كتبهـا : الكاتبة والشاعرة -
شروط التواصل ومستوياته : أو في علاقة اللغة بالإنسان
- : يبدو السؤال عن اللغة بمثابة السؤال عن الإنسان في بعده الرمزي وفي أبعاده ودلالاته المتعددة . وإذا كانت اللغة بوصفها ميزة إنسانية هي دلالة على وحدة الإنساني فإن اختلاف الألسن وتعدد مستويات الكلام هو ما يحيل على الكثرة فيه . فالإنساني من جهة كونه "حيوان رامز "على حد عبارة الفيلسوف الألماني أرنست كاسيرير يطمح إلى تشييد نظام رمزي يوسع من عالمه ويبني من خلاله بعدا جديدا في الواقع وفي نفس الوقت يشعر من خلاله الإنسان بأنه ينتمي إلى العالم الإنساني و يتوحد تحته من أجل تحقيق التواصل الإنساني في بعده الاجتماعي لا سيما وأن اللغة بنية رمزية نعي من خلالها العالم وهي تتوسط علاقتي مع الآخر إما وصلا أو فصلا حسب طرق توظيفها وتكشف وجودي للعالم ككينونة رمزية ووجود لغوي بحيث تتحول إقامة الإنسان من السكن في العالم الطبيعي إلى الإقامة في عالم رمزي بحيث أصير " أوجد في اللغة وباللغة".
وبما أن الإنسان كائن يبحث عن التفرد والخصوصية فإنه يسعى عبر فعل اللغة والكلام إلى إضفاء المعنى على وجوده الخاص عبر ما تتيحه مختلف الأنظمة الرمزية من تنوع وكثرة وتعدد يؤدي حتما إلى إنتاج دلالات متنوعة للعالم وهاهو العالم الإنساني يتسع بازدياد الفاعلية الرمزية لدى الإنسان بحيث استحال الوجود الإنساني إلى وجود رمزي تحول بموجبه فعل الترميز إلى كيفية وجود ورؤية للعالم لدرجة أصبح فيها الإنسان غير قادر على مواجهة الواقع مباشرة ولا بمقدوره " التحديق فيه وجها لوجه" بما يستدعي ضرورة تدخل الوسائط الرمزية المختلفة كالأسطورة والدين والفن واللغة بما هي نافذة الكثرة الإنسانية التي يطل بها الإنسان و منها على العالم فإذا كان الإنسان واحد باللغة فإنه كثرة بالألسن و إذا كان يتوحد ضمن انتمائه لدائرة القدرة على إنتاج الرموز من بين بقية الكائنات الأخرى فإنه كثرة من زاوية أن لكل ثقافة رموزها الخاصة بها.
لكن إذا كان لكل ثقافة أنظمتها الرمزية ولكل مجموعة بشرية لسانها الخاص الذي تتكلمه فإن السؤال الذي يطرح هنا هو التالي: كيف للإنسان أن يلتقي بالإنسان وكيف يغدو التواصل ممكنا و الحال اننا كثرة من زاوية الأنظمة الرمزية وتنوع من جهة الألسن ؟ هل من الممكن أن يحدث اللقاء بين الأنا والآخر في ظل هذا الاختلاف والكثرة ؟ وإن كان الأمر ممكنا فما هي شروط التواصل ومستوياته ؟ وخاصة تلك المتعلقة بالمستوى اللساني ؟ وهل حقا أن اللغة تعتبر أداة مثلى لانجاز التواصل الإنساني والتقريب بين مختلف الشعوب والثقافات وتبليغ ما نشعر به من ألم وحزن وفرح وحب تجاه الآخر الإنساني ومشاركته الوجدانية لنا مثلما نشاركه وجدانيا ؟ أم أن التواصل في بعده اللساني ما هو إلا قناع لممارسة الهيمنة على الآخر وهي لغة حافلة بالرغبة والزيف وهي لا تخرج عن كونها مجرد خطاب ينتهز الفرصة لممارسة كل أشكال التسلط والقمع والتمويه وأن أقصى ما يمكن أن نعرفه عن اللغة أنها تخفي ما نريد قوله ؟ ورهاننا في ذلك هو تجاوز الرؤية التسطيحية للغة بوصفها أداة نزيهة ومحايدة ووسيط رمزي أمثل لتواصل مع الآخر الإنساني .
ما من شك أن اللغة خاصية إنسانية مميزة ومنظومة رمزية تحقق عملية الوعي بالذات "فأكون أنا عندما أقول أنا" كما تمكنني من الوعي بالعالم والآخر, فهذا الأمر لا يختلف فيه اثنان. ومن هنا تأتي أهمية اللغة وما تلعبه من دور وظيفي في عملية التواصل. هذا الدور حمل اللغة اهتماما من قبل الفلاسفة والألسنيين والبنيويين والفينومينولوجيا بحيث حاولت أن تدرس كل واحدة من هذه المدارس اللغة من زاويتها الخاصة .
وفي هذا الإطار يمكن أن نقدم فكرة صغيرة وإجمالية عن هذه المواقف وكيف نظرت لإشكالية اللغة وعلاقتها بالتواصل .
-فمن وجهة نظر الفلسفة الكلاسيكية والحديثة خاصة مع أفلاطون وديكارت وروسو ركزت هذه النظرة إهتمامها حول البحث في أصل اللغة وبما أن البحث في الأصل هو خاصية وميزة الفلسفة الميتافيزيقية فإن هذا المبحث جعلها تصطدم بمعضلة لا حل لها ككل معضلة يصطدم بها الفكر الميتافيزيقي وتتمثل المعضلة هنا في علاقة الفكر باللغة وتدور حول الإشكالية التالية " هل الفكر يسبق اللغة أم اللغة تسبق الفكر؟" غير أن بظهور علم اللسانيات أعتبر هذا المبحث فاقد القيمة وأصبح رهان البحث في أصل اللغة رهانا خاسرا ومحاولة عبثية لا جدوى منها ومن هنا تأتي المرحلة الثانية وهي المتعلقة بالمرحلة الألسنية .
نعني بالمرحلة الألسنية هي الفترة التي نشأت فيها علوم اللسان أو علوم اللغة التي تأسست على يدي العالم الألسني دي سوسير وكل من رولان بارت وبنفنيست ومن سيأتي بعدهم من الألسنيين . ولم تهتم الألسنية بأصل اللغة وإنما ركزت على بنيتها الداخلية ومكوناتها وآلية اشتغالها حيث عمل دي سوسير على التمييز بين اللسان والكلام مبينا أن الأول يتميز بخاصية قهرية إلزامية وهو تعاقدي اصطلاحي أما الكلام فهو يعبر عن الفردية ويرتبط أكثر بالحرية كما قسم العلامة اللسانية إلى دال ومدلول واعتبر العلاقة بينهما اعتباطية.
أما المرحلة الثالثة فكانت مع فلسفة الرجة أو الفكر النقدي التفكيكي الذي نظر إلى اللغة كفضاء للتشويه والتزييف لكونها مرتبطة بالسلطة والرغبة وهي تخفي أكثر مما تظهر وقد مثل هذا التوجه كل من نيتشه وفوكو وبرغسون ودولوز .
المرحلة الرابعة فهي تلك التي مثلتها الفلسفة الفينومينولوجية والهرمينوطيقا التي تعتبر اللغة أداة لتحقيق المصالحة بين الإنسان وذاته والعالم والآخر وأنها قادرة على إنتاج المعنى وتوليد الدلالة التي تمثل حقيقة الوجود ويمثل هذا الموقف كل من ريكور ليفيناس وهابرماس .
إن هذا التنوع في دراسة اللغة من زوايا مختلفة هو الذي يجعل من اللغة معضلة فلسفية تستدعي إعادة البحث والنظر ذلك أن مهما بلغت أهمية الدرس اللساني ونضجه العلمي فإنه لا يمكن أن يصبح بديلا عن الدرس الفلسفي لأنه يبقى الدرس الذي يكشف عن مفاجآت اللغوي وتشعب منعطفاته. من هذا المنطلق لابد لنا أن نعود إلى البداية ونبدأ منها وسؤال البداية الأهم هو تحديد ما هذا الذي به يكون الإنسان إنسانا ؟ ما دلالته وكيف لنا أن نعتبر اللغة امتيازا إنسانيا وفعلا رمزيا يبنى بفعله عالما ويؤسس منظورا ورؤية في العالم من خلاله يصبح التواصل الإنساني ممكنا عبر وساطة اللغة ؟
لذلك يمكن أن نعتمد في العمل المراحل التحليل الآتية :
-التحديد المفهومي للغة
-اللغة بما هي خاصية إنسانية
-المستوى اللساني للغة
-علاقة العلامة بالرمز
-اللغة والتواصل
أولا –تحديد مفهومي : يحدد المعجم الفلسفي لصليبا اللغة بما هي مجموع من الأصوات المفيدة وهي "ما يعبر به كل قوم عن أغراضهم" كما يحددها الجرجاني في كتاب "التعريفات".
كما يحددها لالاند في معجمه الفلسفي بأنها "كل مجموعة رموز يمكن أن تستخدم لغاية التواصل". لذلك يمكن اعتبار اللغة نسق عضوي من العلامات وهي منظومة رمزية منظمة على صعيدين كما وضح ذلك إميل بنفنيست من حيث كونها
-واقعة فيزيائية تستخدم الجهاز الصوتي
-ومن حيث أنها بنية معنوية رمزية إذ يقول بنفنيست في هذا السياق " إن القدرة الترميزية هي أخص خصائص الكائن البشري " فاللغة ترتقي بالإنسان من الحسي إلى المجرد ومن الأشياء إلى مسمياتها
نفهم من خلال هذه التحديدات المتعددة أنها تلتقي حول اللغة بوصفها أداة تواصل وهي تتكون من مجموع علامات ورموز ترتقي بالإنسان من المستوى الوجود الطبيعي المباشر إلى مستوى الوجود الثقافي والرمزي بما هو خاصية إنسانية بامتياز ولعل لهذا الأمر اعتبرت اللغة خاصية إنسانية وأنها ما تميزه علن الحيوان وهي شرط التواصل الإنساني .
غير أن الواقع يكشف عن آليات أخرى للتواصل غير الكلام والكلمات وذلك بالحركات والإشارات كما هو الحال عند الصم والبكم وبالإيماءات الجسدية كما يتم أيضا في العلامات والرموز التي تحمل معان ودلالات مختلفة يستجاب لها بكيفية مناسبة ( علامات وأضواء المرور....) فإذا كان الأمر كذلك فكيف لنا أن نميز اللغة الإنسانية عن بقية أنماط التواصل الأخرى وخاصة عند الحيوان إذا ما علمنا أن هذا الأخير كما بينت الدراسات الزيولوجية ومنها النحل مثلا له تنظيم اجتماعي دقيق ينبني على توزيع الأدوار ويتواصل فيما بينه عبر تبادل الرسائل ؟
-ثانيا : اللغة بما هي خاصية إنسانية
يجيب ديكارت هنا بأن اللغة خاصية إنسانية وأنها تختلف عن بقية أنماط التواصل الحيواني وذلك لارتباط اللغة عنده بالتفكير فاللغة هي تعبير حر عن التفكير وتمكننا من بعض الألفاظ المحدودة أن ننتج إمكانيات تعبيرية متنوعة ووضعيات جديدة في حين يبقى التواصل الحيواني مجرد رد آلي فتواصل الحيوان هو غريزي وراثي ثابت محدود لا يتطور بينما اللغة الإنسانية مكتسبة كما يرى بنفنيست فالطفل كما يقول "يولد ويتطور في مجتمع إنساني وإنما يلقنه استعمال الكلام كائنان بشريان كهلان هما الأبوان " وهي ظاهرة إبداعية بوصفها إمكانات لامحدودة للخلق التعبيري كما يرى تشومسكي من خلال "النحو التوليدي"
لذلك لو أردنا بصفة مجملة أن نميز التواصل الإنساني عن التواصل عند الحيوان فإننا نلخصها كما فعل بنفنيست في المستويات التالية :
إذا كانت اللغة عند الإنسان مكتسبة وإبداعية فإنها عند الحيوان غريزية وثابتة . فإنه لو أخذنا مثال النحل فسنقول أن النحل يتواصل ويؤدي رسائل لكن لا يتحاور لأنه يجيب عن رسالة عن طريق تصرف في اتجاه واحد بينما اللغة الإنسانية تقوم على تبادل الرسائل بين الباث والمتقبل فهي حوارية بامتياز.
أما في مستوى مضمون الرسالة فالحيوان يتواصل استجابة لحاجة بيولوجية أما الإنسان فمضمون تواصله متعدد ومتنوع ويشمل كل الموضوعات العاطفية والبيولوجية والثقافية والدينية والجمالية ...
ومن حيث القابلية للتحليل فلتواصل الحيواني مضمون إجمالي غير قابل للتمفصل على عكس اللغة الإنسانية القابلة للتمفصل والتفكيك .
من خلال هذه المقارنة بين التواصل عند الحيوان والتواصل عند الإنسان نستنتج أنه ليست للحيوان لغة بل كل ما لديه شفرة لإشارات كما حددها بنفنيست وتبقى اللغة بهذا المعنى امتيازا إنسانيا . فإذا كانت اللغة خاصية الإنسان كما حددها الفلاسفة فكيف ستحدد الألسنية وتتعامل مع الظاهرة اللغوية؟
-ثالثا : المستوى اللساني للغة
لعل أهمية الدرس اللساني تظهر خاصة في الكشف عن طبيعة اللسان وتعيين وظائفه بما ساهم في وضع حد لكثير من التخمينات والتأملات حول أصل اللغة وعلاقتها بالفكر.
لذلك ميز دي سوسير في اللغة بين اللسان والكلام , فاللسان هو نظام من العلامات تستعملها مجموعة بشرية للتواصل وتجمع العلامة بين دال ومدلول أما الكلام فهو استعمال الفردي للسان وفي حين يخضع اللسان لدراسة العلمية فإن الكلام ليس موضوعا للدراسة العلمية. لذلك يمكن أن نحدد خصائص اللسان كما يلي :
-هو مؤسسة اجتماعية
-مكتسب
-تعاقدي اصطلاحي ناتج عن تعاقد اجتماعي
-إلزامي وقاهر فهو ظاهرة سلطوية سابق على وجود الأفراد يقول رولان بارت " اللغة سلطة تشريعية اللسان قانونها " فاللسان لا يعترف بمقولة الحرية.
أما الكلام فله الخصائص التالية: بما أنه مجموع ما يقوله الناس بصفة فردية فهو خاضع لإرادة المتكلمين فهو يتميز بالحرية والتنوع . فالكلام بهذا المعنى يمثل عالم الذاتية ومن خلاله تكشف الذات عن ذاتها لذاتها وللآخر .
لقد ثبت بهذا المعنى أن اللغة خاصة إنسانية : وأنها ليست أصوات بقدر ما هي نسق من العلامات والرموز اللسانية يستعملها الإنسان للتعبير عن حاجياته وعن الأشياء المحيطة به الأمر الذي يدل على وجود علاقة بين اللغة والأشياء ، فكيف تتحول الأشياء إلى علامات ورموز لسانية ؟ وكيف تبدو علاقة الأسماء بالأشياء هل هي ضرورية أم اعتباطية؟ بمعنى آخركيف تنشأ الدلالة والمعنى ؟ هل بصفة تلقائية وطبيعية ؟ أم بالمواضعة والاتفاق؟ كيف تتحدد علاقة العلامة بالرمز؟
-رابعا علاقة العلامة بالرمز
لعل ما يميز الإنساني ليس الفكر فقط بل قدرته على تشكيل وبناء عالم رمزي متعدد الألوان
فقد أنشأ الإنسان خيوطا متنوعة ساهمت في حياكة عالمه الرمزي. فالإنسان إذن كائن رامز يبدو لنا من خلال هذا الطرح أن العلامة هي الرمز ذاته ما داما بديلين عن الأشياء غير أننا إذا نظرنا إليهما على مستوى طبيعة علاقتهما بالأشياء فإننا سنكشف أنهما يختلفان فأين يظهر هذا الاختلاف؟
يقول هيقل " الرمز هو قبل كل شيء علامة , لكن في العلامة تكون العلاقة التي تربط العلامة بالشيء الذي تدل عليه اعتباطية" فالرمز يدخل في علاقة طبيعية مع ما يرمز إليه ولكن لا يشترط لكي يبقى رمزا أن يمثله على نحو كامل أما العلامة فعلاقتها مع ما ترمز إليه اعتباطية. ويفسر لنا هيجل هذه الصلة الطبيعية بين الرمز والشيء بالمثال التالي : عندما نرمز للقوة بالأسد وللمكر بالثعلب فلأن الأسد والثعلب يمتلكان في ذاتيهما الخصائص الطبيعية التي يفترض فيهما أنهما يعبران عن معنى القوة والمكر . وهكذا لا نستطيع أن نستبدل مثلا الأسد ( الدال ) بحيوان آخر لأننا لو فعلنا ذلك لتغير المدلول حتما . أما العلامة اللسانية فعلاقتها بما تعبر عنه هي علاقة اعتباطية لأننا قد نغير الدال ( المتوالية الصوتية ) ولن يتغير المدلول والسبب في ذلك يعود أساسا إلى اختلاف وتعدد اللغات والألسن.غير أن بنفنيست يعتبر هذه العلاقة بين الدال والمدلول ضرورية لأنهما (الدال\ والمدلول) متحدان ومتكاملان ووجهان لمعنى واحد والعلاقة بينهما جوهرية ضرورية .
فإذا كانت اللغة أداة الإنسان للتعبير عن أفكاره والتواصل بها مع الآخر فإن الفكر بدون اللغة يبقى على حد تعبير دي سوسير كتلة سديمة لا شكل له ولا صورة . الأمر الذي يعني أن اللغة وحدها هي شكله وصورته التي سيوجد عليها ، فاللغة شرط انطولوجي للفكر ، يدرك ذاته من خلالها وينظم وفق قوانينها الداخلية .ينتهي هذا التصور إلى استخلاص النتائج التالية :إن احتواء اللغة للفكر يفيد وجود تطابق بينهما بشكل يجعلها أمام وحدة لا تقبل الانقسام . فالدال والمدلول وجهان لعملة واحدة .وجود الفكر داخل اللغة ، وخضوعه لقوانينها وتطوره وفق آلياتها يجعله يحتل موقعا سلبيا ، فهو منفعل وليس فاعلا . الأمر الذي يدل على وجود علاقة ميكانيكية بين اللغة والفكر ، لعل أهم مكسب حققته االدراسات اللسانية المعاصرة هو تأكيدها على أن الفكر يتشكل لسانيا إلا أن ميرلوبونتي وإن كان قد حافظ على هذا المكسب فإنه يرفض العلاقة الميكانيكية التي أسسها دي سوسير بين اللغة و الفكر . يقول دي سوسير : " .... غير أن هذا الصمت المزعوم هو في الحقيقة ضجيج من الكلمات ، وهذه الحياة الداخلية هي لغة داخلية ، فالفكر والتعبير يتكونان إذن في آن واحد ". الأمر الذي يعني أن الفكر أصبح طرفا أساسيا في علاقته باللغة بما يجعل العلاقة بين الفكر واللغة علاقة حميمية وليست مجرد علاقة ميكانيكية .ولئن تمكن ميرلوبونتي من تحقيق قفزة في مجال علاقة الفكر باللغة لدرجة تطابقة مع اللغة ومعلوم أن هذا الاعتقاد يؤدي إلى استنتاج أن اللغة قادرة على التعبير على جميع أفكارنا فإن الإشكال الذي يطرح هنا هل حقا تستطيع اللغة أن تعبر بكل حياد وشفافية عما نريد قوله أم أنها في حقيقتها ما هي إلا مجال تختفي فيه رغبة الهيمنة والسيطرة والتشويه؟
-خامسا اللغة والتواصل:
يحدد التواصل بمعنى التبليغ المتبادل للأفكار والأحاسيس والخبرات والإنسان بوصفه حيوان اجتماعي يحتاج للتواصل مع الآخر فما مدى وجاهة قدرة اللغة على تحقيق هذا الفعل التواصلي؟
يعتبر نيتشه أن الإنسان ابتكر المفاهيم والكلمات لتمرير أوهام العقل حول الحقيقة المطلقة والذات العاقلة ولتحجب براءة الصيرورة فكل الأنظمة الرمزية حسب نيتشه أدوات تمويه وحجب للوجود وإخفاء للرغبة في الحياة لذلك يقول فرويد " لقد جعل الكلام لنخفي ما نريد". كما يعتبر برجسون أن اللغة عاجزة عن التعبير ويقول في هذا السياق "قصارى القول إننا لا نرى الأشياء ذاتها بل نكتفي بالبطاقات الملصقة عليها" ويقصد الأسماء . وعندما نقارن ألفاظ اللغة المحدودة بحالات الإنسان الشعورية فإننا نكتشف أن مشاعرنا شلال مياه جارف لا يمكن أن تعبر عنه بعض الألفاظ المحددة .
ننتهي إذن إلى أن مسألة اللغة والتواصل مسألة لا ينتهي فيها اللسان ولا فلسفته إلى جواب نهائي ذلك أن اللغة بقدر ماهي شرط ضروري للتواصل بين الذوات فإن الخوف من انقلابها إلى أداة لممارسة العنف والهيمنة والسيطرة قد يحولها إلى أداة لاتواصلية بما يدفعنا إلى البحث عن وسائل أخرى للاتصال والتواصل تكون أكثر براءة وحيادية وإنسانية فهل يمكن مثلا أن تكون الصورة أصدق نبئا من اللغة مثلا؟
سلمى بالحاج مبروك
منقول عن مدونة شتات الكلام
lkr;g