بحث في معاجم اللغة وأنواعها
قال اللغوي الألماني " فيشر " : " إذا استثنينا الصين فلا يوجد شعب آخر يحق له الفخار بوفرة علوم لغته وبشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها بحسب أصول وقواعد غير العرب " [ مقدمة كتابه "المعجم التاريخي" ] .
وقد تنوعت أنواع المعاجم العربية وتعددت مدراسها واختلفت مناهجها على نحو يعز على الحصر ويستعصى على الشرح ، لهذا سنكتفى هنا بالإشارة إلى أهم هذه المدارس والأنواع .
والمعاجم العربية قسمان رئيسيان هما :
1- معاجم الألفاظ 2- معاجم المعاني
فالنوع الأول : يقوم ترتيب مادته على أساس الشكل أو اللفظ ، والنوع الثاني : يقوم على أساس المعنى ؛ بحيث تجتمع ألفاظ موضوع معين في باب بعينه .
أولا :معاجم الألفاظ :
واتخذت عدة اتجاهات في مدارس على النحو الآتي :
1- مدرسة الترتيب المخرجي ( أو التقليبات ) :
ومن أشهر هذه المعاجم : العين للخليل بن أحمد الفراهيدي ( وهو أول معجم عربي ) وللدكتور عبد الله درويش تحقيق للجزء الأول ، وطبع كاملا لكن ما أدري حال طبعاته ، وتهذيب اللغة للازهري ، وطبعته الهيئة المصرية للكتاب أو لجنة التأليف والنشر والترجمة .
وهي طريقة تبين بوضوح مثال من أمثلة العبقرية الإسلامية ؛ فقد أراد الخليل حصر أبنية اللغة العربية ؛ من مستعمل ومهمل ، بطريقة منطقية رياضية ؛ إذ رأى أن الكلمات العربية قد تكون ثلاثية أو رباعية أو خماسية ، وفي كل حال يمكن تبديل حروف الكلمة إلى جميع احتمالاتها بالنتقال من حرف هجائي إلى الذي يليه ، وبتقليب اماكن هذه الحروف إلى جميع أوجهها الممكنة يمكن الحصول على معجم يضم جميع كلمات اللغة من الناحية النظرية ؛ ففي أول كتاب له وهو الخاص بحرف العين ، أستوعب فيه جميع الكلمات التى تحوى حرف العين سوى في أول الكلمة او وسطها أو أخرها ... فسبحان من خلق هذه العقول !
2- مدرسة الترتيب الهجائي العادي ؛ وقد أخذت صورتين :
أ ) ترتيب الكلمات تحت حرفها الأول ... [ الترتيب الأبجدي العادي ] .
وأهمها معجمان : المصباح المنير للفيومي وأساس البلاغة للزمخشري ، والأول مفيد جدا لممارسين للفقه الإسلامي ، مع اعتناء شديد بضبط البنيات والحركات وخاتمته مختصر مفيد جدا في علم الصرف ، وربما يكون أفضل طبعاته طبعة دار المعارف ، والثاني مفيد لمن يريد أن يقف على مواطن الحسن في لغته الجميلة ولمن يريد أن يربي ملكته الادبيه وهو نصيحة إمام البيان العربي الرافعي ، وأفضل طبعاته طبعة دار الكتب المصرية ومصوراتها ، وهناك معاجم أخرى ، منها : الجيم للشيباني ، وجمهرة اللغة لابن دريد ، والمقاييس والمجمل لابن فارس ، وهناك معاجم معاصرة أهمها معاجم مجمع اللغة العربية بالقاهرة : المعجم الوجيز والمعجم الوسيط والكبير -ولم يتم- ...
ب ) ترتيب الكلمات تحت حرفها الأخير ... [ مدرسة القافية ] .
واعلاها وأشهرها لسان العرب لابن منظور ، وأفضل طبعاته طبعة بولاق ، راجع :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=35434
وأوسعها تاج العروس بشرح القاموس للمرتضى الزبيدي ، ومن ميزاته اعتناءه بضبط الأعلام والأماكن ، وكان العلامة الطناحي ينبه على ذلك كثيرا ، وأفضل طبعاته طبعة الكويت ، القاموس المحيط للفيروزآبادي ، وأفضل طباعته طبعة مؤسسة الرسالة كما قال العلامة الطناحي ، تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري ، وقد عنى بضبط الألفاظ المشكلة كتابة عناية كبيرة ، وقد عظم اعتناء العلماء به ؛ فمن مختصر له ( كمالختار للرازي) ومن مكمل ومستدرك ( كرضي الدين الصاغاتي و ابن بري في "التكملة" و" التنبيه والإيضاح المشهور بحواشي ابن بري ، طبعتهما هيئة الكتاب المصري ) ....
3- مدرسة الترتيب بحسب الأبنية :
أ ) معاجم أبنية الأسماء والأفعال :
ديوان الأدب للفرابي ، وقد حققه الدكتور العالم الفاضل أحمد مختار عمر ، ونشره مجمع اللغة العربية .
ب ) معاجم أبنية الأفعال :
الأفعال للسرقسطي ، وقد حققه الدكتور حسين شرف ، ونشره مجمع اللغة العربية .
ج ) أبنية المصادر :
منها تاج المصادر لابي جعفر البيهقي المعروف ببو جعفرك المتوفى 544 هـ ، وفي كتب الطبقات والفهارس عدد من أسامي هذه المصنفات ...
وأنا أرى أن غير المتخصص يكفيه مختار الصحاح أو المعجم الوجيز ، مع أساس البلاغة ، وإن ضم المصباح المنير فذلك خير ، وإن أراد مرجعا فلسان العرب ، والله أعلم
ثانيا: معاجم المعاني :
بدأت برسائل مفردة ألفها الأئمة المقدمون ؛ ككتب الإبل والخيل والحيوان والنبات ، للنضر ابن شميل ( ت 203 هـ ) ، والأصمعي وأبي عبيدة وغيرهم ... وإلى جانبها ظهرت كتب تجمع أكثر من موضوع ككتب الصفات وكتب الغريب ، ألف في الاول النضر بن شميل وفي الثاني ابن سلام .. ثم جاءت مصنفات أختصت تماما بالمعاني أو كادت ؛ منها :
المخصص لابن سيده الأندلسي ، وهو أوسعها على الإطلاق ، والألفاظ لابن السكيت ، وفقه اللغة وسر العربية للثعالبي ( وأنا أنصح به فترتيبه رائق وتحقيقه للدكتور جمال فهمي زاده بهاء ) .
ومنها ما اهتم بالألفاظ الكتابية والتراكيب الأدبية ؛ ومن أفضلها -في نظري- : جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر ، وقد حققه العلامة محيي الدين عبد الحميد رحمه الله ، وهناك كتاب الألفاظ الكتابية للهمذاني -وهو غير بديع الزمان صاحب المقامات - ، يروى الصفدي أن الصاحب بن عباد قال لما أطلع عليه : " لو أدركته لأمرت بقطع يده ولسانه ! " فسئل عن السبب فقال : " جمع شذور العربية الجزلة المعروفة في اوراق يسيرة فاضاعها في أفواة صبيان الكتاب ، ورفع عن المتادبين تعب الدروس والحفظ والمطالعة الكثيرة الدائمة " !! ولا شك أنها مبالغة ، لكن يكفينا دلالتها على عظم قدر الكتاب ، وضرورة افادتنا منه .
ومن معاجم المعاني ( معاجم غريب القرآن والحديث ) :
أولا : غريب القرآن :
منها : غريب القرآن لابن قتيبة ( رتبه على ترتيب السور ) ، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ( رتبه على حروف المعجم ) .
ثانيا : غريب الحديث :
ألف فيه أبي عبيدة معمر ابن المثنى والنضر بن شميل ، وقطرب والأصمعي وأبو زيد الانصاري ، وكانت كتب صغيرة لا تعرف الترتيب ، بيد أن كتاب أبي عبيد القاسم ابن سلام قد فاقها حجما وتنظيما ، ثم ألف ابن قتيبة ( غريب الحديث والأثر ) ، وقد حققه الجبوري ونشر ببغداد 1977 ، ثم الهروي ( الغربين ) ، وحقق الجزء الأول منه العلامة الطناحي ونشر بالمجلس الاعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة ، الخطابي ( غريب الحديث ) ، وقد حقق ونشر بجامعة أم القرى ، ولابن إسحاق الحربي ( غريب الحديث ) حقق بام القري كذلك ، ولابن الجوزي كتاب في غريب الحديث نهج فيه نهج الهروي ، و هناك كتاب للزمخشري ( الفائق في غريب الحديث والأثر ) ، ثم جمع ذلك كله وزاد عليه وفاقهم جميعا الإمام أبو السعادات المبارك ابن الأثير في كتابه العظيم ( النهاية في غريب الحديث والأثر ) ، وأفضل طبعاته التي بتحقيق العلامة الطناحي .
وأحب أن أعيد التنويه بالمعاجم التي ينبغي لطالب العلم -غير المتخصص في علوم العربية - اقتناءها :
بالنسبة لمعاجم الألفاظ :
مختار الصحاح أو المعجم الوجيز ؛ والاخير معجم تعليمي حديث ميسر الاستخدام ، يأخذ بيد المبتدأ ....
مع أساس البلاغة ، وإن ضم المصباح المنير فذلك خير ، لا سيما طالب علم الفقه ، وإن أراد مرجعًا أوسع فعليه بلسان العرب .
وبالنسبة لمعاجم المعاني :
فقه اللغة ، وجواهر الألفاظ ، وإن أراد مرجعًا فالمخصص ( وأفضل طبعاته طبعة بولاق ومصوراتها وللشيخ العلامة عبد السلام هارون فهرس قيم مطبوع ، وكذا لباحث تونسي فهرس جيد ، مع دراسة للكتاب -وأنا أبحث عنه ! - ) .
معاجم غريب القرآن والسنة : النهاية في غريب الحديث .
* ومن المراجع الجيدة التي درست المعاجم ومناهجها : المعجم العربي للدكتور حسين نصار -حفظه الله - ، نشر دار نهضة مصر ، والمعاجم العربية للدكتور عبد الله درويش -رحمه الله- .
ومن المراجع الببليوجرافية التي حاولت حصر النشاط المعجمي : معجم المعاجم ، نشر دار الغرب الإسلامي ببيروت ، وهو كتاب متين في بابه ، جزى الله جامعه خيرا ؛ فقد ذكر فيه ما وقف عليه من المعاجم والأجزاء اللغوية ، والمنظومات ... إلخ ، مع تتبع مطبوعاتها ، ومخطوطاتها ، وهو غير معجم المعاجم الذي نشرته دار الجيل ، فالأخير كتاب يبحث في مناهج بعض المعاجم ، وليس بذاك !
وجل ما كتبته منقول من كتاب أستاذنا الدكتور محمد حسن عبد العزيز ، رئيس قسم علم اللغة بكلية دار العلوم ، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة : " مصادر البحث اللغوي في الأصوات والصرف والنحو والمعجم وفقه اللغة .. مع نماذج شارحة "...
المصدر uae7.com