-رِحْلَةُ مَدِيْح-
قصيدة في مدح الرسول محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم)
فِيْ الْدَّوْحِ تَشْدُوْ بِالْغِنَاءِ بَلابِلُ
وَالْبَالُ يَشْغَلُهُ شَجَىً وَبَلابِلُ
فَالْبَحْرُ مُمْتَدٌّ، أَوَدُّ عُبُوْرَهُ
وَالْطَّوْفُ مُرْتَعِشٌ، وَفِيْهِ تَمَايُلُ
مَاذَا جَرَى يَا شِعْرُ؟ كُنْتَ لِمَا أَرُوْ
مُ مُطَاوِعَاً، وَتَفِيْضُ مِنْكَ مَنَاهِلُ
أَسْعَفْتَنِيْ مِنْ قَبْلُ فِيْ نَظْمِيْ فَغَنْـ
ـنَتْ فِيْ الْفَيَافِيْ مَا نَظَمْتُ قَوَافِلُ
مَا بَالُ وَحْيِكَ مُعْرِضَاً لَكَأَنَّمَا
يُرْضِيْكَ خُذْلانِيْ؟ أَأَنْتَ الْخَاذِلُ؟
هِبْتُ الْقَصِيْدَ بِمَدْحِ مَنْ هُوَ قِمَّةٌ
وَخَشِيْتُ وَصْفِيْ أَنَّنِيْ مُتَطَاوِلُ
فَالْصَّحْبُ مِنْ حَوْلِيْ أَتَانِيَ قَوْلُهُمْ:
"سَبَقَتْكَ فِيْ مَدْحِ الْرَّسُوْلِ أَوَائِلُ
مَا أَنْتَ فِيْ فَنِّ الْقصِيْدِ نَظِيْرَهُمْ
فَهُمُ لَدَيْهِمْ فِيْ الْقَرِيْضِ مَنَازِلُ"
فَانْتَابَنِيْ مِنْ قَوْلِهِمْ مَا سَاءَنِيْ
وَطَغَى عَلَيَّ تَرَاجُعٌ وَتَخَاذُلُ
لكِنَّ حُبِّيْ لِلْرَّسُوْلِ أَعَانَنِيْ
أَنَا بِالْحَبِيْبِ وَحُبِّهِ مُتَفَائِلُ
فَأَجَبْتُهُمْ: "إِسْمُ الْرَّسُوْلِ وَذِكْرُهُ
فِيْ الْشِّعْرِ يُعْلِيْهِ، هُنَاكَ تَبَادُلُ
يَا قَوْمِ لا تَسْتَكْثِرُوْا مَدْحِيْ لَهُ
لِقَصَائِدِيْ وَعَلائِهَا أَنَا عَامِلُ
لَيْسَ الْرَّسُوْلُ بِحَاجَةٍ لِمَدَائِحِيْ،
لِلْشَّمْسِ، مَا يَعْنِيْ سَنَاً مُتَضَائِلُ؟
لكِنَّمَا شِعْرِيْ بِغَيْرِ اسْمِ الْنَّبِيْـ
ـيِ مُهَلْهَلٌ، وَالْلَّوْنُ مِنْهُ حَائِلُ"
قَدْ بِتُّ مِنْ نَظْمِيْ بِمَدْحِ مُحَمَّدٍ
مُتَهَيِّبَاً، لكِنَّنِيْ سَأُحَاوِلُ
كَثُرَتْ فَضَائِلُهُ وَجَلَّ عَدِيْدُهَا
يَا لَيْتَ شِعْرِيْ، مَا الَّذِيْ أَنَا قَائِلُ؟
مَاذَا أَقُوْلُ بِحَقِّ مَنْ هُوَ سَيِّدٌ
فِيْ الْنَّاسِ زِيْنَتُهُ عُلاً وَشَمَائِلُ؟
تَزْهُوْ بِسِيْرَتِهِ الْمَفَاخِرُ كُلُّهَا
هِيَ لِلْمَكَارِمِ رَوْضَةٌ وَخَمَائِلُ
أَخْلاقُهُ نَحْوَ الْسَّمَاءِ سَمَتْ بِهِ
وَعَلَى نُبُوَّتِهِ تَفِيْضُ دَلائِلُ
هُوَ قَالَ: "إِنِّيْ قَدْ بُعِثْتُ إِلَيْكُمُ
كَيْمَا تَتِمَّ مَكَارِمٌ وَفَضَائِلُ"
وَالْقَوْلُ مِنْهُ مُصَدَّقٌ بِفِعَالِهِ
إِنْ تُصْغِ تَسْمَعْ قَوْلَهَا: "هُوَ فَاضِلُ"
وَاللهُ قَالَ بِحَقِّهِ: "أُرْسِلْتَ مِنْـ
ـنَا رَحْمَةً لِلْنَّاسِ"، كَمْ ذَا هَائِلُ!
هُوَ رَحْمَةٌ لِلْنَّاسِ أَجْمَعِهِمْ فَكَمْ
لَهَجَتْ بِسِيْرَتِهِ الْرَّؤُومِ قَبَائِلُ
لِهَلاكِ حَمْزَةَ غِيْلَةً لَمْ يَنْتَقِمْ
لِلْتَّوْبِ مِنْ مُبْدِيْ الأَذَى هُوَ قَابِلُ
وَالْذِّكْرُ نَتْلُوْ فِيْهِ أَنَّ مُحَمَّدَاً
فِيْ خُلْقِهِ –دُوْنَ الْخَلائِقِ- كَامِلُ
مَا جَاءَ فِيْ الْقُرْآنِ مَدْحٌ مِثْلُهُ
عَنْ غَيْرِهِ، فَسَنَاؤُهُ مُتَكَامِلُ
وَالْمَدْحُ مِنْ رَبِّ الْسَّمَاءِ كَرَامَةٌ
نِعْمَ الْمُنِيْلُ وَنِعْمَ نِعْمَ الْنَّائِلُ
مِعْرَاجُهُ فَخْرٌ يُعَظِّمُ قَدْرَهُ
للهِ فِيْ عَلْيَائِهِ هُوَ وَاصِلُ
-حَاشَاهُ- لَمْ يَتْرُكْ رِسَالَةَ رَبِّهِ
فَاللهُ فِيْ عَيْنِ الْنُّبُوَّةِ مَاثِلُ
ذُوْ الْعَزْمِ لَمْ يَخْضَعْ لإِغْرَاءٍ وَلَمْ
يَأْتِ الَّذِيْنَ سَعَوْا لِذلِكَ طَائِلُ
مَا الْشَّمْسُ فِيْ يُمْنَاهُ، أَوْ قَمَرٌ بِيُسْـ
ـرَى مِنْهُ، عَنْ نَشْرِ الْرِّسَالَةِ حَائِلُ
قَدْ حَطَّمَ الأَصْنَامَ لَمَّا جَاءَهَا
-فِيْ فَتْحِ مَكَّةَ- فِيْ يَدَيْهِ مَعَاوِلُ
لَمْ يُبْقِ مِنْ وَثَنٍ، وَلَمْ يَقْبَلْ لَنَا
رَبَّاً سِوَى الْرَّحْمنِ، غَيْرُهُ بَاطِلُ
لا رَبَّ غَيْرَ اللهِ يُقْصَدُ وَجْهُهُ
فَلْيَسْأَلِ الْرَّحْمنَ مَنْ هُوَ سَائِلُ
لا تَعْبُدُوْا رَبَّاً سِوَاهُ وَحْدَهُ
يَا أُمَّتِيْ لَيْسَتْ هُنَاكَ بَدَائِلُ
لَمَّا اسْتَجَابَ لَهُ صَحَابَتُهُ غَدَوْا
فَخْرَ الْوَرَى، وَالْكُلُّ فِيْهِمْ فَاضِلُ
صَارُوا بِعَالَمِهِمْ أَعِزَّةَ أَهْلِهِ
وَتَزَيَّنَتْ بِهِمُ لِذَاكَ مَحَافِلُ
فَتَحَ الْمَمَالِكَ جُنْدُهُ فِيْ عِزِّهِمْ
إِبَّانَ سَارَتْ لِلْفُتُوْحِ جَحَافِلُ
نَشَرُوْا شُعَاعَ الْنُّوْرِ حِيْنَ فُتُوْحِهِمْ
أَيَّامَ دُكَّتْ لِلْظَّلامِ مَعَاقِلُ
وَالآنَ –وَاأَسَفَاهُ- بِتْنَا غَيْرَهُمْ
كَمُتَوَّجٍ عَنْ عَرْشِهِ هُوَ نَازِلُ
عِفْنَا الْرِّيَادَةَ كُلَّهَا لِعَدُوِّنَا
فِيْ غَفْلَةٍ، إِنَّ الْتَّقَهْقُرَ شَامِلُ
وَغَدَا الأَسَى فِيْ الْقَلْبِ يَعْصِرُ مُهْجَتِيْ
لِهَوَانِنَا أَرْنُوْ، وَدَمْعِيَ هَاطِلُ
وَالْنَّاسُ حَوْلِيَ يُكْثِرُوْنَ سُؤَالَهُمْ:
"لِمَ حَظُّنَا دُوْنَ الْبَرِيَّةِ مَائِلُ؟"
وَالْسِّرُّ فِيْ هذَا لَدَيَّ جَوَابُهُ
فَلْيَسْتَمِعْ لِيْ مَنْ بِهِ هُوَ جَاهِلُ
لَوْ لَمْ نَحِدْ فِيْ الْنَّهْجِ عَمَّا جَاءَنَا
مِنْ هَدْيِهِ مَا احْتَلَّ أَرْضِيَ سَافِلُ
وَلَمَا تَطَاوَلَ فِيْ بِلادِ الْكُفْرِ مَنْ
بِنَبِيِّنَا اسْتَهْزَا، وَتَبَّ تَطَاوُلُ
-حَاشَاهُ- قَدْ خَالُوْهُ مَاثَلَ بَعْضَنَا
هَيْهَاتَ أَنْ يُلْقَى هُنَاكَ تَمَاثُلُ
لَوْ أَنَّهُمْ يَدْرُوْنَ مِثْلِيَ نُبْلَهُ
نَدِمُوْا، وَمَا كَانُوْا عَلَيْهِ تَحَامَلُوْا
عُوْدُوْا إِلَى نَهْجِ الْنَّبِيِّ وَهَدْيِهِ
مَنْ لَمْ يَعُدْ هُوَ فِيْ الْحَقِيْقَةِ غَافِلُ
لَنْ يُرْجِعَ الإِسْلامُ سَابِقَ عِزِّهِ
مَا لَمْ يُعِدْهُ مَعَ الْنَّبِيِّ تَوَاصُلُ
مَا عِشْتُ سِرْتُ عَلَى خُطَاهُ وَإِنَّنِيْ
رَاجٍ شَفَاعَتَهُ، وَفِيْهَا آمِلُ
وَالْشِّعْرُ صَوْتٌ صَادِحٌ أَشْدُوْ بِهِ
هُوَ لِلْعَقِيْدَةِ سُلَّمٌ وَوَسَائِلُ
فَقَصِيْدَتِيْ بَوْحٌ يُؤَكِّدُ أَنَّنِيْ
لِلِوَاءِ حُبِّ مُحَمَّدٍ أَنَا حَامِلُ
يَا رَبِّيَ اقْبَلْ مَا أُقَدِّمُ، وَلْيَكُنْ
فِيْ خِدْمَةِ الإِسْلامِ مَا أَنَا فَاعِلُ
فَلَقَدْ أَتَى بَيْنَ الْبُحُوْرِ الْكَامِلُ
فَرَكِبْتُهُ فِيْ مَدْحِ مَنْ هُوَ كَامِلُ
وَالْطَّوْفُ أَوْصَلَنِيْ نِهَايَةَ رِحْلَتِيْ
مُتَسَائِلاً: "أَلِبُغْيَتِيْ أَنَا وَاصِلُ؟"
د. هشام الكاتب
رئيس قسم صحة المجتمع
المعهد التقني/ الموصل
1431 هـ