تــابع: الفكر العربي من عصر النهضة الى عصر الأزمة ومن دوغمائية الفكر الى صدمة الاصلاح
مدخل صريح:
لقد وصل العالم الاخر الى اقصى مدارج التقدم والحضارة، فقد ودع القرون الوسطى بما فيها من اساطير وشعوذات ولاهوتيات تمجد المعجزة والغيب ولا تؤمن بقوانين العقل وتكسر نواميس الطبيعة.(1)
وبالتالي حقق الغرب منجزات علمية لم تخطر على بال ... والقادم طوفان من المعرفة أعظم.(2)
اما نحن العرب والمسلمين فلم نزل في نوم عميق تأسيا بأهل الكهف نجتر تراثنا ونعيد انتاجه ... وفي الوقت الذي ينطلق ( عدونا ) بسرعة الصاروخ نحو المستقبل ننطلق نحن ايضا بسرعة الصاروخ نحو الماضي، وصار الكثير من لاهوتيينا يرددون ... اذا كان الله قد حبا ( عدونا ) بالعلم فانه سبحانه وتعالى قد حبانا بالإيمان ... ويكفينا شرفا وتفوقا وانتصارا على ( عدونا). (3)
قاتلنا العدو بشروط العقل والعلم ومستحدثاته التكنولوجية الرهيبة وقاتلناه بسيوف صدئة تحدوها احاديث الغنائم والسبي حتى صرنا نحن الغنائم والسبايا وتكسرت سيوفنا لقدمها ... وصرنا ببقايا نصالها الثلومة نقتل بعضنا البعض بعدما كفرنا بعضنا البعض.(4)
وبالتالي طبقنا المقولة التي مفادها " انا ههنا قاعدون وللحل الرباني منتظرون " رغم ان الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كنابه " ان الله لا يغير ما بقوم حتى ما يغيروا ما بانفسهم ".
1- سؤال النهضة العربية:
الفكر العربي من عصر النهضة الى عصر الازمة:
يقول الاديب والمفكر " ضمد كاظم وسمي " في كتابه " الفكر العربي .. وتحديات الحداثة مايلي: "غاية النهضة كان مطلبا للخروج من العهد القديم – عهد الثقافة المحتكمة الى ذاتها – وطلبا للدخول في العصر العصري، عهد التمدن والإصلاح، اي عهد الثقافة المتفاعلة مع غيرها". ص 151
وفي موضع اخر من كتابه يقول: ان " سؤال النهضة الذي شغل تاريخ العرب والمسلمين المعاصر، ولما يزل هذا التاريخ متورطا فيه بما يطرحه من رهانات قاتلة ... انتهى الى ازمة مستغلقة صارت عصية عن الحل!! هو سؤال التحديث المجتمعي وانجاز التقدم الحداثي ... والمساهمة في الجهد الانساني " ص 152
ويقول ايضا" ومما يعمق مأزق الفكر العربي ... ويبقيه في وهدة الازمة المستديمة، فشله في التعامل مع اشكالية التراث والمعاصرة، ... اذ ان الفكر التقليدي العربي – وهو المهيمن على الثقافة العربية – يتعامل مع هذه الاشكالية تعاملا لا تاريخيا، بمعنى تخندقه الايديولوجي الصارم في محاولاته لإسقاط افكار وجدت في عصر ما في الماضي – على حاضرنا – دون اعتبار لتغييرات الزمكان ... طلبا من مريدي هذا الفكر بأنه سيكون في وسعهم ان يستخرجوا من تلك الافكار – اليقينية حسب قناعاتهم – مشروعا نهضويا للإجابة على التحديات والرهانات القاتلة التي تطرحها علينا وبشدة".ص167
2 – اسئلة الحداثة:
النظام العربي من دوغمائية الفكر الى صدمة الاصلاح:
يقول " ضمد كاظم وسمي ": " ان هذه الازمة انما هي وليدة غياب الوعي التاريخي، لان الفكر العربي يتخذ من الثابت مرجعيته والثابت بدوره ... متعال، يمتلك بجاهزية جامدة كا الحلول فضلا عن افتقاد ذلك الوعي للوقف النقدي الذي يعد شرطا للإصلاح والتغيير ". ص 174
وفي موضوع اخر يقول: " يبدو الاصطلاح في العالم العربي- كما يصفه "برهان غليون" هو عملية استئصال لنظام هو الفساد عينه لا احلال نظام بديل محله، من ههنا تحاول الانظمة العربية التهرب من الاصلاح حتى لا تتهم بالفساد، وتذهب بدلا عن الاصلاح الى طرح شعارات مثل التحديث والتطوير ". ص 175
ويقول في موضع اخر: " هل واقعنا المادي هو واقع المجتمعات الزراعية ؟ يقول عالم الاجتماع الفرنسي " تورين " " بان المجتمعات الزراعية تعيد انتاج الماضي "ص177
ويقول أيضا " واخطر ما اخشاه ان يصدق علينا قول الفيلسوف الفرنسي " ارنست رينان " " ان الروح العربية تتميز بفنائها في غيرها أو بالأحرى ذوبانها في روح كلية، وهي بهذا تمنع الابتكار والإبداع " ص178
ويقول أيضا " ان سؤال الاصلاح والتغيير يستحضر دائما الصدمة والقسر الاستعماري لان ما يجري من تحديث في الوطن العربي ارتبط بالصدمة بدءا من حملة نابليون وانتهاء بحملة بوش ... من هنا كان الفشل ..." ص182
ويقول: " فالنظام التربوي العربي يقوم على اساس تعليم الناشئة واقعا هو بالنقيض مما تعلمه ... فيحدث لديه نوع من الانفصام في الشخصية وقد يلجأ الى العنف والانحراف ... مثلما تعيش هذه الناشئة تحت طائلة صراع مرير بين العقيدة والقانون ، العقيدة تحرم والقانون يحلل، والعكس...".ص 185
ومن جهة اخرى يرى الاديب والمفكر ضمد كاظم وسمي اننا لكي نحقق اصلاحا جذريا في وطننا العربي فانه يجب علينا ان ناخذ بالنهج الليبرالي الذي يقوم على مبادئ اهمها:
1 – الحرية في السياسة والاقتصاد والمجتمع
2 – يبنى وفق مبادئ أهمها العلمانية التي تعني التحرر من مبدأ القداسة كيفما كانت دينية، او غير دينية.
3 – ضرورة اعطاء الحرية للعقل على حساب العاطفة، ذلك لان العقل والتجربة الإنسانية بالاضافة الى حرية الفرد وفردانيته.
4 – المبدأ الاخر لليبرالية هو " البرغماتية " المسوغ للعمل النفعي والمصلحي بما يحققه توافق المصالح بين الافراد أو بين الطبقات أو بين المجتمعات.
وبالتالي يرى " صمد كاظم وسمي " " بأنه لابد من وجود مفكرين او سياسيين او فئات تؤمن وتتولى الترويج لها.
ومنه يقول: " ان كل ما تقدم يمكن ان يكون صحيحا من الناحية النظرية لكن من الناحية الواقعية هل بإمكان العرب تحقيق الاصلاح المنشود ؟ وهل يتم ذلك من خلال نهضة داخلية ". ص190
يقول: " يرى الباحثون والمؤرخون " ان الدول العربية لا تتغير من الداخل اي من خلال الانتفاضات الشعبية السلمية..." ص191
ايضا يقول:" اذا استيأسنا من الاصلاح الداخلي بناء على مبررات التاريخ، فهل يكمن الحل في الاصلاح القادم من الخارج؟ ان التجربة والتاريخ لا يؤيدان نجاح الاصلاح الخارجي".ص191
ويواصل ويقول: " ولو استعرضنا تاريخ الاصلاح الخارجي في البلاد العربية من "نابليون" حتى "بوش" لرأينا قرنين من الزمن جرى فيهما تكريس التخلف وتأييد البداوة ونهب الثروات...وزرع اسرائيل في قلب المنطقة العربية كوتد يمنع نهضة العرب.ص192
وختاما يقول: " للكن لا يجب ان تفهم وجهة نظرنا هذه على انها دعوة لليأس والقنوط بقدر ما هي تدفع المبضع باتجاه الداء بكل ما يعتوره من الم وما يرافقه من معاناة ... اننا مدعوون جميعا للبحث عن مخرج بل وصناعة سبيل ثالث للإصلاح قد يتوفر على العناصر الايجابية القائمة في الاصلاح الخارجي وتركيبها مع تلك العناصر المضيئة التي يمكن التقاطها من الاصلاح الداخلي .... تطلعا الى فتح باب الامل امام امتنا العربية المنكودة لتحقيق التغيير والإصلاح وبالتالي الخروج من لحظة الازمة الراهنة التي تبدو مستغلقة".ص 194
الهوامش:
1 – ضمد كاظم وسمي، الفكر العربي.. وتحديات الحداثة، منتديات ليل الغربة، اذار 2009ص 3
2 – المرجع نفسه ص 4
3 – المرجع نفسه ص 5
4 – المرجع نفسه ص 6