بسم الله الرحمــــان الرحيم
الكلمة الطيبة وأثرها
المقدمة
الحمد لله الواحد الأحد، تعالى عن الشريك والصاحبة والولد. نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول، وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا.
اللهم اجزه عنا أفضل ما جزيت نبيا عن أمته وأعلي على جميع الدرجات درجته واحشرنا تحت لوائه وزمرته وأوردنا حوضه في الآخرة. اللهم لا تجعل لقلوبنا الآن حوضا ترده إلا كتابك وسنة نبيك (صلى الله عليه وسلم) أفضل صلاة وأتم سلام وأكمله وأعلاه. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم أرنا الحق حقا والباطل باطلا ووفقنا لأتباع الحق والعمل به والدعوة إليه والصبرَ على الأذى فيه ابتغاء وجهك وطلب مرضاتك. {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
معشر المسلمين: إن توزيع البسماتِ المشرقةِ على فقراءِ الأخلاقِ صدقةٌ جاريةٌ في عالمِ القيمِ (( ولو أن تلقى أخاك بوجهِ طلْقِ )) وإن عبوس الوجهِ إعلانُ حربٍ ضروسٍ على الآخرين لا يعلمُ قيامها إلا علاَّمٌ الغيوبِ الرفقُ ما كان في شيءٍ إلاَّ زانهُ ، وما نُزع من شيءٍ إلاَّ شانُه ، اللينُ في الخطاب ، البسمةُ الرائقةُ على المحيى ، الكلمةُ الطيبةُ عند اللقاءِ ، هذه حُلُلٌ منسوجةٌ يرتديها السعداءُ ، وهي صفاتُ المؤمِنِ كالنحلة تأكلُ طيِّباً وتصنعُ طيِّباً، وإذا وقعتْ على زهرةٍ لا تكسرُها ؛ لأنَّ الله يعطي على الرفقِ ما لا يعطي على العنفِ إنَّ من الناسِ من تشْرَئِبُّ لقدومِهِمُ الأعناقُ ، وتشخصُ إلى طلعاتِهمُ الأبصارُ ، وتحييهمُ الأفئدةُ وتشيّعهُمُ الأرواحُ ، لأنهم محبون في كلامهِم ، في أخذهم وعطائِهم ، في بيعهِم وشرائِهم ، في لقائِهم ووداعِهِم . أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). أخي: إن البر شيء هين..........وجه طليق وكلام لين
هاهو أعرابي كما يروى يدخل على رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) وهو بين أصحابه: فيمسكه بتلابيبه ويهزَه ويقول: أعطني من مالِ اللهِ الذي أعطاك لا من مالي أبيكَ ولا من مالِ أمِك. فيقومُ صحابةُ رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) يريدون أن يؤدبوا من يعتدي على شخصِ محمدٍ (صلى الله عليه وسلم فيقول عليه الصلاة والسلام: على رسلِكم المالُ مالُ الله، أو كما قال (صلى الله عليه وسلم). ثم يأخذُ هذا الأعرابيُ يداعبُه ويلاطِفُه، ويذهبُ به إلى بيتِه (صلى الله عليه وسلم) فيقول: خذ ما شئت ودع ماشئت. لكن ماذا يأخذ من بيتِ محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) ؟ بيتٌ لا توقدُ فيه النارِ شهرينِ ، بيتٌ لم يشبعَ أهلُه من خبزِ الشعير، ولامن دقل التمر ورديء التمرِ، بيتُ يأتي السائلُ يسأل فلا يوجد سوى تمرة واحدة، لكنه خيرُ بيتٍ وجدَ على ظهرِ الأرضِ بأبي وأمي صاحبُ ذاك البيت (صلى الله عليه وسلم). ما ملك الأعرابيُ إلا أن قال: أحسنتَ وجزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيرا. قال عليه الصلاة والسلام: إن أصحابي قد وجدوا عليك فأخرج إليهم وقل لهم ما قلتَ لي الآن، فخرجَ وجاء إليهم فقال (صلى الله عليه وسلم) هل أحسنتُ إليكَ يا أعرابي؟ قال نعم وجزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيرا، أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسولُ الله فقال (صلى الله عليه وسلم): إنما مثلي ومثلكم و مثل هذا الأعرابي كرجل كانت له دابة، فنفرت منه فذهب يطاردها، فجاء الناس كلهم وراءه يطاردون فما ازدادت الدابة إلا نفارا وشراد، فقال دعوني ودابتي أنا أعلم بدابتي، فأخذ من خشاش الأرض ولوح به لهذه الدابة فما كانت منها إلا أن انساقت إليه وجاءت إليه فأمسك بها، أما إني لو تركتكم على هذا الأعرابي لضربتموه فأوجعتموه فذهب من عندِكم على كفرهِ فماتَ فدخل النار
أريتم معشر المسلمين إلى الكلمةِ الطيبةُ ، فلا إله إلا الله لا أفضلَ من دفعِ السيئةِ بالحسنة، إنها آسرةُ القلوبِ والأرواح، إنها مستلةُ الأضغانِ والأحقاد والسخائم من القلوب.)وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) المؤمنُ الحق كالشجرةِ المثمرةِ كلما رُجِمت بالحجارةِ أسقطت ثمراً طيبا فيا له من قمة ويا لها من مُثل. ( فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة ، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم .... في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم، ولا يحتاج منهم إلى العطاء، ويحمل همومهم، ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الإهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا... وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا كانت حياته مع الناس؛ ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، ولا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الحياة، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم، وما من واحد منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه ، هذه هي صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله عز وجل بالتأسي به، واقـتـفاء أثره، وهي نموذج لكل مسلم يريد دعوة الناس إلى الخير، ويحببهم فيه، لين القول أدعى للقبول، بالتي هي أحسن، بالموعظة الحسنة، وقولوا للناس حُسنًا (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ) "فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه"، "وإن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"،" ومن يُحرم الرفق يحرم الخير كله"، لا مُداهنة ولا نفاق، بل نصح في أسلوب دمث مؤثر، يفتح القلوب، ويشرح الصدور. في الحديث الصحيح" أن النبي –صلى الله عليه وسلم لما أراد المسير إلى <حنين> بعث إلى [صفوان بن أمية] –وهو كافر- ليطلب منه أن يعيره مائة درع، وما يُصلحها من عدتها وعتادها، فقال صفوان: أغصبًا يا محمد، فقال –صلى الله عليه وسلم- لا، بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك، فأعار النبي –صلى الله عليه وسلم- الدروع، وأمره النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يحملها إلى <حنين> فحملها، ولما عاد –صلى الله عليه وسلم- غانمًا من حنين، وقد تلفت بعض الدروع في الحرب، قال لصفوان: إن شئت غرمتها لك يا صفوان، فقال صفوان: لا وجعل ينظر إلى شعب ملئ بنعم وشاة ورعاء ويديم النظر إلى ذلك النعم، ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- يرمقه، ثم قال –صلى الله عليه وسلم- أبا وهب: أيعجبك هذا؟ قال: نعم، قال: فهو لك، فقال صفوان: مه، والله ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا لله، وأنك رسول الله، ودخل في دين الله" وثبت من مستدرك [الحاكم] أن [زيد بن ثُعنة]؛ أحد أحبار اليهود اشترى تمرًا معلومًا من النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى أجل معلوم، وقبل الموعد بأيام جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- وقد فرغ من صلاة الجنازة على أحد المسلمين، ودنا إلى جدار ليجلس متعبًا –صلى الله عليه وسلم- فيتقدم زيد فيأخذ بمجامع قميصه وردائه، وينظر إليه بوجه غليظ متجهم، ويقول: يا محمد ألا تقضني حقي؟ والله إنكم لمطل يا بني عبد المطلب، عند ذلك نظر إليه عمر وعيناه تدوران في وجهه من الغضب، ثم قال: يا عدو الله؛ أتقول لرسول الله ما أسمع، وتصنع ما أري؟ والذي بعثه بالحق، لولا ما أُحاذر من لومه لضربت بسيفي هذا رأسك، فيرتعد ويخاف ويضطرب إذ الكلام من عمر، وما أدراك ما عمر؟! وينظر إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فينظر إلى عمر –صلى الله عليه وسلم- ويبتسم في سكون وتؤده، ثم يقول: يا عمر؛ أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك؛ أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن الطلب، اذهب يا عمر فأعطه حقه، وزده عشرين صاعًا جزاء ما روعته. انطلق عمر وأعطى الرجل حقه، وزاده عشرين صاعًا، فقال زيد: ما هذه الزيادة يا عمر؟ قال: أمرني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن أزيدك جزاء ما روعتك، فتلألأ وجه زيد بالبشر، قال: ألا تعرفني يا عمر، قال: لا، قال: أنا زيد؛ حبر اليهود، لم يكن من علامات النبوة شيء إلا عرفته في وجه رسول الله إلا علامتين؛ أنه يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، وقد عرفتهما الآن، فأشهدك يا عمر أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًا، وأشهدك يا عمر فوق ذلك أن شطر مالي صدقه على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فيا لله شدة وعنف تقابل من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بحلم عظيم تجعل ذلك ينضم لهذا الدين، ويبذل له نصف ماله في أول لحظات إسلامه! (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)
فيا أيها المسلم الكريم: تذكر أن الكلمة القاسية الجافة، لها كلمة طيبة مرادفة تؤدي نفس المعنى بلا أذى،. يمر أحد الصالحين بقرية يدعوهم فيها إلى الهدى فيسبونه ويشتمونه، فيدعو لهم بالصلاح والهداية، فقال أصحابه: تدعو لهم وهم يريدون بك شرًا، وترد عليهم خيرًا! قال في سُمُو خلق، ورقة نفس، وسعة صدر: كلٌ ينفق مما عنده.
إن كريم الأصلَ كالغصنِ كُلما ازداد من خيرٍ تواضعَ وانحنى
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه تجدوه غفارا فيا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى
أما بعد :
معشر المسلمين : اعلموا أنكم مسئولون (فو ربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) فلنتق الله في كل كلمة نقولها وكل حركة أو سكون فإن الله سائلنا. ذكر عن بعض العلماء رحمهم الله أنه ولي القضاء فحكم على رجل تاجر سفيه طائش فقال له والله ما أردت بحكمك هذا وجه الله ولقد ظلمتني فقال العالم أو تقول ذاك قال نعم وأقسم عليه قال العالم -واسمعوا لما قال- قال والذي لا إله إلا هو ما تكلمت بكلمة منذ أربعين عاما إلا وأعددت لها جوابا بين يدي الله عز وجل فيا عبد الله" لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به" فماذا عسى يكون الجواب أعد للسؤال جوابا وللجواب صوابا
عباد الله: آن الأوان أن نعلنها توبة إلى الله باللسان والجنان. اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم آتي نفوسنا تقواها. وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولها. وأنتأرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأنصر عبادك الموحدين. اللهم ارحم من لا راحم له سواك، ولا ناصر له سواك ولا مأوى له سواك، ولا مغيث له سواك.
اللهم ارحم سائلك ومؤملك لا منجى له ولا ملجئ إلا إليك.
اللهم كن للمستضعفين والمضطهدين والمظلومين.
اللهم فرج همهم ونفس كربهم وارفع درجتهم واخلفهم في أهلهم.
اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء.
يا سميع الدعاء
اللهم ارحم موتى المسلمين، اللهم إنهم عبيدك بنوا عبيدك بنو إمائك احتاجوا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابهم،
اللهم زد في حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم أنت أرحم بهم وأنت أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عن ما يصفون وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين.