عناصر التحويل هي عناصر تدخل الجملة للربط بين أجزائها , ولتحويل الجملة النواة إلى جملة تحويلية , وتبقى الجملة في معناها كما هي( 1) , وقد لا حظنا ابن جني يفرد لهذه العناصر باباً سماه (باب في شجاعة العربية)( ) , والفرق بينه وبين التحويليين المحدثين هو المصطلح فلم يسميها ابن جني (عناصر التحويل ) قال : ((باب في شجاعة العربية : اعلم أن معظم ذلك إنما هو الحذف والزيادة والتقديم والتأخير والحمل على المعنى والتحريف))(2 ) .
وعناصر التحويل التي وجدناها شاخصة في كتاب الخصائص هي :

1-الحذف :
وهو نقص يحدث في بنية الجملة التوليدية الأسمية أو الفعلية , لغرض معنوي , وتبقى الجملة تحمل معنى يحسن السكوت عليه , ويمكننا التعرف على التحويل بالحذف عند ابن جني بقراءة بعض نصوصه :
قال ابن جني : ((قد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة, وليس شيء من ذلك إلّا عن دليل عليه, وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته.
فأمَّا الجملة فنحو قولهم في القسم: والله لا فعلت, وتالله لقد فعلت. وأصله: أقسم بالله, فحذف الفعل والفاعل وبقيت الحال -من الجار والجواب- دليلًا على الجملة المحذوفة. وكذلك الأفعال في الأمر والنهي والتحضيض نحو قولك: زيدًا, إذا أردت: اضرب زيدًا, أو نحوه. ومنه إياك إذا حذرته, أي: احفظ نفسك ولا تضعها, والطريق الطريق, وهلا خيرًا من ذلك. وقد حذفت الجملة من الخبر نحو قولك: القرطاس والله, أي: أصاب القرطاس ))(3 ) .
نلحظ من النصوص أنه لم يجيز الحذف دائماً بل اشترط القرينة ( الدليل ), وهذه القرينة لفظية أحياناً كما أشار إليها في النص وأحياناً أخرى تكون سياقية يعرفها المتلقي , لأنها داخلة في منظومة التداول اليومي , وإلا صار الحذف عبثاً وتشويهاً للكلام .
وما يدل على أن مفهوم الحذف عنده كان مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بالبنية العميقة , وبمعنى الكلام المرتبط بها قوله في حذف الموصوف : ((وقد حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه, وأكثر ذلك في الشعر. وإنما كانت كثرته فيه دون النثر من حيث كان القياس يكاد يحظره. وذلك أن الصفة في الكلام على ضربين: إما "للتخليص والتخصيص"، وإما للمدح والثناء. وكلاهما من مقامات الإسهاب والإطناب لا من مظانِّ الإيجاز والاختصار. وإذا كان كذلك لم يلق الحذف به ولا تخفيف اللفظ منه. هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من الإلباس وضد البيان. ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بطويل, لم يستبن من ظاهر هذا اللفظ أن الممرور به إنسان دون رمح أو ثوب أو نحو ذلك. وإذا كان كذلك كان حذف الموصوف إنما هو متى قام الدليل عليه أو شهدت الحال به, وكلّما استبهم الموصوف كان حذفه غير لائق بالحديث ))( 4).
وشرط الحذف واضح بيّن هنا ( قام الدليل عليه , وشهدت الحال به ) , ولم يغفل هذا الشرط في نصوصه عن الحذف , من هذا قوله : (( وقد حُذفت الصفة ودلت الحال عليها . وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم : سير عليه ليل وهم يريدون : ليل طويل . وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها . وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله : طويل أو نحو ذلك . وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته ... فأما إن عريت من الدلالة عليها من اللفظ أو من الحال فإن حذفها لا يجوز ))(5 ).



2-الزيادة :
هي عملية تركيبية أساسية ضمن النحو التحويلي إذ يقدم فيها عنصر تركيبي ضمن السلسلة الجملية ( 6) ، (( والزيادة تدخل ضمن المنهج التحويلي الذي يغير الجمل المولدة من المكون الاساسي من حالة الى اخرى بزيادة ادوات وصيغ )) ( 7) وعلى هذا الاساس تعد الزيادة وسيلة للتعبير عن معان جديدة ( 8) , وهي ما يضاف إلى الجملة النواة من كلمات يعبر عنها النحاة بالفضلات أو التتمات أو غير ذلك ؛ لتحقيق زيادة في المعنى فكل زيادة في المعنى(9 ) .
وقد استفاد ابن جني من تحديد الكلام الزائد في بيان الكلام وتوجيهه , من هذا قوله في تحليل بيت الشاعر ( 10) :
وكنت أُرَى زيدا كما قيل سيِّدا إذا إنه عَبْد الفقا واللهازم
فقال : ((فيمن كسر إنّ وأما البيت فإنه قدّم فيه أحد الجزأين البتة وهو أسد . وهذا ما لا يسمح به ( ولا يُطوى كَشْح ) عليه . وعلى أنه أيضا قد يمكن أن تكون ( كان ) زائدة فيصير تقديره : إذ أسد أميرها . فليس في هذا أكثر من شئ واحد وهو ما قدمنا ذكره من تقديم ما بعد ( إذْ ) عليها وهي مضافة إليه . وهذا أشبه من الأول ألا ترى أنه إنما نعى على خراسان إذ أسد أميرها لأنه إنما فضل أيام خالد المنقضية بها على أيام أسد المشاهدة فيها . فلا حاجة به إذاً إلى ( كان ) لأنه أمر حاضر مشاهد ))( 11).
وقوله في زيادة حروف المعاني : ((فأمّا تكريرها وزيادتها فكقوله( 12) :
لددتهمُ النصيحة كلَّ لَدَّ فمجُّوا النصح ثم ثَنَوا فقاءوا
فلا والله لا يلفَى لمِا بِى ولا لِلِمابِهم أبدا دواء
وقد كثرت زيادة ( ما ) توكيدا كقول الله تعالى ( فبما نَقضِهم ميثاقَهم ) وقوله سبحانه ( عَّما قليلٍ ليصبحُنَّ نادمين ) وقوله عز قدره ( ممَّا خَطِيئاتهِم أغرِقُوا فأدِخلُوا نارا ) وقال جلَّ وعزَّ : ( ولا تُلْقُوا بأيديكم إلى التهلكة ) ( فالباء زائدة ))(13 ) .
والزيادة هنا ليست شكلاً دون معنى إنما أفادت المعنى فائدة كبيرة , يقول ابن جني : ((وأما زيادتها فلإرادة التوكيد بها . وذلك أنه قد سبق أن الغرض في استعمالها إنما هو الإيجاز والاختصار والاكتفاء من الأفعال وفاعليها فإذا زيد ما هذه سبيله فهو تناهٍ في التوكيد به . وذلك كابتذالك في ضيافة ضيفك أعزّ ما تقدر عليه وتصونه من أسبابك فذاك غاية إكرامك له وتناهيك في الحَفْل به ))( 14).

3-التقديم والتأخير :
من (( أبرز عناصر التحويل وأكثرها وضوحاً , لأن المتكلم يعمد إلى مورفيم حقه التأخير فيما جاء عن العرب فيقدمه , أو إلى ما حقه التقديم فيؤخره طلباً لاظهار ترتيب المعاني في النفس ))( 15).
ويتضح أن التقديم والتأخير سر من أسرار العربية , ووسيلة يقرب بها المعنى العميق والدلالة البعيدة , وقد اعتنى ابن جني بالتقديم والتأخير , وكان أساسه المعنى , فمتى ما تم التقديم والمعنى صحيح فعنده جائز , أما إذا تخلخل المعنى وصار الكلام مبهماً غامضاً امتنع عنده التقديم , وبالإمكان ملاحظة هذا في نصوصه , ومنها قوله : ((ولا يجوز تقديم المستثنى على الفعل الناصب له . لو قلت : إلا زيدا قام القوم , لم يجز لمضارعة الاستثناء البدل ألا تراك تقول : ما قام أحد إلا زيدا وإلا زيد والمعنى واحد . فلما جارى الاستثناء البدل امتنع تقديمه ))( 16).
لقد اعتمد في تحليله للتقديم والتأخير في الجملة العربية على البنية المكونة لها أساساً ( البنية العميقة ) , من ذلك قوله ((ولا يجوز تقديم الجواب على المجاب شرطا كان أو قسما أو غيرهما ... وقد أنابوا فعلت عن جواب الشرط وجعلوه دليلا عليه في قوله(17 ) :
يا حَكَم الوارث عن عبد الملك أوديتُ ان لم تَحْبُ حَبْو المعتنِك
أي إن لم تحب أوديت . فجعل ( أوديت ) المقدمة دليلا على ( أوديت هذه المؤخرة . فكما جاز أن تجعل فعلت دليلا على ) جواب الشرط المحذوف كذلك جعل نفيها الذي هو لم أفعل دليلا على جوابه ))( 18).
إن الشاعر قد غيَّر وعدل ببنية أسلوب الشرط المتكونة من ( أداة شرط + فعل الشرط + جواب الشرط ) وهي البنية العميقة إلى بنية سطحية ( أوديت إن لم تحب ) وهذا العدول قام بقانون التقديم والتأخير الذي جوزه ابن جني شريط بقاء المعنى على حاله من دون خلل .
-----------------------------------------
( 1) ينظر : في نحو اللغة وتراكيبها : 87 .
( 2) الخصائص : 2 / 360 .
( 3) نفسه والصفحة نفسها .
( 4) الخصائص : 2 / 360 .
( 5) الخصائص : 2/366 .
( 6) نفسه : 2 / 370-371 .
( 7) ينظر : نحو نظرية لسانية : 44
( 8) المنهج الوصفي في كتاب سيبويه : 227.
( 9)ينظر : نحو نظرية لسانية : 44
( 10) في نحو اللغة وتراكيبها : 96 .
هذا البيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها , ينظر : الكتاب : 1/ 471 .
( 11) الخصائص : 1 / 399 .
( 12) قائله هو : مسلم بن معبد الوالبيَ , ينظر : معاني القرآن للفراء ( ت 207ه ) : 1 / 68 .
( 13) الخصائص : 2 / 282 .
( 14) الخصائص : 2 / 284 .
( 15) في نحو اللغة وتركيبها : 88 .
( 16) الخصائص : 2 /382 .
( 17) هذان بيتان من الرجز المشطور، وهما من أرجوزة لرؤبة بن العجاج يمدح فيها الحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان، وأولهما: من شواهد ابن هشام في مغني اللبيب : 28 , وثانيهما : في شرح قطر الندى : 209 .
( 18) الخصائص : 2 : 388-389 .