د. غالب المسعودي: خطاب الأصالة بين الموروث والمعاصرة جدلية يجب أن تنتهي
إن سبل التصدي للخطاب الإبداعي في ضوء جدلية الأصالة والمعاصرة من ناحية تنظيرية لابد إن يتوافر متسع من الوقت و صفحات واسعة للنشر، لكن في هذه العجالة ستكون هناك عملية احتواء مختصرة من ناحية منظومية، كون الرجوع إلى (الكوزمولوجيا) ـ زمن البدايات ـ لهو عسير رغم انه متاح لو تصورنا انه حلم أو وهم. إن الماضي لحظة، والمستقبل دهر.. ونحن نعيش بين وهمين، لقد تكونت وتطورت حركة التاريخ والتنظير بفعل إسهام كبير قدمه مجموعة من المفكرين، والذي يحتوي وضعا معقدا قائما على وجود منظومة متعددة الإطراف، وان كانت طروحات الأصالة والمعاصرة والحداثة.. والحداثة الجديدة قمة انزياحات ورأس الهرم الخطي لهذا التصاعد الدراماتيكي للحدث المؤجل في تضاعيف الأطر الحضارية، وكرس بذلك الهيمنة الشاملة لمجموعة من الخطابات، أفرزتها (إيديولوجيات) متعارضة سحبت معها كل إشكال الصراع وان لم تكن بمنأى عن قانون التغيرات الاجناسية وقانون تثبيت اللحظة القدسية.. إذ أن ثمة قانوناً يسير كل عملية تكريس، وهو بحد ذاته عملية انتقال من حال إلى حال أو من مرحلة إلى أخرى. فعندما يكون الظرف الموضوعي وهو خارج فعالية الذات غير مناسب لهذه المعادلة، سيكون هناك نوع من الحوار (المونوكرامي) الذي قد يجهز على المنجز الإبداعي ، لذا على المبدع الفنان إن يعمل على كشف الواقع التاريخي مميزاً إياه بدقة عن تفسير وتقييم التيار الارثودوكسي، بالرغم من الإشكالات والصعوبات التي تنشأ عن ذلك، فحينما نستعيد في أذهاننا بداية متماسكة لكتابة تاريخ التحولات الكبرى بمداد الفن والفن التشكيلي بشكل خاص، والذي يجب أن يقترن بتوطيد أركان الخطاب الجديد وتخصيب الهوية بالحراك المعرفي الذي يمنح العمل الفني عنصر نماء دون تضبيب.. فجواد سليم من ناحية سيميائية تمثل هذه المعادلة الصعبة وأنجز نصبه في ساحة التحرير، وكان عملا تفتخر به الحضارة ولم يكن إلا شهيدا في محراب الفن العام.
وهو بالتالي نموذج في الانفتاح على الأصالة المتمثلة بركام تاريخي عظيم وهي حضارة بلاد الرافدين وما تمثله من تقنيات العصر، على الفنان أن ينشط كل الحواس كي يصل إلى انسجام ما.. كانسجام البن واليانع في الرؤية الطاوية، وهو بذلك يخوض تجربة كلية.. وهنا لابد من الإشارة بأن الوقائع التي يكتب عنها في الحاضر هي نتاج أحداث وممارسات خطط لها في حقبة سابقة، وتعمل في ضوء عصرها.. وهذا ما يجعل الوصول إلى النتيجة التالية امرأ ضروريا ومشروعا يمثل الحصيلة الحضارية العامة، وهو بحد ذاته قد يبدو إشارة لوجود مفارقة بين الواقع العيني والاستخدام الطوبولوجي للرمز، فهناك من يسعى إلى رفع التعمية عن الكلام وتجريد المرموز لإظهار المعنى.. والذي يؤدي بالتالي إلى عقلنه المطروح والتي قد لا تخلو من تسطيح.. وعلى النقيض من ذلك هنا ما اصطلح عليه (ايتالوجيا) المعرفة التي تؤدي بالتالي إلى تناقض ظاهري، ويكون تجاوزه وارداً حالما تتمثل أمام الفنان طبيعة العلاقة بين الواقع والفكر عموما، فهذه العلاقة ليست بسيطة ومباشرة، وبالتالي فهي لا تتم على نمط الصورة المر آتية، بل تتطلب من الفنان، كي يحيط بأبعادها يقظة جدلية.. أي أنها ستجسد الحصيلة الأكثر تماسكا وعمقا في التعبير عن الوعي التاريخي، والتي يستطيع الباحث فض أقنعتها وإعادتها إلى مصدرها الإنساني..
في العالم لا يوجد تقدم يسير بخط مستقيم، لذا وفي نطاق المطروح المتقدم يمنحنا الشرعية بأن نقول وعبر النتائج التي يصل إليها (الفنان ــ المفكر) في تخمين واستقصاء الملامح البعيدة غير المباشرة لطروحات الأصالة والمعاصرة والخروج بحصيلة مستقلة عن الاحتياجات وبوصف هذه الاستقلالية نسبية نوعا ما.. يمكن أن نقول إن استلهام الأصالة وصهرها في إناء الحاضر هي كلية تمثل انجازاً بأوعية غاية في التقدم ذات كفاءة عالية محورها الفنان الأصيل.. (اذ ليس الجمال عذباً إلا لشدة مرارته.. كما إن النعيم لا نحس به إلا في أعلى درجات الوهم...............!