الجملة في النظام اللغوي عند العرب
د. عبد المجيد عيساني
جامعة قاصدي مرباح ورقلة
اهتم الباحثون منذ القدم حتى عصرنا الحاضر على اختلاف منازعهم ومناهجهم بدراسة الجملة، ولم تكن هي نقطة البدء في الدراسات اللغوية القديمة، إذ أنهم لم يحددوا الصور الشكلية للجملة العربية تحديدا دقيقا حيث تكون دراستهم بعد ذلك تحليلا نحويا لها، غير أنه من الواجب على الدارس للجملة العربية، أن يعتمد على ما قدمه القدماء من دراسات لغوية والتي يعتبر سيبويه رائدا لها رائدا لها، فما مفهوم الجملة عنده؟
والجملة لغة كما ورد في الصحاح للجوهري(ت393هـ) قوله:"الجملة واحدة الجمل وأجمل الحساب رده إلى الجملة"[1]. وفي لسان العرب لابن منظور (ت711هـ) :"والجملة واحدة الجمل، والجملة جماعة الشيء وأجمل الشيء جمعه عن تفرقه، أجمل الحساب كذلك، والجملة جماعة كل شيء بكامله من الحساب وغيره"[2]. وفي المختار الصحاح للرازي (ت760هـ):"والجملة واحدة الجمل، وأجمل الحساب رده إلى الجملة"[3].
وجاء معناها في القاموس المحيط للفيروز أبادي (ت817هـ):"والشيء جمعه عن تفرقه والحساب رده إلى الجملة"[4]. وفي تاج العروس للزبيدي (ت1205هـ):"الجملة بالضم جماعة الشيء، وكأنها اشتقت من جماعة الحبل لأن قوة كبيرة جمعت فأجمعت جملة، وقال: قال الراغب"واعتبر معنى الكثرة فقيل لكل جماعة غير منفصلة جملة، قلت: "ومنه أخذ اللغويون الجملة لمركب أسندت إحداهما للأخرى"[5]. وقد ورد لفظ الجملة في القرآن الكريم في قوله تعالى:« وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة» الفرقان، الآية:32، للدلالة على الجمع.
ومعنى الجملة لغة في كل ما ورد لا يخرج عن كونها تدل على جمع الأشياء عن تفرقها وأنها جماعة كل شيء.
ومفهوم الجملة اصطلاحا نستقيه مما استشهد سيبويه (ت10هـ) في كتابه بجمل نحوية تامة في مواطن عدة مراعيا فيها المعنى ومعبرا عنها بلفظ الكلام، دون استخدام مصطلح الجملة فسيبويه لم يتحدث عن الجملة بمعناها الاصطلاحي وإنما تحدث عنها بمدلولها من خلال الإشارة إلى عناصر الجملة كالمسند والمسند إليه، ويفهم منه أن الجملة ما تكونت من المسند والمسند إليه كالمبتدأ والخبر أو الفعل وفاعله، ولم يستخدم سيبويه مصطلح الجملة وإنما استعمل مصطلح الكلام و أراد به الجملة[6]. وذلك حين تحدث عن الجمل التامة فيقولهذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة، فمنه مستقيم حسن، ومحال، ومستقيم كذب،ومستقيم قبيح،وما هو محال كذب......)[7]. ومثله الفراء(ت207هـ) فقد أطلق مصطلح الكلام وأراد به الجملة فيقولوقد وقع الفعل في أول الكلام على اسمه)، وهو يتحدث عن الجملة [8].
ويعد المبرد (ت285هـ) هو أول من استعمل مصطلح "الجملة" من الرعيل الأول وذلك حين تعرض للحديث عن الفاعل إذ يقولهذا باب الفاعل وهو الرفع وذلك في قولك: قام عبد الله وجلس زيد، وإنما كان الفاعل رفعا لأنه هو والفعل جملة يستحسن عليهما السكوت وتجب بها الفائدة للمخاطب فالفاعل والفعل منزلة الإبتداء والخبر إذ قلت: قام زيد، فهو بمنزلة قولك القائم زيد)[9].
ويعرف ابن جني (ت392هـ) الجملة أو الكلام بقوله: (أما الكلام فكل لفظ مستقل بنفسه، مفيد لمعناه وهو الذي يسميه النحويون الجمل، نحو: "زيد أخوك" و"قام محمد" فكل لفظ استقل بنفسه وجنيت منه ثمرة معناها فهو الكلام)[10].
ولم يفرق الزمخشري بين مصطلحي الجملة والكلام وجعلهما شيئا واحدا إذ يقولوالكلام هو مركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى، وذلك لا يتأتى إلا في اسمين كقولك:"زيد أخوك" و"بشر صاحبك" أو في فعل واسم نحو قولك:"ضرب زيد" و"انطلق بكر"، وتسمى جملة)
أما ابن هشام فحاول أن يفرق بين مصطلح الكلام والجملة من حيث أن الكلام يمكن السكوت عليه، أما الجملة فيعني بها عناصر الإسناد كالفعل مع فاعله، والمبتدأ وخبره فيقولوالجملة عبارة عن الفعل وفاعله كـ "قام زيد" والمبتدأ وخبره كـ"زيد قائم" وما كان بمنزلة أحدهما نحو "ضرب النص")[11].
ويرى الجرجاني (أن الجملة عبارة عن مركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى سواء أفاد كقولك: "زيد قائم"، أو لم يفدك قولك:"إن يكرمني"، فإنه جملة لا تفيد إلا بعد مجيء جوابه فتكون الجملة أعم من الكلام مطلقا)[12]
ويختلف مفهوم الجملة عند علماء اللغة العربية المحدثين بسبب انتمائهم إلى المدارس والمذاهب اللغوية عن طريق الأخذ من القدماء العرب أو التأثر بالنظريات اللغوية الغربية وتبعا لذلك فالقواعد والأحكام اللغوية القديمة لم تبق على حالها، بل تغيرت مع تطور الدراسات اللغوية الحديثة، فتعددت بذلك مفاهيم الجملة باختلاف وجهات النظر، فهناك من اللغويين العرب من يرى أن الجملة قول مركب مفيد دال على معنى دال يحسن السكوت عليه.
يرى الحمزاوي أن الجملة (الكلام المركب المفيد الذي يتم به المعنى)[13].
وعند محمد خان هي: (تركيب إسنادي يفيد فائدة يحسن السكوت عليها والغاية منها الاتصال والتفاهم بين أعضاء الجماعة اللغوية، أي شرطها التأليف الذي يحمل دلالتة للملتقي ولذلك فهي مجموعة ذات عناصر لغوية إسنادية، وقد أنشئت قصد التفاهم في بيئة لغوية)[14].
أما تمام حسان فيرى أن الجملة هي: (المجموعة الكلامية) وبذلك فهو يرى أن الكلام عبارة عن مجموعة من الجمل لذلك فهو أعم منها.
ويضيف بقوله: (أما الذي يتكون من عملية الإسناد فيسمى الجملة وهي ذات علاقات إسنادية مثل علاقة المبتدأ بالخبر، والفعل بفاعله والفعل ونائب فاعله والوصف والمعتمد بفاعله ونائب فاعله)[15]. ويعرفها عبد السلام المسدي بقوله: (فالجملة المستقلة هي أكبر وحدة نحوية في الكلام وتتميز بشيئين أولهما أن أجزاؤهما تترابط عضويا وثانيها أنها لا تندرج في بناء نحوي أوسع منها)[16].
وذهب الدكتور إبراهيم أنيس في تعريفة للجملة بقوله: (إن الجملة في أقصر صورها هي أقل قدر من الكلام يفيد السامع معنى مستقل بنفسه، سواء تركب هذا القدر من كلمة واحدة أو أكثر)[17]. وهذا التعريف يجيز أن تتركب الجملة من كلمة واحدة، أي أن فكرة الإسناد ليست لازمة لتشكيل جملة صحيحة.
أما ميشال زكريا فقد عرف الجملة بقوله: (وحدة كلامية مستقلة يمكن لحظها عبر السكوت الذي يحددها)[18].
وذكر محمد حماسة عبد اللطيف قول براجستر في جعل الإسناد شرطا لازما أساسيا في الجملة فإذا خلا أي تركيب من الإسناد فهو ليس بجملة،وإن أدى إلى معنى يحسن السكوت عليه. وقد انبنى رفضه في أن يكون الإسناد مقوما أساسيا في الجملة ونلمس ذلك ممن خلال المفهوم الذي حدده لها بقوله: (كل كلام تم به معنى يحسن السكوت عليه، هو جملة وإن كان من كلمة واحدة)[19].
وعند محمد إبراهيم عبادة: (ليست الجملة مجرد سلسلة من طبقات تراكمية ولا من متتابعات من المفردات أو الهيئات التركيبية دون علائق ترابطية ترى في عناصرها بل لها علاقة الإسناد وعلاقة التقييد وعلاقة الإيضاح)[20].
أما عباس حسن يقول: (الكلام أو الجملة هو ما تركب من كلمتين أو أكثر، وله معنى مفيد مستقل، فلا بد في الكلام من أمرين معا هما،"التركيب"و"الإفادة المستقلة")[21]
التفصيل:
الجملة عند سيبويه.
إن مصطلح الجملة عند سيبويه لم يرد صراحة في كتابه، إلا أن أغلب الدارسين أجمعوا على أنه لم يعرف الجملة، ولم ترد في كتابه مصطلحا، وإنما وردت في عدة مواضع منه، بمعناها اللغوي، وقد تردد في كتابه ذكر مصطلح الكلام كثيرا بمعاني مختلفة، فهو يستخدمه بمعنى الحديث، وبمعنى النثر وبمعنى اللغة، وبمعنى الجملة أيضا[22].
فيقول: (هذا باب الإستقامة من الكلام والإحالة، فمنه مستقيم حسن، ومحال وستقيم كذب ومستقيم قبيح وما هو محال كذب، فأما المستقيم الحسن فقولك:"أتيتك أمس، وسآتيك غدا" وأما المحال فأن تنقض أول كلامك بآخره فتقول:"حملت الجبل" و "شربت ماء البحر"
وأما المستقيم الحسن فتقول:"أتيتك غدا وسآتيك أمس" وأما المستقيم الكذب فتقول:"حملت الجبل وشربت ماء البحر" وأما المستقيم القبيح فأن تضع اللفظ في غير موضعه نحو قولك:"قد زيدا رأيت" ، و كـ" زيد يأتيك" وأشباه هذا وأما المحال الكذب فأن تقول:"سوف أشرب ماء البحر أمس")[23]. وقد استطاع ابن جني أن يستنبط تعريفا محددا للكلام بمعنى الجملة عند سيبويه يقول: (واعلم إن قلت في كلام العرب إنما وقعت على أن يحكي بها وإنما يحكي بعد القول ما كان كلاما لا قولا)[24]. ففرق بين الكلام والقول كما ترى ثم قال في التمثيل نحو قولك زيد منطلق ألا ترى أنه يستحسن أن تقول:"زيد منطلق" فتمثيله بهذا يعلم منه أن الكلام عنده ما كان من الألفاظ قائما برأسه مستقلا بمعناه.
الجملة عند المبرد.
لقد استفاد المبرد من الدراسات اللغوية عند سيبويه، وذلك بحكم العامل التاريخي كونه تفطن للنقائص التي كانت في كتابه، إذ يعد المبرد أول من استعمل مصطلح الجملة كما نعرفها نحن، إلا أنه من الدارسين الذين يرون أن مصطلح الجملة والكلام مترادفان أي أنهما شيئا واحد، فكيف عرف أبو العباس المبرد الجملة؟ وما هي أنواعها؟
يتفق الدارسون على أن أبا العباس المبرد أول من استخدم مصطلح الجملة، وذلك حينما تعرض للحديث عن الفاعل فيقول: (وإنما كان الفاعل رفعا لأنه هو الفعل وجملة يحسن عليها السكوت، وتجب بها الفائدة للمخاطب، فالفاعل والفعل بمنزلة الإبتداء والخبر إذا قلت:"قام زيد، بمنزلة قولك: القائم زيد")[25].
ويبدو من خلال التعريف أنه اشترط في الجملة، أن يحسن السكوت عليها، وتؤدي الفائدة للمخاطب، وهذا ما ركز عليه تلميذه ابن السراج، الذي استخدم مصطلح الجمل المفيدة، إذ يقول: (والجمل المفيدة على ضربين، إما فعل وفاعل أو مبتدأ وخبر)[26].
كما اعتبر المبرد مثلما اعتبر سيبويه، أن الجملة الإسمية، هي الأصل لأن الأخرى بمنزلتها لأنك إذا قلت مثلا:"زيد منطلق" فإنك تستطيع أن تقول:"رأيت زيدا منطلقا".
أما أقسامها عنده إذا كان مصطلح الجملة قد ورد صراحة عند المبرد في كتابه المقتضب على العكس مما هو الحال عند سيبويه، إلا أنه لم يذكر تقسيما صريحا، غير أن الدارسين حاولوا استنتاج تقسيما لها انطلاقا من التعريف الذي ذكره في قوله: (وإنما كان الفاعل رفعا لأنه هو الفعل جملة يحسن عليها السكوت وتجب بها الفائدة للمخاطب، فالفعل والفاعل بمنزلة الإبتداء والخبر، إذ قلت:"قام زيد")[27].
فمن خلال التمثيل يتبين لنا أن الجملة عنده قسمين:
- فعلية مثل قوله:" قائم زيد" وهي التي صدرها فعل.
- واسمية مثل قوله:"القائم زيد" و هي التي صدرها اسم.
وقد أشار المبرد إلى قضية المسند إليه وجعلهما شرطا في الجملة، لكي تحصل الفائدة للمخاطب، ففي باب المسند والمسند إليه يقول: (فالابتداء نحو قولك"زيد" فإذا ذ\كرته، فإنما تذكره للسامع ليتوقع ما تخبره به عنه، فإذا قلت:"منطلق" أو ما أشبهه صح معنى الكلام، وكان الفائدة للسامع في الخبر)[28]. فمن خلال حديثه عن قضية المسند والمسند إليه، يتبين لنا أن المسند والمسند إليه لا يستغني أحدهما عن الآخر. فلا بد للمبتدأ من خبر في الجملة الإسمية، كما لا بد للفعل من فاعل في الجملة الفعلية، فقولنا مثلا:"زيد" لا تحصل الفائدة للمخاطب دون أن نلحقها بخبر.
أما الجملة عند أحمد ابن فارس لم يفرق أحمد ابن فارس بين الكلام والجملة، وجعلهما مترادفتين كغيره من المتقدمين وهذا ما نلمسه في باب العموم والخصوص، عندما يقول: (العام الذي يأتي على الجملة لا يغادر منها شيئا، وذلك كقوله جل ثناؤه « خلق كل دابة من ماء» النور الآية 45، وقال: خالق كل شيء – الأنعام، الآية: 102، ثم في نفس الباب يقول: وقد يكون الكلامان متصلين، ويكون أحدهما خاصا والآخر عاما)[29]. ويقصد هنا بالكلامان الجملتان.
لقد عرف أحمد ابن فارس الكلام، في باب القول من حقيقة الكلام فيقول: (زعم قوم أن الكلام ما سمع وفهم، وذلك قولنا:"قام زيد، وذهب عمرو". وقال قوم: الكلام حروف مؤلفة دالة على معنى)[30]. والقولان عندنا متقاربان، لأن المسموع المفهوم لا يكاد يكون إلا بحروف مؤلفة تدل على معنى. فيرى الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف في هذا الشأن أن الحروف في التعريف الثاني هي الكلمات كما يرى كذلك بأن الكلام والجملة عند أحمد بن فارس مترادفين، فيقول: (ويبدو من التعريفين اللذين أوردهما ابن فارس، أن مدلول الكلام مطابق للجملة، لأن تمثيله يشير إلى ذلك صراحة،
ولنا أن نفهم أن (الفهم) في التعريف الأول هو الفهم الحاصل من جملة مفيدة، وإن كان لم يشترط التركيب) فقد يكون المسموع المفهوم كلمة واحدة مثلا، ولكنها تؤدي من حيث الدلالة الكاملة ما يؤديه مجموعة كلمات، وفي محاولة ابن فارس التوفيق بين التعريفين اللذين أوردهما كان دقيقا عندما قال هذه العبارة العلمية (لا يكاد) ونحن بعد لا نرى أن هذين التعريفين متقاربان كما رأى ابن فارس لأن أولهما لا يشترط مجموعة (حروف) أي كلمات، ولا يشترط الإسناد أو التأليف وهو تعريف دقيق، أما الثاني فهو يشترط أن يكون الكلام أو الجملة(مؤلف) من حروف وهذا التعريف مع صحته يدفع بالدارس أن يقدر ويؤول عندما يجد جملة مفيدة من (حرف) واحدا مثلا حتى يكون الكلام حروفا مؤلفة[31].
ولم يعط أحمد ابن فارس تقسيما صريحا للجملة، وهذا راجع ربما إلى كون دراساته اللغوية لم تكن ممنهجة، ولم يكن يقصد الدراسة العلمية للغة، وإنما كان همه جمع شتلتها لذلك لم تكن مستفيضة، إلا أن المتمعن في دراساته يجده قد تحدث عن المبتدأ والخبر، كما تحدث عن الفعل والفاعل والمفعول به، وهو ما دفعنا إلى أن نقول بأن الجملة العربية عنده قسمان، اسمية وفعلية كما عدها المتقدمون عنه أمثال سيبويه والمبرد.
فنجده تحدث عن المبتدأ والخبر، وذلك في باب جمع شيئين في الابتداء بهما و جمع خبرهما، ثم يرد كل مبتدأ به خبره فيقول: (من ذلك قول القائل: إني وإياك على عدل أو على جور، وهذا في كلامهم وأشعارهم كثير)[32]. كما نجده قد تحدث عن الفعل والفاعل، وذلك في باب إضافة الفعل إلى ما ليس بفاعل في الحقيقة، فيقول: (ومن سنن العرب إضافة الفعل إلى ما ليس بفاعل في الحقيقة فيقولون:"أراد الحائط أن يقع" وفي كتاب الله جل ثناؤه«جدارا يريد أن ينقض» الكهف الآية:77 وهو في شعر العرب كثير)[33].
كما أن تمثيله في باب العموم والخصوص نجده قد مثل بآيتين كريمتين إحداهما تبتدأ بفعل وأخرى تبتدأ بإسم وهو ما يقوي هذا الرأي فيقول: (العام الذي يأتي على الجملة، لا يغادر منها شيئا، وذلك في قوله تعالى: « خلق كل دابة من ماء» النور، الآية: 45.، وقوله: «خالق كل شيء»، الأنعام، الآية:102.)[34].
أما الزمخشري قد سوى بين الكلام والجملة، وجعلهما شيئا واحدا، ويظهر ذلك من خلال قوله: (الكلام هو المركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى، وذلك لا يأتي إلا في اسمين كقولك:زيد أخوك، وبشر صاحبك، أو في فعل واسم نحو قولك: ضرب زيد، وانطلق بكر، وتسمى جملة)[35].
ومن الواضح أن الزمخشري من خلال تعريفه، يحصر الجملة في صورتين اثنين، ويضيق نطاقها، فهو من خلال هذا التعريف قد اشترط الإسناد في هذه الجملة، وفي هذا إشارة للتركيب الذي ينعقد به الكلام، وتحصل منه الفائدة، وذلك لا يحصل إلا في اسمين نحو: الجو جميل، لأن الإسم كما يكون مخبرا عنه، قد يكون خبرا، من فعل واسم نحو: قام زيد، وانطلق بكر، فيكون الفعل خبرا والاسم مخبرا عنه، ولا يتأتى ذلك من فعلين لأن الفعل نفسه خبرا ولا يفيد حتى تسنده إلى محدث عنه[36].
ولقد جعل الزمخشري، الجملة العربية، أربعة أقسام، فيقول: (والجملة على أربعة أضرب، فعلية واسمية وشرطية، وظرفية وذلك نحو: زيد ذهب أخوه، وعمرو أبوه منطلق، وعمر إن تعطيه فيشكرك، وخالد في الدار)[37]. وهي قسمة لفظية لأنها في الحقيقة ضربان: (فعلية واسمية لأن الشرطية في التحقيق مركبة من جملتين فعليتين، الشرط فعل وفاعل والجزاء فعل وفاعل، والظرف في الحقيقة، للخبر الذي هو استقر، وهو فعل وفاعل)[38]، وسنحاول فيما آت، توضيح كل نوع من هاته الأنواع:
أما الجملة عند ابن هشام فيعتبر أول من خصص بابا للجملة، في كتابه مغني اللبيب، حيث فرق بين الكلام والجملة وبين أن العلاقة بينهما هي العموم والخصوص، فحكم بالتوهم على من قال بالترادف بين الكلام والجملة.
ويعرف ابن هشام الجملة بقوله: (الكلام هو القول المفيد بالقصد، والمراد بالمفيد ما دل على معنى يحسن السكوت عليه، والجملة عبارة عن فعل وفاعله كـ "قام زيد" والمبتدأ والخبر "كزيد قام"، وما كان بمنزلة أحدهما)[39]. وينظر من خلال تعريفه للكلام والجملة، أنهما ليستا مترادفتين كما يتوهم الكثير من الناس، فالجملة أعم من الكلام إذ أن شرطه الإفادة، بخلاف الجملة، إذ لا يشترط فيها الإفادة فجعل ابن هشام الكلام أعم من الجملة، وعلى هذا الاتجاه إن كان المركب لإسنادي مستقلا بنفسه ومفيدا فائدة يحسن السكوت عليها، سمي كلاما وجملة، كقولنا مثلا: "المطر منهمر"، أما إذا قلنا:"سرنا والمطر منهمر"، فقولك:"والمطر منهمر" لا يعد كلاما، لأنه ليس مستقلا بنفسه، ولم يقصد لذاته، إذ لم يرد الإخبار بانهمار المطر،
وسمي ذلك جملة، ومعنى ذلك أن المركب لإسنادي إذا كان جزء من تركيب أكبر، سمي جملة، ولا يسمى كلاما، فكل كلام جملة وليس كل جملة كلام.
ولقد قسم ابن هشام، وتبعه السيوطي، الجملة إلى ثلاثة أقسام هي: الإسمية والفعلية، والظرفية وأشار إلى أن الزمخشري وغيره أضافوا قسما رابعا وهو الجملة الشرطية ولم يوافق على هذه الزيادة، اعتقادا منه بأنها من قبيل الفعلية، وقد عرف كل قسم من هذه الأقسام كما يلي:[40].
أولا: الجملة الاسمية: وهي كل جملة صدرها اسم صريح نحو:"زيد قائم" أو مؤول نحو:قوله تعالى: «وأن تصوموا خير لكم» البقرة، الآية: 183. أو بوصف رافع المكتفي به نحو قوله تعالى: «هيهات هيهات لما توعدون»المؤمنون، الآية: 36، المقصود بالتي صدرها اسم أي أنها بدأت باسم، يكون هذا الإسم ظاهرا أو مؤولا أو وصف أو اسم فعل.
ثانيا: الجملة الفعلية: وهي كل جملة صدرها فعل، سواء أكان هذا الفعل ماضيا أو مضارعا أو أمرا، وسواء أكان متصرفا أو جامدا، أو تاما أو ناقصا، وسواء كان مبنيا لفاعل أو مبنيا للمفعول، ومن أمثلة ذلك قولنا: (قام زيد)، فالجملة هنا فعلية، فعلها(قام)، وهو فعل ماض متصرف مبني للفاعل. و(يضرب عمر) جملة فعلية، فعلها(يضرب) وهو فعل مضارع متصرف مبني للفاعل. و كذلك قولنا: (أضرب زيدا) جملة فعلية فعلها(أضرب) وهو فعل أمر مبني للفاعل.
ثالثا: الجملة الظرفية: وهي كل جملة صدرها ظرف أو جار ومجرور، نحو:"أعندك زيد" وفي الدار زيدا فاعلا بالظرف والجار والمجرور، لا بالاستقرار المحذوف، ولا مبتدأ ولا مخبرا عنه بهما، وذكر ابن هشام أن الزمخشري يستشهد بقوله:"في الدار" من قولك:"زيد في الدار" وهو مبني على الاستقرار المقدر فعل لا إسم وعلى أنه حذف وحده، وانتقل الضمير بعد أن عمل فيه[41].
يركز ابن هشام في تقسيمه هذا على المسند والمسند إليه، حيث يقول: (مرادنا بصدر الجملة المسند والمسند إليه، قلا عبرة بما تقدم عليهما من حروف، فالجملة من نحو: أقام زيد، وأزيد أخوك، ولعل أباك منطلق، وما زيد قائم.إسمية، ومن نحو: أقام زيد، وإن قام زيد، وقد قام زيد، وهلا قمت، فعلية والمعتبر أيضا ما هو صدر في الأصل، فالجملة من نحو: "كيف جاء زيد"، ومن نحو قوله تعالى: «فبأي آيات الله تذكرون»، غافر، الآية:81، فعلية، لأن هذه السماء في نية التأخير)[42]
ومن بين التقسيمات التي أوردها ابن هشام للجملة تقسيمه الجملة إلى صغرى وكبرى فعرفهما في قوله:[43]
أ) الجملة الصغرى: (هي المخبر بها عن مبتدأ في الأصل نحو: "إن زيدا قام أبوه"، أو في حال إسمية كانت أو فعلية)[44]. والمقصود هنا بـ "مبتدأ في الأصل" هو دخول أحد نواسخ الإبتداء عليه نحو: "محمد زاد وزنه". فالجملة"زاد وزنه" جملة صغرى مخبر بها عن المبتدأ بعد دخول لعل ناسخ الإبتداء، والمقصود بـ "في الحال إسمية كانت أو فعلية" أي تكون هذه الجملة حالة التكلم إسمية أو فعلية.
ب) الجملة الكبرى: (وهي الإسمية التي يكون خبرها جملة، كـ"زيد قام أبوه"و"زيد أبوه قائم")[45]. فجملة "قام أبوه"صغرى لأنها خبر عند "زيد" وجملة "زيد أبوه قائم" كبرى لأن خبر المبتدأ فيها جملة).
كما قسم ابن هشام الجملة الكبرى، إلى ذات الوجهين وإلى ذات الوجه الواحد:
1) ذات الوجهين:
هي(إسمية الصدر، فعلية العجز نحو:"زيد يقوم أبوه" فاحتوت هذه الجملة في صدرها إسما هو "زيد" وجاء عجزها جملة فعلية هو"يقوم أبوه")[46].
2) ذات الوجه الواحد:
لم يورد لها تعريفا وإنما شرحها بمثال هو "زيد أبوه قائم" فيتبين لنا من خلال المثال أن الجملة ذات الوجه الواحد، هي أن يتوافق صدرها مع عجزها إما إسمين أو فعلين.
من خلال دراستنا للجملة عند بعض القدامى تبين لنا أنهم قد اتفقوا في تحديد مفهومها، بأنها هي: الكلام المركب المفيد فائدة يحسن السكوت عليها، كما أنهم اشترطوا الإسناد في الجملة، وعدوه الركن الأساسي في بناء الجملة، فلابد للفعل من فاعل، كما أنه لابد للمبتدأ من خبر، غير أنهم اختلفوا في التفريق بين مفهومها ومفهوم الكلام، فمنهم من عدها وجهين لعملة واحدة، وهو ما نجده عند كل من سيبويه والمبرد وأحمد بن فارس، والزمخشري، وخالف ابن هشام هذا الرأي واعتبر أن الجملة أعم من الكلام إذ أن شرطه الإفادة بخلافها، كما نجدهم لا يتفقون في تقسيماتهم للجملة، فالقدامى الأوائل اعتبروها قسمين (‘سمية وفعلية)، أما المؤرخون فقد زادوا أقساما أخرى، فالزمخشري عد الظرفية و الشرطية من أنواع الجمل بينما عد ابن هشام الظرفية من أنواع الجمل، وأضاف تقسيما آخر للجملة هو الجملة الصغرى والجملة الكبرى. كما تندرج تحت الكبرى ذات الوجهين وذات الوجه الواحد، كما نجدهم قد اختلفوا بحكم انتماءاهم للمدارس النحوية في قضية التقديم والتأخير، فالبصريون أمثال سيبويه والمبرد قسموا الجملة بحسب ما يتصدرها فقد عدوا من مثل(محمد قام) من قبيل الإسمية، في حين عدها الكوفيون من قبيل الفعلية لأنهم اعتبروا محمدا فاعلا مقدما لذا فقد اعتمدوا في تصنيفهم لأنواع الجمل على قضية المسند والمسند إليه.
الجملة عند مهدي المخزومي.
يعد مهدي المخزومي من الدارسين المحدثين اللذين تناولوا الجملة العربية، فحاول أن يقدم تصورا جديدا للجملة، فرمى النحاة العرب بالخلط والجهل والإضطراب، ولكنه مع هذا دار في إطارهم، ولم يخرج عن ما رسموه وكل ما قدمه من إضافات سبقه إليها بعض نحاتها السابقين بل إننا نجد أن فهمه للجملة فيه تصورا عن فهم بعض النحاة الأولين فابن جني مثلا يعرف الجملة بأنها كل لفظ مستقلا بنفسه مفيدا لمعناه، دون أن يشترط لذلك شروطا معينة، غير الاستقلال والإفادة، فنجد المخزومي يتفق مرة مع هذا الفهم حين يعرف الجملة بأنها: (الصورة اللفظية الصغرى للكلام المفيد في أي لغة من اللغات)[47].
عرف مهدي المخزومي الجملة العربية بقوله: (هي الصورة اللفظية الصغرى للكلام المفيد، وهي المركب الذي يبين المتكلم به صورة ذهنية كانت قد تألفت أجزاؤها في ذهنه ثم هي الوسيلة التي تنقل ما جاء في ذهن المتكلم إلى ذهن السامع)[48].
من خلال تعريف المخزومي للجملة، نجده يشترط الإسناد كمقوم من مقوماتها، فالتركيب الذي لا إسناد فيه"أسلوب خاص"، كالنداء يسميه"المركب اللفظي". فهو يقول عن النداء: (وخلاصة القول أن النداء ليس جملة فعلية، ولا جملة غير إسنادية وإنما هو مركب غير لفظي بمنزلة أسماء الأصوات يستخدم لإبلاغ المنادى حاجة أو لدعوته إلى إغاثة أو نصرة أو نحو ذلك)[49]. وقد جعل المخزومي كل تركيب غير إسنادي مفيد مركبا لفظيا".
واشتراط المخزومي الإسناد أساسا تقوم به الجملة قد خذله في إحداث فكرة تامة في أسلوب الشرط، لأنه يتكون من جملتين تربطهما أداة شرط، كل منهما جملة تحقق فيها شرط الإسناد ومع ذلك لم يكتمل معنى كامل، والفائدة يحسن السكوت عليها، تراجع بعض التراجع فقط فقال: (ليست جملة الشرط جملتين إلا بالنظر العقلي، والتحليل المنطقي، أما بالنظر اللغوي فجملتا الشرط جملة واحدة، وتعبير لا يقبل الإنشطار، لأن الجزأين المعقولين فيها إنما يعبران معا عن فكرة واحدة منهما أخللت بالإفصاح عما يجول في ذهنك، وقصرت عن نقل ما يجول فيه إلى ذهن السامع)[50].
وسمى كل واحدة من جملتي الشرط والجواب(عبارة)[51]أي عبارة الشرط وعبارة الجواب. أما أقسام الجملة فقد بنى مهدي المخزومي تقسيمه للجمل بحيث طبيعة المسند وجعلها ثلاثة أنواع[52]: الجملة الفعلية والجملة الإسمية والجملة الظرفية، وسنحاول فيما هو آت تبيان كل نوع منها:
أولا: الجملة الفعلية:
وهي التي يكون فيها المسند دالا على التجدد والتغير، أو بعبارة أخرى، هي التي يكون فيها المسند فعلا؛ لأن الفعل بدلالته على الزمان هو الذي يدل على تجدد الإسناد وتغيره وذلك نحو:"قام خالد، ويقوم خالد، وخالد يقوم"، ونحو:"وإن أحد المشركين استجارك"، وقوله تعالى: «إذا السماء انفطرت»، الإنفطار، الآية:1، وقد عد المخزومي الجملة الشرطية من عداد الجمل الفعلية.
ثانيا: الجملة الإسمية:
وهي الجملة التي يكون فيها المسند دالا على الدوام، أو بعبارة أخرى هي التي لا يكون المسند فيها فعلا، وذلك نحو:"محمد أخوك و الحديد معدن". فكل من أخوك ومعدن، دالان هنا على الدوام ، أي دوام اتصاف المسند إليه بهما، لأن الأخوة ثابتة لمحمد لا تتغير، ولا تصير من حال إلى حال ، ولأن المعدنية وصف ثابت للحديد، لا تتغير، فكل من هاتين الجملتين: جملة إسمية[53].
ثالثا: الجملة الظرفية:
وهي الجملة التي يكون المسند فيها ظرفا أو مضافا إليه بالأداة نحو:"عند زيد نموة" و "أمامك عقبات"، ونحو قوله تعالى: «أفي الله شك»، إبراهيم، الآية10، وقولك:"في دار رجل". هذه الجمل وأمثالها ليس فعلية، لأن الفعل لا يظهر فيها، وليست إسمية، لأن الإسمية، ما كان فيها المبتدأ أو المسند إليه فيها صدرا، ما لم يطرأ على المسند ما يقتضي تقديمه، كأن يحظى باهتمام المتكلم وعنايته، وتقدم المسند في هذه الجمل، ليس طارئا، ثم أن المسند فيها يشير إلى الكينونة العامة أو الوجود العام، مما يجعلها إلى أن تكون فعلية أقرب منها إلى أن تكون إسمية، كل هذا يجعل هذه الجمل بين لا هي إسمية ولا هي فعلية[54].
وإذا عدنا للنظر في التقسيم الذي أورده المخزومي للجملة نجده يلجأ إلى النظر العقلي الذي عابه على النحاة القدامى، في اعتبارهم كلا من ركني الشرط "جملة"فبعد أن تفضل عليهم وأقرهم على تقسيمهم للجملة إلى إسمية أو فعلية ووصفه بأنه تقسيم صحيح يقره الواقع اللغوي استدرك في الحال،( ولكنهم بنوا دراساتهم اللغوية على غير منهجها، فلم يوفقوا إلى تحديد الفعلية من الإسمية)[55].
ووصف هذا التحديد بأنه تحديد ساذج يقوم على أساس من التفريق اللفظي المحض و تتمثل سذاجتهم في أنهم عدوا، جملة، مثل "البدر طلع" جملة إسمية وهو يعدها جملة فعلية لأن الفعلية عنده هي الجملة التي يدل فيها المسند على التجدد أو التي يتصف فيها المسند إليه بالمسند اتصافا لا متجددا أو بعبارة أوضح هي التي يكون فيها المسند فعلا[56].
ويرمي بذلك إلى أن الفاعل يجوز أن يتقدم على فعله فهو بهذا الرأي يوافق الكوفيين والأخفش وقد رد المبرد باعتباره ينتمي إلى المدرسة البصرية على هذه الدعوة بقوله:
(فإذا قلت: "عبد الله قام"، "عبد الله"، رفع بالإبتداء و " وقام " في موضع الخبر وضميره الذي في قام فاعل، فإن زعم زاعم أنه إنما يرفع "عبد الله"بفعله فقد أحال من جهات منها أن "قام"فعل، ولا يرفع الفعل فاعلين إلا على جهة الإشتراك نحو:"قام عبد الله وزيد" فكيف يرفع عبد الله وضميره، وأنت إذا أظهرت هذا الضمير بان تجعل في موضعه غيره بأن لك، وذلك قولك:"عبد الله قام وأخوه"، فإنما ضميره في موضع أخيه)[57].
كما سوى المخزومي بين ثلاثة نماذج تحت اسم الجملة الفعلية فــ:"طلع البدر،"البدر طلع"،"انكسر الزجاج"، كلها من الجمل الفعلية والمسند في كل منها فاعل. كما أن تحديده للجملة الإسمية لم يخرج عن إطار النحاة القدامى؛في التي يدل فيها المسند على الدوام والثبوت،أو بعبارة أوضح هي التي يكون المسند فيها اسما.
وخلاصة القول أن المخزومي قد أسرف في رمي النحاة بالخلط والجهل والإفساد دون أن يقدم البديل في الكثير من الحالات، مع أنه لم يخرج عنهم في كثير، اللهم إلا ما سماه "مركبا لفظيا" فلا هو جملة إسنادية ولا غير إسنادية[58].
الجملة عند خليل أحمد عمايرة.
لقد فرق خليل أحمد عمايرة بين الكلام والجملة، فهو بذلك يخالف الزمخشري وابن يعيش ومن تبعهما، كما يخالف ابن هشام ومن سار على نهجه في أن الكلام أخص من الجملة وهي أعم منه، وقد عرفها بقولهأن الجملة ما كان من الألفاظ قائما برأسه مفيد لمعنى يحسن السكوت عليه)[59]،"فقام زيد"، و"زيد مجتهد"، جملة، و"صه"جملة و"وإن تدرس تنجح"، جملة و"والله أن محمدا لرسول"،جملة؛ ذلك لأن كل مجموعة مما سبق تؤدي بلبنتها كلها معنى يحسن السكوت عليه ولو نقصت لبنة واحدة لاختل المعنى..
في أن الكلام عنده هو: (تآلف عدد من الجمل للوصول إلى معنى أعم مما هو في الجملة وأشمل، وعلى ذلك فقد كان القرآن كلام الله والشعر والنثر كلام العرب)[60].
أقسامها : لقد اعتبر خليل احمد عمايرة، أن اللغويين القدامى اعتمدوا في تقسيمهم للجملة اعتمادا كليا على الشكل أو المبنى دون المضمون أو المعنى، فكان من نتائج ذلك عدم وضوح الإطار الذي تنتظم فيه الجملة، وكان من نتائجه أيضا الخلط الواضح في إدراج بعض التراكيب اللغوية وحشرها في الإسمية أو الفعلية دون أن تقبلها، ودون أن يكون لهذا الحشر ما يبرره أو ما يستفاد منه،، كما في:"هيهات العقيق"، التي هي جملة فعلية مع أنهم يسمون "هيهات" اسم فعل، ومع أنها لا تقبل علامات الاسمية ولا علامات الفعلية ولا تشير إلى حدث أو زمن، ولا علاقة إسناد بينها وبين الاسم الذي يليها[61].
فهو يرى بأن هذا التحديد الذي جاء به النحاة لا يصلح لتصنيف الجمل في اللغة العربية، فهناك كثير من الجمل التي صدرها إسم ولكنهم أدرجوها في الفعلية، وأخرى صنفوها فعلية في حين أن لا فعل في صدرها، وهي التي يتصدرها الحرف عاملا أو مهملا نحو:"إن الله عليم"، "لا خير يطلب من منحرف"، "هل ينجح الكسول"[62].
وقد قسمها إلى قسمين وهما الجملة التوليدية الإسمية، والجملة التوليدية الفعلية:
أولا: الجملة التوليدية الإسمية: فيقول: ولها أطر نحصر أهمها فيما يلي:
أ) إسم معرفة + إسم نكرة كقولنا:"الجو جميل" .
ب) إسم استفهام + إسم معرفة نحو:"كيف الحكم".
ت) شبه جملة(ظرفية أو جار ومجرو)+اسم نكرة[63]،نحو:"اليوم خمر"،"في الدار زيد".
ثانيا: الجملة التوليدية الفعلية: فيقول:"ولها أطر نحصر أهمها فيما يلي":
أ) فعل + إسم(أو ما يسد سده ظاهرا أو مستترا كما في فعل الأمر) كقولنا:"قام زيد"، "أجلس".
ب) فعل + إسم + إسم (أو إسم مقترن بحرف جر)[64]. كقولنا:"شرح الأستاذ الدرس"، و"خرج المصلون من المسجد".
ولكن هذه الأطر جميعا في نظره قد يجري فيها تغيير في مبانيها الصرفية (المورفيمات) أو ما فيها ( فونيمات ثانوية) النبر والتنغيم فيترتب على ذلك تغييرا في المعنى وانتقال في تسمية الجملة، فتصبح الجملة جملة تحويلية في معناها، اسمية أو فعلية في مبناها.