إذا وقتُ السّعادَةِ زالَ عَنّي، | فكِلني، إن أردتَ، ولا تُكَنّي |
نَبذتُ نَصيحتي أنْ رثّ جِسمي، | وكَمْ نَقَعَ الغَليلَ خبيءُ شَنّ |
وقد عَدِمَ التّيَقّنُ في زَمانٍ، | حَصَلنا من حِجاهُ على التّظَنّي |
فقلنا للهِزَبْرِ: أأنْتَ لَيثٌ؟ | فشكّ وقالَ: عَلّي، أو كأنّي |
وضعتُ على قَرى الأيّامِ رَحْلي؛ | فَما أنا للمُقامِ بمُطْمَئِنّ |
ولا قتَبي على العَوْدِ المُزجّى؛ | ولا سَرْجي على الفَرَسِ الأدَنّ |
ولكنْ تَرْقُلُ السّاعاتُ تَحتي، | بَرِئنَ من التّمكّثِ والتّأنّي |
أحِنُّ وما أجُنُّ سوى غَرامٍ، | بغَيرِ الحقّ من حِنٍّ وجِنّ |
نصَحتُكِ، ناقتي، سَلَبي ونفسي، | ونحرُكِ في الحَنينِ، فلا تَحِنّي |
أضيفَ الفَقرِ! ضيفَنُكَ ادّلاجٌ؛ | فهل لكَ، من ذؤالةَ، في ضِفَنّ؟ |
عِنًى وتصعلُكٌ، وكَرًى وسُهدٌ، | فقَضّينا الحَياةَ بكلّ فَنّ |
زَمانٌ لا يَنالُ بَنوهُ خَيراً، | إذا لم يَلحَظوهُ مِنَ التّمَنّي |
عَرَفتُ صُرُوفَهُ، فأزَمتُ منها | على سنّ ابنِ تجرِبَةٍ، مُسنّ |
وأفقَرَني إلى مَنْ لَيسَ مثلي، | كما افتَقَرَ السّنانُ إلى المِسَنّ |
أنا ابنُ التُّرْبِ، ما نَسبي سِواهُ، | قلَلتُ عن التّسَمّي والتّكَنّي |
إذا ألهمَتني الغَبراءُ، يوماً، | فقَدْ أُمِنَ التّجَنَبُ والتَجَنّي |
وما أهلُ التّحَنّؤِ والتّحَلّي، | إلى أهلِ التّحَلّؤِ والتّحَنّي |
ويكفيكَ التّقنّعُ، من قريبٍ، | عَظائمَ ليسَ تُبْلَغُ بالتّوَنّي: |
صريرَ الرّمحِ في زَدَدٍ منيعٍ، | وَوَقْعَ المَشْرَفيّ على المِجَنّ |
وحَمْلَ مُهَنّدٍ يَسطو بعَيرٍ | وفُورٍ، ليسَ بالأشِرِ المُرِنّ |
ولا شلاّلِ عاناتٍ خِماصٍ، | ولكنْ خيلِ جيشٍ مُرْجَحَنّ |
يَرى عَذْمَ الأوابدِ غَيرَ حِلٍّ؛ | ويَعذِمُ هامةَ البَطلِ الرِّفَنّ |
وما يَنفَكُّ مُحتَمِلاً ذُباباً، | أبَى التّغريدَ في الخَصِرِ المُغِنّ |
تَذوبُ، حِذارَهُ، زُرْقُ الأعادي، | ويَسخَى، بالحياةِ، حليفُ ضَنّ |
ويَنفُثُ في فَمِ الحَيّاتِ سُمّاً، | ويَملأُ ذِلّةً أنفَ المُصِنّ |
وخرقُ مفازَةٍ كُسِيَتْ سَراباً، | يُعَرّي الذئبَ من وَبرٍ مُكِنّ |
شكَتْ سَحَراً من السَّبراتِ قُرّاً، | فأوسَعَها الهَجيرُ من القُطُنّ |
وتَعزِفُ جِنُّها، والليلُ داجٍ، | إذا خَلَتِ الجنادِبُ من تَغَنّي |
يَخالُ الغِرُّ سَرْحَ بني أُقَيْشٍ، | يؤنَّقُ، في مراتِعها، بسَنّ |
أراكَ إذا انفَرَدتَ كُفيتَ شَرّاً، | من الخِلِّ المُعاشِرِ والمِعَنّ |
ومن يحمِلْ حقوقَ النّاسِ يوجَدْ، | لدى الأغراضِ، كالفرَسِ المُعَنّ |
أتَعجَبُ من ملوكِ الأرضِ أمسَوا، | للذّاتِ النّفوسِ، عبيدَ قِنّ؟ |
فإنْ دانَيتَهُمْ لم تَعدُ ظُلماً، | ومَنّاً في الأمورِ بغَيرِ مَنّ |
نهَيتُكَ عن خِلاطِ النّاسِ، فاحذرْ | أقارِبَكَ الأداني، واحذَرَنّي |
وإنْ أنا قُلتُ لا تَحمِلْ جُرازاً، | فهُزّ أخا السّفاسقِ واضرِبَنّي |
فنَصلُ السّيفِ، وهو اللُّجُّ يَرْمي | غَريقاً، فوقَ سِيفٍ مُرْفَئِنّ |
وضاحيهِ يُزيلُ غُضُونَ وجهٍ، | ويبسطُ من وِدادِ المكْبئِنّ |
فَما حَمَلتْ يداهُ بهِ خَؤوناً، | ولا نَبَراتُهُ نَبَراتُ وَنّ |
سَنا العيشِ الخمولُ، فلا تقولوا: | دَفينُ الصّيتِ كالمَيتِ المُجَنّ |
وتؤثرُ حالةَ الزِّميتِ نَفسي، | وأكرَهُ شيمةَ الرّجلِ المِفنّ |
كفَى حُزناً رحيلُ القومِ عنّي، | وليسَ تَخَيّري وطنَ المُبِنّ |
تَبَنَّوا خَيمَهُمْ، فوُقُوا هَجيراً | وأعْوَزَني مَكانٌ للتّبَنّي |
يُصافحُ راحَةً باليأسِ قلبي، | ولَدْنُ الشَّرخِ حُوّلَ من لدُنّي |
وما أنا والبكاءَ لغَيرِ خَطبٍ، | أُعينُ بذاكَ من لم يَستَعِنيّ |
حسِبتُك لو توازنُ بي ثبِيراً، | ورَضوى في المكارِمِ، لم تَزِنّي |
وما أبغي كِفاءكَ عن جَميلٍ، | وأمّا بالقَبيحِ فلا تَدِنّي |
ولا تَكُ جازِياً بالخَيرِ شَرّاً، | وإن أنا خُنتُ في سَبَبٍ، فخُنّي |
جليسي ما هَوِيتُ لكَ اقتراباً، | وصُنتُكَ عن مُعاشرَتي، فصنّي |
أرى الأقوامَ خَيرُهمُ سَوامٌ، | وإن أُهنِ ابنَ حادِثَةٍ يُهِنّي |
إذا قُتِلَ الفتى الشِّرّيبُ منهمْ، | فلا يَهجِ الغرامَ كَسيرُ دَنّ |
رأيتُ بني النَّضيرِ، من آل موسى، | أعارَهمُ الشّقاءُ حطيمَ ثِنّ |
سَعَوْا، وسَعَتْ أوائلُهم لأمرٍ، | فَما رَبحوا سوى دأبٍ مُعَنّي |