عبد الرحمن مشرف عام
وسام النشاط : عدد المساهمات : 237 نقاط : 628 تاريخ التسجيل : 30/12/2009
| موضوع: قصائد سعدون السويح الإنجليزية: قراءة وتحليل 2010-02-11, 22:25 | |
| قراءة في نصوص سعدون السويح الإنجليزية يونس شعبان الفنادي
مقدمة: قليل من الكتاب الليبيين حاول كتابة النثر أو الشعر والتعبير عن الأفكار والخواطر ونقل الأحداث ووجهات النظر العربية الليبية بلسان أجنبي أو باللغة الإنجليزية تحديداً. ولا أدري إن كان هذا تكاسلاً من أولئك المتمكنين من اللغات الأجنبية أم أن مستوى تدريس اللغات وأجواء تعلمها وممارسة التحدث والكتابة بها في بلادنا لا يرقى إلى الدرجة التي تؤهل، حتى المتفوقين فيها، للتعبير بها عن أراءهم ونقل ما يدور في وجدانهم إلى القاريء الأجنبي، الذي بلا شك يهمنا أن نطلعه على أفكارنا المعاصرة وتراثنا وإنتاجنا الأدبي والشعري والتواصل معه ثقافياً في كل الجوانب الفكرية.
ومن بين هؤلاء الليبيين القلائل الذين تمكنوا من امتلاك نواصي اللغة الانجليزية والكتابة بها الدكتور سعدون اسماعيل السويح أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة الفاتح الذي يعمل حالياً مستشاراً بقسم الترجمة بهيئة الأمم المتحدة في نيويورك وكان قبلها أستاذاً معاراً من جامعة الفاتح لجامعة مالطا لتدريس اللغة العربية لطلابها.
وأثناء فترة إقامته بالجزيرة المالطية نشر الدكتور سعدون السويح باللغة الإنجليزية العديد من المقالات المتخصصة في علم اللغة بصحيفة أوقات الأحد The Sunday Times المالطية والتي من بينها مقاله بعنوان " ثرات اللغة المالطية: ثروة للافتخار" (Maltese Linguistic Heritage: A legacy of pride ) ومقالته "انطباعات حول اللغة المالطية" (Reflections on Maltese) الذي يتناول فيه أصول اللغة المالطية وتداخلات اللغات الأخرى فيها، ومقالته الثالثة بعنوان "التصوف غذاء الروح" (Mysticism: the enrichment of spirit) التي يعرّف فيها المذهب الصوفي ويقدم بعض القواسم المشتركة له في الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية. كما ترجم الدكتور سعدون السويح مختارات من شعر نزار قباني إلى اللغة الإنجليزية ونال منه شهادة عظيمة خطها الشاعر العربي الكبير بيده وأصر على نشرها في الصفحات الأولى من الترجمة الصادرة سنة 1998 عن دار صادر للطباعة والنشر في لبنان بعنوان (من قصائد العشق والمنفى) وذلك عندما خاطبه قائلاً (.. كثيرون ترجموني إلى لغات العالم، ولكنك وحدك استطعت أن تنقل ملامح وجهي، واشتعال عواطفي، وفصيلة دمي .. وزرقة عيني .. وطقوس قلقي وجنوني ..).
النص الشعري بالانجليزية عند سعدون السويح تتنوع نصوص الشعر الإنجليزي في شكله العام في عدة أشكال حسب طول أبيات القصيدة. فالقصيدة القصيرة يطلق عليها السوناتة Sonnet مثل أشعار وليم شكسبير، والقصيدة الملحمية الطويلة التي تسمى Epic يمكن أن تتكون من ألاف الأبيات مثل قصائد الشاعر وليم بلاك. أما تصنيف الشعر الإنجليزي حسب بيئة النص أو أجواءه العامة فنجده يتضمن الأجواء الكلاسيكية والرومانسية والواقعية والشعر الرعوي أو الريفي Rural Poetry وهو ما يشبه في الوطن العربي بالشعر الشعبي، وهذا ليس بغريب على المجتمع الإنجليزي لأن الشعر إجمالاً هو فضاء إنساني عام للتعبير عن الوجدان وتوثيق الأحداث والمواقف في أي مكان، ولا يقتصر على أمة معينة أو موقع جغرافي محدد.
وبمطالعة الإنتاج الشعري للدكتور سعدون السويح باللغة الإنجليزية يمكننا أن نصنفه ضمن شعر السوناتة لأن نصوصه تتكون من أبيات قليلة عددياً. ولكنه نص جميل يشرع نوافذه للبوح الرقيق، ويتيح للقاريء الأجنبي تذوق لغة الشاعر المرهفة الإحساس والاستمتاع بإيقاعها الموسيقي الخفي، وملامسة المخزون المعرفي والثقافي لديه، والاقتراب من نوعيته ومضمونه وتصويراته البلاغية ومواضيعه التي يعبر عنها أو ينقلها للقاريء الأجنبي. وكل نصوص سعدون السويح باللغة الإنجليزية هي بلا شك وفي كل الأحوال تضيف للمتلقي ولا تنقص منه شيئاً. وتحديداً فإن نصيّه الإنجليزيين ركني هذه المقالة يجب اعتبارهما إضافة للمنتوج الإبداعي الليبي استطاع فيهما استخدام وتطويع اللغة الإنجليزية كأداة للتعبير عن أفكاره العربية بشكل يحافظ فيه على جوهر المضمون الإنساني ورسالة الهوية العربية. أما دراسة النصوص بشكل فني ومنهجي دقيق فأعتقد أن المختصين أو المهتمين بالشعر الإنجليزي سيكون متاحاً أمامهم الآن قراءة نصوص سعدون السويح الإنجليزية بتمعن أكبر وتحليل أعمق لإعادة اكتشافها من جديد.
ترجمة الشعر: إذا كان شرح الشعر وتحليله أو تفسيره بلغته الأم يعتبر أمراً عسيراً ومعقداً، فما بالك بترجمة الشعر والفنون والأداب التي تعد مغامرة لا يمكن ضمان نجاحها، حتى ولو سلّمنا بأن النص الذي لا يمكن أن يولد مرتين قد يرتدي أكثر من ثوب جميل. ولكن الدارسين للترجمة والأدب المقارن يتفقون على أن الترجمة مغامرة خطرة قد تفقد النص الأصلي بعض جمالياته، ولكنها في نفس الوقت قد تضيف إليه عبير الياسمين الشرقي وترشه بدفء الشمس، وتنثره عطوراً عربية فوّاحة في نفس المتلقي العربي.
والمختصون بترجمة النص الشعري يعتبرون الشعر الحقيقي شعراً عالمياً يقرأ بكل لغات العالم عندما يكون صادقاً ونابعاً من الوجدان الإنساني، ويحمل خصائص مشتركة تمثل الرؤيا والجدل والدلالة والأسلوب، فيظهر بلا رتوش ولا زيف ولا تلاعب بالبنية اللغوية لأبيات القصيدة الصادقة. لأن القصيدة الصادقة هي روح الشعر العالمي الذي تمكن من خلق تواصل عريق بين الأمم والشعوب والثقافات المختلفة على مر العصور، سواء كانت الإغريقية أو الرومانية أو الفارسية أو العربية أو غيرها.
بينما البعض الآخر يصر على أن الشعر يبقى هو الشعر، لا يتذوق إلا بلغته الأصلية التي ولد بحروفها ومعانيها وأجواء موسيقاه وأنفاسه وعذوبته وآلامه، ولذلك فقد أخترت هنا أن أضع بين يدي القاريء الكريم النص الأصلي المكتوب باللغة الإنجليزية إلى جانب النص العربي الذي قمت بترجمته حتى أتيح له اختيار الفضاء الذي يسبح فيه عبر نصوص سعدون السويح الإنجليزية التي تنشر لأول مرة: النص الأول: إلى مدينة To Mdina
التاريخ لايزال يقف مثالياً بمجرد أن أنظر إليك يستعد في جلال فوق التل من خلال بوابتك أنا مشيت تحولت في الزمن تحولت في المكان تحولت في المشاعر أنا شعرت الصمت كان هناك ولكنني سمعت أصواتا عديدة بعضها بلسان أجدادي القدماء العرب في زمن مضى والبعض بألسنة أخرى لقوم لم أرهم أبداً ورغم أن أرواحهم المغادرة لازالت معلقة بغموض في كل المكان أنا شعرت بهم كلهم وبمجرد أن تكلموا لساناً واحداً لغة الروح في الصمت دقت أجراس الكتدرائية الرائعة اختراق السكون ترديد ضد الحيطان ولكن وحدي سمعت فيها الدعوة للصلاة قد تعالت بمؤذن يائس شعرت بحلاوة ولذة فرح كبير في قلبي والابتهاج بالصلاة إلى الله لأجله، وهو كان هناك في الكنيسة .. في المسجد وفي كل مكان كان الهواء رقيقاً منعشاً لحظة صفاء نادرة بكل الروعة ولكن الصمت المتكلم كان دائماً هناك قصيرة كانت المسافة طويلة كانت الرحلة متعبا أنا كنت وبمجرد أن أكتشفت مقهى رائعاً في ركن صغير جداً جلست أتناول رغيفي لذيذ المذاق أرشف شاي أراقب النادلة تبتسم بلطف آسفاً، وبإصرار همس الصمت في أذني ألسنة عديدة واصلت الاستماع إليها مفهومة وغير مفهومة وللكل أعرت أذناً متعاطفة لوسط تلك الأجواء في "مدينا" وشفيت أنا من كل خوف | History stood perfectly still As I beheld you Majestically poised upon the hill. Through your gate I walked Transformed in Time Transformed in Place Transformed in Feelings I felt Silence there was But many voices I heard Some in my ancestral tongue The Arabic of long ago Some in other tongues Of people I never saw. Yet their departed souls Mysteriously still hang all over the place I felt them all As one "ilsien" they spoke The language of the soul. In the silence rang the bells Of the magnificent Cathedral Piercing the stillness Echoing against the walls But, alone in them I heard The call to the prayer Raised by a forlorn "mwezzin" Sweetly a great joy in my heart I felt The joy of prayer to Allah For He was there In the church … In the mosque And everywhere. Freshly thin was the air A moment of serenity Wonderfully rare But the speaking silence was always there. Short was the distance Long was the journey Tired was I As I spotted an elegant café In a tiny corner I sat Savouring my croissant Sipping my tea Watching the waitress smiling gently. Alas, silence persistently whispered in my ear Many tongues I continued to hear Comprehensible Incomprehensible To all I lent a sympathetic ear for amidst that Mdina atmosphere Cured was I of every fear. | ولد هذا النص باللغة الإنجليزية بتاريخ 6/5/1997 في أحد أيام فصل الربيع حين كان سعدون السويح جالساً في ركن من أركان مقهى بالعاصمة القديمة لجزيرة مالطا "مدينا" يتأمل حركة العمل بالمقهى ووجوه الرواد والعاملين. وقد أهدى الشاعر نصه، كما أورد في تقديمه، إلى روح الشاعر المالطي الكبير (دون كرم بسيلا) Dun Karm Psaila الذي ولد في 18/10/1871 وتوفي في 13/10/1961. وهو نص رقيق يتكون من تسعة مقاطع قصيرة غير مرقمة كتبها سعدون السويح بلغة رومانسية رقيقة تعكس لحظات صفاءه وهدوءه وهو يتابع نبض المقهى وحركته الحيوية ويطلقها في التاريخ القديم لتصنع فضاءً مشتركاً بين الحاضر والماضي للعاصمة المالطية القديمة، في تمازج جميل تبلور في تعدد اللغات والألسن واللهجات التي كانت تعزفها أصوات رواد المقهى، والتي يتبين من بعضها أن أصولها عربية بينما الأخرى غير معروفة أو مفهومة. وبهذا التداخل يعمل فضاء النص، الذي عبر عنه الشاعر، على مزج هذا التنوع اللغوي بتعاقب الحضارات والتاريخ على المدينة المالطية، والتي اكتسبت من خلاله عراقة وحضوراً زاخراً ثرياً في المعالم التراثية المالطية. وفي خضم هذه الحركية والتفاعل بين صورة المقهى وتجليات الشاعر الوجدانية يتوقف النص في مقطعه الخامس والسادس لينقلنا إلى أجواء ممارسة العبادات والشعائر الدينية التي عبرت عنها دقات أجراس الكنيسة القديمة وهي تنادي للصلاة. وتوقظ أصوات هذه الأجراس نفوس البشر من غفوتها، وتنبهها إلى وجود الله داخل الكنيسة والجامع وفي كل الأرجاء، وهو إيحاء بوجود الإله واتساع وعظمة كونه داخلياً وخارجياً، ظاهراً وباطناً قابله الشاعر بروح إيمانية مبتهجة وفرحة عند سماع الأجراس. ويواصل سعدون سرده رحلته ووصفه للمقهى بلغة تقريرية سلسة تغلب عليها المباشرة ولا يخالفها سوى تعبيره الجميل: (ولكن الصمت المتكلم كان دائماً هناك) ولعله بجمعه الضدين في هذا التعبير الرقيق (الصمت/الكلام) يشير إلى جمهور المقهى الذي يمارس الصمت في حركاته وتنقلاته وحديثه وإشاراته، مرسلاً كلاماً بلا أصوات يظهر في لغة تعبيرية ناطقة بالمعاني ودافقة بالمشاعر الدافئة والإيقاع الموسيقي الآخاذ. وعكس ما قبله، فإن المقطع الأخير يأتي مفعماً بالشعر وزاخراً بالصور البلاغية والإيحاءات وثرياً بالأسرار التي لا يقدر أن يفك النص وحده طلاسمها. (آسفاً، وبإصرار يهمس الصمت في أذني)
بهذه الإفتتاحية يستهل الشاعر المقطع الأخير من قصيدته ليعانق بها جمالية الشعر ويبوح باطمئنانه وراحته وسعادته الملموسة في أجواء المدينة المالطية. ولكنه لا يدعنا بلا حيرة أو استغراب حين يختتم النص بقوله:
(وشفيتُ أنا من كل خوف) فهل كان الشاعر متعباً أو مريضاً حتى يشفى أم أنه كان مسكوناً بهواجس المكان ورائحة تاريخه التي تنبعث حية معطرة بالعديد من أحداثه؟
ولا يتوقف السؤال عند هذا الحد، بل يستمر ليطرح غيره وغيره مثل: مما كان يخاف الشاعر؟ وهل الخوف متربص به داخل المقهى فقط، أم يلاحقه خارجه، أم هو يرتحل معه ويسكن في كل أمكنته؟ أسئلة عديدة يشرعها النص في نهايته ويغادرنا بلا إجابة.
لقد تنوعت رحلة قصيدة (إلى مدينة To Mdina) للدكتور سعدون السويح بين الواقعي والتخيلي والتراثي والديني والتاريخي، والخاص والعام، وبالتالي فهي ثرية من الناحية الفنية التي تطرزت حلتها بلغة تآلفت حروفها ومفرداتها بحميمية وأناقة في تركيبات بسيطة لا تنتمي إلى لغة العصور الإنجليزية القديمة الموغلة في الكلاسيكية والغرابة. ورغم أن لغة النص لا تعزف لحناً إيقاعياً مباشراً بقافيتها إلاّ أن النص ثري بموسيقاه الداخلية التي تأسر المتلقي وتحيطه بشيء من المتعة والإنشراح والإبتهاج. ولكن ما يدعونا إلى التعجب والاستغراب عند قراءة هذا النص هو خلوه في جميع مقاطعه من أية إشارة إلى معلم أو حدث أو ظاهرة بحرية، وكأن هذه المدينة المالطية المستلقية في قلب الجزيرة المتوسطية لا تنتمي إلى عالم البحر، ولا في حياتها أو تاريخها عانقت نسائمه، أو تبللت برذاذ أمواجه، أو استمتعت بهديره، أو ركضت تغازل شاطئه وتلامس رماله الناعمة؟ فهل ألغى سعدون السويح في نصه الشعري هذه الخصاص الساحلية والبحرية للعاصمة المالطية القديمة متعمداً، أم أن ذاكرته قد غاب عنها هذا الجانب فجاء النص مقتبساً من روح المدينة الباطني وليس معبراً عن جسدها أو محيطها الخارجي؟النص الثاني: أمنية A wish
أَتمنّى لو كان بمقدروي الهرب إلى مُدنِ بعيدةِ بطرقِ مجهولةِ إلى جُزُرِ بعيدةِ التي تَتألّقُ خلجانها مثل الياقوتِ في أشعةِ الشمس المخفية هناك أنا سَأَرمي مرساتَي بحّار ضعيف شراع ممزق سفينة منتهية هناك أنا سَأَستقرُّ قبل أن يأتي اليومِ | I wish I could escape To far away cities With uncharted roads To distant islands Whose bays glitter like rubies In vanishing sun rays There I shall cast my anchor A worn out sailor A torn sail An exhausted ship There I shall resideBefore the day is done | يكشف هذا النص عن مضمونه مبكراً من خلال إطلالة عنوانه الذي جاء في كلمة واحدة نكرة ذات مدلول لفظي ومعنوي واضح وصريح، وتمثل حلمأ، أو أمنية ظلت حبيسة في أعماق الشاعر، حتى نسج خيوطها ورسمها بتعبير رقيق خال من أي غموض أو إخفاء، إلا أنها لا تخلو من الاحتمالات والتأويلات التي قد تراوغ المتلقي وتلف به في دائرة لا حدود لها. كتب سعدون هذا النص بتاريخ 9/9/2003 بمدينة نيويورك وقد جاء في مقطع واحد يتكون من اثني عشر سطراً. ومنذ سطره الأول يوحي النص بأن الشاعر مسجون بقلقه، يعاني من وحشة وغربة في أعماقه، ولذلك فهو لا يتردد أن يصرح برغبته في الهروب، ومغادرة المكان وعدم المكوث فيه، ولكن يبدو أن هناك معارضة، أو ظروفاً تجبره على البقاء، ولا تمكنه من المغادرة أو الهرب وهو لا يفصح عنها بتاتاً خلال نصه بالكامل: (أتمنى لو كان بمقدوري الهرب) وباستخدامه كلمة (الهرب) نستنتج أنه أجاز لنفسه القفز فوق الشرائع والقوانين حتى يتمكن من الخروج من مأزقه. كما تحمل الكلمة إشارة إلى شدة ما يعانيه في مدينته من حالة اغتراب وضيق وقلق طفح معها كيله وصار لا يقوى على تحمل واقعه الصعب، ولكن أين يأمل الشاعر أن يستقر؟ أو إلى أين "يهرب" ؟ (إلى مدن بعيدة بطرق مجهولة إلى جزر بعيدة التي تتألق خلجانها مثل الياقوت) وإذا كان الشاعر لا يحدد في نصه موقعاً معينا يريد أن يرحل إليه، بل يتجه خياله صوب (مدن) أو (جزر) نكرة يحرر فيها نفسه من سجونها، ويخلصها من معاناتها، فإني أكاد أحس وكأنه أثناء تاريخ كتابة هذا النص يحن بقوة إلى جزيرة مالطا التي تمتع لسنوات طويلة بطقسها الجميل ومجتمعها البسيط وقربها من مسقط رأسه، وتفاعله مع ثلة من الأصدقاء والزملاء، وزوار الجزيرة الصغيرة، عكس غربته في نيويورك التي استعصى عليه فك مفاتيحها في تلك الفترة سواء من ناحية التقرب، أو التغلغل في مجتمعها، أو التعود على طقسها، وروتينها الصارم. أظن أن الشاعر يلمح في هذا المقطع أن مدنه البعيدة هي (طرابلس)، وجزره البعيدة هي (مالطا) حتى وإن لم يسمها مباشرة إلا أننا نشتم رائحة المكانين بين ثنايا سطوره من خلال تعبيراته الوصفية التي تنقلنا إلى خصائص المكان دون تسميته، وهذا يتعزز عندما يواصل الشاعر تقريب هذا التصور أو التوقع، فيقول إنه يبحث عن مدينة أو جزيرة تسطع شمسها وتشرق أنوارها لكي يتخذها مكاناً لإقامته يستقر ويستريح فيه من عناءه وتعبه وقد أصبح في حالة صعبة من الضعف والتمزق والتدمر. (هناك أنا سأرمي مرساتي بحار ضعيف شراع ممزق سفينة منتهية) كما نجده في هذا النص يكرر اسم الإشارة (هناك) مرتين تأكيداً على تطلعه إلى الاستقرار في المكان الآخر البديل الذي يتمناه ويرغبه، ويوحي في نفس الوقت بأن استقراره أو بقاءه في مكان إقامته الحالي لا يبدو طبيعياً، كما أنه يستخدم ظرف الزمان (قبل) ليحدد به الموعد الزمني والوقت المعين الذي لابد أن يحقق فيه أمنيته. وتعبيره (ينتهي اليوم) هو إشارة إلى نهاية الحياة عموماً وليس اليوم بذاته أي أنه استخدم مجازاً أطلق فيه الأقرب وأراد به الأبعد. (هناك أنا سأستقر قبل أن ينتهي اليوم) يبدو واضحاً أن هذه القصيدة تحمل هموم الشاعر الشخصية وتطلقها في أمنية واحدة محددة. وهي تميزت ببناء بسيط من حيث اللغة والصور التعبيرية، تنبعث موسيقاها الداخلية من إيحاءات النص بالألم والحنين والقلق. كما انبعتث من النص روح البحر وأنسامه وخصائصه في دلالة إلى صفات مكان معين يحمل هذا السمات الطبيعية الدالة عليه، يصبو إليه الشاعر في أحلامه وأمنياته ولا يفصح عنه من موقع المؤسسة العامة للثقافة.
[/justify] |
|
عبد الرحمن مشرف عام
وسام النشاط : عدد المساهمات : 237 نقاط : 628 تاريخ التسجيل : 30/12/2009
| |
د محمد محمد يونس علي عضو شرف
البلد : ليبيا وبلاد العرب: أوطاني عدد المساهمات : 801 نقاط : 1529 تاريخ التسجيل : 25/12/2009 المهنة : أستاذ اللسانيات المشارك
| موضوع: تعريف بالأستاذ الدكتور سعدون السويح 2010-02-12, 14:46 | |
| يسرني بمناسبة نشر بعض قصائد أستاذي العزيز القدير د سعدون السويح (وهو أحد المشرفيْن على رسالتي للماجستير) أن أقدم تعريفا موجزا بشخصه الكريم نقلا عن موقع "على جناح نورس" مع بعض التعديلات والإضافات.
هو كاتب وأديب وشاعر وناقد أكاديمي، عرف بتمكنّه النادر من اللغتين العربيّة والإنجليزيّة.
ولد بطرابلس- ليبيا في 25 مايو 1947م.
تحصل على درجة الدكتوراه في اللسانيات من جامعة إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية. عمل أستاذ جامعيّا في كل من جامعة الفاتح بطرابلس ليبيا وجامعة مالطا.
له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة باللغة العربية والإنجليزية حول اللسانيات.
أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه.
نشر العديد من المقالات الأدبية النثرية الشعرية، والتحليلات النقدية في عدد كبير من الصحف والمجلات المحلية والعالمية باللغتين العربية والإنجليزية. ترجم مختارات من قصائد للشاعر نزار قباني إلى اللغة الإنجليزية عنوانها (من قصائد العشق والمنفي)، ونشرتها دار صادر ببيروت سنة 1998. يعمل الآن على إصدار مجموعته الشعرية الخاصة بعنوان (نقوش على ذاكرات الريح) يعمل حاليّا بمنظمة الأمم المتحدة بنيويورك. فتحية حارة مخلصة من القلب لهذا العلم الكبير |
|
غالية الذرعاني مشرف منتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 268 نقاط : 511 تاريخ التسجيل : 29/04/2010 المهنة : معلمة
| موضوع: رد: قصائد سعدون السويح الإنجليزية: قراءة وتحليل 2010-06-05, 01:06 | |
| ونحن أيضاً نحيي هذا العملاق الكبير، ونحيي الأستاذ عبد الرحمن والدكتورمحمد على تعريفنا بهذه الشخصية الفريدة ودام الإبداع |
|
Adel *
البلد : Libya عدد المساهمات : 1 نقاط : 0 تاريخ التسجيل : 14/07/2010
| موضوع: رد: قصائد سعدون السويح الإنجليزية: قراءة وتحليل 2010-07-14, 14:31 | |
| السلام عليكم حقاً ان الاستاذ الدكتور الفاضل سعدون السويح لجدير بكل هذا التقدير و الاحترام لقد كان احد اساتذتي بجامعة الفاتح بقسم اللغة الانجليزية, وقد تعلمت منه الكثير هــــــــــــذه احدى قصائده
نداء عـاجـل إلى المتـنـبي
يـا ســيــدي المتـنـبـي حــان مـوعــدُنـا
(والسـيـفُ والرمـحُ والقرطـاسُ والقلـمُ)
يا سـيــدي المـتـــنـبي، في الحـشـا ألــمُ
فكيف يـُـرضيكـُمُ ، يا سـيدي ، الألـــمُ؟
يا سيــدي المتنـبي، في الضلوعِ جـوىً
وفي النـفـوسِ جــــراحٌ .. ليـس تلتئــمُ
واحــرَّ ”حـُـزنـاه“ مـِـمـَّـن قلبــه شــِبـمُ
أشكـوكَ للشـعـرِ .. إن لم يشــفـعِ الكلـِـمُ
بغـدادُ ، يا شـاعـري، قد مـُـزِّقـت إربـًـا
في كل يـوم بهـا الأحـزانُُ .. تضـطــرمُ
يســومـُـها الخسـفَ سـفـاحٌ ومغـتـصـبٌ
ويستبيـحُ صباها .. العــلـجُ .. والعــجـمُ
فلا خــيـولُ بنـي العـباسِ قد صـهــلــت
ولـيـس يـسـمـعـُهـا في القبرِ.. معـتـصـمُ
ولـيـس يرحــمـُـها مـِـن ثـُـكـْـلـِـها زمــنٌ
شعـارُهُ الأرذلانِ .. العـِـيُّ .. والصـَّـمـَـمُ
ويـلــمـهـــا خــطــةٌٌٌٌُُُُ .. ويـــلــمــه زمــنٌ
(قـد استوت عنـدهُ الأنـوارُ .. والظـُّـلـَـمُ)
فيـا إلــهـي .. فــرِّج كـَـرْبَ مـحــنـَـتـِـهـا
فالقـلـــبُ مـنـفــطرٌ .. والشـَّـملُ منـثـلــمُ
سعـدون السويـح
|
|
???? زائر
| موضوع: رد: قصائد سعدون السويح الإنجليزية: قراءة وتحليل 2011-10-14, 06:22 | |
| رائع كل ما تفضلتم به لكنى لا استمتع حقيقةً بقراءة الشعر الانجليزى المترجَم بالعربية ولا أحبذ هذا الحقل من الترجمة أبدا! وأشعر بضيق كلما وقعت عيناى على هذه الاعمال ولا أدرى هل انا على صواب ام لا ؟!! ترجمة القصص والروايات الهادفة رائع جدا ولكن ترجمة الشعر ليست كذلك -هذا مجرد رأى طبعا- فأنا لم أستطع تذوق قصيدة واحدة من الشعر الانجليزى المنقول الى العربية حتى الآن! |
|
محمود جمال 5 *
البلد : الاردن عدد المساهمات : 2 نقاط : 2 تاريخ التسجيل : 18/10/2011
| موضوع: رد: قصائد سعدون السويح الإنجليزية: قراءة وتحليل 2011-10-22, 09:20 | |
| |
|
قحطان 711 *
البلد : المغرب عدد المساهمات : 7 نقاط : 7 تاريخ التسجيل : 25/08/2012
| موضوع: رد: قصائد سعدون السويح الإنجليزية: قراءة وتحليل 2012-08-26, 10:56 | |
| السلام عليكم .عمل رائع جدا يستحق التصفيق عليه |
|