الأستاذ الفاضل/ د. جلال فتحى سيد
تحية تقدير وإجلال، وبعد:
شكرا على مساهماتكم الرائعة وتعليقاتكم المشجعة، وبارك الله فيكم.
ويسعدني تلبية لطلبكم الكريم أن ألقي نظرة موجزة عن الدلالات التى يخرج لها الاستفهام عن معناه غير التعجب:
المعنى الحقيقي لأدوات الاستفهام هو طلب العلم بالشيء، أو فهمه، وقد تخرجُ هذه الأدوات عن معناها الأصليِّ إلى معان مجازية بلاغية، أهمُّها:
1 - الأمرُ، كقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (المائدة/91) أي انتهوا , وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ...) ؟(الفرقان / 20). أي اصْبِرُوا.
2 - النهيُ، كقوله تعالى بشأنِ الحث على قتال أئمة الكُفر: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (التوبة/13).. أي لا تخشوهم، لأنّ الله ناصركم عليهم. وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ / الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ) (الانفطار6-7) أي: لا تغتَرَّ بربّك.
3 - التسويةُ، ويكون في الاستفهام الداخل على جملة يصحُّ حلول المصدر محلّها، ويأتي بَعْدَها معادلٌ.كقوله تعالى: (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (يس/10) أي: استوى إنذارهُمْ وعَدَمُهُ.
4 - الاستئناسُ، فقد يقصد المتكلم من الاستفهام أن يؤانِسَ من يخاطبه، فيطرح عليه أسئلة لغرض المحادثَة، مع أنّ المتكلم يعلم جواب أسئلته. كقوله تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يامُوسَى / قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ).(طه/17-18).
5 - التهويلُ والتخويف ، كقوله تعالى يخوّف من يوم القيامة وأهْوَالها: (الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَآقَّةُ (2) وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3))؟ فالاستفهام هنا للتخويف والتهويل. وكذلك في قوله تعالى: (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3))؟ .
6 - الاستبعادُ، أي: استبعاد المستفهم عنه، والتشكُّك في حدوثه.كقوله تعالى: (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ) (الدخان/13) أي: تَذَكُّرُهُمْ واتِّعاظُهُمْ أَمْرٌ مُسْتَبْعَد.
7 - التفخيم والتعظيمُ، كقوله تعالى بشأن استعظام المجرمين يوم الدّين كتاب أعمالهم، الذي لم يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاَّ أحصاها: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنَا مَالِ هذا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً )(الكهف/ 49).
8 - التحقيرُ، كقوله تعالى: (أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ ) (الأنبياء/36)، وقوله تعالى : ( وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ*من فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ الْمُسْرِفِينَ ) بفتح ميم " مَنْ " ورفع " فرعون " في قراءة ابن عباس ، وأما قراءة الجمهور " مِن " بكسر الميم على اعتبارها حرف جر، فلا استفهام فيها .
9 ـ التعجّبُ، كقوله تعالى: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ )(الفرقان/7)، وقوله تعالى : وقوله: ( مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ ) ، فالحق تعالى يستفهم متعجبا على لسان سيدنا سليمان عن عدم رؤيته للهدهد.
10 ـ التهكُّم والسخريَة ، كقوله تعالى حكاية عن مقالة قوم شعيب: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ )(هود/87) ، وقوله تعالى حكاية عن مقالة إبراهيم عليه السّلام لآلِهَة قومه من الأَوْثَانِ: (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ / مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ)؟ (الصّافات91-92).
11 - التهديد والوعيد، كقوله تعالى يُهَدِّدُ المشركين: (فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ...)؟(يونس102)، وقوله تعالى يتوعّد الكافرين بما في يوم الدين
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ )؟(البقرة/ 210).
12 - الاستبطاء، كقوله تعالى: ( وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ؟)(البقرة/ 214). أي: تأخَّرَ النَّصْرُ الْمَوْعود به، وهذا شأن البشر دوما يستعجلون، وقد اقتضت حكمة الله ألا تُساير مطالب المستعجلين.
13- التحضيض: أي حضّ المتكلم مَنْ يخاطبه على فعل أمر أو ترك أمر، من خلال أسلوب الاستفهام كي يكون أوقع في نفسه، كما في قوله تعالى: (أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ...) (التوبة/ 13)؟.
14- العرْض: وهو الطلب برفق من خلال أسلوب الاستفهام ، نحو قوله تعالى: (...وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ).(النور/ 22) أي: إنْ عفوتم وصفحتُمْ غفر الله لكُم. وقوله تعالى: (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ / فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ )؟ (الذاريات 26-27).
15- التمنِّي والترجي: كما في قول الله تعالى بشأن تمنّي الكافرين يوم الدّين أن يكون لهم شفعاء يشفعون لهم
.. يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنْعمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ.. ? ). (الأعراف53) أي: نَتَمَنَّى أنْ يكون لنا شفعاء، أو نُرَدَّ إلى حياة الابتلاء لنعمل غير الذي كنّا نعمل.
16- الاسترشاد، كسؤال الملائكة لربّهم في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)؟ (البقرة/ 30).
17- الترغيب : كما في قوله تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )(الصف/ 10). أي: ارغَبُوا في هذِهِ التجارة العظيمة الرابحة. وقوله : (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (البقرة/245). أي: ارغبوا في هذا الثواب العظيم فأقْرِضوا الله قرضاً حسناً.
18- التنبيه: نحو قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً / ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً) (الفرقان45/-46). ألَمْ تَرَ إلَى رَبّكَ؟ أي: انظر وتفكّر وتنبَّه إلى هذه الآية من آيات الله.
19 - التكثيرُ، كقوله تعالى: (وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ )؟ (الأعراف/ 4).أي: كثيرٌ من الْقُرى أهْلَكْنَاها. ونحو قوله تعالى: (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ...) ؟ (البقرة/ 211). أي: آتيناهم آياتٍ بَيّنَاتٍ كثيرات.
20- التأكيد: نحو قوله تعالى: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ ), أي: مَنْ حقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ فإنَّكَ لاَ تُنْقِذُهُ، فـ "مَنْ" للشَّرْطِ، و"الفاء" جواب الشرط، والهمزة الثانية في: (أَفَأَنتَ؟) هي الأولَى كُرّرَت لتوكيد معنى الإِنكار والاستبعاد
وإذا أردتم المزيد فعليكم بكتب علم المعاني. شكرا جزيلا وجزاكم الله خيرا.