التضمين في علم النحو وعلم البيان: "هو إشراب كلمة معنى أخرى لتتعدّى تعديتها نحو الآية "﴿عينا يشرب بها المقرّبون﴾"[13] فالفعل شرب تعدى بالباء لتضمينه معنى ارتوى، ونحو الآية ﴿"والله يعلم المفسد من المصلح"﴾[14] حيث ضمّن يعلم معنى يميّز"[15].
وقال الزّركشي (ت794هـ): "هو إعطاء الشّيء معنى الشّيء، وتارة في الأسماء والأفعال، وفي الحروف، فأمّا في الأسماء فهو أن تضمّن اسما معنى اسم لإفادة معنى الاسمين جميعا كقوله تعالى:"﴿حقيق على أن لا أقول على الله إلاّ الحقّ﴾"[16]، ضمّن حقيق معنى حريص ليفيد أنّه محقوق بقول الحقّ، وحريص عليه، وأمّا الأفعال فأنّ تضمّن فعلا معنى فعل آخر، ويكون فيه معنى الفعلين جميعا، وذلك بأنّ يكون الفعل يتعدّى بحرف فيأتي متعدّيا بحرف آخر ليس من عادته التّعدي به، فيحتاج إمّا لتأويله أو تأويل الفعل ليصّح تعديه به مثل قول الله تعالى﴿عينا يشرب بها عباد الله﴾"[17] "فضمّن يشرب معنى يروي، فأريد باللفظ الشّرب والرّيّ معا فجمع بين الحقيقة، والمجاز في لفظ واحد، وقيل التّجوز في الحرف، وهو الباء فإنّها بمعنى من"[18]، أمّا تضمين الحرف فهو كما رأينا في الآية السّابقة في تضمين الباء معنى من، أو كما في قول الله تعالى "﴿فقل هل لك إلى أن تزّكى ﴾"[19]، "وإنّما يقال هل لك في كذا ؟، لكن المعنى أدعوك إلى أن تزكى"[20] فضمّن حرف " إلى " معنى حرف " في " .
أمّا الرّماني (ت 384 هـ) فيعرف التّضمين بقوله: "تضمين الكلام هو حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم أو صفة هي عبارة عنه"[21]، ويضع الرّماني التّضمين على نوعين: "ما كان يدلّ عليه الكلام دلالة الأخبار، وما يدلّ عليه دلالة القياس"[22].
فالّذي يدلّ عليه الكلام دلالة الإخبار كذلك الشّيء بأنّه محدث فهذا يدلّ على المحدث دلالة الإخبار، والتّضمين في الصّفتين جميعا، ومثال على ذلك مكسور ومنكسر، والتّضمين كلّه إيجاز استغني به عن التّفصيل إذا كان مما يدلّ دلالة الإخبار في كلام النّاس[23]، فمقتول يؤكد بوجود قاتل، ولا مقتول بدون قاتل.
"وأمّا التّضمين الّذي يدلّ عليه دلالة القياس فهو إيجاز في كلام الله عزّ وجلّ خاصّة لأنّه تعالى لا يذهب عليه وجه من وجوه الدّلالة [...]، وليس كذلك سبيل غيره من المتكلّمين بتلك العبارة لأنّه قد تذهب إليه دلالتها من جهة القياس، ولا يخرجه ذلك عن أن يكون قد قصد بها الإبانة عما وضعت له في اللغة من غير أن يلحقه الفساد في العبارة، وكلّ آية لا تخلو من تضمين لم يذكر باسم أو صفة فمن ذلك "بسم الله الرحمن الرحيم" قد تضمن التّعليم لاستفتاح الأمور على التّبرك به والتّعظيم لله بذكره، وأنّه أدب من آداب الدّين، وشعار المسلمين، وأنّه إقرار بالعبودية، واعتراف بنعمه التي هي من أجلّ نعمة"[24].
ويقول ابن هشام الأنصاري (ت 761 هـ): "وفائدة التّضمين أن يدلّ بكلمة واحدة على معنى كلمتين يدلك على ذلك أسماء الشّرط، والاستفهام، ونظيره أيضا قوله عليه الصّلاة والسّلام: "كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه أو ينصّرانه"[25]، لا يجوز أن تعلق حتّى يولد لأنّ الولادة لا تستمر إلى هذه الغاية، بل الّذي يستمر إليها كونه على الفطرة، فالصّواب تعليقهما بما تعلقت به "على"، وأنّ "على" متعلقة بكائن محذوف منصوب على الحال من الضّمير في يولد، ويولد خبر كان"[26].
"والتّضمين النّحوي هو سبب في تعدّي الفعل اللازم، ولزوم الفعل المتعدّي، فأسباب تعدّي الفعل اللازم أصلها ثمانية.
1- الهمزة: كأكرم زيد عمرا
2- التّضعيف: كفرّحت زيدا
3- زيادة ألف المفاعلة نحو: جالس زيد العلماء.
4- زياد حرف الجرّ: ذهبت بعليّ.
5- زياد الهمزة والسّين والتّاء، نحو: استخرج زيد المال.
6- حذف حرف الجرّ توسعا كقوله:
تمرّون الدّيار ولم تعوجوا كلامكم عليّ إذن حرام[27]
فحذف الباء من الدّيار لأنّ الأصل تمرّون بالدّيار.
7- تحويل اللازم إلى باب خصر، لقصد المغالبة نحو، قاعدته، فقعدته، فأنا أقعده.
8- التّضمين النّحوي: "وهو أن تشرّب كلمة لازمة معنى كلمة متعدّية لتتعدى تعديتها نحو "﴿ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله﴾"[28]. ضمّن تعزموا معنى تنووا، فعدّي تعديته"[29].
"والتّضمين النّحوي هو أيضا أحد أسباب لزوم الفعل المتعدّي، وهي في جملتها خمسة أسباب وهي:
1/ التّضمين النّحوي، وهو أن تشرب كلمة متعدية معنى كلمة لازمة، لتصير مثلها كقوله تعالى "﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره﴾"[30] ضمّن يخالف معنى يخرج، فصار لازما مثله.
2/ تحويل الفعل المتعدّي إلى فَعُل بضمّ العين، لقصد التّعجب، والمبالغة نحو ضَرُب زيد، أي ما أضربه أو جَمُلَ المنظر أي ما أجمله.
3/ صيرورته مطاوعا ككسرته فانكسر.
4/ضعف العامل بتأخيره كقوله تعالى "﴿إن كنتم للرؤيا تعبرون﴾"[31]
5/ الضّرورة كقوله:
تبلت فؤادك في المنام خريدة تسقي الضّجيع ببارد بسّام[32]
أي تسقي ريقا باردا"[33].
والتّضمين بهذا المعنى نجد من العلماء من يضعه في باب المجاز، وهو متّصل بعلم البيان، فأبو عبيدة (ت 210 هـ) يسمّيه المجاز في الحرف فيقول: "ومن مجاز الأدوات اللواتي لها معان في مواضع شتى في بعض تلك المواقع لبعض تلك المعاني، يقول الله تعــــالى: ﴿ ولأصلّبنكم في جذوع النّخل﴾"[34]، فمعناه على جذوع النّخل، وهو مجاز في الحرف، وفي قوله تعالى ﴿ الذين إذا اكتالوا على النّاس يستوفون﴾" [35] فمعناه من النّاس"[36].
ويقول أبو البقاء الكفوي (ت 1094 هـ): "وقال بعضهم: التّضمين إيقاع لفظ موقع غيره ليضمّنه معناه، وهو نوع من المجاز"[37]، ويقول التّهانوي (ت 1158 هـ): "التّضمين مجاز لأنّ اللفظ لم يوضع للحقيقة والمجاز معا، والجمع بينهما مجاز"[38]، ويقول الزّركشي(ت794هـ): "والتّضمين أيضا مجاز لأنّ اللفظ لم يوضع للحقيقة والمجاز معا، والجمع بينهما مجاز خاص يسمّونه التّضمين تفرقة بينه وبين المجاز المطلق"[39]، وإذا ما نظرنا في تعريف المجاز عند البلاغيين فإنّ من تعريفهم له يدخل ما قلناه تحت غطاء المجاز، يقول عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) معرفا المجاز: "وأمّا المجاز فكلّ كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثّاني والأوّل، وإن شئت قلت: كلّ كلمة جزت بها ما وقعت له في وضع الواضع إلى ما توضع له"[40]، ففي الآية "في جذوع النّخل" أريد بها غير ما وقعت له وهي على جذوع النّخل، وكذلك في الآية "على النّاس" كلمة جزنا بها ما وقعت له في وضع الواضع إلى ما توضع له، وهي "من النّاس".