تنوعت المسائل التي وجهت بالتوهم في الكتب النحوي التراثية ، فيدخل التوهم في الجر والرفع والنصب والجزم ، ويدخل الأفعال والأسماء على حدٍّ سواء، .. بل إن بعض النحاة والصرفيين يوجهون بعض حالات الاشتقاق والتصريف بالتوهم ..
وسنبدأ بالجر على التوهم كون في هذا الباب أشهر مسائل التوهم وأكثرها ..
الجر على التوهم
الجرّ لايكون إلا في الأسماء، إذ جُعل علامةً عليها، والجر يكون بأحد ثلاثة أشياء : إمَّا بالإضافة أو بالحرف أو بالتبعية .
والجر بالحروف يكون بحروف أسماها البصريون حروف الجر وعُرفت عند الكوفيين بحروف الإضافة، وهي عشرون حرفاً، لها معانٍ مختلفة، إذا كانت أصلية في الكلام، أي لا تتمّ العبارة إلا بها؛ شكلاً ومعنىً. وتكون زائدة في التركيب النحوي ، والمعنى يستقيم من دونها في تراكيب أُخر، ومن الحروف التي تزاد : الباء، وهي تزاد لتأكيد النفي في الفاعل والمفعول مشروط بسبقها بنفي، وفي خبري ليس و(ما) الحجازية العاملة عمل ليس، فتعمل في أخبارها الجر لفظاً، ويكون محلها النصب، فإذا عطفنا عليها جاز الجر على اللفظ، والنصب على الموضع، وهو مايسمى بالعطف على التوهم.
والجر على التوهم ضربان: أحدهما: على توهم عامل أعمل الجر في المعطوف عليه، والآخر يكون بتأثير الجوار، وهو ما يُسمى :الإتباع على المجاورة، أما الأول فعلى قسمين:
لقسم الأول: توهم حرف جر زائد للتوكيد عاملاً في المعطوف عليه، كثيراً ما يرد، نحو: توهم دخول الباء على خبر ليس المنفي، فيعطف عليه بالجر، على الرغم من كونه منصوباً، ومنه قول الشاعر:
بدا لي أني لست مدركَ ما مضى * * * ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائيا (1)
وقد فسّره سيبويه بقوله : " وكأنهم قد أثبتوا في الأول الباء" (2).
ومثله قول الآخر:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرةً * * * ولا ناعبٍ إلاَّ ببين غُرابُها (3)
واشترط ابن مالك " لجوازه؛ صحة دخول ذلك العامل المتوهم " (4)، ويوافقه ابن هشام (5)، ويستحسنه إذا كثُر دخوله، وتَتْبَعُ (ليس) في ذلك شبيهتها (ما) الحجازية، ومنه قول الشاعر:
ما الحازم الشهم مقدماً ولا بطلٍ * * * إن لم يكن للهوى بالعقل غلاّبا(6)
_________________________________________
1- ورد هذا البيت في كتاب سيبويه في (1/165، 306) و(2/155) و(3/29، 51، 100) و(4/160) بخفض (سابقٍ) إلا في موضع واح في (1/165)، وقد نُسب إلى زهير في جميع المواضع إلا في (1/306) نُسب إلى صرمة الأنصاري، والجدير بالذكر أن البيت يرد في ديوان زهير برواية (ولاسابقي شيء) وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه من هذه الجهة، كما جاء في المغني برقم 135 (1/96) بنصب (سابقاً) وجاء في (1/288) و(2/460، 476، 478، 678) بالجر.
2-الكتاب: سيبويه، 3/100، 101.
3- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لأبي محمد عبد الله ب هشام الأنصاري، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الشام للتراث ، بيروت،(د.رقم ط) (د.ت).
4-شرح التسهيل : لابن مالك جمال الدين محمد بن عبد الله الطائي الجياني الأندلسي(ت672ه)، تح: د.عبد الرحمن السيد، ود.محمد بدوي المختون هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط(1)، 1990م، 1/385.
5- المغني: ابن هشام، 2/476.
6- شرح التسهيل: ابن مالك، 1/ 386.