الضرورة هي :
ما وقع في الشعر مما لا يجوز وقوعه في النثر، سواء اضطر إليه الشاعر أم لا , وهذا تعريف الجمهور لها .
وذهب ابن مالك إلى أنها : ما يضطر إليه الشاعر ولم يجد عنه مندوحة , أي : متسعا . وقد رُدَّ رأيه بأنه يكاد يسد باب الضرورة , إذ كل ما يدعى أنه ضرورة يمكن أن يدعى أن الشاعر قادر على تغييره بنظم آخر لا يكون فيه ضرورة .
وقد فسر بعض العلماء قول ابن مالك (ولم يجد عنه مندوحة) بما هو كذلك حسب التراكيب المتبادرة إلى الذهن ساعة استحضارها .
وكما أن الضرورة جائزة للقدماء فكذلك جائزة للمحدثين . قال ابن جني في كتابه الخصائص :
(سألت أبا علي هل يجوز لنا في الشعر من الضرورة ما جاز للعرب أوْ لا ؟ فقال : كما جاز أن نقيس منثورنا على منثورهم ، فكذلك يجوز لنا أن نقيس شعرنا على شعرهم ، فما أجازته الضرورة لهم أجازته لنا , وما حظرته عليهم حظرته علينا , وإذا كان كذلك فما كان من أحسن ضروراتهم يكون من أحسن ضروراتنا , وما كان من أقبحها عندهم يكون من أقبحها عندنا , وما بين ذلك يكون بين ذلك ) .
وهي ثلاثة أقسام :
ضرورة بالحذف ، ضرورة بالتغيير ، ضرورة بالزيادة
وإليك التفصيل :
أولا : الضرورة بالحذف :
قد يضطر الشاعر لأجل المحافظة على الوزن حذف ما يلزم ذكره في النثر , من ذلك :
1- قصر الاسم الممدود , نحو قول أبي الأسود الدؤلي :
رأيت التوا هذا الزمان بأهله ** وبينهم فيه تكون النوائب
فقد جعل الاسم الممدود (التواء) مقصورا بعد حذف همزته حرصا على الوزن .
2- حذف همزة القطع , نحو قول حسان بن ثابت :
لو كنْت مِنْ هاشمٍ أوْ مِنْ بَنِي أسَـدٍ
أوْ عَبْدِ شَمْسٍ أوَ اصْحَاب اللوى الصِّيدِ
فقد حذف همزة القطع من (أصحاب) وجعلها همزة وصل تسقط في الدرج للمحافظة على الوزن.
3- حذف همزة الاستفهام , نحو قول عمر بن أبي ربيعة :
فوالله ما أدري وإن كنت داريا ** بسبع رمين الجمر أم بثمان
أي : " أبسبع " فحذف همزة الاستفهام .
4- حذف التنوين , نحو قول الشاعر:
فألفيته غير مستعتب ** ولا ذاكر الله إلا قليلا
أراد : " ولا ذاكراً " فحذف التنوين .
5- منع صرف ما ينصرف , نحو قوله :
وما كان حصن ولا فارس ** يفوقان مرداسَ في مجمع
فكلمة (مرداس) لا تمنع من الصرف , ولكنه منعها لاستقامة الوزن .
6- ترخيم غير المنادى , نحو قوله:
لنعم الفتى تعشو إلى ضوء نـاره
طريف بن مالِ ليلة الجوع والخصر
أي : " طريف بن مالك " فرخم كلمة (مالك) في غير النداء .
7- تخفيف المشدد , نحو قول طرفة بن العبد :
أصحوتَ اليومَ أمْ شاقتْكَ هِرْ
ومـن الحب جنـونٌ مستعرْ
فالأصل : (هرّ) بتشديد الراء , ولكنه خففها لاستقامة الوزن .
8- حذف الحركة من حرف من حروف الكلمة , نحـو قوله :
فريشي منكمُ وهواي مَعْكُمْ ** وإن كانت زيارتكم لماما
فقد حذف حركة العين من قوله ( معَكم) .
9- حذف حرف من الكلمة , نحو قول الأخطل :
أبني كليب إنَّ عَمَّيَّ اللذا ** قتلا الملوك وفككا الأغلالا
أراد : (اللذان) فحذف النون .
10- حذف حرف الجر مع بقاء عمله , نحو قوله :
إذا قيل أيُّ الناس شـرُّ قبيـلة
أشارت (كليبٍ) بالأكف الأصابع
أراد : أشارت إلى كليب الأصابع بالأكف . وغير ذلك كثير .

ثانيا : الضرورة بالتغيير :
قد يضطر الشاعر إلى تغيير بعض الكلمات لأجل المحافظة على الوزن , ومن ذلك :
1- إفراد ما يجب جمعه , نحو قوله :
فقلنا أسلموا إنَّا أخوكـم ** فقد برئت من الأحن الصدور
أراد : إنَّا إخوتكم , ولكنه وضع المفرد موضع الجمع حرصا على الوزن .
2- جمع ما يجب إفراده , نحو قوله :
يزل الغلام الخف عن صَهَواته ** ويلوى بأثواب العنيف المثقل
أراد : " عن صَهْوَته" , ولكنه وضع الجمع موضع المفرد لضرورة الوزن .
3- وضع المفرد موضع المثنى , نحو قوله :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ** فإنِّي وقَيَّارٌ بهـا لغريـبُ
أراد : " لَغَريبان" , ولكنه أفرد ما يجب تثنيته لضرورة الوزن .
4- تغيير زمان الفعل , نحو قوله :
ولقد أمرُّ على اللئيـم يسبُّـني
فمضيتُ ثُمَّتَ قلت لا يعنيـني
أراد : فأمضى ثم أقول ..
5- تأنيث المذكر , نحو قوله :
وما حُبُّ الديار شغفن قلبي ** ولكن حُبُّ مَنْ سكن الديارا
الأصل : " شغف " لأن المبتدأ (حُبّ) مذكر , ولكنه ألحق علامة التأنيث بالفعل الماضي الواقع خبرا للمحافظة على الوزن فقال : (شغفن) .
6- تذكير المؤنث , نحو قوله :
فلا مزنة ودقت ودقها ** ولا أرض أبقل إبقالها
الأصل: " ولا أرض أبقلت " ولكنه أتى بالخبر بدون علامة التأنيث على الرغم من أن المبتدأ مؤنث , وذلك لأجل الضرورة الشعرية .
7- تقديم المعطوف , نحو قوله :
ألا يا نخلةً مِنْ ذاتِ عرْق ** عليك ورحمةُ الله السلامُ
أراد : عليك السلامُ ورحمةُ الله .. ولكنه قدم المعطوف على المعطوف عليه لضرورة الوزن .
8- الفصل بين المتلازمين :
(أ) كالفصل بين المضاف والمضاف إليه , نحو قول معاوية :
نجـوتُ وقد بلَّ المـرادىُّ سيفه
من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
أراد : من ابن أبي طالب شيخ الأباطح , ففصل بالنعت بين المضاف والمضاف إليه .
(ب) وكالفصل بين (لن) والمضارع , نحو قوله :
لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا ** أدعَ القتال وأشهد الهيجاء
الأصل : لن أدع القتال ... ولكنه فصل للضرورة الشعرية .
(ج) وكالفصل بين (لم) والمضارع , نحو قوله :
نوائب من لدن ابن آدم لم تـزل
تباكر مَنْ لم بالحوادثِ يطـرق
الأصل : من لم يطرق بالحوادث .
(د) وكالفصل بين (سوف) والفعل المضارع , نحو قوله :
عليك سلام بعد سوف سلامها ** تمر سنـون بعدهـا وشهـور
الأصل : عليك سلام بعد سلامها سوف تمر سنون ..

ثالثا : الضرورة بالزيادة :
قد يضطر الشاعر لأجل المحافظة على الوزن زيادة بعض الأحرف ، وذلك كما يلي :
1- مدّ الاسم المقصور , نحو قوله :
سيغنيني الذي أغناك عَنِّي ** فلا فقرٌ يدومُ ولا غناءُ
أراد : " ولا غنى " ولكنه مد الاسم المقصور للضرورة الشعرية .
2- تنوين المنادى المبني , نحو قول الأحوص :
سلامُ الله يا مطرٌ عليها ** وليس عليك يا مطرُ السلامُ
فقد نون (مطر) الأولى على الرغم من أنها منادى مبني على الضم .
3- صرف الاسم الممنوع من الصرف , نحو قول امرئ القيس :
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزةٍ
فقالت لك الويلات إنك مُرْجلي
فقد صرف كلمة (عنيزة) على الرغم من أنها ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث .
4- زيادة حرف الإشباع , نحو قوله :
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة
نفي الدراهيم تنقاد الصيـاريفِ
الأصل : (الدراهِم) و (الصيارِف) ولكنه أشبع كسرة الهاء في الأولى , وكسرة الياء في الثانية للمحافظة على الوزن.
5- زيادة نون التوكيد في غير المواضع التي تزاد فيها , نحو قوله :
ربما أوفيت في علم ** تَرْفَعَنْ ثوبي شمالات
فقد أكدّ المضارع (ترفع) بنون التوكيد الخفيفة على الرغم من أنه في موضع لا تزاد فيه .
6- زيادة نون جمع المذكر السالم على الرغم من إضافته , نحو قوله :
هم القائلـون الخير والآمرونـه
إذا ما خشوا من محدث الأمرمفزعا
فالأصل : والآمروه , ولكنه زاد النون لضرورة الوزن .
7- عدم حذف حرف العلة من المضارع المجزوم , نحو قول قيس بن زهير :
ألم يأتيك والأنباء تنمي ** بما لاقت لبون بني زياد
ونحو قول عبد يغوث بن وقاص :
وتضحك مني شيخة عبشمية ** كأنْ لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
فالواجب : (ألم يأتك) , و ( لم تر) ..