تحديات صارخة:
تثير اشكالية اللغة العربية في مجتمعاتنا العربية حيزا معتبرا من الجدل حول امكانية وجود علاقة هذه اللغة بالنشاط الابداعي العلمي، في وقت تحتاج فيه الامة العربية بوجه عام الى الدخول في خانة الابداع الكشفي، التكنولوجي، والاسهام في صناعة التحديث الحضاري المنسجم مع مساعي هذا القرن (1)
اذا كان كذلك فهل يمكن ان تسهم اللغة العربية في البناء الاجتماعي للامة العربية في هذا القرن؟ هذا من جهة
ومن جهة اخرى كيف نحافظ على هذه اللغة الاصيلة والرصينة في بيانها ؟ وكيف بنا ندفع بها الى مواكبة هذا العصر ؟
بداية ان ما هو ملاحظ في مجتمعاتنا العربية بخصوص اشكالية اللغة العربية ، هو تعثرها الشديد والذي يعد سابقة خطيرة في التاريخ الطويل لهذه اللغة ، الامر عائد بالأساس الى هيمنة لغات اخرى في العالم واعتلائها صدارة الترتيب ، سواء من حيث الانتاج أو من حيث الاستعمال الامر الذي يدعوني الى القول:
هل مشكلة اللغة العربية بداية ، هي مشكلة استعمال هذه اللغة ، وكيفية استعمالها ، اضافة الى عدم الثقة في هذا الاستعمال ؟
لو أردنا مناقشة هذه المسالة - الاستعمال - نجد فتجنشتاين يقول: " اللغة هي الاستعمال " ويقال " اللغة باهلها تموت بموتهم وتحيا بحياتهم ".
1 - الكفاية اللغوية:
ان الكفاية اللغوية تعتبر حصانة لحسن الطوية، وضمان من اي ضرر يهدد المجتمع ويخل بالأمن الفكري (2) ومن هذا المنظور يكون من باب اولى الوقوف بحزم امام تفشي ظاهرة لغة الشارع الهابطة التي تشيع في اوساط شريحة عريضة من مجتمعنا حتى باتت تدخل الاوساط الرسمية عبر وسائل الاعلام او في المحافل الرسمية ، كما باتت تنافس اللغات الثلاث الاخرى مثل: العربية والانجليزية والفرنسية ، وقد يكون من تفشي هذه الظاهرة الغريبة سواء عن قصد او من غير قصد هو افساد الذوق اللغوي المعهود ، بفعل سياقاتها المتطرفة التي يتكلم بها شبابنا برطانة، وبلهجة ملتوية، قد يصعب فهمها احيانا في المنطقة نفسها كونها مركبة من معظم اللغات كالعربية و الفرنسية والانجليزية.....الخ. (3)
كل ذلك من شانه ان يجعل الفرد غير محصن مما قد يتسبب في زعزعة الحياة والاستقرار الامني أو السياسي وحتى الاقتصادي.
ومن هنا ندعو مسؤولينا مستغيثين بصرخة قوية تدوي في ارجاء وطننا العربي الحبيب، طلبا للنجدة من قرار سياسي شبيه بقرار " المعتصم " الذي لبى نجدة " وا معتصماه "، ولتكن صرخة كل مواطن غيور على وطنه لإنقاذه من تفشي الجرح اللغوي النازف لنرد لابنائنا الفرحة بطلاقة اللسان المعبرة عن مكنونات صدورهم وتستنهض همتهم، ولنزرع فيهم الايمان بلغتنا الجميلة التي تشوهها رياح الغرب... وتضرم فيها النار، ولم تتركها هذه الرياح في الهاب نارها وتزويدها بالحطب كلما خمدت وسكن لهيبها الامر الذي اوصلنا الى مفترق طرق. (4)
ومن وراء هذه الكلمات المعبرة عن صوتنا الشجي ندعوا مسؤلينا ايضا الى اللجوء الى احكام العقل في خلق رؤية استراتيجية واضحة المعالم لتحصين ابنائنا بالثراء المعرفي والزاد اللغوي للمساهمة في الحفاظ على سلامة التفكير السديد وبالتالي ابعادهم عن الزيف اللغوي الفاضح.(5)
ان ما يؤرقني ويؤلمني هو أن ثلة من اعلامينا وقادتنا بل وحتى بعض مثقفينا نجدهم يتنطعون بالكلام الدارج وذلك امام وسائل الاعلام بمختلف اشكالها.
لكن الغريب في الامر ان شبابنا وابنائنا الذين يتخذون من هؤلاء جميعم قدوة لهم يجدونهم يتكلمون باللغة الدراجة او اللغات الاجنبية ويفضلونها على لغتهم الام ( اللغة العربية) .
ومن هنا ينتصب سؤال الفلسفة :
هل العيب في اللغة العربية في حد ذاتها ام في راعي هذه اللغة ؟
بداية لو سئلنا هؤلاء عن السبب الذي جعلهم يفضلون اللغات واللهجات الاخرى فانهم سيجيبون بكل سذاجة بأن اللغة العربية لم تعد قادرة على مواكبة هذا العصر، الامر عائد بالأساس الى التقنية وتأثيرها، وبالتالي لم تعد لغة العلم وياله من عذر اقبح من ذنب، وكأنني بهم يعالجون الخطأ بخطأ اكبر منه ايمانا منهم بانهم باقترابهم من الاخر ( الغرب ) فانه سيشفع لهم.
ولم يتذكروا قول الله تعالى { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } سورة البقرة اية (120)
وبالتالي في رأي ان العجز ليس في اللغة في حد ذاتها بل في راعي هذه اللغة او مستعمل هذه اللغة لأنه كما يقال " اللغة باهلها تموت بموتهم وتحيا بحياتهم " وبالتالي فنحن الذين نقدم الزاد للغة وليست اللغة هي التي تقدم لنا الزاد وبالتالي فالقضية قضية اصحاب اللغة وليس في اللغة ، ان المسالة هي في جفاف العقل العربي وجموده كونه تعود على التعالم واستسهال الامور واللامبالاة وعدم الاكتراث بالعلم والمفكرين ذوي العقول النيرة .
وهذا ما افقدنا الرضا في كل شيء ووضعنا وراء تجاهل مطلب التزود بتكنولوجيا المعلومات والمعارف حتى ظننا اننا جهلاء فعلا مع ان الحقيقة هي غير ذلك بدليل هجرة ادمغتنا والتي تبدوا على محياها روح الابداع وتتشرف على وجوههم ابتسامة التفاعل مع المطالب وتتحر عقولهم من كل قيد وتعطي اياديهم كل ما يملك وتساهم في صنع التحديث الحضاري.(6)
فاين هذا من ذلك ؟ وما الذي غير الوضع ؟ واسئلة كثيرة تنتظر اجابات وافية.....؟؟؟؟؟؟
2 - اللغة العربية بين العمول والمأمول:
امام هذه الحال التي تعيشها اللغة العربية كيف السبيل اذا للخروج من عنق الزجاجة ؟
لقد صدق يوما ابن خلدون حين قال يوما " ان المغلوب دوما مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره، وزيه، ونحلته، وسائر احواله "
أهذا هو ياترى موقعنا من الوجود ؟ أهكذا يراد لنا ان نكون ؟ وهل حقيقة اللغة العربية جامدة ؟ وإلي اي مدى نجحنا في انقاذها من هذا الجمود ؟ وكيف نضمن لها النجاح نحو غد افضل ؟
اذا هنالك فجوة عميقة بين واقع اللغة العربية المعمول وبين واقعها المأمول ، ولعل الفرق بين الموفقين يكمن في كونها لا تحمل هدفا (7)
قيل انه " كلما استقام الفكر زاد الابداع لا الابتداع، وكلما شوش على الفكر كنا امام الابتداع لا الابداع "
كذلك هنالك فرقا بين اللغة المقدسة وبين قدسية اللغة ما معنى هذا؟
1 - اللغة المقدسة:
هي التي كتبت بها نصوص مقدسة وهذه اللغات محصورة ( عربية ، سريانية،.....الخ)، وباء علية تكون لغة القرءان الكريم والكتب الاخرى تحوي لغة مقدسة بل يجب تقديسها .
2 - قدسية اللغة:
يقول الجاحظ " ان كل عصر له طريقة الكلام وله اسلوبه "
تقريب للفهم1:
ان من عاش في الجاهلية مثلا ليس كمن عاش في الاسلام، وليس كمن يعيش الان، حيث لكل عصر مفاهيمه الخاصة والتي يتجاوزها الى عصر اخر ،اذن فكل قوم يتكلمون بطريقة مختلفة .
النتيجة:
ليس هنالك قدسية للغة في ذاتها ، ذلك لان اي لغة ( اللغة العربية مثلا ) تتطور وهي في تطورها هذا لا تمس النصوص المقدسة أو اللغة المقدسة . يقول المفكر " علي حرب " : " ان تقديس الشيء حجب لحقيقته " اذن اذا قدسنا -( ليست لغة النصوص المقدسة ) -اللغة المحكية والمستعملة بشكل رسمي، لبقيت جامدة وغير متطورة بحكم ما قلناه سابقا، وهو ان لكل عصر لغته الخاصة والتي لا تختلف بشكل جذري عن اللغة الام، وانما يتم التخلي عن مفردات وادخال مفردات جديدة
تقريب للفهم2 :
من منا الان يستطيع ان يعرف جميع الاشعار التي قيلت في الجاهلية مثلا دون الرجوع الى قواميس ومعاجم اللغة العربية، كأشعار إمرؤ القيس مثلا.
مثال:
إتجه إمرؤ القيس إلى اليمن و أقام بها زمانا يطلب مددا من قومه. فجمع جمعا من حمير و مذحج أمده بهم الملك ذي جذن الحميري. فأتجه صوب بني أسد بذلك الجمع و إنتقم من قاتل أبيه و ذبح عمرو بن الأشقر سيد بني أسد. حينها أنشد الشاعر قائلا مزهوا بنصره:
قولا لدودان نجد عبيد العصا *** ما غركم بالأسد الباسل
قد قرت العينان من مالك *** ومن بني عمرو ومن كاهل
ومن بني غنم بن دودان إذ *** نقذف أعلاهم على السافل
نطعنهم سلكى ومخلوجة *** لفتك لأمين على نابل
إذ هن أقساط كرجل الدبى *** أو كقطا كاظمة الناهل
حتى تركناهم لدى معرك *** أرجلهم كالخشب الشائل
حلت لي الخمر وكنت أمرأ *** عن شربها في شغل شاغل
فاليوم أسقى غير مستحقب *** إثما من الله ولا واغل
ما اردت قوله من هذا الكلام كله هو ان لا يجب تقيس اللغة لكي لا تبقى جامدة ذلك لان اللغة ديناميكية ومتطورة وبالتالي الامر الذي يساعدنا على تطويرها والمضي بها قدما نحو مستقبل افضل في ظل امل قائم وذلك لمواكبة هذه الحياة.
فكما يقال :
على قدر اهل العزم تاتي العزائم وتاتي على قدر الكرام المكارم
وفي الاخير نقول ان مشكلة اللغة العربية في استعمالها وكيفية هذا الاستعمال اضافة الى عد الثقة في هذا الاستعمال حيث صار حديث الشارع وحديث السوق وحديث عامة الناس معجما للناس حيث اصبحنا نستقي من فيض هذا الحديث المائج فيضا من المصطلحات ...الامر الذي جعل من الدارجة تدخل المؤسسات التعليمية، ووسائل الاعلام واللافتات ................الخ
حتى بتنا انه كما قسمت اللاتينية الى اقسام وفروع مثل: الفرنسية الاسبانية.....الخ نخاف ان تقسم هذه لغتنا العربية هي الاخرى الى فروع واقسام مثل:
المصرية، الجزائرية، الليبية، المغربية.....الخ.
واختم بما قاله " حافظ ابراهيم":
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي وناديت نفسي فاحتسبت حياتي
ولدت ولمل لم اجد لعرائسي رجالا واكفاء وأدت بناتي
وقال اخر:
اذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة اهل البيت كلهم الرقص
اذن كيف هو حال الطفل الصغير عندما يرى النور في الحياة فيجد البيت كله راقصا .
و كيف نسمح لأنفسنا بان توأد لغتنا ونبكيها مثل النساء ولم لا نحافظ عليها ونطورها كما فعال الرجال.
لمعرفة المزيد http://www.ta5atub.com/t5579-topic#ixzz23MzgoOZY