نظرة العامة للفلسفة وحقيقة الفلسفة:
ان ماهو ملاحظ هو ان كثيرا من الناس ينعتون على الفلسفة جمودها، الامر عائد بالأساس الى كونها في نظرهم لا تأتي بشيء جديد ، اي انها مجرد كلام في كلام ، وخاصة وان قلت له عن" سقراط "، أو" افلاطون "و " ارسطو " فإنه يضرب بك وبه عرض الحائط ويقول لك بكل سخرية افلاطون كان ميلاده قبل الميلاد، ونحن الان في القرن 21م فشتان ما بين ذلك واليوم، ومنه فلا فائدة من دراسة ذلك الماضي الغريب ولا حتى التطلع اليه ، لأن زمانهم قد فات فالبركة والخير فيما هو قادم.
اذن الفلسفة في نظرهم عاجزة عن مسايرة الواقع الذي ازدادت مشكلاته وتفاقمت، وإذا بها - كما يقولون - كالريش بدون دجاجة، ريشها يبحث عن دجاجته التي اصبحت شغله الشاغل فراح ينشدها، ناسيا بان الريش والدجاجة هما وجهان لعملة واحدة.
ومنه فالفلسفة لا موضوع لها، الامر الذي جعل منها حاضرة في كل شيء الدقيق منها والغير دقيق، الامر الذي جعل منها عرضة للخطر لان الشيء اذا زاد عن حده انقلب الى ضده، وإلا كيف نفسر انفصال العلوم عليها الواحد تلو الاخر، وبقيت هي بدون موضوع محدد. وكأنني اقول لها تتخشع البكاء وما هي بباكية وتتمنى الموت وما هي بميتة .
وان كنت اقر بان في بعض جوانب هذا الكلام نوعا من الصحة، الا انني اذكر واقول:
ان الفلسفة لا تكمن في الآراء الشتى لمختلف الفلاسفة القدماء والجدد وغيرهم، انما الفلسفة الحقة هي التي نحياها كل يوم في اغوار شعورنا، فإنك وان تأملت في الحياة ستجد كل وكيف يفكر ، كل وسلوكه الخاص ، كل ونمط عيشه الخاص الذي يهواه ....اي باختصار كل ونظرته لهذا العالم الشاسع، وإضافة الى ذلك كثيرا ما تنتاب الانسان في حياته اسئلة كثيرة تحيره في كل يوم، وكل ساعة ، وكل دقيقة ...اهمها:
لماذا نعيش في هذا العالم ؟
كيف سأعيش في هذا الوسط؟
لماذا وجدت في جماعة بشرية مثلي ؟
لماذا لي عقل فضلت به على سائر المخلوقات ؟
...واسئلة كثيرة تنتظر اجابات، ومن لم يفكر فيها فهو ليس انسان، بل ولا يستحق ان يحمل صفة الانسانية باعتباره ذات عاقلة.
انني اقول ان كل هذه الاسئلة هي من صميم الوجود الانساني وهي موضوع الفلسفة التي نعيتم عليها جمودها.......هذا من جهة.
ومن جهة اخرى ان الفلسفة لا تكمن في اراء " افلاطون " أو " ارسطو " و" هيجل" و" هايدغر "....الخ، اي ان الفلسفة ليست هؤلاء وفقط ، فالفلسفة ليست جمعا بين الآراء السابقة وإتباعا بالآراء اللاحقة ...
انما هي افكار نابعة من مجموعة افراد عبروا عن رؤيتهم للعالم، وفسروا رموزه واحداثه ووقائعه كل بطريقته الخاصة، وكان كل منهم اما ينتقد غيره أو يوافقه وهكذا دواليك، فهي اراء ولكل منا آراؤه وان كانت غير ناضجة وغير مكتملة وغير منسقة احيانا، انما ميزتهم هو انهم عرفوا الى حد ما كيفية تنظيميها وتنسيقها وترتيبها والاكثر من هذا هو كيفية توصيلها، اضافة الى الظروف التي كانت متاحة لهم. فكانوا بذلك عظماء اكثر منهم فلاسفة ، فالفلسفة انما تموت وتحيا بأصحابها والمنشغلين بها.
وما دمت اركز على هذه النقطة حتى وقعت في إشكالية هل الفلسفة علم ام دراسة؟ ام ماذا ؟
فتساءلت اذا كانت علما فلماذا سمحت لنفسها بالتطفل والفضول على العلوم الاخرى ؟
واذا كانت دراسة معينة والتي تعد شغلها الشاغل، فإنها سوف تبقى تدور في حلقاتها وما ان تنتهي حلقة حتى تجد نفسها في حلقة اخرى وهكذا دواليك.
وتساءلت ايضا هل هي فن؟ فقلت لو كانت فنا لكانت مجالا للتسلية فقط والترفيه عن النفس وحاشا للفلسفة ان تغدوا تسلية ومضيعة للوقت.
والمهم من هذا كله وجدت نفسي في حيرة، لا إلى هؤلاء أصبو ولا إلى هؤلاء أجد.
الا انني ادركت من بعد ذلك ، ان الفلسفة هي ام العلوم (ان في هذا الكلام نظر):
انني ارى اذا كانت الفلسفة هي ام العلوم فوجب التخصص فيها من طرف دارسيها والمتخصصين فيها واعطاء هذا الامر الاولوية، بحكم اننا نعيش عصر التخصص الذي يفتح افقا للإبداع. مثل: فلسفة اللغة، فلسفة التاريخ، فلسفة السياسة، فلسفة العلوم، فلسفة الدين، فلسفة....الخ ، لان الفيلسوف في رأي لا يمكنه ان يعرف بدقة كل هاته العلوم وحتى ان عرفها فانه سيكتفي بشذرات من هنا وهناك. وبفضل هذه التخصصات المتعددة ، والاتقان فيها نستطيع ان نقول ان الفلسفة ام العلوم.
وبالتالي فعار علينا ان خصصناها علما، وعيب علينا ان خصصنا لها موضوعا واحدا وكانه حصر لحريتها .
اذا ان كل منا يتفلسف بطريقته الخاصة، ولكن لكي تعرفوا محلكم من الاعراب في الفلسفة فعليكم ان تتعرفوا على المراحل الاربع التي فيها وهي:
1 - المعرفة العامية:
هي معرفة ساذجة بسيطة، سطحية، غير عميقة نجدها لدى عامة الشعب أو الناس، وهي تشكل البنية الفكرية لكل منهم ونجدها لدى العام والخاص على حد سواء.
2 - المعرفة العلمية:
وهي التي تأتي بعد جهد معين، اي بعد دراسة وقراءة للفلسفة بحيث نقرأ مثلا لأفلاطون أو ارسطو أو هابرماس أو هيجل...الخ، ولكن قراءة فقط بحيث لا نصدر احكاما على تلك القراءات فتكون كالنار التي تلتهم ما رمي فيها من حطب .
3 - مرحلة النقد:
من خلال قراءتك الكثيرة والمختلفة والمتفحصة والدقيقة ، فانك قد تعجب ببعض الامور وقد ترفض بعض الامور، حيث تبدا بعملية توجيه الانتقادات بل والاكثر من هذا تكتسب روحا علمية ونقدية، بحيث تصبح تتقبل انت ايضا الانتقادات، ويالها من مرحلة.
4 - مرحلة الانتاج:
من خلال قراءاتك المختلفة ، فانك تكون خلفية فلسفية واسعة تبني من خلالها اراء عديدة، فقد ربما تؤلف مؤلفا معينا تجمع فيه قراءاتك لنصوص فلسفية عديدة، أو قد تطور فكرة معينة وتكسبها طابعا متميزا .
وهي مرحلة عالية في الفلسفة بحيث لا يمكن للعامي ان يصلها الا بعد تخصص وطول انتظار، لذلك عندما قلنا ان كل انسان يتفلسف فهذا يعنى انه مشارك في الفلسفة، لكن هذا لا يعني انه وصل الى قمة الفلسفة أو التفلسف وانما هو في المرحلة الاولى منها فقط، وانما ذلك لنضع النقاط على الحروف.
ووفقا لهذا اخذ مفهوم الفلسفة مفاهيم مختلفة ، فكل وكيف عرفها ، وذلك حسب طبيعة الفكر الذي انتجها:
فمنهم من عرفها بانها علم الوجود بما هو موجود.
ومنهم من عرفها بانها هي التي تعلمنا كيف نحيا سعداء ...
ومنهم من عرفها بانها طريقة واسلوب عيش في الحياة، والنظر الى الحياة من وجهة نظر خاصة...
ومنهم من عرفها بتعاريف اخرى...الخ.
وما بقي لي في الاخير الا ان اقول للرافضين للفلسفة انكم مهما رفضتموها وحاولتم النفور منها، فان الفلسفة لا تواجهكم بالرفض والنفور، بل اقول لكم انها سوف تلاحقكم اينما ذهبتم وتدخل في اغوار شعوركم، وتطرح عليكم اسئلة كثيرة تجعلكم تتفلسفون وبطريقة لا شعورية، وما ان تتفلسفوا حتى تجدوا انفسكم لا شعوريا تخوضون في الحديث عن الفلسفة، فالله عظيم وتكمن عظمته فيما خلق ...فنحن شئنا ام ابينا نتفلسف، وتبقى لنا الفلسفة لنا عونا فتتحول الى اسلوب في الحياة يختلف من شخص لآخر.
.......وتبقى الفلسفة.....وتبقى الفلسفة......وتبقى الفلسفة....
كاتب الموضوع:
بلال موقاي - تلمسان - الجزائر، 2008م