إن تراث الفكر العربي مليء بلحظات الاستشراف الحضاري في المسألة اللغوية، ومع بداية الألفية الثانية ألفى العرب أنفسهم على عتبات تصور مغاير لما تعودوا عليه، وزلزالا يعصف بجل المرجعيات التي عاشوا عليها ظانين أنها مكتسبات إنسانية لن يعود بها التاريخ إلى الوراء، وألفى الفكر العربي نفسه محمولاً على إعادة إلقاء الأسئلة التي ألقيت قبل قرنين مع بداية النهضة وفي مقدمتها سؤال اللغة([1]).
يشكِّل مشروع د.زكريا مرتكزا وسطاً بين اتجاهين متباينين للرؤية العربية في اللسانيات ، يمثل الاتجاه الأول المتعصبين للتراث الرافضين كل ما جاء من الغرب من نظريات حديثة، ويمثل الاتجاه الآخر المتابعين لكل ما هو غربي ، مندفعين بعقدة النقص مقدسين للغرب وكل ما يأتي منه..
أما الاتجاه الوسطي الذي يمثله د.زكريا فيمثل معالجة التراث بمنظور معاصر، والنظر إليه نتاجاً بشرياً قابلاً للتجديد، ولإعادة الفحص والتحليل بأدوات جديدة ووفق رؤية جديدة، والأخذ من الثقافات المختلفة ما يجدد التراث ويبرز مواطن القوة فيه.
د.ميشال زكريا عَلَمٌ لا يخفى على أيّ مشتغل في حقل اللسانيات، ما له من جهود لغوية ظهرت في وقت مبكر من تعرُّف العالم العربي إلى هذا الحقل العلميّ، فقد كان من أوائل المترجمين والمحللين للنظريات اللسانية الحديثة، بل كان من أوائل المطبقين لها على اللغة العربية.
تتغيا هذه الدراسة إبراز حضور التراث العربي في كتابات د.ميشال زكريا وتبيين جهوده الحثيثة في إعطاء التراث المكانة التي يستحقها ضمن الفكر اللساني الحديث.
حضور التراث في كتابات ميشال زكريا يتجلى في أبعاد متعددة، ومن زوايا مختلفة، لكنه يظهر في وتيرة تجعل منه مرجعية ثابتة لتلك الكتابات، فهو في معالجاته للنظريات اللسانية الحديثة وبخاصة: التوليدية والتحويلية، نجده يستنطق التراث باحثاً عن إنجازات أعلامه، سابراً أغوار متونه، مستوضحاً كلمات عاشت آلاف السنين، تُجْلِي بحقٍ عبقرية أفذاذ عاشوا في زمن لم يكونوا يمتلكون فيه أدوات بحث، ولا وفرة كتاب، فوصلوا بالبحث العلمي إلى طريق لو وصله من بعدهم، لربما كنا على خط موازٍ أو سباقين للبحث الغربي المعاصر.
حضور التراث عند د.زكريا لم يكن بهدف إرجاع إنجازات العلم الحديث للعرب، بقدر ما كان توصيفاً لمحاذاة اللغويين العرب وفلاسفتهم حد التنظير، وما أنجزوه من تراث يحق لنا أن نفخر به .
([1]) المرجع السابق: ص 9.
2010-04-27, 19:53
صديقتي أمال ..على هذا الموضوع القيم ....... 
