بلال موقاي نائب المدير
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 1216 نقاط : 1939 تاريخ التسجيل : 28/04/2012 الموقع : https://twitter.com/mougay13 المهنة : جامعة معسكر، الجزائر
| موضوع: ما فوق البنيوية امتداد للبنيوية أم ثورة عليها؟ 2012-07-30, 16:06 | |
| ما فوق البنيوية امتداد للبنيوية أم ثورة عليها؟ د. حذام بدر البنيوية تيار فكري انبثق في أوروبا في بداية القرن العشرين، وبلغ أوج ازدهاره في ستينيات ذلك القرن وشمل العلوم والفنون والآداب واللغة. أساس هذا التيار نظرية مفادها، أن العالم لا يتألف من عناصر أو وحدات ذات وجود مستقل أو منفرد، وإنما من وحدات توجد ضمن بنية أو نسق عام يضبط علاقاتها المتبادلة لتكتسب معنى وقيمة، فضلا عن خاصيتها الفردية، وتفقد هذه الوحدات معانيها وأهميتها خارج إطار هذا النسق أو البنية. أما مصطلح ( مــا فوق البنيوية ) فيأتي من مصطلح البنيـــة الفوقيـــة الذي يشير إلى مجموعة تشكيلات اجتماعية اقتصادية مشروطة باختلاف أساليب الإنتاج المُحددة من قبل القِوى المُنتجة، وهي تنبثق من معالجات تتجاوز البنيوية لتجعل من الأبنية التحتية المرتبطة بالنص، والممثلة بـ ( اللاوعي، الجنس، المادة، الصراع الطبقي، المرجع، الابستيم، الاستهلاك، اللذة، الإله، …. ) لها أولوية في الطرح، والممارسة على الأبنية الفوقية للنص، والممثلة بـ ( النظام، التركيب، السياق، اللغة، العلامة، الرمز، الايقون، …). لقد منحت البنيوية الأبنية التحتية للنص مساحةً واسعةً، بل مطلقة في ميدان الطرح والممارسة، في حين أبعدت الأبنية الفوقية للنص وعدَتها ميتافيزيقيا عبثية تسيء للنص أكثر مما تفيده. ويُعدَ ( ريشارد هارلاند ) هو صاحب مصطلح ( ما فوق البنيوية ) وأطلقه في كتابه (ما فوق البنيوية فلسفة البنيوية وما بعدها) ، وهو يشير إلى أن المصطلح يشمل عامة الحقول البنيوية والسيميائية والالتوسيرية والماركسية والفوكوية وما بعد البنيوية ... ذلك لأن البنيوية لوحدها لم تعد من الاتساع بمكان للتعامل مع كُتّاب، أمثال فوكو الذي يرفض بشدة نعته بالبنيوي أو دريدا الذي الذي يصرح بموقف متعارض مع البنيوية ..ولذا فالأنسب أن يحتفظ بمصطلح البنيوية لكتاب أمثال سوسير وياكبسون وليفي شتراوس وغريماس وبارت (في كتبه مبادئ السيميولوجيا، وأسطوريات، ونظام الموضة) بوصفهم مشتركين في نمط تفكير خاص بالبنيات. ويشير هارلاند إلى أنَ مصطلح ( ما فوق البنيوية) مرَ بتحولات منهجية عديدة: من اللاعلمية من تقديم تحليلات وتأويلات لفرويد، وماركس إلى نقد طروحاتهما وإيجاد البديل، ومن دراساتٍ في اللسانيات، والصيغ الاجتماعية إلى دراسات تخصُصية، ودقيقة في السلوك اللغوي والاجتماعي. وقد جعل هارلاند مصطلح ( ما فوق البنيوية) مصطلحاً واسعاً، وشاملاً بحيث يغطي جميع الفعاليات المنهجية التي تؤسس على الطرح البنيوي، وبهذا جعل مصطلـــح ( ما بعد البنيوية ) تابعاً لمصطلح ( ما فوق البنيوية ) بل جزء منه ، ثم عمد إلى تحديد الصيغ المنهجية لما بعد البنيوية مفصلاً إيَاها على معطيات أصحابها، لا على معطيات مناهجها ، وليس ذلك فحسب، إذ قسَم الطرق المنهجية لما بعد البنيوية على قسمين شمل القسم الرئيس معطيات جاك دريدا في ( اللغة، ونظرية الكتابة، وعلم الكتابة )، وميشيل فوكو في ( الجينالوجيا ). أما القسم الثاني فيشمل معطيات جوليا كريستيفيا في ( النقد النسوي)، وجيل دولوز وفيلكيس جوتاري في ( التحليل النفسي، والفلسفي)، وجان بورديــلارد في (التحليل السياسي والحداثوي) . لا يمكن أن نفكر في مابعد البنيوية بدون البنيوية، فهي استمرار لمنظور البنيوية الضدإنسانوي، كما أنها تسلم باعتقاد البنيوية الراسخ أن اللغة هي مفتاح فهمنا لأنفسنا وللعالم من حولنا. ولكن على الرغم من تقاسمهما للموقف الضد إنسانوي والتركيز على اللغة فإن مابعد البنيوية تقوض البنيوية بمساءلتها المتمعنة - أو تفكيكها - لبعض افتراضاتها الأساس والمناهج المنبثقة عن تلك الافتراضات. تواصل مابعد البنيوية اهتمام البنيوية باللغة، لكن نظرتها للغة تختلف تماما عن نظرة البنيوية إذ أن اللغة في الحقيقة تمثل جوهر الاختلاف بينهما. وقد طبقت البنيوية تبصرات تخص اللغة أصلا على الثقافة بصفة عامة بينما طبقت البنيوية الأدبية التبصرات نفسها على النصوص الأدبية. ويقلب ما فوق البنيويون، النماذج العادية للبنية الأساسية، والبنية الفوقية إلى حد أن ما اعتدنا الاعتقاد بكونه فوق بنائي يتخذ في الواقع الأسبقية فوق ما اعتدنا عده أساسا، وفي هذا الإطار تمثل المافوق البنيوية ما اعتاد فوكو نعته بالابستيم ذلك الإطار الأساسي للمقاربة والتصور، وحتى عندما يفند دريدا ليفي شتراوس أو عندما يعلن بودريار الحرب على فوكو فان الكراهيات تظل مقادة فوق هذه الأرضية المشتركة. لعل الحقل الرئيس لتطور ما بعد البنيوية هو مرة أخرى الحقل الرئيس ما فوق البنيوي لنظرية اللغة ويشكل جاك دريدا الشخصية الرئيسة لهذا التطور، وإن كان جيل دولوز يتقدم تجاه ما بعد البنيوية إلا إنه لم يصل إلى إحداث تأثير إلا بعد أن مهد دريدا الطريق لذلك أولا، ولنا وقفة مع جاك دريدا والتفكيكية في محاولة اخرى.
|
|