نبذة من الكتاب:
تستطيع أن تعبر السيميائيات والتأويليات عن هذا التقاطع في النظر إلى الحياة على أنها المصدر الأكثر خصوبة وحيوية في التعبير عن نظامها الروحي كما نلمسه في النصوص المقدسة وفي الطقوس الدينية والأساطير القديمة، ثم ما لبث أن تركت الرمزية بصماتها في اللغة والعلوم والرياضيات والبيولوجية حتى عدّ المبدأ الرمزي لدى كاسيور من أهم مبادئ العلوم. إن رمزية اللغة تدشن طوراً جديداً في حياة الروح والعقل، كما أنها تعدّ العالم المشترك الأول الذي ينضوي في داخله الفرد، وإن حدس الواقع الموضوعي لا يصبح ممكناً إلا بواسطتها. وحينما يعبر الرمز إلى اللغة عبوراً يترك خلفه أمتعة دلالية ثقيلة يظل في حاجة على الدوام إلى العلامات غير اللسانية لحفظ ما تبقى من تلك الأمتعة الدلالية التي تتوارى في أغوار المسكوت عنه وتضاريسه المختلفة.
ولفهم أغوار هذا المسكوت عنه ينبغي الالتفات، إلى إيقاع المعنى؛ لأن الإيقاع لا يساعد فقط على سيولة البيت الشعري وحفظ كلماته ونقل الشواهد النحوية والمدونات الدينية والعلمية؛ ولكنه يحدد لدى مردده تنغيماً للعناصر اللاواعية وغير المترابطة للوجود إيقاعاً للمعنى أن السؤال الذي ينبغي التفكير فيه: كيف يتسنى للرمز أو الرموز أن تكتسي كونيتها؟ هل باعتباطها؟ أم بمنطقها السببي؟ وما علاقتها بواقع التجربة البشرية وبالوعي أو اللاوعي الجمعي، الذي حباه يونج بدراسته من منظور فكرة الأنماط البدئية، وإن كان دور الرموز في نظر التحليل النفسي ينكبّ بالدرجة الأولى على الرموز الطبيعية قبل الرموز الثقافية؟ على الرغم مثلما تعدد الألسن، ولهذا يبقى سلطان الاعتباطية حاضراً في تكوين الرمز وحتى من منطلق أن هذه الرموز تميل إلى التجريد والتعبير عن مختلف الحساسيات المتنوعة.
إن لوناً من الألوان قد يرتبط بأشياء معينة، ويتكرر في استعماله وتداوله حتى يغدو ملازماً من حيث الدلالة لهذا الشيء، ولكن اللون بوصفه ممثلاً، حسب اصطلاحات بورس، يخترق الموضوعات، ويلتصق بها حتى تعرف الدلالة بهذا الاختراق والالتصاق وحتى بالاختلاف. وما تبقى راسخاً في العلامات هي الخصائص المجردة التي تمنح الموضوعات دلالة إن بحكم العلاقة السببية، وإن بحكم علاقة المشابهة وإن بحكم علاقة التحفيز طوراً والاعتباطية طوراً آخر. فمثل هذه العلامات لا تقدم موضوعات ملموسة؛ وإنما هي أنموذج لهذه الموضوعات التي يمكن أن نلغي ما يطابقها في الواقع سواء على صعيد الصورة أو الكلمة. وقد حاول ريكور أن يطرح علاقة الاستعارة بالرمز في ضوء ما تعرض له فريج بخصوص المعنى والمرجع. ما هي القيمة التي تكتسيها الاستعارات والرموز إذا ما رُبطت ببعدها المرجعي؟ وهل يمكن إدراجها ضمن منطق القضايا والبحث عن صدقها أو كذبها؟ إن القيمة المرجعية تسهم في استكشاف الأنموذج الاستعاري إذا تمّ التسليم بدعوى ماكس بلاك الذي يربط بين الاستعارة والأنموذج. ولهذا ستظل الدلالات المفتوحة وتخوم التأويل من الإشكالات الكبرى التي تشغل اهتمام السيميائيات وفلسفة اللغة. ضمن هذه المقاربة تأتي الدراسة في هذا الكتاب في السيميائيات الواصفة يطمح الباحث من خلالها شرح المنطق السيميائي وجبر العلامات لفهم عالم العلامات ونشاطها الرمزي في اللسانيات.
رابط الكتاب هو:
http://www.4shared.com/document/cdac9jFA/___.htm