المسار الفني والروائي للطاهر وطار الباحث: حمو عبد الكريم 25/06/2011 .
المركز الوطني للبحث في الانتربولوجيا الاجتماعية والثقافية وهران
ولد الروائي الطاهر وطار في عام 15 أوت 1936م بدائرة سدراتة في سوق أهراس، كَبُر في بيئة ريفية وأسرة أمازيغية، وَرِث عن جده الكرم والأنفة، وورث عن أبيه الزُّهد والقناعة والتواضع، وَوَرِث عن أمه الطموح والحساسية المرهفة، أرسله أبوه إلى ولاية قسنطينة ليتعلم علوم الشّرع في معهد عبد الحميد بن باديس عام 1952م، وهناك إطّلع على مؤلفات جبران خليل جبران ومخائيل نعيمة وزكي مبارك وطه حسين ومصطفى صادق الرافعي ورويات ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة للمقفع.
انتقل إلى جامع الزيتونة بتونس عام 1954م، وزاد في طلب العلوم وتعلم الفنون الأدبية كالقصة والمسرحية والرواية حيث كتب قصة وبعث بها إلى جريدة الصباح التونسية وأعجب برواية خان الخليلي لنجيب محفوظ وكتابات إحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم . وبعدها رجع إلى الجزائر وانظم إلى جبهة التحرير الوطني من تاريخ 1956م إلى سنة 1984م، وخلال هذه الفترة تعرف الطاهر وطار على أدب الملاحم والسّير وتعرف على القصص والمسرحيات العربية والعالمية باللغة العربية وباللغة الفرنسية.
شَّغل منصب مدير عام للإذاعة الجزائرية سنة1991م، وكرَّس حياته للعمل الإبداعي والثقافي في الجزائر، وترأس الجمعية الثقافية الجاحظية 1989م، ونال جائزة الشارقة لخدمة الثقافة العربية2005م.
إنتاجه المعرفي والثقافي:
أسس في سنة 1962م أسبوعية الأحرار بمدينة قسنطينة، ثم انتقل إلى العاصمة وأصدر أسبوعية أخرى بعنوان الجماهير، وكلتا الجريدتين وُئدت في مهدهما. وفي سنة 1973م أسّس أسبوعية الشّعب الثقافي، وتم إيقافها في سنة 1974م لأنها كانت مَنبراً للاتجاه اليساري أنذاك.
العمل القصصي: أذكر منها: دخان في قلبي- الطعنات- الشّهداء يعدون هذا الأسبوع.
العمل المسرحي: أذكر منها: على الضفة الأخرى – الهارب.
العمل الروائي: أذكر منها: اللاَّز- الزِّلزال – الحوات والقصر – عرس بغل- العشق والموت في الزمن الحراشي – تجربة في العشق – رُمانة – الشّمعة والدهاليز – الولي الطاهر يعود من مقامه الزكي – الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء.
لقد أصبحت أعماله المسرحية والروائية مرجعية ثقافية وإبداعية لكل مخرج مسرحي أو فنان تلفيزيوني، حيث عُرضت قصة دخان في قلبي إلى فيلم جزائري وحَصَدت عدة جوائز، وأُقتبست قصـة الشّهداء يعودون هذا الأسبوع إلى مسرحية نالت الجائزة الأولى في مهرجان قرطاج بتونس، ومُثِّلت مسرحية الهارب على خشبة المسرح المغربي والتونسي.
قال عن نفسه:
الطاهر وطار تجربة إبداعية متنوعة ومتميّزة، يحمل مشروعاً ثقافياً، تحرى فيه رغبة المجتمع في صورته المتكاملة وعمقه التاريخي، اتخذ شعار" لا إكراه في الرأي" ليثت ما يعتقدُه صحيح.
* إنَّ همَّه الأساسي الوصول إلى الحد الأقصى الذي يمكن أنْ تبلغه البرجوازية في التضحية بصفتها قائدة التغيرات الكبرى في العالم.
* إنَّه في حد ذاته التراث وبقدر ما يحضره بابلو نيرودا يحضره المتنبي أو الشنفرة.
* أنا مشرقي طقوسي في كل مجالات الحياة، وإن معتقدات المؤمنين ينبغي أنْ تُحترم، وعندما سُئِل بماذا تحب أنْ يذكرك الناس بعدما ترحل؟ قال : أريد أن يذكروني بأني كنت صادقاً كالشُّهداء.
الكتابة والتأليف عند الطاهر وطار:
إنَّ الحركة الأدبية ذات صلة وثيقة بالمجتمع المعاش، فقد كان الأديب دائما ضمير الأمة وصدى همومها وطموحها ولسانها المعبر، داعياً دائماً إلى سعادة الإنسان وصيانة كرامته وشرفه، ناصباً عدائه لكل أشكال الظلم والمعاناة وكل أساليب الاغتصاب الفكري والاستلاب الثقافي."والأديب الناجح لا يتأثر بالمجتمع ورموزه فحسب، وإنما يُؤثر في المجتمع كذلك، والفن عندئذ يغدوا إدراكا للحياة وليس مجرد الوقوع في أسر وَاقعها" لم يكن وطار كاتباً مُكثراً في كتاباته، فرواياته تعد على الأصابع، إذْ لم يكن لديه ما يقوله يتوقف عن الكتابة، فليس المهم الكم، النّوع هو المهم، فهو لا يريد أن يُكرٍر نفسَّه، وقد تشكلت الكتابة لديه في منحيين:1- المعايشة 2- التدوين.
1- المعايشة: هو حضور الموضوع في ذهن المؤلف يبدل ويغير يعيش لأجل الموضوع يُردِد فكره ويطرح رأيَّه مِثله مِثل الشُّعراء الجاهلين الذين كانوا يتركون أشعارهم حولا كاملاً "فمن شُّعراء العرب من كان يَدَع القصيدة تمكث عنده حولا كريثاً وزمنا طويلاً، يُردد فيها نظره، ويُجيل فيها عقله، ويقلب فيها رأيه، اتهاماً لعقله، وتتبعاً على نفسه، فيجعل عقله زماماً على رأيه، ورأيه عياراً على شعره، إشفاقاً على أدبه، وإحرازاً لما خوله الله من نعمته، وكانوا يسمون تلك القصائد الحوليات والمقلدات والمنقحات والمحكمات، ليصير قائلها فحلاً خنذيذاً، وشاعراً مفلقاً» . فالنَّص الأدبي لا يحقق وجوده ولا يحقق حريته إلا باللغة وعن طريق اللغة، وهو يحتم على السّارد أن يكون نصه فيه إبداع، محافظا على شاعريته حتى لا تتغلب عليه الفنتازية أو الإيديولوجية الخرقاء "ويظل العمل الأدبي في جوهره عملاً أدبياً جمالياً مبنياً وفق قوانين وأبنية داخلية تسلح بها الكاتب نتيجة إطلاعه على الموروث وإطلاعه على التيارات الأدبي..."
2- التدوين: بعد اختمار الموضوع في ذهن المؤلف تأتي مرحلة الكتابة، والكتابة عند وطار لها طقس خاص، فهو يكتب عندما يرى أنه جاهز للكتابة، كل يوم من السَّاعة التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءاً بنفس واحدة ولمدة خمسة عشرة يوم أو عشرين يوم، فالموضوع هو الذي يحدد المدة الزمنية التي يستغرقها، والموضوع له علاقة بالشّكل الروائي، حيث لا يمكننا كتابة روايتين أو ثلاث روايات بقالب واحد، بل كل موضوع له شكله وحجمه وأشخاصه-إنني يقول وطار- أحدد منذ الأول أبعاد شخصياتي، أبعاد جميعها وبِشَّكل مستقل عن ذاتي كروائي، وتكون الشُّخوص الروائية مستقلة تتصرف حسب تأهيلها وتكوينها ومقوماتها وأسلوبها في الحياة ودور الروائي هو مجرد راصد لحركات وصدمات الشَّخصيات، ولذلك تجد الموضوع طبيعياً لا اصطناعياً فأثناء الكتابة أضع نفسي موضع النائم وللنائم حلم وعلم ورؤية صادقة.
المسار الروائي:
لقد شكلت الثورة التحريرية والاختلافات التي وقعت في جبهة التحرير الوطني مع تيار الحزب الشيوعي مادة الجزء الأول من رواية اللاز، وقد تمظهرت الكتابة السياسية والإيديولوجية بشكل واضح في رواياته، بل إنه يفتخر بهذه الصفة قائلا:" أنا فخور بأنني كاتب سياسي متخصص في حركة التحرر العربية عامة والجزائرية خاصة"
فعلاقة الأديب بالمجتمع علاقة مسلم بها، ولا يختلف اثنان في جحودها، "فالروائي يعيش واقع الناس ولكنه يعيد إنتاجه، وإعادة الإنتاج هي موقف وموقع، موقف من العالم، وموقع لتلقي العالم، كلاهما يسمح بإعادة تشكيل العالم وبنائه من جديد"
كل شخوص روايات الطاهر وطار نابعة من الواقع، سواء ما تعلق بالثَّورة التحريرية أو الصراعات الفكرية، أو الأحداث السياسية الجزائرية ومواضيعه جعلته رجلاً واقعياً وصادقاً مع ذاته ومع الآخرين، فيرى أن حركات التغير في العالم لها دورات معينة وهي تلبية فعلية لحاجة ملحة، والثَّورات تبدأ عندما يحتاجها النّاس فيظهر الداعية أو الزعيم، ولأن النّاس في حاجة إليه تمشي خلفه وتُؤيده، ثم في مرحلة ما تتخلى عنه، ثم تأتي دورة أخرى ويحتاج النّاس إلى نمط جديد وهذا بالنسبة لي-يقول وطار- ضمن التركيبة العقلية للناس، وهذه الرؤية حاول التعبير عنها في رواياته ووُفِق في التعبير عنها.
وصورة الشهداء حاضرة في رواياته وقدَّم الشُّهداء برمزيتهم المقدسة وصَوَر الفِداء فيها، وأضاف إليها فكرة الشَّهيد في التراث الروائي العربي، فقصته الطويلة" الشُّهداء يعودون هذا الأسبوع" قدم صورة ساخرة وكوميدية عن مآلات الثورة والثوار وإشكالية الشَّهيد العائد من قبره، لأن القصة لا تَطرح مُعظلة من يعودون إليهم الشُّهداء بل يطرح الشُّهداء أنفسهم والذين سيواجهون مشاكل ممن انتقموا منهم أثناء الثورة. إن راويات وطار جزء منه أو فيها الكثير منه، فزيدان في "اللاَّز" هو صورة عن ثقافتة الماركسية، وهي نتيجة للصراع الذي بدأ داخل الثوار أنفسهم، والحاج كيان في "عرس بغل" هو ثقافته الزيتونية وأبو الأرواح في"الزلزال" هو ثقافته التراثية العريقة.
في رواية «اللاَّز» البطل ليس شّخصاً بعينه، إنما هو الشّعب بأكمله وهو الثورة أيضاً. فإن زيدان الشخصية الرئيسة في الرواية يقتل ذبحاً من الثّوار بعد أن يرفض الانفصال عن الحزب الشيوعي الجزائري، وكان شرط جبهة التحرير الوطني أن ينضمّ الأفراد إلى الثورة فرادى متجردين من انتمائهم السياسي، وهذا ما حدث مع زيدان. لكن انضمام زيدان الفردي إلى الثَّورة لم يكن مرفقاً مع انسلاخه عن الانتماء السياسي للحزب الشيوعي، وهذا ما كانت ترفضه جبهة التحرير الوطني، ومن هذا المنطلق وقع الصِّدام بين زيدان ورفاقه الشيوعيين من جهة وقيادة الثورة من جهة ثانية، هذا الصدام الذي كانت نتيجته إعدام زيدان بمعية رفاقه وأمام عيني اللاَّز الذي ظل يقف مشدوها لا يصدق عينيه، انفجرت الدماء من قفا أبيه فصاح في رعب: «ما يبقى في الواد غير حجاره»
ففي"اللاز" يقدم شخصية (اللاز اللَّقيط) ومن خلاله يعكس واقع مجتمع هجين يتحول عن مبادئه سريعاً، وفي"الزلزال" تواجه الثورة المناوئين لها فشخصية(أبو الأرواح)المتخلف ينحاز إلى نفسه لا إلى المجتمع، وفي "العشّق والموت في الزمن الحراشي" يقدم شباب الجامعة ومساهماتهم في دعم الثورة الزراعية.
وفي روايته "الشَّمعة والدَّهاليز"- نجد وطار يقدم تصوره عن الوضع الحالي لأزمات بلاده...كما نجده في حالة من المتعة ينظر إلى الأزمة الجزائرية وكأنها أشبه بدهاليز لا يمكن أن تفضي إلى شيء...فالشَّخصيات وعوالمها في حالات ومواقف مختلفة غير مستقرة، ولم تبن حضورها على مواقف ثابتة، بل هي في وضع قلق ومتوتر وصعب على صعيد الذات والجماعة معا...
لكنه في"الحوات والقصر" يكشف عن قوى مصطنعة خرجت من الحضيض لتثري وتنحل البراءة والمباشرة، فقد لجأ إلى الأسطورة واتخذها رمزاً لتقديم أحداث روائية، حيث نجد أن (شخصية علي الحوات شخصية شعبية تحمل قدراً كبيراً من النبل، ومناسبة إنقاذ(صاحب الجلالة) من مؤامرة استهدفت حياته، فصار علي الحوات اختيار سمكة سحرية ملونة نادرة كان قد اصطادها وأن يحملها هدية إلى قصر صاحب الجلالة. وعلي الحوات صياد يتيم من قرية (الصراحة والتحفظ) وقد عمل لكي يصل بسمكته التي (تزن سبعين رطلاً وبها تسعة وتسعون لوناً، وتعيش في الماء مثلما تعيش في البر...وفي النهار سمكة وفي الليل امرأة كان عليه أن يمر بقرى: (الأعداء)وسط الاحتجاجات والتساؤلات... ومن ثم عليه أن يمر بالحرس وأن يشرح لكل قرية مهمته وأن يقدم للحرس هدايا...ليتيحوا له فرصة دخول القصر.
وكانت رحلة علي الحوات في المرة الأولي قاسية، فقد كانت القرى تطلب إليه أن يحمل همومها ومشكلاتها إلى القصر لا أنْ يقدم هديته ويسكت...وجراء قناعته قطعت ذراعاه وقيل أمام صاحب الجلالة بأن علي الحوات كان سارقاً وقطع لسانه وسُوِغ الأمر على أنه أبكم، وحين كشف عن بقية ضئيلة من حياته قيل أنه مجذوم، وقد قال كلمات نابية فعوقب بما يستحق، وحين بكي الحوات، قال أحد الحاضرين أنه يستشعر ظلماً، ففقأت عيناه لأن الظلم غير قائم في السلطنة...وحين خرجوا بعلي الحوات لمس موضع القلب من صدره وود لو كان بإمكانه أن يقول لهم...إلَّا هذا لن تنالوه مني، إنّه الموضع الوحيد الذي تقووا على تشويهه، ويروي لنا وطار بقية الأسطورة حيث يقال إنّ علي الحوات رُفع من القصر بقوة خارقة وصارت السَّمكة التي كانت بإحدى برك القصر حصاناً بسبعة أجنحة، امتطاه علي الحوات وطار به إلى وادي الأبكار،كما وأن الجنية الشَّبْقَة أعادت له كل الأعضاء التي فقدها وتزوجته ويقال أيضا
إن دموع علي الحوات أغرقت القصر في فيضان، ويخْتم وطار روايته بالتصريح في الأسطر الأخيرة قائلا
المهم إن الحقيقة تجلت، وإنَّ الأعداء لن يستطيعوا أن يمنعوه من التعبير عن الخير الذي جاء يسم العصر به
الخاتمة:
يعمل الأديب عل تطويع لغته لتشكيل نَّصه، ولا يمكن أن يتأتى له بناء شّكل روائي خارج المجتمع الذي يعيش فيه، إنَّه يعيش في المجتمع بمعناه الواسع، بكل ما تحتويه من علاقات اجتماعية وأطر ثقافية، وما يحكمه من قيم ومفاهيم، أي إنَّه ثمة عناصر كائنة تؤثر وتشَّكل فكره ومستقبله."فالرِّواية عمل أدبي يفترض فيها أن تحتوي نظاماً فكرياً معيناً، أو رؤية كلية أو جزئية للحياة تصُوغها وِفق معايير فنية تجعل منها في النِّهاية كياناً فنياً يجوز وصفه بالرِّواية"
وإذا كانت الرِّواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية قد ركزت على تشخيص مظاهر البؤس والحرمان والتخلف قبل الثَّورة التََّحريرية، والمتمثلة في كتب محمد ديب، وكاتب ياسين، ومولود معمري، ومالك حداد وتحمل أحاسيسهم بصدق عميق باللغة الفرنسية إزاء وطنهم وعبروا عن الواقع الجزائري قبل الثورة. فإنَّ الرِّواية الجزائرية المكتوبة بالعربية حاولت أنْ تشير إلى أحداث الثورة الوطنية، ثم الخوض في الحديث عن ثورة البناء والتشييد التي انتشلت الفلاح والعامل الجزائري من بؤرة الفساد والتخلف، فكان وطار يكتب عن واقع الجزائر بعد الثَّورة و يعمد إلى المجيء بدلالات ووعي هذا الواقع الحاصل وما هو عليه، والواقع البديل.