إشكاليَّة تأويل القرآن قديمًا وحديثًا: نصر حامد أبو زيد
1. تقديم
لعل الافتراض الذي ينطلق منه الإعدادُ لهذه الندوة الهامة في الذكرى المئوية الأولى لرحيل أحد روَّاد الفكر النهضوي – عبد الرحمن الكواكبي – في حاجة إلى مراجعة: هل صحيح أن مشروع "الإصلاح الديني" في منظومة فكر النهضة العربي قد فشل في تحقيق أهدافه؟
لا يمكن إعطاء إجابة شافية عن هذا السؤال دون تحديد طبيعة الأهداف التي سعى مشروعُ "الإصلاح الديني" إلى تحقيقها. فالأهداف، كما نعلم، تمثل الركائز الأساسية لبَلْوَرَة الوسائل التي تصوغ، بدورها، المبادئ النظرية التي يمكن لنا أن نطلق عليها اسم "المنهج". ولا يستقيم في منهج الفكر العلمي – التحليل النقدي – أن ينطلق حكمُنا على مشروع "الإصلاح الديني" – نجاحًا أو إخفاقًا – من منظور أهداف نتصوَّر نحن أن المشروع كان عليه إنجازُها. في عبارة أخرى، لا يجوز أن نفترض أهدافًا من منظور إشكالياتنا الإصلاحية الآن، ونحاسب جيلَ الروَّاد على فشلهم في تحقيقها. فالذي لا شك فيه أن مطالبنا الإصلاحية الآن تتجاوز بدرجات سقفَ المطالب الإصلاحية التي كان يطمح جيلُ الروَّاد إلى تحقيقها، وهي المطالب التي حدَّدتْها طبيعةُ المرحلة التاريخية وتحدياتها الداخلية والخارجية. نحن إزاء تحديات داخلية وخارجية تختلف، كميًّا وكيفيًّا، عن تلك التحديات التي تعامَل معها خطابُ الإصلاح الديني آنذاك.
من المطلوب في البداية كذلك إزالةُ الالتباس الذي يمكن أن ينتج عن كون الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني الإسلامي يُعاد طرحُها اليوم بإلحاح بعد أحداث الحادي عشر من سپتمبر 2001، في سياق الضغوط الأمريكية على العالم العربي والإسلامي لتعديل برامجه التعليمية، خاصة منها ما يرتبط بتعليم الإسلام. فلا أظن أن المُعِدِّين لهذه الندوة كانت تحرِّكهم دوافعُ الاستجابة للضغط الأمريكي بطرح التساؤل عن أسباب فشل مشروع النهضة من زاوية مشروع "الإصلاح الديني" بصفة خاصة. لكن نفي هذا الارتباط بين الضغط السياسي الأمريكي وبين إعادة تقييم مشروع الإصلاح الديني لا يعني عدم الاعتراف بما أثاره حدثُ الحادي عشر من سپتمبر من أصداء في العالمين العربي والإسلامي، بعضها سلبي وبعضها إيجابي. وفي تقديري أن بعض النتائج الإيجابية تتمثَّل في الحاجة إلى إعادة النظر في صيغة "الأنا"، من حيث علاقتُها بالآخر، من منظور نقدي.
ولا يحتاج الكاتب هنا إلى إبراز جهوده في مجال "نقد الخطاب الديني" خلال أكثر من ربع قرن، هي مجمل حياته الأكاديمية؛ وهي جهود صارت مكثَّفة خلال السنوات العشر الأخيرة بصفة خاصة. الكاتب هنا لا يتعامل مع الأسئلة والإشكاليات التي يطرحها علينا الآخرون بقدر ما يتعامل مع أسئلة الواقع الراهن – وكثير منها أسئلة مؤجَّلة. أكثر الأسئلة المؤجَّلة تتعلق بحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأقلِّيات، وهي الحقوق التي يمكن لنا تصنيفها تحت مفهوم "العدل". وثمَّة أسئلة تتعلق بقضايا التعليم والحرية والديموقراطية والتقدم والنهضة إلخ. إنها قضايانا وأسئلتنا منذ عصر النهضة، الذي بدأناه في القرن التاسع عشر، وتعثَّرت مسيرتُنا معها لأسباب عديدة، فتأجَّلت القضايا وتوقف حسمُها منذ أمد ليس بالقريب.
ينبغي، إذن، ألا نتقاعس عن التعامل مع هذه القضايا وغيرها لمجرد أنها تُثار وتنعكس علينا من مرايا الآخرين، فيركبنا العناد، متصوِّرين أننا بذلك ندافع عن "هويتنا". ليست هويتنا هي "التخلف" ومقاومة "التطور"، ومن العبث أن ننحاز إلى صفوف دعاة "التجمد" باسم الدفاع عن الدين والهوية. وأخيرًا، فإن المعيار الذي على أساسه نقيس الأمور يجب أن يكون معيار حاجتنا إلى التطور، ومقاومة "الجمود"، وهو المعيار الذي قامت على بنائه أسُس نهضتنا الحديثة، والتي لم يتحقق الكثيرُ من طموحاتها، فتركت وراءها كثيرًا من القضايا المؤجَّلة.
لا سبيل أمامنا إلى استئناف مشروع النهضة على أسُس أكثر متانة إلا أن نبحث عن أسباب إخفاقها ونواجه في شجاعة أسئلتها، أو بالأحرى أسئلتنا المؤجَّلة، وعلى رأس هذه القضايا قضية "تجديد الخطاب الديني". وقد اخترت في هذا البحث أن أتناول قضية "التأويل" بوصفها واحدة من أخطر قضايا الفكر الديني، وإنْ تكن، على الرغم من ذلك، من أكثر القضايا المهمَّشة في الخطاب الديني الراهن؛ لذلك حرصت على إثارتها بوصفها "إشكالية". هذا بالإضافة إلى أنها واحدة من قضايا مشروع الإصلاح الديني المتعثِّرة لأسباب سنتناولها في سياق تحليلنا للمشكلة في تطورها التاريخي.
2. تمهيد
لعله من المفيد أن نبدأ الكلام في هذا الموضوع بتحليل العنوان الذي اخترناه لهذا البحث، ذلك أنه عنوان مُشكِل في حدِّ ذاته. وتحليل هذا العنوان يضعنا مباشرة في قلب الموضوع من حيث هو بدوره إشكالية. وكلمة "إشكالية" ليست مقبولة عادة في الحديث عن القرآن، وكذلك كلمة "تأويل"، حيث دَرَجَ العلماء المسلمون منذ القرن الرابع الهجري تقريبًا، أي العاشر الميلادي، – باستثناء الشيعة وبعض المتصوفة – على تفضيل مصطلح "التفسير" على مصطلح "التأويل"، فصار شائعًا أن "التأويل" جنوحٌ عن المقاصد والدلالات الموضوعية في القرآن ودخولٌ في إثبات عقائد وأفكار – أو بالأحرى "ضلالات" – من خلال تحريفٍ مقصودٍ لدلالات المفردات والتراكيب القرآنية ومعانيها.
صحيح أننا نجد عند جلال الدين السيوطي (القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي) تمييزًا دلاليًّا بين مصطلحَي "التفسير" و"التأويل" يضعهما معًا على قدم المساواة، من حيث ارتباطُ كلٍّ منهما بالآخر، وحاجة المفسِّر – أو المؤوِّل – إليهما معًا، وذلك على أساس أن "التفسير" هو شرح معاني الكلمات المفردة، في حين أن "التأويل" هو استنباط دلالة التراكيب، بما تتضمَّنه من حذف وإضمار وتقديم وتأخير وكناية واستعارة ومجاز إلخ. لكن ما يقوله السيوطي في القرن التاسع ليس في مجمله إلا إعادة صياغة وترتيب لما سبق قولُه في القرون الأربعة الأولى وما تلاها بقليل، وربما حتى نهاية القرن الخامس الهجري، حيث ينقل كثيرًا من أقوال الإمام الغزالي.[1] ومعنى ذلك أن الأقوال التي يرويها السيوطي عن السلف يمكن أن تؤخذ على أنها وصف للممارسة الفعلية في مجال التفسير في عصره، وهو العصر الذي يعتبر "التأويل" مصطلحًا مشبوهًا، إن لم يكن سيئ الدلالة.
ومن الضروري هنا الإشارة إلى أن مصطلح "التأويل" اكتسب دلالتَه غير الحسنة تدريجيًّا، ومن خلال عمليات التطور والنموِّ الاجتماعيين وما يصاحبهما عادة من صراع فكري وسياسي. ويمكن لنا هنا أن نستشهد ببعض الأقوال التي وَرَدَتْ متناثرةً في كتب التاريخ والتفسير. من هذه الأقوال ما يُروى عن علي بن أبي طالب حين رفع الأمويون المصاحف على أسِنَّة الرماح، عملاً بنصيحة الداهية عمرو بن العاص، طالبين الاحتكام إلى القرآن، الأمر الذي أحدث انشقاقًا في صفوف جيشه، فقال علي: "بالأمس حاربناهم على تنزيله، واليوم نحاربهم على تأويله" – وهي عبارة تحاول أن تلفت أنظار الذين استجابوا للتحكيم إلى أن هؤلاء القوم من بني أمية يحاولون اليوم التلاعب بالتأويل، بعد أن كانوا في سنوات سابقة يرفضون التنزيل. لكن عبارة علي لا تتضمن أية دلالة معيبة لكلمة "تأويل"، التي لم تكن بعدُ قد تحولت إلى مصطلح، بل هي عبارة واصفة لطبيعة الخلاف. والذي يؤكد ذلك أنه هو نفسه الذي قال ردًّا على المحكِّمة كذلك: "القرآن بين دفَّتي المصحف لا ينطق وإنما يتكلَّم به الرجال."[2] وهو الذي قال لابن عباس وهو بصدد الحجاج مع الخوارج: "لا تحاجهم بالقرآن، فإن القرآن حمَّال أوْجُه، بل حاجهم بالسُّنَّة."
وفيما يورده محمد بن جرير الطبري (القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي) عن بعض التابعين في شرح الآية 7 من سورة آل عمران، هناك مَن يقول عن "الذين في قلوبهم زيغٌ" الذين يتَّبعون المتشابِه أن المقصود هم الخوارج.[3] والعبارة، في دلالتها الحرفية، تعني أنهم يقصدون إلى تأويل المتشابِه من القرآن واتِّباعه "ابتغاء الفتنة"، لأن المتشابِه "ما يعلم تأويلَه إلا الله" بنصِّ الآية المذكورة. ولعلَّنا نعلم جميعًا أن هذه الآية صارت فيما بعد محور جدال عميق بين المفسِّرين من الاتجاهات والفِرَق المختلفة، لا حول تأويلها وشرح معناها فقط، بل حول علامات الوقف والاتصال فيها كذلك.
ولعلنا لا نحتاج هنا إلى شرح ما هو معروف تمامًا من تعدُّد التأويلات واختلاف التفاسير بدءًا من القرن الأول الهجري؛ وهو أمر نما واتسع في القرون التالية، حتى صار مصطلح "المؤوِّلة" يضم، إلى جانب الخوارج، الشيعة والمعتزلة والمتصوفة. ولعل القرن الرابع، الذي شهد نموَّ الفكر الشيعي على مستوى الصياغة الفلسفية واللاهوتية، هو نفسه القرن الذي شهد قمة العداء بين الدولة السنِّية، ممثلةً في دولة الخلافة العباسية، وبين الدولة الشيعية التي امتد سلطانها حتى القاهرة. وهو كذلك القرن الذي كان قد شهد الانتصار السياسي، ممثلاً في تأييد الدولة، بدءًا من عصر المتوكل، للفكر الفقهي السنِّي المحافِظ، بعد أن كانت الدولة في عصر المأمون والمعتصم تتبنَّى الفكرَ الاعتزالي وتعادي الموقفَ الفقهي السنِّي. من الطبيعي أن يكون لهذا المشهد، الذي يصعب فيه التمييز بين السياسي والفكري، أو بين الدنيوي والديني، تأثيرُه في إلصاق دلالة "التحريف" بدلالة "التأويل"؛ الأمر الذي جعل مصطلح "التفسير" يتقدَّم تدريجيًّا ليكون هو المصطلح الدال على البراءة الموضوعية.
ولكي تتضح أبعادُ هذا الإحلال لمصطلح "التفسير" محلَّ مصطلح "التأويل"، ينبغي العودة إلى كلمة "تفسير" في مجال التداول اللغوي. ومن الجدير بالذكر أن كلمة "تفسير" لم تَرِدْ في القرآن كلِّه سوى مرة واحدة، بينما وردت كلمة "تأويل" أكثر من عشر مرات. وإذا أخذنا النصَّ القرآني – الذي طالت فترة نزوله أكثر من عشرين عامًا – نموذجًا لما يُسمَّى في الدراسات اللغوية "معَدَّل الانتشار"، لجاز لنا أن نقول إن كلمة "تأويل" تنتشر في اللغة العربية في عصر القرآن عشرة أضعاف انتشار كلمة "تفسير"؛ هذا بالإضافة إلى أن كلمة "التفسير" – وهناك خلاف حول جذرها اللغوي، هل هي من "الفسر" أم من "السفر" – تعني في الغالب ما يقترب إلى حدٍّ كبير من معنى "الترجمة" الآن، وإن كانت "ترجمةً" داخل النظام اللغوي نفسه. من هنا نفهم لماذا أطلق ابن جني (أبو الفتح عثمان، القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي) على شرحه لديوان المتنبِّي اسم "الفَسر"، وهو مجرد شرح لمعاني المفردات.
أما أول كتاب كبير في شرح القرآن، وهو كتاب محمد بن جرير الطبري، الذي ضمَّ داخله كلَّ ما سبقه في مجال شرح النص القرآني، فقد أطلق عليه اسم جامع البيان عن تأويل آي القرآن؛ وهو يبدأ كلَّ آية بالشرح قائلاً: "تأويل قوله تعالى...". وخلاصة ذلك أن ما يقوله السيوطي عن الفرق بين "التفسير" و"التأويل"، من حيث إن أولهما بمثابة تمهيد للثاني ضروريٍّ له، كلامٌ صحيح في مجمله؛ وفي الممارسة الفعلية لعملية الشرح، التي هي "التأويل"، لا بدَّ من المرور بالتفسير. لكن وصف الممارسة العملية لا يكفي لبيان ما حدث من تفضيل لمصطلح "التفسير" على مصطلح "التأويل"، وهو الأمر الذي حاولنا شرحه باختصار فيما مضى. ولكن ألا يفضي هذا الشرح الذي قدَّمناه إلى إبراز أن ثمة إشكالية في المصطلحات ذاتها، فضلاً عن عملية التأويل في الممارسة العملية؟
هذا السؤال يقودنا إلى كلمة "إشكالية" في العنوان؛ وهي بدورها كلمة لا تُتقبَّل في سهولة في مجال الدراسات القرآنية الذي يبدو مجالاً شديد الوضوح، وإن كان مجالاً عميقًا متسع الأطراف، "بحرًا لا ساحل له عميق الأغوار"، إذا استخدمنا لغة القدماء. ويعجب الإنسان مشدودًا إلى جمال الاستعارة: كيف يكون "بحرٌ لا ساحل له عميق الأغوار" خاليًا من الأمواج المتلاطمة على سطحه ومن الدوامات القاتلة في أعماقه! لكن هذا هو الفارق الواسع بين دلالة أقوال القدماء المجازية في الغالب وبين الفهم السطحي المعاصر لتلك الأقوال. في الفهم السطحي المعاصر ابتذالٌ للأقوال نابعٌ من نزعها من سياقها الكلِّي، المعرفي واللغوي معًا.
منذ تساءل عمر بن الخطاب عن معنى "الأبِّ" في قوله تعالى: "وفاكهة وأبًّا"[4]، وقبله في عصر التنزيل تساءل المسلمون عن معنى "الظلم" في قوله تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"[5]، فشرحه لهم الرسول بأنه "الشِّرك" في هذا السياق، مستشهدًا بما وَرَدَ في نصيحة لقمان لابنه في القرآن: "يا بني لا تشرك بالله إن الشِّرك لظلمٌ عظيم"[6] – منذ ذاك العصر والمسلمون يدركون أن شرح القرآن ليس أمرًا بسيطًا سهلاً. وهذا الإدراك لإشكالية التأويل هو الذي جعل ابن أبي طالب يحذِّر ابن عباس من الانزلاق إلى هاوية "التأويل" و"التأويل المضاد" في نقاشه مع الخوارج. بل إن هذا الإحساس هو الذي يمكن لنا أن نتبيَّنه من وَجَل الجيل الأول من الصحابة من الدخول في عملية التأويل، مثل قول الصدِّيق أبي بكر: "أي أرض تقلُّني وأي سماء تُظِلُّني إذا قلت في القرآن برأيي"؛ وهذه الأقوال تمَّ للأسف تحريف دلالتها كذلك في سياق الطعن في التأويل ومهاجمته.
لكن هذا الحذر لم يمنع القَدَر. فالحياة تتقدم، والمجتمع الإسلامي ينمو، وتتسع دائرةُ الثقافات التي يتفاعل معها الإسلام، وتتعدد مرجعيات التأويل – وإنْ كان ذلك التعدد لا ينفي وحدة المنظور الذي يمكن لنا أن نُطلِق عليه مصطلح "رؤية العالم" الإسلامية. وليس هذا أمرًا غريبًا في سياق حضارة مركزها نصٌّ ديني مُنزَل من الله بلغة القوم الذين أُرسِلَ فيهم الرسول. هنا تتعدد المرجعيات، بين لغوية وفقهية وكلامية وفلسفية، ويصبح "التأويل" أداةً من أهم أدوات التوافق مع المرجع الأول، النصِّ القرآني، مركز هذه الحضارة.
هل يمكن بعد ذلك النظر إلى التأويل تلك النظرة السطحية الساذجة إلى حدٍّ كبير؟ أم أن التأويل إشكالية الإشكاليات في العقل المسلم، قديمًا وحديثًا؟
3. الإشكال قديمًا
لكي نتناول إشكالية التأويل قديمًا، يجب ألا يغيب عن بالنا أبدًا ما أشرنا إليه من إحساس الجيل الأول من المسلمين – جيل الصحابة – بثقل المهمة ومشقَّتها، حتى أوشك بعضهم أن يقترب بها من مجال التحريم. ولم يكن الأمر، كما يحلو لبعض المعاصرين أن يفهموا، هربًا من "التأويل" وخشية منه اكتفاءً بالتفسير، – إذ لم يكن قد تَبَلْوَر هذا "التضاد" الذي حدث مؤخرًا بين التفسير والتأويل، – بل كان الأمر ما صاغه علي بن أبي طالب عن "احتمال الوجوه" الذي يُفضي إلى إمكانية التضارب والتضاد. لكنه هو نفسه، أي عليًّا بن أبي طالب، الذي قرَّر أن القرآن "بين دفَّتَي المصحف لا ينطق وإنما يتكلَّم به الرجال"، أي قرَّر أن "التأويل" لا مفرَّ منه، لكنه ليس أمرًا سهلاً، ويجب، من ثَمَّ، ألا يكون موضوعًا للتلاعب السياسي.
لكن المتأخرين بعد القرنين الرابع والخامس الهجريين (العاشر والحادي عشر الميلاديين) قد تلاعبوا بدلالات كلام القدماء، كما يتلاعب المحدثون بدلالات كلام هؤلاء المتأخرين، فقاموا بإحداث ذلك الفارق المزعوم بين "الرأي المقبول" و"الرأي المذموم" في مجال التأويل، وذلك ليضعوا اجتهادات المسلمين من غير فقهاء أهل السنَّة والجماعة داخل دائرة "الرأي المذموم" المحرَّم، بينما يصبح الوصف "رأي مقبول" خالصًا لهم. وانتشرت في كتب المتأخرين، وخاصة ابن تيمية وتلميذه ابن قيِّم الجوزية، التحذيراتُ من التفاسير الضارة والتأويلات المنحرفة. وحين يريدون أن يُظهِروا تسامحَهم إزاء بعض تفسيرات المعتزلة، يشيرون إلى تفسير الزمخشري لقيمته البلاغية، مع التحذير من ضلالاته الاعتزالية، وعدم السماح بمطالعته إلا للمتمكِّنين من براهين أهل السنَّة والجماعة. ومن اللافت للانتباه أن الطبعة المشهورة للكتاب (طبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة) تتضمن ردود ابن المنير السنِّي وتعليقاته على انحرافات الزمخشري بالهامش.[7] والاختلاف في التأويل بين أهل السنَّة والجماعة، – وهو مصطلح إيديولوجي، – من جهة، وبين المعتزلة، من جهة أخرى، أقدم من الزمخشري وابن المنير؛ وهو، بالطبع، أقدم من ابن تيمية وتلميذه.
ولعل بعض النماذج يمكن لها أن تكشف الجذور التاريخية لهذا الاختلاف في منبعها الأصلي. ودون الدخول في التفاصيل، يمكن القول إن تاريخ تأويل القرآن، ومن ثَمَّ إشكاليته، تنبع من تجدد الحياة بالحركة والصيرورة مع ثبات النصِّ في منطوقه. وهي الإشكالية التي عبَّر عنها علماءُ أصول الفقه حين قالوا بندرة النصوص مع تكاثر الوقائع وتجددها. وإذا كان علماء الأصول قد حلوا إشكاليتهم بمقولة "خصوص السبب وعموم اللفظ"، فجعلوا من "عموم اللفظ" قاعدةً للفهم ومن "خصوص السبب" قاعدةً للقياس، فإن هذا الحلَّ العبقري لم يتجاوز حدود آيات الأحكام والشرائع التي تمثل أقل من سُدس آيات القرآن كلِّه.[8]
هكذا تمثل حقيقة تجدُّد الوقائع وتكاثرها تحديًا للعقل الفقهي إزاء ندرة النصوص؛ فكانت الاستجابة مزدوجة، عقليًّا ولغويًّا. نفس الظاهرة – ظاهرة التحدي – واجَهَها العقل المعتزلي، وإنْ على مستوى آخر هو مستوى فهم العقيدة، فكانت استجابته، بالمثل، مزدوجة عقليًّا ولغويًّا. على المستوى اللغوي، وَجَدَ المعتزلي في مقولة "المجاز" – وهي مقولة لغوية – حلاً لإشكالية التعارض الظاهر بين النصِّ والعقل؛ وكان اعتماده في استجابته العقلية على قياس – "قياس الغائب على الشاهد" – إدراكًا للمطلق في مخالفته للمحدود من كلِّ وجه؛ فهو قياس مخالفة لا قياس مطابقة، كما تصوَّر بعض الدارسين.[9] وبناءً على قياس المخالفة هذا بين الله، من جهة، وبين العالم والإنسان، من جهة أخرى، تمَّتِ الصياغةُ شبه الفلسفية لمفهومَي "التوحيد" و"العدل"، وهما أساس مبادئهم الخمسة المعروفة؛ بل "العدل" هو أساس التوحيد، كما يقرِّره الخياط في كتاب الانتصار[10].
لنفور أهل الحديث والفقهاء من فكر المعتزلة وطرائق استدلالهم أسبابٌ كثيرة، ليس هاهنا مجال لشرحها. ويكفي فقط القول إن أهل الحديث والفقهاء كانوا ينفرون عمومًا من التعمق المعرفي في أسرار النص القرآني؛ ذلك أن نفورهم من المعتزلة والفلاسفة لم يكن أكثر من نفورهم من المتصوفة، خاصة من هؤلاء الذين يتفوهون بعبارات غريبة أو يقيمون زهدهم على أساس عرفاني. لهذا دفع الحلاج، وكذلك السهروردي، الثمن غاليًا من حياتهم، ودفعه غيرُهم من سمعتهم اتهامًا بالإلحاد والزندقة. وربما كان لقبول علماء أصول الفقه التحدي في مجال آيات التشريع والأحكام أسبابٌ عملية، نظرًا لاتصال تلك القضايا بالحياة اليومية والمصالح المباشرة؛ هذا بالإضافة إلى أن القياس الذي اعتمدوه كان قياسًا بسيطًا من الوجهة العقلية، لأنه ببساطة قياس تطابُق لا مخالفة. وبصرف النظر عن أسباب الاختلاف بين أهل الحديث والفقهاء وبين غيرهم من الفلاسفة والمتكلِّمين والصوفية، فإن استجابة هؤلاء الأخيرين للتحدي نفسه على مستوى العقيدة والفكر والأخلاق لم تكن مقبولة من الفقهاء.
لننظر في مسألة "استواء الله على العرش": "الرحمن على العرش استوى" (طه 5)، "إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش" (الأعراف 54)، التي يرى المعتزلة أنها "مجاز"، أو صورة تمثيلية (تمثيل)، وأنه ليس هناك عرش ولا استواء بمعنى الجلوس: إنهم في هذا التأويل ينطلقون من استحالة المعنى الحرفي في حق الله الذي "ليس كمثله شيء وهو اللطيف الخبير"[11]. إذا كان الله مستويًا على العرش فمعنى ذلك، من منظور المعتزلة، أنه محدود في المكان، وأنه جسم يقبل الأعراض، إلخ. واعتماد المعتزلة في مرجعية التأويل على القياس العقلي – قياس المخالفة – يجد له كذلك مرجعيةً في بنية النصِّ القرآني كما تصوروها من خلال ثنائية "المُحكَم والمتشابِه" التي سنتناولها بعد قليل.
في مقابل هذا التأويل الاعتزالي لهذه الآية ولأمثالها مما يُطلَق عليه آيات "الصفات"، تمسَّك الفقهاء بالمعنى الحرفي للاستواء على العرش؛ لكنهم حاولوا مع ذلك جهدهم في نفي "المشابَهة" التي يفضي إليها الفهم الحرفي، فتوصَّلوا إلى تلك الصياغة التي تُنسَب إلى مالك بن أنس أحيانًا وإلى أحمد بن حنبل أحيانًا أخرى، تلك هي العبارة التي صارت شائعة وتتكرر عبر الأجيال حتى يومنا هذا: "الاستواء معروف والكيف مجهول والحديث عنه بدعة".
لو تأملنا قليلاً هذه العبارة المتداولة في دوائر الفكر الإسلامي كلِّها – والتي لم يتأملها أحد، على ما يبدو، تأملاً عميقًا – لوجدنا أنها عبارة تتضمن تناقضًا على أكثر من مستوى:
1. المستوى الأول أن ما هو "معروف" لا بدَّ أن يكون مدرَكًا بالحسِّ أو بالعقل أو بالخيال، وهو، في كلِّ حالة من تلك الحالات، لا يكون مجهول الكيفية؛ إذ ما هو مجهول من حيث كيفيته – والكيف أحد الأعراض التي يتحدد بها الشيء – لا يكون معروفًا.
2.المستوى الثاني أن "الاستواء" معطى لغوي، لا تنكشف دلالتُه إلا من خلال سياق تركيبي هو الجملة في الحدِّ الأدنى، وما يسبقها وما يتلوها في الحدِّ الأوسط، ثم هو سياق النصِّ في تركيبه في الحدِّ الأعلى. وعلى ذلك، فالقول إن "الاستواء معروف" قول يتناول المفهوم الذهني، الذي هو المدلول المباشر للدالِّ اللغوي، ولا علاقة له بالعبارة القرآنية.
3.المستوى الثالث من التناقض نفي "الحديث" بزعم أنه بدعة، مع أن الآيات القرآنية "حديث" عن الاستواء، من حيث هو فعل إلهي.
أمثال العبارة السابقة من أقوال الفقهاء تؤخذ هكذا، دون تحقيق أو فحص عن محتواها. ولا شك أن إيقاعها الثلاثي الذي يجعل الدلالة الحرفية واضحة ("الاستواء معروف")، ويجعل التأويل الاعتزالي كاذبًا ("الكيف مجهول")، ثم يطرح الأمر برمَّته في هاوية "البدعة" – و"كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"! – هذا الإيقاع الثلاثي التنغيمي في تصاعده، من "المعروف" إلى "المجهول" إلى "البدعة"، يمارس تأثيرًا شبه سحري حين يُتلى على العامة في المواعظ. وهكذا تتم تعبئة عوام المسلمين وأشباه المتعلِّمين منهم ضد "التأويل" لحساب "التفسير".
ولعل أهم تفسير، يُشار إليه بوصفه أعظم التفاسير عند أهل السنَّة والجماعة، – عدا كثرة استشهاده بالمرويات الإسرائيلية، – هو كتاب ابن جرير الطبري جامع البيان. وإذا تفحَّصنا كتاب جامع البيان في خصوص قضايا التأويل العقلي، وبصرف النظر عن أن مصطلح "التأويل" هو الدَّال على عملية الشرح كلِّها عند الطبري، كما أسلفنا، فسنلاحظ غياب هذا النوع من التأويل، وهو الغياب الذي يفسِّره الباحث الساذج ضدَّ "التأويل" لصالح "التفسير". والحقيقة أن غياب تلك القضايا عن كتاب الطبري له دلالة تستحق التأمل. إن الطبري يشرح معنى "الاستواء" شرحًا وافيًا في الآية 29 من سورة البقرة: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسوَّاهن سبع سماوات وهو بكلِّ شيء عليم" – وهي آية لا تثير إشكالية الاستواء على العرش التي تثيرها الآيات الأخرى المشار إليها فيما سلف، وهي الآيات التي يمر عليها الطبري متجاهلاً الإشكالية ومكتفيًا بالقول: "لقد شرحنا الاستواء فيما مضى فلا حاجة لإعادته هنا."[12] ما معنى هذا التجاهل من جانب الطبري لإشكالية ما تزال مستمرة حتى الآن؟ بل هي إشكالية أنتجت كتابًا هامًّا هو الصواعق المرسَلة في الردِّ على الجهمية والمعطِّلة بعد الطبري بحوالى أربعة قرون؛ وهذا الكتاب يتضمن فصلاً كبيرًا بعنوان "طاغوت المجاز". فكيف يمر عليها الطبري هكذا مرور الكرام في القرن الثالث الهجري؟!
ليس الغياب بالضرورة دليلاً على عدم اتفاق الطبري مع المعتزلة؛ كما أنه ليس، بالمثل، قرينة على اتفاقه معهم – ولا بدَّ للصمت مع ذلك من دلالة. لقد عاصر الطبري عصر ازدهار الحنابلة وسيطرتهم، من خلال التحالف مع السلطة السياسية في بغداد. والطبري فقيه، له اجتهاداتُه الفقهية الأصيلة على مستوى النظر والتطبيق معًا، وله في مجال نقد المرويَّات، سندًا ومتنًا، كتاب هام لم ينل ما يستحقه من اهتمام الباحثين بعد، هو كتاب تهذيب الآثار؛ وقد كان له رأي في ابن حنبل أثار عليه الحنابلة، حتى أوشكوا أن يقتلوه، فظل رهين بيته حتى مات ودُفِن. فهل كان لهذا الحدث تأثيرُه الذي جعل الطبري يتحاشى الدخول في مناقشة هذه الموضوعات الشائكة؟ لا يمكن لنا أن نطرح إجابة دقيقة عن هذا السؤال، خاصة وأن كتاب الطبري أُمْلِيَ على طلابه؛ فلا يمكن الجزم يقينًا بسبب هذا الغياب. لكن الغياب، كما سبق القول، لا يعني الاتفاق مع تأويل المعتزلة؛ وهو يقينًا لا يعني المخالفة التامة. هذا بالإضافة إلى أن كتاب الطبري من أهم الكتب في حرصه الدائب على القيام بعمل تأويلي حقيقي يمثل تركيبًا، لا بين التفسير والتأويل فقط، بل بين علوم القرآن النقلية كافة وبين العمل التأويلي الحق.
والسؤال الآن هو: هل ثمة وجود حقيقي للكتب في مجال التفسير تكتفي بشرح المفردات – أي الترجمة – وتنبو عن التأويل، حتى بالمعنى الاعتزالي؟ مثل هذه الكتب موجود بالفعل، ولكنها لا تدَّعي أنها تفسير، بل هي شروح للمفردات، مثل كتب غريب القرآن، على سبيل المثال. إن عملية التأويل واحدة في جوهرها، لأن الوصول إلى "الدلالة" – التي هي ضالَّة المفسِّر – يتطلب جهدًا على درجة عالية من التركيب، كما أنه يتطلب فهمًا أو تصورًا – ولو ضمني – لماهية النصِّ القرآني. لقد اعتمد المعتزلة على الآية السابعة من سورة آل عمران التي تقول إن الكتاب – القرآن – "منه آياتٌ مُحكَماتٌ هنَّ أمُّ الكتاب وأُخَر متشابهاتٌ"، وصاغوا نظرية في التأويل تعتمد على فهم المتشابِه – الغامض – قياسًا على مرجعية المُحكَم، أي الواضح. ومن خلال نظريتهم في المعرفة واللغة حدَّدوا عدة مستويات للوضوح، ومثلها للغموض، وصارت نظريتُهم في التأويل في قالبها النظري التجريدي الخالص نموذجًا مُحتذى عند خصومهم.
ما هو موطن الخلاف إذن؟ موطن الخلاف أن الآية المشار إليها أثبتت للجميع وجودَ الواضح ووجود الغامض، لكنها لم تحدِّد ما هو الغامض وما هو الواضح – وليس ثمة في القرآن تحديد. لذلك صار من السهل على المعتزلة أن يجعلوا المعرفة العقلية مقياسًا: فما يتفق مع المفاهيم العقلية بدلالته اللغوية المباشرة فهو الواضح المُحكَم، وما يبدو متناقضًا معها فهو المتشابِه الغامض الذي لا سبيل إلى تقبُّل دلالته اللغوية المباشرة. وهنا تتدخل أداة "المجاز" لتزيل الغموض وتنهي وَهْمَ التناقض بين المتشابِه والمُحكَم. وتلك هي بالضبط النظرية التي صاغها ابن رشد في التأويل على قانون الكلام العربي لنفي التعارض بين الشريعة والبرهان.[13]
في كتابه متشابه القرآن يصوغ القاضي عبد الجبار الأسدآبادي المعتزلي (القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي) نظرية المعتزلة تلك في شكلها الأكثر نضجًا. لكن كتاب ابن قتيبة تأويل مشكل القرآن في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) يؤكِّد، في ردوده على المعتزلة، أنه يتبنَّى نظريتهم، حتى في قراءة نهاية الآية على العطف وليس على الوقف ثم الاستئناف: "وما يعلم تأويلَه إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنَّا به". والخلاف هنا يكمن في تحديد ما هو مُحكَم وما هو متشابِه: فما يعتبره المعتزلة مُحكَمًا واضحًا هو عند خصومهم متشابِه غامض، والعكس صحيح.[14] وهذا معنى قولنا إن القالب النظري التجريدي الخالص لنظرية المعتزلة صار هو النموذج المُحتذى عند الخصوم. وهذا ما نجده واضحًا جدًّا في تعليقات ابن المنير السنِّي على تفسير الزمخشري.
ولأن خلاف الأشاعرة مع المعتزلة تركَّز في النهاية حول قضايا العدل – وفي القلب منها قضية "خلق الأفعال" – فقد حدث اتفاق في تأويل آيات الصفات، وهي الآيات المتصلة بقضية التوحيد والتنزيه. لكن هذا الاتفاق لم يُتَحْ له النموُّ والتواصل في الفكر الإسلامي لأسباب عديدة، لعل من أهمها حالة التمزق السياسي التي أصابت الإمبراطورية الإسلامية، وما أدت إليه من ضعف انتهى باكتساح المغول لبغداد، وصارت المخاطر تهدِّد الأقاليم الإسلامية كلَّها. ومن شأن ذلك الخطر الخارجي أن يؤدي إلى نموِّ نزعة الاحتماء بما تتصور الجماعة أنه خصائصها الذاتية. لذلك كان من الطبيعي نمو الفكر الحنبلي وسيطرته في كثير من مجالات الفكر الإسلامي. وهنا سنلاحظ أنه حتى تأويلات الأشاعرة لآيات الصفات، انطلاقًا من اتفاقهم مع المعتزلة في محور "التوحيد"، صارت تأويلات غير مشروعة من منظور الفكر الحنبلي المحافِظ.
صحيح أن ابن تيمية – وهو من أهم ممثِّلي الفكر الحنبلي – يعلن نظريًّا "موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول"، لكن مرجعية الاتفاق عنده ليس "المعقول" بل "المنقول"! وفي عبارة أخرى، إذا كان المعتزلة والفلاسفة يعتبرون "العقل" هو الأصل الذي على أساسه يتم تأويل النقل وتفسيره، فإن مدرسة ابن تيمية ترى أن صحيح المنقول هو الأصل الذي على أساسه يُرفَض المعقول أو يُقبل. ونتيجة لذلك لا تصير ثنائية "المُحكَم والمتشابِه" هي العنصر الجوهري في بنية النص القرآني الذي على أساسه يقوم قانون "التأويل"، بل يصير "النقل" هو مرجعية التأويل.
من هنا يتم ترتيب الأصول النقلية ترتيبًا يبدأ بالأعلى في مقدمة ابن تيمية لأصول التفسير، وذلك على النحو التالي تقريبًا:
1.القرآن يفسِّر بعضُه بعضًا: فما وَرَدَ مجملاً في موضع يَرِدُ مفصَّلاً في موضع آخر. (هذا المبدأ ليس صحيحًا في كلِّ الأحوال، لأن ثمة تطورًا دلاليًّا أحْدَثَه القرآن في كثير من الألفاظ، بحيث يصعب أن تكون الدلالة هي هي في نصٍّ استمر نزولُه أكثر من عشرين عامًا؛ وتلك ملاحظة سيوردها محمد عبده وكذلك أمين الخولي في العصر الحديث.)
2. ما وَرَدَ منسوبًا إلى الرسول في التفسير، سواء بطريقة مباشرة – وهي حالات قليلة – أو بطريقة غير مباشرة، أي من خلال السنَّة.
3. ما وَرَدَ عن الصحابة في الروايات الموثوق في صحَّتها، لأنهم أقرب إلى عصر التنزيل، وأعلم بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، وقرائن الأحوال الملازمة للوحي، إلخ.
4.ما وَرَدَ من تفسير عن التابعين يؤخَذ منه ويُترَك، مع العلم أن كثيرًا من اختلافاتهم في التفسير هي اختلاف تنوُّع وليس اختلاف تضاد.
5.يأتي في هذه المرحلة الأخيرة اجتهادُ المفسِّر بالشروط اللازمة من العلم باللغة والفقه وعلوم القرآن، أي العلوم النقلية كافة.[15]
ولا مكان في هذا الترتيب لأصول التفسير للتفسير بالمجاز على الإطلاق! فالمجاز نوع من "الكذب" في استخدام اللغة – أو "الادعاء" في أحسن الأحوال، إذا استخدمنا لغة عبد القاهر الجرجاني – والقرآن منزَّه عنه. وإذا كان المتكلِّم العادي يلجأ إلى المجاز لأن الحقائق لا تسعفه، فهذا ما لا يجوز على العلم الإلهي في إطلاقه. وما يرى المعتزلة والأشاعرة أنه "مجاز" في القرآن ليس إلا أسلوبًا من أساليب التعبير الوضعية استُخدِمَتْ في اللغة العادية. وتلك كلها قضايا يصوغها ابن قيِّم – تلميذ ابن تيمية – في الكتاب الذي أشرنا إليه الصواعق المرسَلة في الرد على الجهمية والمعطلة في فصل عنوانه "طاغوت المجاز"، وهو كتاب يستحق دراسة مستقلة في حدِّ ذاته.[16]
4. الإشكال في العصر الحديث
من الطبيعي أن يقال هنا إن باب الاجتهاد صار شبه مقفل، ولم يلبث إلا قليلاً حتى أحكم رتاجه في عصر الركود والانحطاط، عصر التلخيصات وشرح التلخيصات والحواشي وشروح الحواشي في مجالات المعرفة كافة. ذلك أن العقل الإسلامي النشط، الذي كان قادرًا على قبول التحديات والاستجابة لها، صار عقلاً يعيش على مخزونه – التراث – الذي أخذ يتناقص حتى اضمحلَّ في وعي المتأخرين، وتحول إلى أقوال تُردَّد وتلوكها الألسن، مثل العبارة التي حلَّلناها فيما سبق: "الاستواء معروف والكيف مجهول والحديث عنه بدعة". وفتاوى ابن الصلاح في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) تؤكد أن تعاطي المنطق، تعلُّمًا أو تعليمًا، صار جريمة، ولا مجال إطلاقًا لذكر الفلسفة.[17] وتحوَّل علمُ الكلام إلى علم العقائد التي تَرِدُ في الكتب المتأخرة منصوصًا عليها ليحفظها المتعلِّم، أو بالأحرى المتلقِّن. وما حَدَثَ في المجالات كلِّها حَدَثَ في مجال التفسير، فصار تفسير ابن عطية أفضل من الزمخشري، لأنه تلخيص له دون الوقوع في ضلالاته، وأصبح تفسير الزمخشري لا يُقرَأ إلا في ردود ابن المنير عليه. وبالمثل، حَدَثَ تفضيلٌ لتفسير ابن كثير المتأخر على تفسير الطبري المتقدِّم، لأن الأول يخلو من تعقيدات الثاني، كما يخلو من إسرائيلياته.
هكذا تكاثرت النصائح للطلاب: إذا أردتَ علم التفسير فعليك بابن كثير في النقل وابن عطية في الرأي؛ وإن أردت النحو فعليك بشرح ابن عقيل؛ وإن أردت البلاغة فعليك بالخطيب القزويني؛ وإن أردت علم الفقه فهذا يتوقف على المذهب الذي تتَّبعه. وحذارِ من المنطق وعلم الكلام والفلسفة؛ فإنها أضاليل لا ينجو من ضررها إلا الفحول من العلماء المتمكِّنين من عقائد أهل السنَّة والجماعة. وقد استمرت الحال هكذا، حتى بدأ العقل الإسلامي الإفاقة تدريجيًّا والوعي بحالة الركود والانحطاط التي هو عليها. إنه الوعي بالهزيمة وليس الهزيمة ذاتها، لأن الهزيمة كانت واقعًا ماثلاً دون أن يعيها العقل، لأنه كان قانعًا بما يتغذى عليه من تراث خالٍ من مقوِّمات الحيوية والنضارة والتقدم كافة.
لم يكن غريبًا أن يكون محمد عبده أوَّل مَن يدرِّس للطلاب في الأزهر علمَ البلاغة من كتابَي عبد القاهر الجرجاني (القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي) أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز؛ ولم يكن غريبًا أن تكون رسالة التوحيد استعادةً لعلم الكلام الاعتزالي في مبدأ "العدل" والأشعري في مبدأ "التوحيد". وقد سبق أن أشرنا إلى التقارب الذي كان قد وقع بين الأشاعرة والمعتزلة في قضية "التوحيد". هكذا يمثل محمد عبده، على مستوى الفكر اللغوي واللاهوتي، إحياءً للتراث في حيويته وقوته نضارته، بنفس القدر الذي يمثل به محمود سامي البارودي الشاعر عصرَ إحياء التراث الشعري في حيويته وقوته ونضارته.
ولا شك أن الإحياء هنا يمثل شكلاً من أشكال الاستجابة للتحديات التي فرضتْها الظروفُ الاجتماعية والسياسية الناشئة عن الاحتكاك بأوروبا؛ وهي تحديات لم يكن ممكنًا للتراث السنِّي المحافِظ، الذي أغلق باب الاجتهاد وأحكم رتاجه، أن يكون قادرًا على مواجهتها. فكان من الطبيعي استدعاء التراث، في حيويته وقوته ونضارته، ليثبت العقل الإسلامي ندِّيته. ومن سوى المعتزلة وابن رشد يمكِّنان محمد عبده من سجال بلنت ورينان وفرح أنطون، ويساعدانه، في الوقت نفسه، على إثبات أن "الإسلام دين العلم والمدنية"[18]. وقد تواصَل هذا الإحياء مع واحد من تلاميذ عبده هو طه حسين، الذي لم يكن غريبًا أن يبدأ عملَه الأكاديمي بدراسة كلٍّ من أبي العلاء المعري، الشاعر الفيلسوف الضرير، وابن خلدون، المؤرِّخ ومبدع علم "العمران البشري"؛ ثم لم يكن غريبًا أن يكون هو نفسه، طه حسين، على رأس البعثة التي كشفت عن كنوز التراث المعتزلي التي كانت مدفونة في المكتبة المتوكِّلية باليمن، وأهمها موسوعة القاضي عبد الجبار المغني في أبواب التوحيد والعدل.
لكن ماذا عن تأثير هذا كلِّه في علم التأويل القرآني؟ وكيف كانت الاستجابة توافقًا مع النصِّ المركزي، لا للثقافة وحدها بل للحضارة كلِّها، في صيرورتها وارتفاعها وانخفاضها؟
من المهم هنا أن نشير إلى أنَّ تفسير الطنطاوي الجوهري من هذه الناحية يمثل استجابةً كاملة للعلوم الطبيعية والاجتماعية، كما استوعبها بالطبع، مازجًا بين النظريات التي عَرَفَها وما يشابهها أو يقاربها في التراث. لكنه، مثله كمثل سلفه الرازي، صاحب التفسير الكبير، حرص على ما يمكن أن يُسمَّى "إشباع الدلالة" حتى تفيض خارج النصِّ في مساحات شاسعة. لذلك يَصدُق عليه – أي على تفسير الطنطاوي الجوهري – ما قاله القدماءُ على التفسير الكبير للرازي أنه "فيه من كلِّ شيء إلا التفسير"[19]!
ولعل ما يميِّز تفسيرَ محمد عبده (الذي أكمله تلميذه رشيد رضا) أنه، على اتساعه وحرصه على"إشباع الدلالة"، تفسير يكاد ألا يتجاوز نطاق النصِّ حتى يعود إليه؛ هذا بالإضافة إلى أنه – خلافًا لتفسير الطنطاوي الجوهري – اكتسب انتشارًا واسعًا، لا في دائرة المهتمين والطلاب الذين درَّس لهم عبده فقط، بل في دائرة أوسع من القراء والمثقفين في العالم العربي والإسلامي. ومن المؤكد أن استجابة محمد عبده – في التفسير – للتحديات التي كانت مطروحة على العقل الإسلامي كانت استجابةً أكثر تركيبًا من استجابة الطنطاوي الجوهري في تفسيره؛ فلم يكن مشغولاً بالبحث عن التطابق بين حقائق العلم ودلالة النص، بقدر ما كان شاغلَه فتحُ دلالة النصِّ لمخاطبة العقل الإسلامي الناهض وحثِّه على مواصلة النهوض.[20]
لذلك كان من الطبيعي، على المستوى النظري للقواعد التي وضعها في خطوات التفسير، أن تكون قواعدَ عامة لتأويل النصوص، دون إغفال طبيعة النصِّ القرآني، بما هو نصٌّ دينيٌّ هدفه "هداية" البشر إلى الإيمان. وعلى ذلك، فالمقصد من التفسير والهدف هو
فهم المُراد من القول، وحكمة التشريع في العقائد والأحكام على الوجه الذي يجذب الأرواح، ويسوقها إلى العمل والهداية المودَعة في الكلام. [...] فالمقصد الحقيقي من وراء كلِّ تلك الشروط والفنون هو الاهتداء بالقرآن.[21]
من الواضح هنا أن محمد عبده، حين يجعل هدفَ التفسير وغايتَه "الاهتداء بالقرآن"، يقصد تنوير العقل الإسلامي ذاته مما ران عليه من إظلام عصور الركود والانحطاط. وربما يكون القصد إلى هداية "غير المسلمين" مضمَرًا في كلام محمد عبده؛ ولعل الأقرب إلى السياق أن نقول إن المقصود بالهداية – في حالة غير المسلمين – شرح القرآن وإبراز دلالاته لمن أساؤوا فهمه من غير المسلمين، فهاجموا الإسلام. وأيًّا كان تأويل مقصد "الهداية" عند عبده، فلا شك أنه مقصد ديني في جوهره، و"هو مقصد جليل ولا شك يحتاج المسلمون لتحقيقه"، بنصِّ عبارة الشيخ أمين الخولي.[22]
لكن الشيخ الخولي لا يعتبر مقصد الهداية "الغرض الأول من التفسير، وليس هو أول ما يعنى به ويقصد إليه"، ويرى أن
قبل ذلك كلِّه مقصدًا أسبق وغرضًا أبعد تنشعب منه الأغراضُ المختلفة وتقوم عليه المقاصد المتعددة. ولا بدَّ من الوفاء به قبل تحقيق أيِّ مقصد آخر، سواء كان ذلك المقصد الآخر علميًّا أم عمليًّا، دينيًّا أم دنيويًّا.[23]
هذا المقصد الذي يعتبره الخولي مقصدًا جوهريًّا وأساسيًّا هو "البيان"؛ وهو مصطلح يحتاج لتحليل خاص وشرح دقيق في سياق مجموعة المفاهيم التي تناوَلها الخولي في مشروعه التجديدي في النحو والبلاغة والتفسير وفنِّ القول بصفة عامة. ويكفي هنا الإشارة إلى أن ما يعنيه الخولي بمفهوم "البيان" قريب الصلة إلى حدٍّ كبير – إن لم يكن إلى حدِّ التطابق – بمفهوم "المنهج اللغوي الفنِّي" الذي استخدمه طه حسين في إثبات صحة بعض قصائد الشعر الجاهلي في كتابه المعروف في الشعر الجاهلي، الذي سنتناول ما يربط بين ما وَرَدَ فيه وما يقوله الخولي في فقرة تالية.
وليس مقصد "الهداية" الذي يعتبره محمد عبده الهدفَ من التفسير في معزل عن "المنهج اللغوي الفنِّي"، لأن هذا الأخير هو الأداة والوسيلة التي من دونها لا يمكن الوصول إلى الهدف والمقصد. وهذا المنهج يحدِّده محمد عبده في الخطوات التالية:
1.فهم حقائق الألفاظ المفردة الموجودة في القرآن بحسب دلالاتها التداولية في عصر النزول، "بحيث يحقِّق المفسِّر ذلك من استعمالات أهل اللغة، غير مكتفٍ بقول فلان وفهم علان. فإن كثيرًا من الألفاظ كانت تُستعمَل في زمن التنزيل لمَعَانٍ، ثم غلبت على غيرها بعد ذلك بزمن قريب أو بعيد"[24]. وفي هذه الخطوة يبدو واضحًا رفضُ محمد عبده لعملية "الإسقاط" الدلالي من الحاضر على الماضي من خلال عدم الاهتمام بالدلالة التداولية للألفاظ في عصر النزول – وهو إسقاط صار شائعًا الآن، ويتجلَّى في كثير من كتب التفسير المعاصرة. ولعل مجلاه الأوضح هو ذلك التفسير المسمَّى بـ"التفسير العلمي للقرآن".
2. يلي فهمَ دلالة الألفاظ المفردة في سياق تداولها اللغوي فهمُ الأساليب، و"يحتاج في هذا إلى علم الإعراب وعلم الأساليب (المعاني والبيان)"[25].
3. الخطوة الثالثة في المنهج هي "علم أحوال البشر": إذ لا بدَّ للناظر في هذا الكتاب من "النظر في أحوال البشر في أطوارهم وأدوارهم ومناشئ اختلاف أحوالهم، من قوة وضعف، وعزٍّ وذُل، وعلم وجهل، وإيمان وكفر، ومن العلم بأحوال العالَم الكبير، علويِّه وسفليِّه. ويحتاج في هذا إلى فنون كثيرة، من أهمِّها التاريخ بأنواعه"[26].
4. والخطوة الرابعة في المنهج تُعَدُّ امتدادًا للخطوة الثالثة، أو تفريعًا لها: إذ العلم بأحوال البشر يندرج فيه العلم بما "كان عليه الناس في عصر النبوَّة، من العرب وغيرهم. [...] وكيف يفهم المفسِّر ما قبَّحتْه الآياتُ من عوائدهم على وجه الحقيقة، أو ما يقترب منها، إذا لم يكن عارفًا بأحوالهم وما كانوا عليه؟"[27]
5.كذلك تُعَدُّ الخطوة الخامسة تفريعًا للخطوة الرابعة: فالعلم بما كان عليه الناس في عصر النبوَّة من العرب وغيرهم يتضمن "العلم بسيرة النبي صلعم وأصحابه، وما كانوا عليه من علم وعمل وتصرف في الشؤون، دنيويِّها وأُخرويِّها"[28].
وليس من الصعب أبدًا أن نقول هنا إن الخطوات التي يرتِّبها عبده منهجًا للتفسير تربط ربطًا وثيقًا مُحكَمًا بين مرجعيَّتين متجاوبتين: اللغة في السياق التاريخي لتداوُلها (عصر النزول)، والعالَم من حيث القوانين المحرِّكة له طبيعيًّا واجتماعيًّا في صيرورته في التاريخ. إن النصَّ هنا، في فهم عبده الضمني من خلال تحديده لخطوات المنهج، بناءٌ لغوي دالٌّ في سياق اجتماعي تاريخي بعينه، غير معزول، في الوقت نفسه، عن القدرة على إنتاج الدلالة خارج إطار هذا السياق. لكن الدلالة المنتَجة خارج السياق الاجتماعي التاريخي الخالص يجب ألا تكون مفروضة "إسقاطًا" على البناء اللغوي الدالِّ للنص؛ أو لنقل، في عبارة أخرى أقرب إلى لغة التراث، إن "المفهوم" يجب ألا يفارق "المنطوق"، على الرغم من ثبات الثاني وحركيَّة الأول.
وهنا تسعف محمد عبده أدواتُ التأويل الاعتزالية (علم المعاني والبيان) لفتح دلالة النصِّ من خلال "المنطوق" الثابت. لكن محمد عبده – وهذا أمر لافت – يطلق على علمَي البلاغة التقليديين اسمًا حديثًا هو "علم الأساليب"، مستبدِلاً باللغة القديمة لغةً معاصرة في تجاورٍ لا يخلو في حدِّ ذاته من دلالة. إن الجديد هنا لا يزيح القديم ولا يحل محلَّه، بل يجاوِرُه في علاقة مقارنة واضحة. وتلك بالضبط كانت استجابة عبده على مستوى تأويل القرآن. وهنا نشير إلى بعض الأمثلة إشارةً سريعة، تاركين التحليل التفصيلي لسياق آخر.
***
تنضيد: نسرين أحمد
[1] السيوطي (عبد الرحمن جلال الدين)، الإتقان في علوم القرآن، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط 3، القاهرة، 1370 هـ/1951
[2] انظر: محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط 4 1979، الجزء الخامس، ص 48-49، وكذلك ص 66.
[3] الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، بتحقيق محمود محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، 1971، الجزء السادس، ص 198.
[4] سورة عبس (رقم 80)، الآية 31.
[5] سورة الأنعام (رقم 6)، الآية 82.
[6] سورة لقمان (رقم 31)، الآية 13.
[7] الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، وبهامشه "الانتصاف فيما تضمَّنه الكشاف من الاعتزال" لأحمد بن محمد الإسكندراني المالكي، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط 3، 1966.
[8] انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، نوع "أسباب النزول".
[9] انظر: محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 4، 1989. وفيما يتصل بمنهج المعتزلة في التأويل، انظر دراستنا: الاتجاه العقلي في التفسير: دراسة في قضية المجاز ف