات يتغير أحد أصواتها ولا تتغير دلالتها مثل: الصراط مقابل السراط. و السقر، و الزقر، و الصقر، و هذا ما يسمى كيفيات أو وجهات أداء. ولابد من الإشارة أيضا إلى أن هناك من يرى أن الصوت (الحرف) الواحد منفردا له قيمة تعبيرية (دلالية) خاصة به.
وقد ذهب عدد من الباحثين إلى هذا الرأي و من هؤلاء ابن جني ت 392هـ. الذي أورد في كتابه الخصائص عددا من العناوين و الأمثلة التي تؤكد قناعته بهذا الرأي، من ذلك تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني. و باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني. فالصوت (الحرف) مفردا أو مركبا يحمل قيمة دلالية في ذاته ،و ليس ذلك بغريب على ابن جني الذي لم يخف ميله إلى النظرية التي ترى أن أصل اللغات إنما هو من الأصوات المسموعة، فهذا المذهب عنده وجه صالح ومتقبل.
وهناك أمثلة كثيرة غايتها تأكيد القيمة التعبيرية (الدلالية) للحرف الواحد ، مركبا في الكلمة من ذلك: نضح ونضخ ، قال تعالى " فيها عينان نضاختان" وبما أن النضخ أقوى من النضح فقد جعلوا الحاء لرقتها للماء الضعيف ، والخاء لغلظها لما هو أقوى منه ، وكذلك : قضم وخضم ، فالقضم للصلب اليابس و الخضم للرطب. و كان أحمد بن فارس (توفي 395ه) قد وضع معجما سماه: (مقاييس اللغة) وجه فيه كل جهده لاستنباط الصلات بين الألفاظ و دلالاتها، ولكنه غالى و تكلف، كما فعل ابن جني.
ولم يكن علماء العرب و حدهم الذين يعتقدون بهذه القيمة التعبيرية للأصوات (الحروف)، فمن المحدثين الغربيين (جسبرسن) الذي يلخص آراء المحدثين في الصلة بين الألفاظ و الدلالات فتعرض لمقال
(همبلت) الذي يزعم أن اللغات بشكل عام تؤثر التعبير عن الأشياء بواسطة ألفاظ أثرها في الأذن يشبه أثر تلك الأشياء في الأذهان، و هذا ما يسمى بالمناسبة الطبيعية بين الألفاظ و معانيها ،و إن كان يرى أن هذه الصلة كانت في البداية، و لكنها تطورت حتى أصبحت العلامة غامضة.
و كان جسبرسن يضرب بعض الأمثلة عن المناسبة الطبيعية، من ذلك أن طائرا في أوربا يسمى(كوكو) فهو يصيح فيصدر صوتا هو – كوكو -.
ويمكن أن نمثل لهذا كذلك بكلمة الصفق و هو الصفع على الوجه، و هو ما يشبه الصوت الصادر عن ذلك.
ومن مظاهر الدلالة الصوتية (النبر) فالنبر و الاعتماد بقوة أو الضغط على مقطع ما أو كلمة ما يجعل لها معنى خاصا . وفي لغات أخرى يحدد موضع النبر نوع الكلمة ، اسما أو فعلا .
و من مظاهر الدلالة الصوتية كذلك، النغمة الكلامية ففي اللغة الصينية قد يكون للكلمة الواحدة عدة معان يفرق بينهما النغمة.
ومثال ذلك في العربية قولنا هكذا) فقد تكون بمعنى الاستفهام إذا كان المتكلم يريد الاستفسار عن كيفية عمل شيء ، وقد تكون للشجب والاستنكار، وقد تكون للإقرار والإخبار.
ومما يتعلق بهذه الدلالة الصوتية ما ذكر من أن بعض اللغات تعبر عن الأصول المختلفة للفعل ،أي لحدوث الفعل من الفاعل بكلمات إضافية تدل من حيث الإيقاع الصوتي على تلك الحالة أو الكيفية، من ذلك ما ذكره الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه (دلالة الألفاظ) من أن من لغات وسط إفريقيا أن الفعل الذي يدل على مطلق المشي هو (zo) :
ويمشي منتصبا : ZO KA KA
يمشي بنشاط و حماس : ZO DES DES
يمشي بسرعة: ZO TYA TYA
يمشي متثاقل : ZO BOHO BOHO
( ارجع إلى ص69/70 من هذا الكتاب / مكتبة الأنجلو مصرية ط/5 1984)
حصة تطبيقية حول علاقة علم الدلالة بمستويات التحليل اللساني
أ ـ علاقته بالمستوى الصوتي :
النص الأول :
يقول ابن جني في باب إمساس الألفاظ أشباه المعاني : " اعلم أن هذا موضع شريف لطيف وقد نبه عليه الخليل وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته .قال الخليل كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدا فقالوا صر ، وتوهموا في صوت البازي تقطيعا فقالوا صرصر، وقال سيبويه في المصادرالتي جاءت على الفعلان أنها تأتي للاضطراب والحركة ، نحو الغليان والغثيان فقابلوا توالي حركات المثال بتوالي حركات الأفعال ".
الخصائص ج2 ص152
النص الثاني :
ويقول أيضا : " فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث ، فباب عظيم وواسع ونهج متلئب عند عارفيه ، ذلك لأنهم كثيرا ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها ، فيعدلونها بها ويحتذونها عليها بذلك أكثر مما نقدره وأضعاف ما نستشعره من ذلك كقولهم خضم وقضم ، فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب ، والقضم للصلب اليابس نحو قضمت الدابة شعيرها ونحو ذلك " .
الخصائص ج2 ص 157
النص الثالث :
أما في باب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني فيقول :" من ذلك قول الله سبحانه :" ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا " أي تزعجهم وتقلقهم . فهذا في معنى تهزهم هزا ، والهمزة أخت الهاء ، فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين . وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهز لأنك قد تهز ما لا بال له ، كالجذع وساق الشجرة ونحو ذلك ".
الخصائص ج2 ص146 ـ147
المطلوب : حلل هذه النصوص مبرزا أهم الظواهر الدلالية .
التحليل :
نلاحظ في النص الأول أن ابن جني قد التفت إلى وجود صلة بين صوت الجندب والفعل الذي يدل عليه " صر " . وبسبب تشابه صوت البازي وصوت الجندب مع وجود اختلاف في الكيفية ، جاء الفعل الذي يصف صوت البازي مضعفا " صرصر " .
فنجد ابن جني يركز على تقارب المعاني نتيجة لتقارب جرس الأصوات ، ويفرق بين المعاني نتيجة لاختلاف الجرس .ويضيف ابن جني ما قاله سيبويه في هذا الباب " أن المصادر التي جاءت على الفعلان ، أنها تأتي للاضطراب........... حركات الأفعال ".فالمصادر التي على وزن " فعلان " ـ بفتح الفاء والعين ـ تدل على الحركة المصاحبة للحدث .
ثم يوضح في النص الثاني أثر الأصوات في المعاني ، فالصوت الرخو يدل على المعنى الرخو وبالمقابل يدل الصوت الغليظ على المعنى الغليظ ويعطينا مثالا لذلك كلمتي :الخضم التي تدل على أكل الرطب ، والقضم لأكل الصلب اليابس.
أما في النص الثالث فيوضح لنا أن تقارب الحروف أو الأصوات ناتج عن تقارب المعاني ويقدم مثالا لذلك كلمتي الهز و الأز المتقاربتين في المعنى ومعناهما : تزعجهم وتقلقهم . أما إذا نظرنا إلى الكلمتين من الناحية اللفظية فنجد أنهما لا تختلفان إلا في حرف الهاء والهمزة وهما حرفان متقاربان أيضا من الناحية الصوتية فالهاء مخرجه الحلق وهو المخرج ذاته للهمزة .
فتتصور من مجموع هذه النصوص أن ابن جني يريد القول بوجود العلاقة الطبيعية بين الحرف ومعناه أو ما يسمى بالقيمة التعبيرية للحرف الواحد ، إذ تتقارب المعاني أحيانا نتيجة تقارب مخارج الحروف، وترتبط قوة المعاني بقوة الحروف .
ملاحظة : هذه فكرة توضيحية وعلى الطالب أن يتعمق في الشرح والتعليل كنموذج تدريبي .
________________________________________
علاقة الدلالة بعلم الصرف (الدلالة الصرفية)
بالرجوع إلى المستوى الصرفي من مستويات البنية اللغوية نذكر أن عناصر هذا المستوى هي (المفردات أو الكلمات أو الوحدات الدالة) التي تنشأ من جمع الأصوات (الوحدات غير الدالة) بصورة اعتباطية (مع التحفظ هنا على هذه الاعتباطية) ليكون لدينا وحدات لها دلالة مفردة (بالوضع) كما ذكر الزمخشري في كتابه (المفصل). هذه الوحدات ذات الدلالة المفردة تأخذ أشكالا صرفية مختلفة و هي التي تسمى الصيغ الصرفية ، ولكل صيغة دلالة معينة بالإضافة التي دلالة المادة الصوتية التي تتشكل منها. فللأأسماء والأفعال والأوصاف (المشتقات المختلفة) دلالة إضافية تحددها الصيغة. فلكل فعل من الأفعال (الماضي، المضارع والأمر) و بصورها المختلفة (المجردة و المزيدة ) هيئة صرفية تدل على المعنى أو على جزء من المعنى . مثل: فعل، يفعل، افعل، استفعل، تفاعل... وكذلك فاعل، مفعول، مفعل، مفعل، فعال، مفعال.
و قد تدل صيغة واحدة على عدة معان يحددها السياق، مثل صيغة اسم الفاعل و المفعول.
(مختار) ، بضم الميم ، المتحولة من البنيتين العميقتين: مختير و مختير، بفتح الياء في الأولى وكسرها في الثانية ،و من ذلك الصيغة التي تدل على اسم الزمان و المكان و اسم المفعول و المصدر الميمي (مسعى) على وزن مفعل ، ومن ذلك أيضا : الفعل ضاع يضوع ،التي تدل على الظهور والاختفاء و ندرك ذلك بالرجوع إلى المضارع: ضاع يضيع و ضاع يضوع ،وكذلك رام يروم و يريم (حلمي خليل مقدمة لدراسة فقه اللغة ص 182).
إن علم الصرف الذي يدرس هذه الصيغ (هذه الوحدات) التي تعد من المفردات على الرغم من أنها قد تتألف من أكثر من وحدة دالة حسب مبدأ تحديد الوحدات الدالة بناء على المعنى، أقول إن علم الصرف هنا يتقاطع مع علم الدلالة لأن الأصل في تصريف الصيغة الأولى إلى صيغ مختلفة الحاجة إلى الدلالات المختلفة التي نحتاج إليها ضمن النظام اللغوي لتؤدي اللغة وظيفتها بشكل كامل و دقيق.
حصة تطبيقية حول علاقة علم الدلالة بالمستوى الصرفي
النص
يقول ابن جني في " باب في الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية " : اعلم أن كل واحد من هذه الدلائل معتد مراعى مؤثر إلا أنها في القوة والضعف على ثلاث مراتب ، فأقواهن الدلالة اللفظية ثم تليها الصناعية ثم تليها المعنوية ولنذكر من ذلك ما يصح به الغرض فمنه جميع الأفعال ، ففي كل واحد منها الأدلة الثلاثة ، ألا ترى إلى قام ودلالة لفظه على مصدره ودلالة بنائه على زمانه ودلالة معناه على فاعله ، فهذه ثلاث دلائل من لفظه وصيغته ومعناه ، وإنما كانت الدلالة الصناعية أقوى من المعنوية من قبل أنها وان لم تكن لفظا فإنها صورة يحملها اللفظ ويخرج عليها و يستقر على المثال المعتزم بها ، فلما كانت كذلك لحقت بحكمه وجرت مجرى اللفظ المنطوق به ، فدخلا بذلك في باب المعلوم والمشاهدة و أما المعنى فإنما دلالته لاحقة بعلوم الاستدلال وليست في حيز الضروريات ".
الخصائص ج3 ص98
المطلوب : حلل النص ، واستخرج أهم المفاهيم الدلالية المتضمنة مع التمثيل .
التحليل :
أبرز ابن جني في هذا النص أنواع الدلالات في الكلمة الواحدة، بحيث فصل بينها وجعلها مستقلة عن بعضها البعض وصنفها حسب قوتها مبتدئا بالأقوى دلالة وهي الدلالة اللفظية ثم الدلالة الصناعية وأخيرا الدلالة المعنوية . ثم بين أن الأفعال تشتمل على هذه الأنواع من الدلالات مجتمعة.
أ ـ الدلالة اللفظية : عرفها ابن جني بقوله أنها "دلالة لفظه على مصدره" ، وهو يقصد دلالة الجذر .
ويوضح لنا الأمر بمثال هو الفعل قام ودلالة لفظه هي دلالة جذره أي الجذر (ق، و، م ) الذي يدل على حدث يختلف عن معنى الجذر ( س ، م ، ع ) مثلا ، فلكل جذر إذن دلالة خاصة به تميزه عن جذر آخر.
ب ـ الدلالة الصناعية : عرفها ابن جني بقوله أنها " دلالة بناء الفعل على الزمن " ، ويقصد بها دلالة الوزن أو الصيغة الصرفية . فالكلمة في اللغة العربية تتكون من الجذر + الوزن ،و لكل وزن دلالة خاصة به ،إذ نجد مثلا أن كلمتي (قام ومقام ) تشتركان في نفس الدلالة اللفظية وهي دلالة الجذر (ق ، و ، م) لكن معناهما مختلف نتيجة تباين وزنيهما مما ينتج عنه تباين في معنى كل وزن :
ـ فوزن قام هو ( فعل ) الذي يدل على حدث القيام في الزمن الماضي
ـ ووزن مقام هو( مفعل) الذي يدل على معنى اسم المكان
يتبين لنا أن الصيغ الصرفية تلعب دورا كبيرا في الدلالة على معنى الكلمة .
فصيغ الأفعال بأنواعها : الماضي والمضارع و الأمر تدل على الحدث وزمانه ،وما يتصل بهذه الأفعال من حروف وما يدخلها من التضعيف ، فتضعيف العين مثلا يدل على قوة الحدث وكثرته مثل : اخضر واخضوضر .
وتحمل صيغ الأسماء العديد من المعاني التي تتنوع بتنوعها ، كأسماء الفاعلين وأسماء المفعولين وصيغ المبالغة والتصغير والنسب والجموع ، فلكل منها معنى تؤديه .
ويمكننا التعرف على معاني تلك الأوزان بالرجوع إلى كتب الصرف .
ج ـ الدلالة المعنوية : عرفها ابن جني بقوله "دلالة معناه على فاعله " أي دلالة فاعل الفعل.
فالدلالة المعنوية للفعل ( قام ) هي الفاعل الذي قام بالفعل ( هو ).
والدلالة المعنوية في الاسم (قافلة ) هي : قافلة ، سيارة ، كواكب ... أي مختلف المعاني الأصلية ، والمجازية .
يمكن أن نمثل لمختلف تلك الدلالات بالشكل التالي :
ملاحظة : لا نجد كل هذه الأنواع من الدلالات إلا في الأسماء المتمكنة والأفعال المتصرفة .
تمرين :
1 ـ بين أنواع الدلالة التي تتضمنها الكلمات التالية حسب تقسيم ابن جني لها :
1ـ هاتف ، 2 ـ صه ، 3 ـ من ، 4 ـ نعم ( بكسر النون وتسكين العين ) ، 5 ـ يسلم .
2 ـ ما المعنى المستفاد من الصيغ المتقابلة التالية ( استعن بالمعاجم العربية ) :
أ ـ القوام ( بكسر القاف ) والقوام (بفتحها)
ب ـ الذل ( بكسر الذال ) والذل ( بضمه )
ج ـ حاسوب ، حاسب
الدلالة وعلم التراكيب (الدلالة النحوية)
يقول الجرجاني عبد القاهر في كتابه المشهور (دلائل الإعجاز في علم المعاني) : (إن الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها و لكن لأن يضم بعضها إلى بعض فيعرف فيما بينها فوائد .....) (دلائل الإعجاز ص353).
إن ما يقال من أن الوحدات الدالة في المستوى الصرفي تتشكل من تجمع لعناصر من الوحدات غير الدالة (الأصوات) دون صدور ذلك عن نظام عقلي (إن نظم الحروف هو تواليها في النطق فقط....) (انظر دلائل الإعجاز ص353).( مع التحفظ على ذلك). فان ذلك لا ينطبق على تشكيل الجمل من الوحدات الدالة و إنما يتم ذلك بالتآلف بين هذه الوحدات فيأتلف بعضها و لا يأتلف بعضها الآخر، كما يذكر الجرجاني نفسه في كتابه الجمل (اعلم أن الواحد من الاسم و الفعل و الحرف يسمى كلمة، فإذا ائتلف منها اثنان فأفادا ( ...) يسمى كلاما ويسمى جملة ( الجمل ص107) .
وعلى هذا تكون الإفادة ليس معنى المفردات في حد ذاتها . و هو ما يوضحه في قوله السابق في الدلائل.
وإنما الإفادة هنا في هذا المستوى (مستوى التراكيب) أو المستوى النحوي هو تعريف المخاطب (بفتح الطاء ) و إبلاغه بالعلاقات النحوية أو ما يسمى بمعاني النحو، و هو المعنى الاسنادي الذي يربط بين الوحدات داخل التركيب فيفهم من الذي قام بالفعل أو اتصف بالوصف و على من وقع هذا الفعل، و مع ترابط عناصر التركيب بما في ذلك الملحقات مثل الحال و التمييز و غيرها، حيث يوضع كل عنصر في موضعه المناسب لصحة المعنى، وإلا لن يفهم المخاطب ، بفتح الطاء ، (السامع) أي معنى مع أنه من المفترض أنه يعرف المعاني المفردة للألفاظ و إنما المعنى المقصود هنا هو معنى النحو، أو الوظائف النحوية. و يرى الجرجاني أن ذلك النظام يقوم على ربط الكلمات ببعضها يقول " ليس الغرض بنظم الكلم أن توالت ألفاظها في النطق بل أن تناسقت دلالاتها وتلاقت معانيها ، على الوجه الذي اقتضاه العقل (ص35) .
وكان الجرجاني قد ضرب مثلا ببيت امرئ القيس ـقفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ـ فقال
ما معناه أننا لو غيرنا ترتيب الكلمات فهل يعني قول امرئ القيس مبينا بعد ذلك .
وقد عدّ بعضهم الجملة (التركيب) هي الوحدة الدلالية الأساسية.
وهذا لا يعني –طبعا- أن المعاني المعجمية (الاجتماعية) بمعزل عن فهم المعنى لأن اللغة تعمل بنظام متفاعل تتداخل فيه المستويات ، و يظهر ذلك عند تشو مسكي فيما يسمى مبدأ السلامة النحوية ، ويضرب لذلك الأمثلة ، فقد يكون التركيب سليما نحويا من حيث الإسناد، ولكنه لا يؤدي للمخاطب (بفتح الطاء ) معنى صحيحا مثال ذلك : (شرب الجدار النجمة المؤمنة) . و إنما قد يكون ذلك فيما يسمى باختراقات الشعراء مثل. ( شربتني قهوتي ) .
وإذا كنا قد ركزنا هنا على الجرجاني فلأنه ركز على العلاقة بين النحو والبلاغة أو الإبلاغ وليس الإبلاغ إلا نقل المعاني و تبادلها بين المخاطب ( بفتح الطاء ) والمخاطب (بكسر الطاء ) . ومن هنا كان لعلم الدلالة علاقة متينة بعلم النحو فليست اللغة إلا مجموعة من العلاقات بين الألفاظ و دلالاتها ، وهذا ما تؤكده كثير من المذاهب اللسانية الغربية الحديثة.
________________________________________
النص الأول :
يقول عبد القاهر الجرجاني :" اعلم أن ههنا أصلا أنت ترى الناس فيه في صورة من يعرف من جانب وينكر من آخر ، وهو أن الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها و لكن لأن يضم بعضها إلى بعض فيعرف فيما بينها فوائد ، وهذا علم شريف وأصل عظيم ، والدليل على ذلك أنا إن زعمنا أن الألفاظ التي هي أوضاع اللغة ، إنما وضعت ليعرف بها معانيها في أنفسها ، لأدى ذلك إلى ما لا يشك عاقل في استحالته ....."
دلائل الإعجاز ص469
النص الثاني :
ويقول أيضا :" ليت شعري كيف يتصور وقوع قصد منك إلى معنى كلمة من دون أن تريد تعليقها بمعنى كلمة أخرى ، ومعنى القصد إلى معاني الكلم أن تعلم السامع بها شيئا لا يعلمه ؟
و معلوم أنك أيها المتكلم لست تقصد أن تعلم السامع معاني الكلم المفردة التي تكلمه بها فلا تقول : خرج زيد لتعلمه معنى خرج في اللغة ومعنى زيد ، كيف ومحال أن تكلمه بألفاظ لا يعرف هو معانيها كما تعرف ، ولهذا لم يكن الفعل وحده دون الاسم ، ولا الاسم وحده دون اسم آخر أو فعل كلاما ، أو كنت لو قلت :زيد ولم تأت بفعل ولا باسم ولا قدرت فيه ضمير الشأن ، أو قلت زيد ولم تأت بفعل ولا اسم آخر ولم تضمره في نفسك ،كان ذلك وصوتا تصوته سواء فاعرفه "
المرجع نفسه ص372
النص الثالث :
ويقول : " واعلم أن مثل واضع الكلام مثل من يأخذ قطعا من الذهب أوالفضة فيذيبها بعضها في بعض حتى تصير قطعة واحدة ، وذلك أنك إذا قلت : ضرب زيد عمرا يوم الجمعة ضربا شديدا تأديبا له ، فانك تحصل من مجموع هذه الكلم كلها على مفهوم هو معنى واحد لا عدة معان كما يتوهمه الناس ، وذلك لأنك لم تأت بهذه الكلم لتفيده أنفس معانيها إنما جئت بها لتفيده وجوه التعلق التي بين الفعل الذي هو ضرب وبين ما عمل فيه ، أو الأحكام التي هي محصول التعلق ........ وإذا كان ذلك كذلك بان منه وثبت أن المفهوم من مجموع الكلم معنى واحد لا عدة معان وهو إثباتك زيدا فاعلا ضربا لعمرو في وقت كذا ولغرض كذا.
المرجع نفسه ص372
التحليل
1 ـ التعريف بصاحب النص :
هو عبد القاهر الجرجاني أبو بكر بن عبد الرحمان ولد بجرجان قرب خراسان ، وبها تلقى علومه وثقافته ، وتوفي بها سنة 471ه ـ 1093م . اهتم بالدراسات النحوية والأدبية وتفسير القرآن ، له عدة مؤلفات : أشهرها : دلائل الإعجاز ، أسرار البلاغة .
2 ـ أهمية كتاب دلائل الإعجاز
تناول فيه إعجاز القرآن من زاوية تخصصه اللغوي اللساني والأسلوبي، مؤسسا بذلك نظرية النظم و التي جمع فيها بين علوم ثلاث: النحو، البلاغة، النقد، وهي نظرة مكتملة تمكننا من فهم النص الأدبي من خلال صياغته.
والنظم في جوهره يتصل بالمعنى من حيث هو تصور للعلاقات النحوية كتصور علاقة التعدية بين الفعل والمفعول به ، وتصور علاقة السببية بين الفعل والمفعول لأجله ، ثم تأتي المزية من وراء ذلك بحسب موقع الكلمات بعضها من بعض .
ارتبطت نظرية النظم بقضية فكرية دينية شغلت المسلمين حقبة طويلة ، احتدم الجدال حولها: القرآن أمخلوق هو أم قديم؟
وقد تزعم المعتزلة القول بخلق القرآن ، واتصل البحث فيها بماهية الكلام ، حيث قال المعتزلة إن كلام الناس حروف ، وكذلك كلام الله وقد مر ذلك إلى تناول الصلة بين الألفاظ ومدلولاتها ، فمن العلماء من رأى أنها طبيعية ذاتية ومنهم من قال بأنها علاقة اعتباطية اتفاقية .
كل ذلك وصل إلى عبد القاهر الجرجاني الذي أدرك سوء الفهم لدى أهل زمانه إذ منهم من مال إلى اللفظية الجامدة ، وأعطى الألفاظ بعض القداسة .
كما تجاوز آراء العلماء خاصة في المسائل النحوية التي ارتبطت بقضايا الصواب والخطأ في الأداء إلى الاهتمام بالعلاقات المتنوعة بين الكلمات ثم بين الجمل .
التحليل :
ـ يبين الجرجاني في النص الأول أن الدلالة لا تقتصر على الجانب الافرادي فقط إنما تتعداه إلى المستوى التركيبي النحوي ، ثم نجده يفاضل بين الدلالتين عندما يبين لنا أن الغرض من اللغة الذي هو التعبير والتواصل لا يتحقق بالنظر في معاني الألفاظ المفردة ، لأن هذه المعاني ناتجة عن التواضع والاصطلاح ، ولا نحقق أية فائدة عند الاكتفاء بمعرفتها ، لأنها معروفة أصلا عند كل المتخاطبين ،بل الفائدة تتحقق بمعرفة المعاني الناتجة عن ضم تلك الكلمات بعضها مع بعض ، ويصفه بأنه "علم شريف وأ صل عظيم ".
ـ وفي النص الثاني ، يبين أيضا أن الفائدة المرجوة من اللغة ـ أي تبليغ معاني جديدة للمستمع لا يعرفها ـ لا تتحقق إلا بتعليق أي ضم الكلمات بعضها ببعض وفق قواعد نحوية معينة ، و هنا نتحدث عن معنى الجملة.
يقدم لنا الجرجاني مثالا توضيحيا لذلك بجملة " خرج زيد " ، فالقصد هنا ليس إعلام أو إفادة السامع بمعنى " خرج " أو بمعنى " زيد " لأن معناهما ناتج عن التواضع ـ مثلما ذكر في النص الأول ـ إنما إعلامه بمعنى التركيب : (خرج + زيد) أو( زيد + خرج ) و هنا تتحقق الفائدة .
ـ نلاحظ أن الجرجاني في النص الثالث يوضح أكثر معنى " دلالة الجملة " ، باستعماله : "ضرب زيد عمرا يوم الجمعة ضربا شديدا تأديبا له " ، وهي عبارة تحمل بكلماتها المجتمعة معنى واحدا هو معنى الإثبات أي إثبات زيد فاعلا ضربا لعمرو في وقت كذا وعلى صفة كذا ولغرض كذا .
فمعنى الإثبات هو المعنى النحوي ،ويقول عنه الجرجاني أنه " معنى واحد لا عدة معان كما يتوهمه الناس ".
لأن المعاني المنفصلة الخاصة بكل كلمة ، ناتجة كما ذكر عن التواضع والاصطلاح .
نستنتج أن المعنى النحوي عند الجرجاني يخضع لقواعد معينة ، وأي تغيير في ترتيب الكلمات وتركيبها يخضع لتلك القواعد . ومن أنواع المعاني النحوية التي يمكن ذكرها هي: معنى الاستفهام في جملة الاستفهام ، معنى الإثبات في جملة الإثبات ، معنى النفي في جملة النفي ...
الدلالة وعلم البلاغة
قد لا يذكر الباحثون في الغالب ـ أن هناك مستوى في البنية اللغوية يسمى المستوى البلاغي ،لأنه متداخل مع المستوى الابلاغي الذي يعتمد التراكيب أو الإسناد أساسا ، و إنما هناك أنواع من التصرف في الكلام قد تجعله بليغا ، و يتفاوت في ذلك المتكلمون ، و مما يشير إلى أن الدلالة البلاغية في سياقاتها تختلف عن الدلالات الأخرى مع ارتباطها بها أننا لو أخذنا المثال المشهور من التراث اللغوي العربي (كثير الرماد). فالدلالة النحوية هنا لو وققنا عندها كانت أن شخصا ما عنده الكثير من الرماد (بقايا النار) و قد يكون ذلك للاتجار به أو أن يكون للقذارة و عدم التخلص منه، و لكن في السياق البلاغي تكون دلالة (كثير الرماد) الكرم ......... وهذا الذي سمي عند الجرجاني بمعنى المعنى. و كنا قد ذكرنا أن (أوجدن
و ريتشارد) قد ألفا كتابا في عام 1923 بعنوان "معنى المعنى" the meaning of meaning
و كان عبد القاهر الجرجاني قد سبق إلى ذلك و إن كان بمجرد إشارة.
هذا بالإضافة إلى علاقة الدلالة بالنص (الدلالة النصية)، إذ أن هناك من يرى أن الوحدة الدلالية هي (atext) . و أن أي امتداد للكلام ابتداء من المورفيم ـ و ربما دون ذلك ـ هو وحدة دلالية (انظر: أحمد مختار عمر. علم الدلالة ،عالم الكتب ص 32) علما بأن أبرز وحدة دلالية هي الكلمة لأنها المستوى الأساسي في البنية اللغوية (مستوى الوحدات الدالة) كما كنا قد أشرنا سابقا عند حديثنا عن مستويات البنية اللغوية.
الدلالة و المعجم: (الدلالة الاجتماعية)
كل كلمة من كلمات اللغة العربية لها دلالة معجمية مستقلة عما توحيه أصواتها أو صيغتها من دلالات زائدة على تلك الأصلية أو المركزية أو القاعدية ، ويطلق عليها الدلالة الاجتماعية. و لكن عندما تنتظم الكلمة ضمن الجملة تضاف إلى الكلمة كل الدلالات الأخرى و لا يتم الفهم إلا بالوقوف عليها جميعها.
وأصل المعنى المعجمي هو ما تدل عليه الكلمة من المعنى الوضعي ،و هذا ما أشار إليه الزمخشري عندما قال في كتابه المفصل: " الكلمة هي اللفظ الدال على معنى مفرد بالوضع". هذا المعنى المرتبط –مبدئيا- بالأصول الصوتية (العربية ثلاثية الأصوات) هو الذي تنطلق منه المعاني الأخرى ،وقد ارتبطت المعاجم العربية القديمة و الحديثة (غالبا) بمبدأ الأصول الثلاثية ،حتى رأى بعضهم (ابن جني) ، وربما من قبله (الخليل بن أحمد) : أن المعنى الأصلي يظل مرتبطا بهذه الأصول و لا يكاد يفارقها حتى و إن تغير ترتيبها في الكلمة الواحدة (الاشتقاق الكبير) ـ أو حتى لو أبدلنا بها ما يقاربها من الأصوات (الاشتقاق الأكبر) و إن كان الذين اعتمدوا هذا الرأي قد تأولوا كثيرا.
هذا بالإضافة إلى أن هناك من عدّ المادة الصوتية الأولى في الكلمات اللغة كانت صوتين فقط
أو ما يعرف بالمقطع الصوتي القصير المغلق (قط، شد، شك) هذا تاريخيا ثم انتقلت هذه الثنائية إلى المعجم بتضعيف الصوت الثاني (قطّ، شدّ، عضّ) الثلاثي المضاعف و نظرا للحاجة إلى تنويع المعنى أضيف فيما بعد صوت ثالث تتويجا أو حشوا أو كسعا من ذلك قط + ع = قطع – و + ر = قطر، و+ م = قطم.......وفج بإدخال صوت في وسطها تصبح فلج أو فرج ...
ولعل ما يشير إلى علاقة الدلالة بالمعجم أن هناك معاجم بنيت على أساس المعاني، و سميت معاجم المعاني ،و قد كان هذا في التراث اللغوي العربي عندما وضع جامعو اللغة الأول ما يسمى بالرسائل اللغوية المتعلقة بأحد الموضوعات أو المعاني مثل: كتاب الإبل، وكتاب الخيل ، والأنواء وغير ذلك
وكما أن هناك الآن معاجم نبحث فيها اعتمادا على اللفظ، فان هناك معاجم أخرى يبحث فيها اعتمادا على المعنى
------------------------
________________________________________
حصة تطبيقية حول علاقة علم الدلالة بالمستوى التركيبي
النص الأول :
يقول عبد القاهر الجرجاني :" اعلم أن ههنا أصلا أنت ترى الناس فيه في صورة من يعرف من جانب وينكر من آخر ، وهو أن الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها و لكن لأن يضم بعضها إلى بعض فيعرف فيما بينها فوائد ، وهذا علم شريف وأصل عظيم ، والدليل على ذلك أنا إن زعمنا أن الألفاظ التي هي أوضاع اللغة ، إنما وضعت ليعرف بها معانيها في أنفسها ، لأدى ذلك إلى ما لا يشك عاقل في استحالته ....."
دلائل الإعجاز ص469
النص الثاني :
ويقول أيضا :" ليت شعري كيف يتصور وقوع قصد منك إلى معنى كلمة من دون أن تريد تعليقها بمعنى كلمة أخرى ، ومعنى القصد إلى معاني الكلم أن تعلم السامع بها شيئا لا يعلمه ؟
و معلوم أنك أيها المتكلم لست تقصد أن تعلم السامع معاني الكلم المفردة التي تكلمه بها فلا تقول : خرج زيد لتعلمه معنى خرج في اللغة ومعنى زيد ، كيف ومحال أن تكلمه بألفاظ لا يعرف هو معانيها كما تعرف ، ولهذا لم يكن الفعل وحده دون الاسم ، ولا الاسم وحده دون اسم آخر أو فعل كلاما ، أو كنت لو قلت :زيد ولم تأت بفعل ولا باسم ولا قدرت فيه ضمير الشأن ، أو قلت زيد ولم تأت بفعل ولا اسم آخر ولم تضمره في نفسك ،كان ذلك وصوتا تصوته سواء فاعرفه "
المرجع نفسه ص372
النص الثالث :
ويقول : " واعلم أن مثل واضع الكلام مثل من يأخذ قطعا من الذهب أوالفضة فيذيبها بعضها في بعض حتى تصير قطعة واحدة ، وذلك أنك إذا قلت : ضرب زيد عمرا يوم الجمعة ضربا شديدا تأديبا له ، فانك تحصل من مجموع هذه الكلم كلها على مفهوم هو معنى واحد لا عدة معان كما يتوهمه الناس ، وذلك لأنك لم تأت بهذه الكلم لتفيده أنفس معانيها إنما جئت بها لتفيده وجوه التعلق التي بين الفعل الذي هو ضرب وبين ما عمل فيه ، أو الأحكام التي هي محصول التعلق ........ وإذا كان ذلك كذلك بان منه وثبت أن المفهوم من مجموع الكلم معنى واحد لا عدة معان وهو إثباتك زيدا فاعلا ضربا لعمرو في وقت كذا ولغرض كذا.
المرجع نفسه ص372
التحليل
1 ـ التعريف بصاحب النص :
هو عبد القاهر الجرجاني أبو بكر بن عبد الرحمان ولد بجرجان قرب خراسان ، وبها تلقى علومه وثقافته ، وتوفي بها سنة 471ه ـ 1093م . اهتم بالدراسات النحوية والأدبية وتفسير القرآن ، له عدة مؤلفات : أشهرها : دلائل الإعجاز ، أسرار البلاغة .
2 ـ أهمية كتاب دلائل الإعجاز
تناول فيه إعجاز القرآن من زاوية تخصصه اللغوي اللساني والأسلوبي، مؤسسا بذلك نظرية النظم و التي جمع فيها بين علوم ثلاث: النحو، البلاغة، النقد، وهي نظرة مكتملة تمكننا من فهم النص الأدبي من خلال صياغته.
والنظم في جوهره يتصل بالمعنى من حيث هو تصور للعلاقات النحوية كتصور علاقة التعدية بين الفعل والمفعول به ، وتصور علاقة السببية بين الفعل والمفعول لأجله ، ثم تأتي المزية من وراء ذلك بحسب موقع الكلمات بعضها من بعض .
ارتبطت نظرية النظم بقضية فكرية دينية شغلت المسلمين حقبة طويلة ، احتدم الجدال حولها: القرآن أمخلوق هو أم قديم؟
وقد تزعم المعتزلة القول بخلق القرآن ، واتصل البحث فيها بماهية الكلام ، حيث قال المعتزلة إن كلام الناس حروف ، وكذلك كلام الله وقد مر ذلك إلى تناول الصلة بين الألفاظ ومدلولاتها ، فمن العلماء من رأى أنها طبيعية ذاتية ومنهم من قال بأنها علاقة اعتباطية اتفاقية .
كل ذلك وصل إلى عبد القاهر الجرجاني الذي أدرك سوء الفهم لدى أهل زمانه إذ منهم من مال إلى اللفظية الجامدة ، وأعطى الألفاظ بعض القداسة .
كما تجاوز آراء العلماء خاصة في المسائل النحوية التي ارتبطت بقضايا الصواب والخطأ في الأداء إلى الاهتمام بالعلاقات المتنوعة بين الكلمات ثم بين الجمل .
التحليل :
ـ يبين الجرجاني في النص الأول أن الدلالة لا تقتصر على الجانب الافرادي فقط إنما تتعداه إلى المستوى التركيبي النحوي ، ثم نجده يفاضل بين الدلالتين عندما يبين لنا أن الغرض من اللغة الذي هو التعبير والتواصل لا يتحقق بالنظر في معاني الألفاظ المفردة ، لأن هذه المعاني ناتجة عن التواضع والاصطلاح ، ولا نحقق أية فائدة عند الاكتفاء بمعرفتها ، لأنها معروفة أصلا عند كل المتخاطبين ،بل الفائدة تتحقق بمعرفة المعاني الناتجة عن ضم تلك الكلمات بعضها مع بعض ، ويصفه بأنه "علم شريف وأ صل عظيم ".
ـ وفي النص الثاني ، يبين أيضا أن الفائدة المرجوة من اللغة ـ أي تبليغ معاني جديدة للمستمع لا يعرفها ـ لا تتحقق إلا بتعليق أي ضم الكلمات بعضها ببعض وفق قواعد نحوية معينة ، و هنا نتحدث عن معنى الجملة.
يقدم لنا الجرجاني مثالا توضيحيا لذلك بجملة " خرج زيد " ، فالقصد هنا ليس إعلام أو إفادة السامع بمعنى " خرج " أو بمعنى " زيد " لأن معناهما ناتج عن التواضع ـ مثلما ذكر في النص الأول ـ إنما إعلامه بمعنى التركيب : (خرج + زيد) أو( زيد + خرج ) و هنا تتحقق الفائدة .
ـ نلاحظ أن الجرجاني في النص الثالث يوضح أكثر معنى " دلالة الجملة " ، باستعماله : "ضرب زيد عمرا يوم الجمعة ضربا شديدا تأديبا له " ، وهي عبارة تحمل بكلماتها المجتمعة معنى واحدا هو معنى الإثبات أي إثبات زيد فاعلا ضربا لعمرو في وقت كذا وعلى صفة كذا ولغرض كذا .
فمعنى الإثبات هو المعنى النحوي ،ويقول عنه الجرجاني أنه " معنى واحد لا عدة معان كما يتوهمه الناس ".
لأن المعاني المنفصلة الخاصة بكل كلمة ، ناتجة كما ذكر عن التواضع والاصطلاح .
نستنتج أن المعنى النحوي عند الجرجاني يخضع لقواعد معينة ، وأي تغيير في ترتيب الكلمات وتركيبها يخضع لتلك القواعد . ومن أنواع المعاني النحوية التي يمكن ذكرها هي: معنى الاستفهام في جملة الاستفهام ، معنى الإثبات في جملة الإثبات ، معنى النفي في جملة النفي ...
الدلالة وعلم البلاغة
قد لا يذكر الباحثون في الغالب ـ أن هناك مستوى في البنية اللغوية يسمى المستوى البلاغي ،لأنه متداخل مع المستوى الابلاغي الذي يعتمد التراكيب أو الإسناد أساسا ، و إنما هناك أنواع من التصرف في الكلام قد تجعله بليغا ، و يتفاوت في ذلك المتكلمون ، و مما يشير إلى أن الدلالة البلاغية في سياقاتها تختلف عن الدلالات الأخرى مع ارتباطها بها أننا لو أخذنا المثال المشهور من التراث اللغوي العربي (كثير الرماد). فالدلالة النحوية هنا لو وققنا عندها كانت أن شخصا ما عنده الكثير من الرماد (بقايا النار) و قد يكون ذلك للاتجار به أو أن يكون للقذارة و عدم التخلص منه، و لكن في السياق البلاغي تكون دلالة (كثير الرماد) الكرم ......... وهذا الذي سمي عند الجرجاني بمعنى المعنى. و كنا قد ذكرنا أن (أوجدن
و ريتشارد) قد ألفا كتابا في عام 1923 بعنوان "معنى المعنى" the meaning of meaning
و كان عبد القاهر الجرجاني قد سبق إلى ذلك و إن كان بمجرد إشارة.
هذا بالإضافة إلى علاقة الدلالة بالنص (الدلالة النصية)، إذ أن هناك من يرى أن الوحدة الدلالية هي (atext) . و أن أي امتداد للكلام ابتداء من المورفيم ـ و ربما دون ذلك ـ هو وحدة دلالية (انظر: أحمد مختار عمر. علم الدلالة ،عالم الكتب ص 32) علما بأن أبرز وحدة دلالية هي الكلمة لأنها المستوى الأساسي في البنية اللغوية (مستوى الوحدات الدالة) كما كنا قد أشرنا سابقا عند حديثنا عن مستويات البنية اللغوية.
الدلالة و المعجم: (الدلالة الاجتماعية)
كل كلمة من كلمات اللغة العربية لها دلالة معجمية مستقلة عما توحيه أصواتها أو صيغتها من دلالات زائدة على تلك الأصلية أو المركزية أو القاعدية ، ويطلق عليها الدلالة الاجتماعية. و لكن عندما تنتظم الكلمة ضمن الجملة تضاف إلى الكلمة كل الدلالات الأخرى و لا يتم الفهم إلا بالوقوف عليها جميعها.
وأصل المعنى المعجمي هو ما تدل عليه الكلمة من المعنى الوضعي ،و هذا ما أشار إليه الزمخشري عندما قال في كتابه المفصل: " الكلمة هي اللفظ الدال على معنى مفرد بالوضع". هذا المعنى المرتبط –مبدئيا- بالأصول الصوتية (العربية ثلاثية الأصوات) هو الذي تنطلق منه المعاني الأخرى ،وقد ارتبطت المعاجم العربية القديمة و الحديثة (غالبا) بمبدأ الأصول الثلاثية ،حتى رأى بعضهم (ابن جني) ، وربما من قبله (الخليل بن أحمد) : أن المعنى الأصلي يظل مرتبطا بهذه الأصول و لا يكاد يفارقها حتى و إن تغير ترتيبها في الكلمة الواحدة (الاشتقاق الكبير) ـ أو حتى لو أبدلنا بها ما يقاربها من الأصوات (الاشتقاق الأكبر) و إن كان الذين اعتمدوا هذا الرأي قد تأولوا كثيرا.
هذا بالإضافة إلى أن هناك من عدّ المادة الصوتية الأولى في الكلمات اللغة كانت صوتين فقط
أو ما يعرف بالمقطع الصوتي القصير المغلق (قط، شد، شك) هذا تاريخيا ثم انتقلت هذه الثنائية إلى المعجم بتضعيف الصوت الثاني (قطّ، شدّ، عضّ) الثلاثي المضاعف و نظرا للحاجة إلى تنويع المعنى أضيف فيما بعد صوت ثالث تتويجا أو حشوا أو كسعا من ذلك قط + ع = قطع – و + ر = قطر، و+ م = قطم.......وفج بإدخال صوت في وسطها تصبح فلج أو فرج ...
ولعل ما يشير إلى علاقة الدلالة بالمعجم أن هناك معاجم بنيت على أساس المعاني، و سميت معاجم المعاني ،و قد كان هذا في التراث اللغوي العربي عندما وضع جامعو اللغة الأول ما يسمى بالرسائل اللغوية المتعلقة بأحد الموضوعات أو المعاني مثل: كتاب الإبل، وكتاب الخيل ، والأنواء وغير ذلك
وكما أن هناك الآن معاجم نبحث فيها اعتمادا على اللفظ، فان هناك معاجم أخرى يبحث فيها اعتمam
________________________________________
علاقة علم الدلالة بعلوم اللغة
بشكل عام ينصرف مفهوم علم الدلالة إلى الدلالة اللغوية
أولا : علاقة علم الدلالة بالأصوات (المستوى الصوتي)
ما زلنا نذكر حين حديثنا عن المستوى الصوتي أن الأصوات [ الحروف / (حروف البناء)] وحدات غير دالة ، وهي القطع الصوتية الصغرى التي تتشكل منها بجمع بعضها إلى بعض الوحدات الدالة (الكلمات). هذه القطع الصوتية الصغيرة التي تظهر في التقطيع الثاني عند البنويين الوظيفيين (مارتينيه). وهنا يجب أن نشيرإلى أن هناك ما يسمى بالوحدات الدلالية التي هي أقل من الكلمة و تتمثل في (المورفيم المتصل) مثل السوابق و اللواحق و الضمائر المتصلة بل أن هناك وحدة دلالية أقل من المورفيم ، مثلا دلالة الحركات على تاء الفاعل ( كتبتم ، كتبت ، كتبتما ..) انظر أحمد مختار عمر ص34.
هذه الأصوات في الواقع تدرس من جانبين هما
الجانب الأول : هو من حيث طبيعتها الفيزيائية الفيزيولوجية والجانب الثاني : من حيث وظيفتها (الدلالية) في بنية الكلمة أو الوحدة الدالة و لذلك صار للأصوات علمان أحدهما:
علم التصويت ، والثاني : علم وظائف الأصوات ، حيث تدرس وظائف هذه الأصوات من خلال التقابلات الثنائية التي تظهر القيمة الدلالية أو المعنوية للصوت بالاشتراك مع أصوات أخرى ، فالفرق الدلالي بين قال و مال جاء من التقابل بين (ق) و (م).
وتبدو علاقة الدلالة بالأصوات جلية هنا . وهناك كلمات يتغير أحد أصواتها ولا تتغير دلالتها مثل: الصراط مقابل السراط. و السقر، و الزقر، و الصقر، و هذا ما يسمى كيفيات أو وجهات أداء. ولابد من الإشارة أيضا إلى أن هناك من يرى أن الصوت (الحرف) الواحد منفردا له قيمة تعبيرية (دلالية) خاصة به.
وقد ذهب عدد من الباحثين إلى هذا الرأي و من هؤلاء ابن جني ت 392هـ. الذي أورد في كتابه الخصائص عددا من العناوين و الأمثلة التي تؤكد قناعته بهذا الرأي، من ذلك تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني. و باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني. فالصوت (الحرف) مفردا أو مركبا يحمل قيمة دلالية في ذاته ،و ليس ذلك بغريب على ابن جني الذي لم يخف ميله إلى النظرية التي ترى أن أصل اللغات إنما هو من الأصوات المسموعة، فهذا المذهب عنده وجه صالح ومتقبل.
وهناك أمثلة كثيرة غايتها تأكيد القيمة التعبيرية (الدلالية) للحرف الواحد ، مركبا في الكلمة من ذلك: نضح ونضخ ، قال تعالى " فيها عينان نضاختان" وبما أن النضخ أقوى من النضح فقد جعلوا الحاء لرقتها للماء الضعيف ، والخاء لغلظها لما هو أقوى منه ، وكذلك : قضم وخضم ، فالقضم للصلب اليابس و الخضم للرطب. و كان أحمد بن فارس (توفي 395ه) قد وضع معجما سماه: (مقاييس اللغة) وجه فيه كل جهده لاستنباط الصلات بين الألفاظ و دلالاتها، ولكنه غالى و تكلف، كما فعل ابن جني.
ولم يكن علماء العرب و حدهم الذين يعتقدون بهذه القيمة التعبيرية للأصوات (الحروف)، فمن المحدثين الغربيين (جسبرسن) الذي يلخص آراء المحدثين في الصلة بين الألفاظ و الدلالات فتعرض لمقال
(همبلت) الذي يزعم أن اللغات بشكل عام تؤثر التعبير عن الأشياء بواسطة ألفاظ أثرها في الأذن يشبه أثر تلك الأشياء في الأذهان، و هذا ما يسمى بالمناسبة الطبيعية بين الألفاظ و معانيها ،و إن كان يرى أن هذه الصلة كانت في البداية، و لكنها تطورت حتى أصبحت العلامة غامضة.
و كان جسبرسن يضرب بعض الأمثلة عن المناسبة الطبيعية، من ذلك أن طائرا في أوربا يسمى(كوكو) فهو يصيح فيصدر صوتا هو – كوكو -.
ويمكن أن نمثل لهذا كذلك بكلمة الصفق و هو الصفع على الوجه، و هو ما يشبه الصوت الصادر عن ذلك.
ومن مظاهر الدلالة الصوتية (النبر) فالنبر و الاعتماد بقوة أو الضغط على مقطع ما أو كلمة ما يجعل لها معنى خاصا . وفي لغات أخرى يحدد موضع النبر نوع الكلمة ، اسما أو فعلا .
و من مظاهر الدلالة الصوتية كذلك، النغمة الكلامية ففي اللغة الصينية قد يكون للكلمة الواحدة عدة معان يفرق بينهما النغمة.
ومثال ذلك في العربية قولنا هكذا) فقد تكون بمعنى الاستفهام إذا كان المتكلم يريد الاستفسار عن كيفية عمل شيء ، وقد تكون للشجب والاستنكار، وقد تكون للإقرار والإخبار.
ومما يتعلق بهذه الدلالة الصوتية ما ذكر من أن بعض اللغات تعبر عن الأصول المختلفة للفعل ،أي لحدوث الفعل من الفاعل بكلمات إضافية تدل من حيث الإيقاع الصوتي على تلك الحالة أو الكيفية، من ذلك ما ذكره الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه (دلالة الألفاظ) من أن من لغات وسط إفريقيا أن الفعل الذي يدل على مطلق المشي هو (zo) :
ويمشي منتصبا : ZO KA KA
يمشي بنشاط و حماس : ZO DES DES
يمشي بسرعة: ZO TYA TYA
يمشي متثاقل : ZO BOHO BOHO
( ارجع إلى ص69/70 من هذا الكتاب / مكتبة الأنجلو مصرية ط/5 1984)
حصة تطبيقية حول علاقة علم الدلالة بمستويات التحليل اللساني
أ ـ علاقته بالمستوى الصوتي :
النص الأول :
يقول ابن جني في باب إمساس الألفاظ أشباه المعاني : " اعلم أن هذا موضع شريف لطيف وقد نبه عليه الخليل وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته .قال الخليل كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدا فقالوا صر ، وتوهموا في صوت البازي تقطيعا فقالوا صرصر، وقال سيبويه في المصادرالتي جاءت على الفعلان أنها تأتي للاضطراب والحركة ، نحو الغليان والغثيان فقابلوا توالي حركات المثال بتوالي حركات الأفعال ".
الخصائص ج2 ص152
النص الثاني :
ويقول أيضا : " فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث ، فباب عظيم وواسع ونهج متلئب عند عارفيه ، ذلك لأنهم كثيرا ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها ، فيعدلونها بها ويحتذونها عليها بذلك أكثر مما نقدره وأضعاف ما نستشعره من ذلك كقولهم خضم وقضم ، فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب ، والقضم للصلب اليابس نحو قضمت الدابة شعيرها ونحو ذلك " .
الخصائص ج2 ص 157
النص الثالث :
أما في باب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني فيقول :" من ذلك قول الله سبحانه :" ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا " أي تزعجهم وتقلقهم . فهذا في معنى تهزهم هزا ، والهمزة أخت الهاء ، فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين . وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهز لأنك قد تهز ما لا بال له ، كالجذع وساق الشجرة ونحو ذلك ".
الخصائص ج2 ص146 ـ147
المطلوب : حلل هذه النصوص مبرزا أهم الظواهر الدلالية .
التحليل :
نلاحظ في النص الأول أن ابن جني قد التفت إلى وجود صلة بين صوت الجندب والفعل الذي يدل عليه " صر " . وبسبب تشابه صوت البازي وصوت الجندب مع وجود اختلاف في الكيفية ، جاء الفعل الذي يصف صوت البازي مضعفا " صرصر " .
فنجد ابن جني يركز على تقارب المعاني نتيجة لتقارب جرس الأصوات ، ويفرق بين المعاني نتيجة لاختلاف الجرس .ويضيف ابن جني ما قاله سيبويه في هذا الباب " أن المصادر التي جاءت على الفعلان ، أنها تأتي للاضطراب........... حركات الأفعال ".فالمصادر التي على وزن " فعلان " ـ بفتح الفاء والعين ـ تدل على الحركة المصاحبة للحدث .
ثم يوضح في النص الثاني أثر الأصوات في المعاني ، فالصوت الرخو يدل على المعنى الرخو وبالمقابل يدل الصوت الغليظ على المعنى الغليظ ويعطينا مثالا لذلك كلمتي :الخضم التي تدل على أكل الرطب ، والقضم لأكل الصلب اليابس.
أما في النص الثالث فيوضح لنا أن تقارب الحروف أو الأصوات ناتج عن تقارب المعاني ويقدم مثالا لذلك كلمتي الهز و الأز المتقاربتين في المعنى ومعناهما : تزعجهم وتقلقهم . أما إذا نظرنا إلى الكلمتين من الناحية اللفظية فنجد أنهما لا تختلفان إلا في حرف الهاء والهمزة وهما حرفان متقاربان أيضا من الناحية الصوتية فالهاء مخرجه الحلق وهو المخرج ذاته للهمزة .
فتتصور من مجموع هذه النصوص أن ابن جني يريد القول بوجود العلاقة الطبيعية بين الحرف ومعناه أو ما يسمى بالقيمة التعبيرية للحرف الواحد ، إذ تتقارب المعاني أحيانا نتيجة تقارب مخارج الحروف، وترتبط قوة المعاني بقوة الحروف .
ملاحظة : هذه فكرة توضيحية وعلى الطالب أن يتعمق في الشرح والتعليل كنموذج تدريبي .
________________________________________
علاقة الدلالة بعلم الصرف (الدلالة الصرفية)
بالرجوع إلى المستوى الصرفي من مستويات البنية اللغوية نذكر أن عناصر هذا المستوى هي (المفردات أو الكلمات أو الوحدات الدالة) التي تنشأ من جمع الأصوات (الوحدات غير الدالة) بصورة اعتباطية (مع التحفظ هنا على هذه الاعتباطية) ليكون لدينا وحدات لها دلالة مفردة (بالوضع) كما ذكر الزمخشري في كتابه (المفصل). هذه الوحدات ذات الدلالة المفردة تأخذ أشكالا صرفية مختلفة و هي التي تسمى الصيغ الصرفية ، ولكل صيغة دلالة معينة بالإض