د محمد محمد يونس علي عضو شرف
البلد : ليبيا وبلاد العرب: أوطاني عدد المساهمات : 801 نقاط : 1529 تاريخ التسجيل : 25/12/2009 المهنة : أستاذ اللسانيات المشارك
| موضوع: 1، 5- اللغة والكلام 2010-01-08, 15:22 | |
| تأليف د محمد محمد يونس علي يعد التفريق بين اللغة، والكلام parole من الثنائيات المشهورة التي قدمها دو سوسور إلى الدراسات اللغوية، فضلا عن ثنائيات أخرى، كالتفريق بين الدراسات التعاقبية، والتزامنية. ويقصد بالكلام هنا ما ينشأ عن الاستخدام الفعلي للغة؛ أي ناتج النشاط الذي يقوم به مستخدم اللغة عندما ينطق بأصوات لغوية مفيدة. وبينما تتسم اللغة بالطابع الاجتماعي بوصفها ظاهرة اجتماعية كامنة في أذهان أفراد المجتمع، يحدث الكلام نتيجة نشاط فردي.
وعندما تستخدم قولة ما فإن القولة المستعملة لها جانبان:
1-جانب ينتمي إلى اللغة: وهو الذي يضمن أن المخاطبين يفهمون ما يقوله المتكلم بوصفه منتميا إلى مجتمعهم اللغوي، ويتحدث لغتهم، ويتمثل هذا الجانب في تقيد المتكلم بقواعد اللغة، والمناويل اللغوية linguistic patterns المتعارف عليها في لغته، والمفردات المعجمية المصطلح عليها.
2- جانب ينتمي إلى الكلام: وهو تركيبه لقولة معينة على نحو يحكمه عادة قصده الإبلاغي، واختياره لمفردات معجمية، ومناويل قواعدية بعينها، واستثمار السياق لبيان مقصده.
وثمة صلة بين التمييز بين اللغة، والكلام من جهة، والتفريق بين المعنى، والقصد من جهة أخرى، وهي صلة لم يشر إليها دو سوسور صراحة، ولكنها ترسخت في الدراسات البراغماتية الحديثة التي استفادت من تمييز دو سوسور بين اللغة، والكلام. ولكي نوضح هذه الصلة علينا أن نتصور سياقا لغويا يمكن بيانه كالآتي: (يجلس مجموعة من الطلاب في فصل دراسي مكيّف، ويقف المدرس قريبا من زر جهاز التكييف، وتشتد البرودة داخل الفصل، فيبادر أحد الطلاب بالقول: "الجو بارد يا أستاذ)، فيتوجه الأستاذ إلى زر المكيّف، ويضغط عليه لإغلاقه)، ولعل جميع الطلاب (وكذلك مدرسهم) يدركون أن المعنى اللغوي لجملة "الجو بارد" هو الإخبار بشعور الطالب ببرودة الجو، وأن المدرّس فهم منها أن الطالب يطلب منه بأسلوب مؤدب أن يغلق جهاز التكييف. وما يهمنا هنا في هذا المثال هو بيان أن معنى "الجو بارد" على المستوى اللغوي يختلف عما يقصد بها بوصفها قولة مستخدمة في هذا السياق. والجانب اللغوي في ما قاله الطالب هو تقيده باستخدام جملة اسمية معهودة في العربية مكونة من مبتدأ، وخبر، ومراعاته لمقتضيات القواعد الصرفية، والنحوية، واستخدامه للمفردات اللغوية في معانيها المصطلح عليها في العربية، أما الجانب الكلامي فيها فهو أنه اختار هذا المنوال بالذات من بين مناويل أخرى ممكنة، واستثماره للسياق الخارجي لإخراج المعنى اللغوي للجملة من الإخبار إلى طلب.
وهكذا يمكن القول إننا عندما نتحدث فإننا في الواقع ننقل اللغة إلى كلام، والجملة إلى قولة، والمعنى إلى قصد، ودلالات الألفاظ إلى إشارات. ولعله من المهم هنا أن نذكر أن القولة عندما تعزل عن سياقاتها يتعذر علينا أن نفقه المقصود منها، وإن أمكننا فهم معانيها. فعندما ننظر إلى قوله تعالى "قال بل فعله كبيرهم هذا" (القرآن الكريم: الأنبياء 21 : 63) بغض النظر عن السياق الذي وردت فيه، فلا يفهم منها إلا أن شخصا ما ينسب فعلا ما إلى شخص ما هو أكبر المحيطين به، أما إذا نظرنا إليها باعتبارها قولة فسنضطر إلى الرجوع إلى السياق الذي قيلت فيه، وسندرك بعدها أن المتكلم هو إبراهيم عليه السلام، وأنه يشير بكلمة "فعل" إلى كسر الأصنام، وأن الضمير يشير إلى عملية الكسر، وأن "هم" في "كبيرهم" تشير إلى الأصنام، وأن هذا تشير إلى أكبر الأصنام الموجودة، وأن القصد من كل هذه القولة تشكيك المخاطبين في اعتقادهم بألوهية تلك الأصنام، وتوجيه انتباههم إلى عجز كبير الأصنام عن القيام بمثل هذا العمل، وعجز سائر الأصنام عن الدفاع عن نفسها عند تعرضها للكسر، والاستخفاف بعقولهم التي تتمسك باعتقاد ألوهية تلك الأصنام، على الرغم من عجزها عن الدفاع عن نفسها، أو حتى الإخبار عمن كسرها.
ولا يمكن لنا أن ندرك المقصود بكل هذه الإشارات، والمراد من القولة إلا بإقحام العناصر الخارجة عن اللغة، وهي المخاطِب، والمخاطَب، والسياق؛ أي ربط الجملة بزمان، ومكان، ومخاطبين، ومقام تخاطبي، وتحديد ما تشير إليه التعبيرات اللغوية الإشارية، وبهذا الإقحام تكون عبارة "بل فعله كبيرهم هذا" قد خرجت من حيز اللغة إلى مجال الكلام الفعلي.
ما ينتمي إلى اللغة الجملة المعنى الإحالات، أو دلالات الكلمات
ما ينتمي إلى الكلام القولة القصد الإشارات
وثمة صلة بين تفريق دو سوسور بين اللغة، والكلام الذي أثير في سنة 1916وتفريق آخر قدمه تشومسكي بعد ذلك بخمسين سنة تقريبا بين الكفاية competence، والأداء performance، غير أنه توجد فروق جوهرية أيضا بين هذين التفريقين. وهو أمر كان له انعكاس على فروع المدارس اللسانية التي تقول بأي من التفريقين، فالكلام في ثنائية دو سوسور يشير إلى ناتج الاستخدام الفعلي للغة، وليس لعملية الاستخدام نفسها أي أنه بتعبير النحاة من باب إطلاق اسم المصدر، وإرادة اسم المفعول، وهو ما يجعل من مفهوم الكلام عنده مفهوما جامدا غير ديناميكي، وهذا ينسجم مع مفهومه للغة بأنها نظام من العلامات system of signs (أو الدوال) بدلا من عدها نظاما من الدلالات كما يراها علماء أصول الفقه مثلا[28]. أما تشومسكي فيرى أن الكفاية هي التمكن من اللغة (بوصفها نظاما لا سلوكا) المخزونة في أذهان متكلميها السليقيين (أو من كان مثلهم إتقانا لتلك اللغة). وهي نتاج التفاعل بين 1- القواعد العمومية (universal grammar) الموجودة في ذهن كل إنسان (تلك المسماة باللغة الملكة) التي يختص بها البشر، وتورث جينيا من إنسان إلى آخر، و2- عدد كاف من القولات النموذجية التي يمكن تحليلها بمساعدة معرفة الطفل الفطرية لمبادئ parameters القواعد العمومية، ومعاييرها.[29]
و ينطبق الأداء عند تشومسكي على استخدام اللغة النظام language-system في حين ينطبق الكلام –عند دو سوسور- على نتاج استخدام النظام. ويرى جون لاينز أن المطلوب ليس تفريقا ثنائيا بسيطا بين النظام، ونتاجه، بل تفريق ثلاثي لا يتميز فيه النتاج product من النظام system فقط، وإنما من العملية process (وهي الأداء، أو السلوك، أو الاستخدام، إلخ).[30] وهذا التفريق الثلاثي (أي التفريق بين النظام-العملية-النتاج System-process-product) مهم جدا في علمي البراغماتية pragmatics، والدلالة semantics.
ونظرا إلى أن التوليديين ينظرون إلى اللغة نظرة أكثر ديناميكية، ويرون أن عملية توليد الجملة المحكومة بالكفاية تتم على مستوى اللغة، وليس على مستوى الكلام، فإن ما سمي بالعملية process، وما ينشأ عنها من نتاج product عند تشومسكي إنما هما مفهومان أكثر تجريدا من مقابليهما: العملية، والنتاج عند دو سوسور، وأتباعه، وذلك لأن العملية عند تشومسكي تتم على نحو تجريدي بحيث تبدو مستقلة عن الاستخدام، والسياقات الفعلية للكلام.[31] أما البراغماتيون pragmatists فيعنون بعملية الاستخدام عناية كبيرة، بل إن كلمة pragmatics نفسها تعني "علم الاستعمال". ولذا فإن الكثير منهم يرى أن التخاطب عملية لا تخلو من إخبار، أو استفهام، أو تسمية، أو نحو ذلك مما يسمونه بأفعال الكلام speech acts . وبذلك يتطور المفهوم الجامد للكلام –كما شرحه دو سوسور – إلى عمل ديناميكي يأخذ طابع الاستعمال، وهو أمر يتيح إقحام مصطلحات ديناميكية أخرى تحل محل نظائرها الجامدة في تراث دو سوسور ربما كان من أهمها استخدام مصطلح القصد intention بدلا من المعنى meaning. وأصبح موضوع تحليل المحادثة conversation بدلا من الجملة، وأضحى اللسانيون يبحثون في مبادئ (أو أصول) التخاطب principles of communication لبلوغ كنه مراد المتكلم بدلا من الاقتصار على البنى اللغوية المجردة.
عدل سابقا من قبل د محمد يونس في 2010-02-13, 18:06 عدل 1 مرات |
|
علالة التونسي *
عدد المساهمات : 4 نقاط : 7 تاريخ التسجيل : 07/02/2010
| موضوع: رد: 1، 5- اللغة والكلام 2010-02-07, 22:32 | |
| يبدو لي ان البدء بسوسير في قضية التمييز بين اللغة والكلام يجانب الحقيقة التاريخية ويهمل جهود العلماء العرب في دراستهم للغة العربية :سيبويه والخليل ثم ابن جني والجرجاني والسكاكي |
|
د محمد محمد يونس علي عضو شرف
البلد : ليبيا وبلاد العرب: أوطاني عدد المساهمات : 801 نقاط : 1529 تاريخ التسجيل : 25/12/2009 المهنة : أستاذ اللسانيات المشارك
| موضوع: رد: 1، 5- اللغة والكلام 2010-02-08, 20:17 | |
| نعم ثمة إشارات في كتب التراث تدل على أن بعض علماء العربية والأصوليين لديهم شعور ضمني بالفرق بين اللغة والكلام، ولو اطلعت أخي علالة على كتابَي علم التخاطب الإسلامي والمعنى وظلال المعنى لوجدت ما يبرهن على ذلك، بيد أن تلك الإشارات لا ترقى إلى مستوى بناء رؤية لغوية علمية تستند إلى أصول نظرية متينة تظهر فيها التطبيقات العملية للتفريق بين مستويي اللغة الكلام، كما هو الحال في الدراسات اللسانية الحديثة، وهذا هو الفرق بين الحالين. تحياتي لك ايها الضيف الكريم وأشكرك على إسهاماتك المميزة
|
|
علالة التونسي *
عدد المساهمات : 4 نقاط : 7 تاريخ التسجيل : 07/02/2010
| موضوع: رد: 1، 5- اللغة والكلام 2010-02-08, 22:56 | |
| [ اشكرك صديقي على العناية علماء العربية اهتموا بالكلام ظاهرة فردية ( اسلوبية ) ولكن نلاحظ في درسهم ونظرهم اهتماما وتدقيقا في الكلام لغة اي بالتداول اللغوي وليس بمجرد الكلام انا لم اطلع غلى كتابك عذرا |
|
علالة التونسي *
عدد المساهمات : 4 نقاط : 7 تاريخ التسجيل : 07/02/2010
| موضوع: رد: 1، 5- اللغة والكلام 2010-02-08, 23:02 | |
| يتحول الكلام بالمعنى السوسيري الى شكل من اشكال اللغة وعنصر مكون لها خاصة في النقود الادبية -الاستعارات والتشبيهات ...........-الامثال العبارات الجاهزة .................... |
|