مقـــــــــــــــــــــــدمة

فتح المنهج الوظيفي للغة آفاقاً جديدة في الدرس اللغوي، متجهاً بقوة إلى المعنى؛ فبدأ بدلالة المفردة ثم الجملة وانتهى بدلالة الخطاب والسياقية والنحو الوظيفي، وصُنِفَتْ التّداولية ضمن ثلاثية موريس لدراسة اللغة الطبيعية، فكانت ثورة في الدراسات اللغوية، ولئن كان منشأُ المباحث الأولى فلسفياً، فهي تهتم بعناصر الموقف الخطابي جميعها، وكل ما يؤثّر فيه، من سياق الحال أو المقام، وحال المتكلم والمخاطب وصلتهما بالخطاب، وثقافة كل منهما، فظهرت مفاهيم كالقصد والإفادة، والتبليغ، والافتراض المسبق؛ وظهرت كذلك نظريات، منها: نظرية أفعال الكلام، والملاءمة، والحجاج، والاقتضاء، والاستلزام التخاطبي...

وإذا كانت اللسانيات البنيوية قد حصرت عنايتها في مكونات النص الداخلية، فإن التداولية تجاوزت هذه المكونات، وتعمقت في المكونات الخارجية المؤثرة في المفهوم الناتج عند المتلقي، وَتَتَبَّعَتْ مقاصدَ المتكلِّمِ التي يفهمها المتلقي؛ وهي وإن كانت غير صريحة أو مباشرة، فإنها تنقل رسالة مفهومة القصد.

وفي أثناء استكشافنا هذا الدرس الحديث، فاجأتنا نقاط تقاطع وتماس كثيرة بين النظرية التداولية والدرس اللغوي التراثي في عدة مباحث، منها ما كان مبثوثاً في النحو، ومنها ما انضوى تحت مباحث البلاغة، وعلوم التفسير، بل منها ما استقر متكاملاً في أصول الفقه الإسلامي.

وقد تعددت أشكال الاهتمام بدراسة الخطاب عند العرب، فتناولوا نص الخطاب في ذاته، ودرسوا ما يرتبط بالمتكلم وطريقة أدائه، والمخاطَب وكيفية تلقيه، ومطابقة الخطاب لمقتضى الظاهر ومخالفته، ومناسبات الخطاب... إلى غير ذلك من المسائل التي يمكن أن يجمعها موضوع اللسانيات التداولية؛ ويمكن من ثم أن تمثل – بحق- مبادئ رائدة للتفكير التداولي اللغوي عند العرب.

وفي هذا الصدد يقول محمد سويرتي: "إن النحاة والفلاسفة المسلمين، والبلاغين والمفكرين مارسوا المنهج التداولي قبل أن يَذيع صيتُه بصفته فلسفة وعلماً، رؤيةً واتجاهاً أمريكياً وأوربياً، فقد وُظف المنهج التداولي بوعي في تحليل الظواهر والعلاقات المتنوعة". ^([1])

ولقد ذهب أحمد المتوكل إلى أن الإنتاجَ اللغوي العربي القديم يؤول في مجموعه (نحوه وبلاغته وأصوله وتفسيره) إلى المبادئ الوظيفية^([2]).

يهتم هذا البحث في مكنونه بإيضاح مكانة الدرس اللغوي العربي القديم في مراحل تطور العلوم اللغوية الحديثة. ويبيّن أن أهمّ ما يميّز الدرس اللغوي العربي القديم قيامه - منذ بداياته- على دراسة اللغة في أثناء الاستعمال، فكانت أهدافه ومعاييره تداولية. وربما كان موضوع تصنيف الجمل إلى خبرية وإنشائية من أهم المواضيع التي درسها البلاغيون، ووظفها النحاة في درس اللغة وتراكيبها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) محمد سويرتي: اللغة ودلالاتها، تقريب تداولي للمصطلح البلاغي، مجلة عالم الفكر، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، دولة الكويت، مجـ28، ع3 ،يناير/ مارس 2000. ص30.
([2]) أحمد المتوكل: اللسانيات الوظيفية، مدخل نظري، منشورات عكاظ، المغرب، 1989، ص.35.

سيُنشر البحث كاملاً قريبا في كتاب خاص بمؤتمر (لسانيات النص وتحليل الخطاب) عن جامعة ابن زهر -كلية الآداب والعلوم الإنسانية - شعبة اللغة العربية -أكادير

بالتوفيق، أستاذة آمال

سُعدت جدا لمرورك أستاذ مليطان
تحياتي

موضوع رائع جدا ويستحق الانتباه

شكرا إيناس
لا حُرمت طلتك البهية عزيزتي
تحياتي

شكرا لمرورك واطلاعك أخي الطاهري
تحياتي

إطلالاتك ثرَّة دائماً يا آمال ..

لك الود والشكر ..

شكراً على الموضوع ويعد من الموضوعات اللغوية الحديثة المهمة وتنقصنا المصادر للرجوع إليه ,نشكركم مة اخرى على الموضوع وننتظر المزيد

إن الحديث عن موضوع اللسانيات التداولية في التراث العربي ليس تأصيلا للمفاهيم المعروضة اللسانيات الحديثة، بقدر ما هو ضروري لبيان الامتدادات المعرفية للمدونة العربية، وتقديم جانب من الأفكار الرائدة التي عرضها علماء العربية قديما، وإن لم تكن تحظى بالاحتفاء أحيانا من لدن بعض الدارسين، احتفاءَهم بكل وافد حديث من المقولات الغربية.

شكرا جزيلا استادتنا الفاضلة و نحن في شوق كبير للمزيد في هدا الموضوع الجدير بالدراسة. ارجو لك التوفيق في ابحاثك...و يشرفني ان اكون من قرائك...

بارك الله فيك أستاذتي الكريمة موضوع رائع نحن في انتضار البقية بلهفة شديدة
وفقك الله وبارك أعمالك

صديقتي أمال

نعم بالنسبة للدراسات اللغوية العربية ،فإن البحث في التداولية كموضوع ناضج لم يعثر عليه في الدراسات اللغوية سواء التراثية أو الحديثة لكن هناك كثيرا من المصادر العربية التي تناولت مادة تعتبر من صميم الدراسات التداولية ، إن لم نقل إنها ربما تتجاوز ما تطرحه الدراسات النظرية التداولية الحديثة في الغرب ، ودون توسع فإنه يمكن ذكر المصادر الآتية على سبيل الذكر لا الحصر : دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني ، والبيان والتبيين للجاحظ ، والخصائص لابن جني ، والكشاف للزمخشري ، ومفتاح العلوم للسكاكي وغيرها ........ فهذه المصادر تناولت عددا من المسائل التداولية ذات الأهمية الكبيرة ، وليس أدل عليها من تناولها لقضية المقام ومقتضى الحال والمطابقة والسياق وخصائص الاستعمال اللغوي وقواعد الاستعمال اللغوي لدى المتكلمين والتأويل وما إلى ذلك من القضايا التداولية الهامة .
عن مجلة اللغة والأدب - تصدر عن معهد اللغة العربية وآدابها - جامعة الجزائر- العدد 17 - 2006م

شكرا لمرورك عزيزتي حليمة ..
نعم، معك حق .. وهذا ما نحاول أن نثبته ..
لك عميق تحياتي