تختلف لغة الوحي أو كلام الوحي أو نصوص الوحي المحفوظ من التصحيف والتحريف ، ومخالطة كلام البشر عن لغة أو كلام أو نصوص البشر؛ لأن الأول صادر عن الله، وهو كلام ـ في اعتقاد المؤمنين به ـ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، وهو كلام يتكامل ولا يتناقض ، ويتنامى ولا يتنافى ، وتلاءم ولا يتنافر ، ويأخذ بعضه بحجز بعض ، ولا يلغي بعضه بعضًا ، وهو كلام يجب أن يؤخذ في سياقات وموجِّهات خاصة ، وهو إلى هذا يجمع بين شرف المعنى ، وكمال الصياغة والنظم ، وجمال الإيقاع .
وقد كان هذا ظاهرًا فيما كتبه علماء الإســــلام في اللغة والأصول والتفســـير والبلاغة ، وقد انفردت لغة الوحي أو نصوصه بدراسات وأشياء ليست في لغة البشر التي تجري على ألسنتهم ابتداءً .
ويحاول بعض أن ينزع هذه الخصوصية وهذه القدسية عن لغة الوحي ؛ بأن يجعل أو أن يعامل لغة أو نصوص الوحي كما يعامل لغة البشر أو نصوصهم . كما يحاول بعضهم ردّ نصوص الوحي لتكون جزءًا من الإبداع البشري ، لا يختلف عن غيره من أعمال البشر ، كما ظهر في العصر من يقول بقول لم يعرف في تاريخ الإسلام وهو أنسنة الوحي .
من المسلّم أن بعض الطوائف لها طرائق في فهم وتأويل نصوص القرآن ، وهل دلالتها ظنية أم قطعية؟ لكنها لم تصل إلى درجة الأنسنة ، التي لا تختلف عمّا قاله بعض مشركي العرب ، وجحدة الوحي ، ليصدوا عوام الناس عن الإيمان به واتباعه ، مع إقرارهم في بواطن فكرهم أنه ليس كلام بشر ، وأنه يعلو ولا يعلى عليه .
والعمل يحاول الإجابة عمّا يمكن طرحه من إشكالات ، وإثبات خصوصية للغة أو نصوص الوحي .
************
﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾ (آل عمران/7)
تختلف لغة الوحي أو كلام الوحي أو نصوص الوحي المحفوظ من التصحيف والتحريف ، ومخالطة كلام البشر عن لغة أو كلام أو نصوص البشر؛ لأن الأول صادر عن الله ، وهو كلام ـ في اعتقاد المؤمنين به ـ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، وهو كلام يتكامل ولا يتنافى ، ويأخذ بعضه بحجز بعض ، ولا يلغي بعضه بعضًا ، وهو كلام يجب أن يؤخذ في سياقات وموجِّهات خاصة .
وقد كان هذا ظاهرًا فيما كتبه علماء الإســــلام في اللغة والأصول والتفســـير والبلاغة ، وقد انفردت لغة الوحي أو نصوصه بدراسات وأشياء ليست في لغة البشر التي تجري على ألسنتهم ابتداءً .
وهناك محاولات تتجدّد ، وتنبعث بين الفينة والأخرى ، تشكِّك في نصوص الوحي ، و تحاول أن تهزّ إيمان المؤمنين ، تتلبّس أقنعة مختلفة ، أخطر قناع تتلبّسه هو القناع العلمي ، الذي يدّعي الموضوعية والمنهجية والعلمية في البحث والنظر .
ويحاول بعض أن ينزع هذه الخصوصية وهذه القدسية عن لغة الوحي ؛ بأن يجعل أو أن يعامل لغة أو نصوص الوحي كما يعامل لغة البشر أو نصوصهم .
والعمل يحاول الإجابة عمّا يمكن طرحه من إشكالات ، وإثبات خصوصية للغة أو نصوص الوحي .
و "يمثّل النص الديني حالة خاصة من النص اللغوي ، ولكنه – كباقي أنواع النصوص – يتجاوز من حيث مبناه ومعناه وأثره حدود اللغة إلى ما بعدها وما فوقها ما وراءها ؛ لما يتضمنه من معانٍ سامية ، وما يحمله من شحنة وجدانية مكثّفة ، وهو الأمر الذي يجعل من النص الديني حالة فريدة تمثّل تحديًا قاسيًا ، سواء للغويين أو البلاغيين أو علماء النفس والأنثروبولوجيا أ ولعلماء الذكاء الصناعي". (الثقافة العربية وعصر المعلومات ص453 وتؤخذ خلاصة ما في ص453-461-465)
"إن للقرآن لغته الخاصة التي تتمثّل في المعاني الخاصة للألفاظ والأنماط النحوية ، وإيقاع الصوت ، وتماثل البنى التركيبية ، وهذا السجع الموزون بميزان دقيق غاية في الدقة ، وهذا الذي يبدو للبعض تكرارًا ، وما هو بتكرار ، بل ترسيخ للمعنى وتأمين للسياق" .(الثقافة العربية وعصر المعلومات ص465 وينظر بقية الكلام ص465 فما بعدها) .
«كانت العلماينة في السابق تتقدم وتتراجع أمام هيبة النص الديني وضغط الجماهير، بل وكانت تتقدم وتتراجع في بعض الأحيان عندما يختل ميزان القناعات الذاتية، كحالة سلامة موسى، وطه حسين، وزكي نجيب محفوظ...الخ. أما اليوم، وبفضل التاريخانية، فهي تضرب على الرأس مباشرة وتهاجم الجذور لتتداعى الفروع تباعا، ولم تعد تجتزئ الأفكار اجتزاء وتدخل في معترك الروحي والزمني، بحسب الإطار المعرفي للموضوع أو القضية.
فمهمة التاريخانية كنسق منظومي، فتبدأ بالنص الديني وتخضعه لنقد العقل "الشكاك" الذي لا يستسلم للمطلقات كاليقين والثبات والحقيقة، فضلا على أنه لا يؤمن بالماورائيات، فلا شيء فوق الملاحظة الحسية ولا شيء يتجاوز اللحظة الزمنية، وهذا ما يعنيه "فوكو بالقول " إن التاريخ هو الذي يضعه البشر بمعزل عن القدرة الإلهية". وهو ما تعنيه التاريخية بخضوع التاريخ لذاتية المؤرخ الذي يجب أن يرتبط بلحظته الزمنية، وهو ما تعنيه بنزع قدسية أي نص مقدس عند استحالته لنص تاريخي تحدده اللحظة الزمنية، لينزل عن مستوى الوحي إلى مستوى التاريخ البشري، وبدلا أن تدور العلاقة فيه بين الخالق والمخلوق تدور بين الإنسان والإنسان». (العواودة من مقالة له نشرت في جريدة الغد الأليكترونية في 22/3/2008 الساعة .GMT+3 ) 02:47 a.m )
وإذا كان غير المسلمين حرر نصوصه الدينية من قبضة الكهنوت الكنسي فالأمر بالنسبة للمسلمين مختلف لأمور ترجع لذات النص ومعتقدهم فيه ؛ فالقرآن لم يختلط بغيره من كلام البشر ، وليس فيه تناقض أو اختلاف كما فيما نسب إلى الوحي من نصوص الأديان السابقة .
"كـل ذلـك فـي إطـار تـصفية الثنائيات ـ حسب تعبيرهم ـ فالنص دال ومدلول معاً، والإبداع كاتب وقارئ؛ لأن (المؤلف مات بمجرد إنتاجه)، والثقافة فعل ومفعول في الوقت ذاته، إلى آخر ما هنالك من حذف للفواصل والحدود والأقواس في تراكميات لفظية تعود جميعها ـ جوهرياً ـ إلى إلغاء ثنائية الخلق والخالق، وهي الثنائية التي تعني عند المؤمن الانفصال التام بين الاثنين، وتعني افتقار المخلوق إلى خالقه، وإلغاء هذه الثنائية هو ما عبر عنه نيتشه بـ (موت الإله)، وعبر عنه بعض الحداثيين العرب بـ (انتهاء المتعــاليات) و (عودة الوجـود الإنسانـي) و (أنـسـنة المقـدس) و (أنسنة الوحي) وغير ذلك من التعبيرات" .
إن المسلمين لا ينظرون إلى القرآن كما ينظر غيرهم إلى كتبهم المقدّسة وغيرها من الكتب ؛ إذ هو في نظرهم كتاب اعتقاد وتشريع حياة ، فهم يعتقدون أنه الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴿والنجم إذا هوى ، ما ضلّ صاحبكم وما غوى ، وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، علّمه شديد القوى﴾ (الآيات الأولى من سورة النجم ). وأنه لا يتناقض ، ولا يعارض بعضه بعصا ، ﴿ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا ﴾(النساء82). و يتعيّن على من يؤمن به أن يؤمن به كاملا غير مجزَّأ ، ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ﴾(البقرة85). و أن هذا القرآن أنزِل بلسان عربي مبين . و إيمان المسلمين بحفظ القرآن كاملا ، وأنه لم يضع منه شيء . و كان هذا هو مسلًّم اعتقاد المسلمين ، وموضع إجماعهم سوى طوائف من الباطنية والصوفية، وأصحاب التفسير الإشاري .
و كان المسلمون يتحرَّزون من تفسير القرآن ، و«تحرّج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به ... قال أبو بكر رضي الله عنه :أي أرض تقلّني وأيُّ سماء تظلّني إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم » وعدم تفسير عمر رضي الله عنه الأبَّ (مقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام بن تيمية أحمد بن عبد الحليم تحقيق عدنان زرزور/دار القرآن بالكويت و مؤسسة الرسالة بيروت ط2 عام1392هـ1972م/ص105-115) وقد أورد كلاما نحو هذا للسلف فيرجع إليه ، وللأصمعي فعل بهذا المعنى .
وقد شرط المسلمون للمفسِّر شروطًا منها : صحّة الاعتقاد ، والتجرُّد من الهوى ، والعلم باللغة العربية وفروعها ، والعلم بأصول العلوم المتّصلة بالقرآن ، ودقة الفهم التي تمكِّنه من ترجيح معنًى على معنًى ، واستنباط المعاني التي تتفق مع نصوص الشريعة .
وعلى المفسِّر أن يطلب التفسير في القرآن أولا ، ثمّ السنة النبوية ، ثمّ أقوال الصحابة فالتابعين وأئمّة العلم والهدى من أعلام هذه الأمّة .
وله آداب لازمة ، منها : حسن النيّة ، وصحّة المعتقد ، وحسن الخلق ، والامتثال والعمل ، وتحرِّي الصدق ، والضبط في النقل ، والتواضع ولين الجانب ، وعزّة النفس ، والجهر بالحقّ ، وحسن السمت ، والأناة والرويّة .
لماذا كلّ هذا؟ إن الوحي من رب العالمين أنزله على نبيه هدًى للعامين بلسان عربي مبين ، وقيمته عند المسمين من مصدره ، وهو الذي يستحق أن يبذل من أجله كل غالٍ ونفيس ، وهو الذي يستحق أن يدان به ، وهو الذي يرفع الإنسان من عبوديّته لأخيه ونظيره الإنسان إلى عبوديّته لربِّ الإنسان وربّ الأرباب .
والقرآن حمّال أوجه ، ليس معناه أنه يحتمل كلّ معنًى لا يسيغه لفظه ، ولا تستوعبه حقائقه الشرعية ؛ إذ ليس من حق كل من يشاء القول في القرآن أن يقول فيه ما شاء ، وليس كل لفظ أو تركيب قابلا للاحتمالات وتعدّد الوجوه ؛ إذ منه المحكم وهو معظم القرآن ، والتعدّد فيه غالبا من تعدّد أفراد النوع الواحد وتنوّعه .
******************************
تميز لغة الوحي :
أنزل الله القرآن ، فبهر العرب حين سمعوه ، وتحدّاهم أن يأتوا بمثله ، بل تحدّاهم أن يأتوا بعشر آيات ، بل بسورة من مثله ، فلم يفعلوا ، وما استطاعوا أن يقدِّموا نقدَا له أو نقضَا ، أو انتقاصًا منه في لفظه أو معناه ، وإن حاولوا الغض منه فبمغالطات غير مقبولة ، كما حصل من الوليد بن المغيرة وغيره من زعماء قريش ، كما في كتب السيرة ، قال محمد بن إسحاق: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يستمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله بعض ما يتلو وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقا منهم فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يستمع فإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم . لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئاً فأنزل الله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك) فيتفرقوا عنك (ولا تخافت بها) فلا يسمع من أراد أن يسمعها ممن يسترق ذلك، لعله يرعوى إلى بعض ما يسمع فينتفع به (وابتغ بين ذلك سبيلاً (السيرة النبوية لابن هشام تحقيق السقا وزميليه /ط ثانية 1/314)). قالت قريش للرسول عليه السلام : أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً، وإن كان إنما بك الباه (الزواج) فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرغت؟) قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم (حم تنزيل من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون) (فصلت 1 - 3) إلى أن بلغ: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود). فقال عتبة: حسبك ما عندك غير هذا؟ قال: فرجع إلى قريش، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئاً أرى أنكم تكلمونه إلا كلمته. قالوا: فهل أجابك؟ فقال: نعم ثم قال: لا، والذي نصبها بنية ما فهمت شيئاً مما قال، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. قالوا: ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا والله، ما فهمت شيئاً مما قال غير ذكر الصاعقة.
وعنده: أنه لما قال: (فإن أعرضوا فقل أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) أمسك عقبة على فيه، وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله ، واحتبس عنهم ، فقال أبو جهل: والله يا معشر قريش ما نرى عتبة إلا صبا إلى محمد، وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة اصابته، انطلقوا بنا إليه فأتوه. فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما جئنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد. فغضب ، وأقسم بالله لا يكلم محمداً أبداً ، وقال : لقد علمتم إني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته -وقص عليهم القصة -فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا بشعر ولا كهانة، قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (حم. تنزيل من الرحمن الرحيم) حتى بلغ (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) فأمسكت بفيه، وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتهم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفت أن ينزل عليكم العذاب. (السيرة النبوية لابن هشام تحقيق السقا وزميليه /ط ثانية 1/293-294)
عن ابن إسحاق حدثني الزهري، قال: حدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل منهم مجلساً ليستمع منه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، قال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا.
فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود، فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق، أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها. فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به.
ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نسمع به أبداً ولا نصدقه. فقام عنه الأخنس بن شريق. (السيرة النبوية لابن هشام تحقيق السقا وزميليه /ط ثانية 1/315-316)
والناظر في لغة الوحي يجد أنها تجمع بين جودة المعنى ، ودقة التعبير ، وجمال الإيقاع ، وإمكان التغنِّي به . وانفرد ت لغة الوحي بـ :
1. 1.الإيقاع الموسيقي الذي لا يمكن أن يتحقّق في غيره من النصوص النثرية ، ولا الشعرية ، ومن هنا جاء التجويد وأحكامه .
2. 2.قراءة القرآن تسمّى التلاوة .
3. 3.الإيقاع الموسيقي لدفع الملل .
4. 4.هناك من البشر من لا يستمتع إلا بإيقاع القرآن الموسيقي ، وإن لم يعرف معانيه .
وقد "جمع النسق القرآني بين مزايا النثر والشعر جميعًا ؛ فقد أعفى التعبير من قيود القافية الموحّدة والتفعيلات التامة ، فنال بذلك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه العامة ، وأخذ في الوقت ذاته من خصائص الشعر ، الموسيقى الداخلية ، والفواصل المتقاربة في الوزن التي تغني عن التفاعيل ، والتقفية التي تغني عن القوافي وضم ذلك إلى الخصائص التي ذكرنا ، فشأن النثر والنظم جميعًا" (سيد قطب /التصوير الفني في القرآن ط 1386هـ 1966م/ ص87)
************************
«إن مقالات سدنة الحداثة تودي بهم إلى " الطريق المسدود " الذي يعسر على حداثيٍّ عربيٍّ أن يصرِّح باعتناقه ، او الاعتراف بلزومه له بناء على ما يقوله من مقدِّمات كرفض تعيين معنًى نهائي للنص ، لما يترتب عليه من مصادمة للثوابت والمعتقدات الدينية ، يقول د. عبد العزيز حمودة : " لا أعرف أن حداثيًّا عربيًّا أو ما بعد حداثيٍّ قد سلك (الطريق المسدود) أو جرؤ على الاعتراف بسلوكه ، وإن كان ذلك لا يعني أنه لا يوجد بيننا من تحمّس للتفكيك وتبنِّي آليّاته دون أن يخوض في النتيجة الحتمية التي يؤدِّي إليها تفكيك النص بصفة مستمرّة ممّا يعنيه ذلك من رفض الاعتراف بأيِّ سلطة مرجعيّة خارج نصِّ المؤلِّف وذات القارئ ، ومقولة "بارت" الخطيرة التي تربط بين ثوريّة فعل القراءة ورفض الثالوث المقدَّس قد تتفق مع المناخ الفكري الفلسفي الذي أفرز فكر الحداثة وما بعدها ، وعلى الرغم من أنّه لا يوجد اتفاق عام بين الحداثيين ومن بعد الحداثيين الغربيين أنفسهم الذين بدأ بعضهم في السنوات الأخيرة من القرن العشرين يؤكِّدون رفضهم للطريق المسدود الذي قادتهم إليه ما بعد الحداثة ، خاصة فيما يتعلّق برفض الدين كعنصر مؤثِّر في إنتاج الثقافة ، وهذه المقولة تتفق مع ما أعلنه « دريدا » أخيرا في القاهرة من الدعوة إلى تفكيك المؤسسات بجميع أشكالها باعتبارها سلطات قمعية تقهر الذات وتكبِّل حرّيّتها ، وقد رفضها د. شكري عيّاد كما رفض أنسنة الدين بقوله : " إن هذا الوصف ينطبق على جميع المجتمعات الحديثة بدرجات مختلفة ، ولكنه أكثر انطباقًا على المجتمعات الغربية التي بلغ فيها المذهب الإنساني أقصى مداه ، أي : تمّ الاعتراف بأن الإنسان هو مصدر جميع القيم" » (د. عبد العزيز حمودة / المرايا المقعّرة بتصرف ص54-55)
وبعض الحداثيين يفرِّق بين الدين والفكر الديني ؛ فالأول هو النص الإلهي الثابت ، وهو ثابت غير متغيِّر ولا متحوِّل ، والثاني هو كل ما ورد حول ذلك النص من تفسير أو تأويل أو معنى أو قراءة ، وهذا عمل أو صناعة بشرية عرضة للتغيُّر والتحوُّل بحسب الأزمان والمجتمعات ، وفي نظر هؤلاء أن أخطر ما يواجه المجتمع اعتقاد ثبات الفكر الديني ، وجعله بمنزلة الدين ، ولذلك أسّسوا قراءتهم وموقفهم من الدين ونصوصه على أمرين :
1. 1) الإخفاء – لما ليس جوهريَّا – وهذا ما يفرضه التاريخ والجغرافيا .
2. 2)الكشف عمّا هو هو جوهري بالتأويل ، وليس في النصوص – كما يقولون – عناصر قارّة ثابتة ، فتأتي القراءات المتعدّدة . (ينظر نقد العقل اللاهوتي : التطور الحضاري وإشكالية الفكر الديني / ضمد كاظم وسمي من مقالة نشِرت في شبكة العلمانيين العرب في 1/8/2009م)
وهذا التوجُّه متفق مع تضخيم فاعلية الإنسان ودوره في الحياة، وتقوِّي إرادة الإنسان .
ومن هؤلاء الحداثيين الذين يعترفون بما سمّاه حمّودة "الطريق المسدود" محمد آركون "في نقده للعقل الإسلامي الذي يتمحور على مهمة " أنسنة القرآن " أي جعل القرآن مصدراً بشرياً لا مصدراً ربانياً : بمعنى أن تتحول العلاقة بين الإنسان "المسلم" والقرآن من علاقة ما بين الخالق والمخلوق إلى علاقة ما بين الإنسان والإنسان، فالإنسان هو محور الكون ومصدر الثقافة وصاحب القرار فيه . من هنا يبدأ محمد أركون بصياغة أفكار مشروعه " نقد العقل الإسلامي " الذي يقصد - كما قلنا – " أنســـــنة القران " من خلال تسليطه النقد على التراث الإسلامي كمنتج تاريخي بشري يمتد إلى الكتاب العزيز " على شاكلة النقد التاريخي الأوروبي للأناجيل التي مارسها " دانييل روجيه "[6] " . (العواودة)
و " يمكن القول إن محمد أركون يفاصل – في مشروعه – بين عقلين فلسفيين : العقل الفلسفي الذي يخضع النصوص المقدسة إلى الفلسفة التي وضعها الإنسان ونزع البعد الإلهي عنها، وهو ما يحاول ممارسته على القرآن، وبين العقل الفلسفي الذي يؤطر النص الديني بالإلهي، كما هو متأطر معرفيا في الممارسة الإسلامية، وهو ما يحاول إقصاءه عن إدراك الفكر الإسلامي في مشروعه التجديدي حيث أنسنة القران، أي : محاولة صناعة قطيعة معرفية بين المدرك الفكري الإسلامي ومصدرية التشريع الرباني، وذلك من خلال صياغة مفاهيمية جديدة للنص القرآني في سياق أدبي يتكئ على بعد زمني تاريخي، وهو ما يعنيه بقوله " الأنسنة ترجمة لكلمة عربية منتشرة جدًّا في الأدب العربي الكلاسيكي وتعني الآداب، كالشعر والرواية..الخ وهو ما يعطي العقل الاستقلالية الكاملة عن اللاهوت الديني، ليصبح في هذه الحالة النص الديني عبارة عن نصوص بشرية خارجة عن فضاء المقدس ".يمكن ملاحظة مدى تقاطع هذه المقاربة الأركونية الأدبية الشعرية الروائية للقران، ورواية القران في تكذيب هذه الدعوة التي ادعتها " الوضعانية -الاعتقاد بمعزل عن الوحي -العربية في الجاهلية " قديما في عصر البعثة النبوية وتنزيل القرآن ؛ بغية فصل النص القرآني عن مصدره الرباني وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم ووضعه -القرآن -في سياق زمني بشري ( شعر ، أسطورة ، كهانة ، ...الخ، قابل للشك في يقينيته الربوبية، حيث يرد الله تعالى هذه الفرية عن صاحب الرسالة "وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) "[7] وهذا تماما ما يعنيه الدكتور علي حرب -أحد اليساريين المتقاطعين مع فكر محمد أركون -في فلسفة نقد الدين، واصفا المشروع الأركوني بالقول " إنه لا يقتصر على نقد الأحاديث والتفاسير، ولا يكتفي بتفكيك الأنساق الفقهية والمنظومة العقائدية، بل يتوغل في نقده وتفكيكه وصولا إلى الأصل الأول أي إلى الوحي الإلهي " .هذه الرؤية الناقدة للوحي هي التي تتجسد عند أركون فيما بعد لوضع مبدأ عالمية القران، " لأن القرآن -بحسب زعمه -يؤسس وعيا خاصا بالعلم والتاريخ والدلالة "، وهو يريد أن يتجاوز تمهيد هذه الرؤية وذلك الوعي إلى انسنة القرآن بجعله عالميا أي غير مرتبط بالفكر الإسلامي من جهة، ومن جهة أخرى يمكن لأي قارئ أن يفسره بحسب تكوينه الثقافي ومتغير الواقع بخضوع النص - كنص تاريخي - لذاتية المفسر، متأثرا في هذا بالفيلسوف الفرنسي " جاك دريدا " في نقده للنص اللاهوتي في الغرب، إذ يقرر أسبقية الصوت على الكتابة ليخرج بنتيجة منطقية مفادها انه ليس للنص معنى ثابت ، حيث لا تعني نوايا الكاتب شيئًا إذا ما أردنا خلقا للمعنى وهذا ما يحاول أركون تنزيله على النص القرآني بفصل معانيه عن حاكمية السلطة البيانية للقرآن – خروج المعنى عن سياق النص وفضائه اللغوي" . (العواودة = مصدر سابق)
"إن البداية الحداثية الفكرية الفلسفية تدور حول (مركزية الإنسان) واستقلال وجوده، وهو ما يعرف بـ (الفكر الهيوماني) ولهذه الفكرة تعبيرات مختلفة منها (العقلانية، الاستنارة، البنيوية، التفكيكية.. إلخ) وهذه البداية اقتضت وتقتضي تجاوزاً لكل ما يعتقدون أنه (نسقي) أو (محافظ) أو (ثابت) أو (مؤسسي) إلى أن تصل في أقصى درجات غلوها إلى تجاوز (الغيبي) و(القيمي).
كـل ذلـك فـي إطـار تـصفية الثنائيات ـ حسب تعبيرهم ـ فالنص دال ومدلول معاً، والإبداع كاتب وقارئ؛ لأن (المؤلف مات بمجرد إنتاجه)، والثقافة فعل ومفعول في الوقت ذاته، إلى آخر ما هنالك من حذف للفواصل والحدود والأقواس في تراكميات لفظية تعود جميعها ـ جوهرياً ـ إلى إلغاء ثنائية الخلق والخالق، وهي الثنائية التي تعني عند المؤمن الانفصال التام بين الاثنين، وتعني افتقار المخلوق إلى خالقه، وإلغاء هذه الثنائية هو ما عبر عنه نيتشه بـ (موت الإله)، وعبر عنه بعض الحداثيين العرب بـ (انتهاء المتعــاليات) و (عودة الوجـود الإنسانـي) و (أنـسـنة المقـدس) و (أنسنة الوحي) وغير ذلك من التعبيرات" (د. سعيد بن ناصر الغامدي في حوار موضوعي مع البيان عدد ذو الحجة1425هـ)
وما يرد في بعض كتب الأصول من تقسيم للدلالة إلى دلالة منطوق ومفهوم يكون خاصًّا بلغة الوحي ، ولا يلائم اللغة الطبيعية ، والكلام المعتاد ، من مثل : ما يدل عليه اللفظ ، إمّا أن يدلّ عليه في محلّ النطق ، ويؤخذ من عبارته ، وإمّا أن لا يدلّ عليه في محلِّ النطق ، ويؤخذ من إشارته ، فالأولى دلالة المنطوق ، والثانية دلالة المفهوم ؛ " فالمنطوق دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق ، أي : يكون حكمًا للمذكور ، وحالا من أحواله ، والمفهوم ما دلّ عليه اللفظ لا في محلِّ النطق ، أي : يكون حكمًا لغير المذكور ، وحالا من أحواله" . محمد بن علي الشوكاني / إرشاد الفحول ص178 إذْ "الألفاظ قوالب للمعاني المستفادة منها ، فتارة تستفاد منها من جهة النطق تصريحًا ، وتارة من جهته تلويحًا ، فالأول : المنطوق ، والثاني : المفهوم " (الشوكاني /إرشاد الفحول /ص178)
وقد قسموا المنطوق والمفهوم إلى أقسام ، فالمنطوق إمّا أن يحتمل التأويل وإمّا أن لا يحتمله ، فالأوّل هو الظاهر ، والثاني هو النصّ . والنص : إمّا صريح أو غير صريح ، فالصريح ما دلّ عليه اللفظ بالمطابقة أو التضمُّن ، وغير الصريح ما دلّ عليه بالالتزام .
وقسموا النصّ غير الصريح إلى ثلاثة أقسام :
أ) دلالة الاقتضاء إذا توقّف الصدق أو الصحة العقلية أو الشرعية عليه مع كون ذلك مقصود المتكلّم .
ب) دلالة الإيماء : إذا اقترن اللفظ بحكم لو لم يكن للتعليل لكان بعيدًا .
ج) دلالة الإشارة حيث لا يكون مقصودًا للمتكلِّم . الشوكاني ص178
وقد سلك الأحناف مسلكًا آخر ، فقسموا طرق الدلالة إلى أربعة أقسام : دلالة العبارة ، ودلالة الإشارة ، ودلالة النص ، ودلالة الاقتضاء. وفي تعريفها والتمثيل لها . كلام مفصل ينظر أبو زهرة ص110-114وهي في قوّة دلالتها عند هم مرتبة حسب إيرادها إلا أن الشافعية يقدَّمون دلالة النص على إشارته . (أبو زهرة ص115)
وكل هذه الدلالات راجعة للمنطوق ، ويقابلها دلالة المفهوم ، والمفهوم فسمان : مفهوم الموافقة ، ومفهوم المخالفة ، ومفهوم المخالفة أنواع : مفهوم الصفة ، ومفهوم العلّة ، ومفهوم الشرط ، ومفهوم العدد ، ومفهوم الغاية ، ومفهوم اللقب، ومفهوم ، الحصر ، ومفهوم الحال ، ومفهوما الزمان والمكان . (ينظر إرشاد الفحول ص180-183)
وهذه المفاهيم وإن اعتمدت على المعاني والتراكيب النحويّة لا يوظِّفها أهل أهل اللغة كما يوظفها علماء الشرع في دراسة نصوص الوحي والاستنباط منها .
إن التطاول على المقدَّسات الإسلامية ، وفي مقدَّمها نصوص الوحي ( القرآن) تنوّع بين التشكيك في نسبة النص لربِّ العالمين ، أوالتشكيك في ماهيّة الوحي ، أو التشكيك في دلالته ، أو في إتاحة الفرص لكل من شاء أن يفهمه كيف شاء من غير قيدٍ ولا ضابط ، ولا التزام بما استقرّ عليه الأمر في تاريخنا الإسلامي العريض .
وإن هذه الدعوات أو التوجُّهات ليست بدعًا عصريًّا ؛ إذ كان بعضها دعاوى من جحد القرآن ولم يؤمن به، كما كان بعضها مسلك طوائف ضلّت طريق الحق، فدانت لله بغير ما طلب الله أن يدينوا به، وما يجمع هذه الدعاوى سلبها الوحي أهمّ مزاياه، وقضاؤها على شعور التميُّز عند المؤمنين بهذا الوحي، أو إضعافه، وهو مقصود هؤلاء من طرح هذه الأفكار .
ولا شكّ أن لغة الوحي (القرآن) تختلف عن لغة البشر الطبيعية في موسيقاها؛ إذ يظهر هذا من خلال أحكام التجويد الخاصة بنص الوحي (اللفظي) القرآن ما بين تلاوة وحدر، وما فيه من تحزين وتغنٍّ، وحثٍّ عليه، وترغيب فيه، وإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلّم لهذا التجويد في التلاوة،وترغيبه في التحبير" لو كنت أعلم مقامك لحبّرته لك تحبيرًا". ويظهر في اصطباغ كل سورة من سوره بإيقاعٍ موسيقيٍّ تنفرد به عن غيرها من السور .
كما يجب أن يختلف التعامل معه عن التعامل مع أيِّ كلام آخر ؛ إذ ينظر البشر إلى سائر الكلام نظراتٍ مجزّأة بحسب المقامات والسياقات الخاصة من دون أن يلزم المتكلِّم ما قاله في مقامات وسياقات أخرى ، فيتعيّن النظر إلى النص القرآني : (الوحي) (القرآن والسنة) على أساس أنه وحدة واحدة يكمل بعضها بعضًا ، وهو من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» وأراد أنه أوتي من الوحي المتلوِّ والسنن التي لم ينطق القرآن بنصِّها مثل ما أوتي من المتلوِّ قال (سبحنه وتعالى)﴿ويعلِّمهم الكتاب والحكمة﴾ (البقرة169) و ما أدركه عمر بن الخطّاب حين قال : «إنه سيأتيكم أناس يأخذونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن». (البغوي الحسين بن مسعود/شرح السنة/ تحقيق صقر وأبي النور/دار الكتب المصرية/ القاهرة /عام1396هـ1976م ص190-191) وهو ما حذّر منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله :«لا ألفينَّ أحدكم متكئًا على أريكته ، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به ، أو نهيت عنه فيقول : لا أدري ، ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه». (البغوي /شرح السنة ص190)
إن الردَّ على هؤلاء لا يحتاج إلى جدلٍ طويل ، ولا إلى مماراة ومباهلة ؛ إنه يدعو بناء الإيمان في النفوس ، واستحضار الردّ الرباني الذي تحدّى العرب وهم أرباب الفصاحة والبيان أن يأتوا بمثله ثمّ بعشر سور من مثله ثم بسورة من مثله ، قال تعالى: ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا﴾(الإساء 88 ) ثم تحداهم الله تبارك وتعالى على أن يأتوا بعشر سور من مثله ﴿ أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات و أدعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين﴾ (هود13) فعجزوا ثم تحداهم الله تبارك وتعالى على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا قال تعالى: ﴿وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فائتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم إن كنتم صادقين﴾ (البقرة23) ؛ لأن مقالاتهم – وإن اختلفت ألفاظها –و تنوّعت عروضها لا تختلف عن مقالات المغالطين من مشركي العرب ، وأصحاب الأهواء من الطوائف المنتسبة للإسلام من غلاة الصوفية والباطنية وغيرهم .
هذا ما أمكن تدوينه ، وتيسّرت كتابته في هذه الورقة ، وأن أختم بقوله تعالى : ﴿إنما أمرت أن أعبد ربَّ هذه البلدة الذي حرّمها وله كلّ شيء وأمرت أن أكون من المسلمين ، وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فقل إنما أنا من المنذِرين ، وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عمّا تعملون﴾(النمل 91-93) .
تمّ ، والحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد وآله .
شبكة صوت العربية السبت, 01 سبتمبر 2012