نحو تصور
للنهوض بتعليم اللغة العربية الفصيحة[1].
ملخص العرض:
ما يروم تحقيقه هذا العرض، يمكن إجماله في ما يلي:
ا-الإسهام في استثمار نتائج البحث اللساني المعاصر في مجالات
الحياة المهنية كمجال التعليم؛
ب- الإسهام في تطوير البحث التربوي في اتجاه ترسيخ
قواعده، ومبادئه العلمية وتدقيق أدوات تعليم اللغة العربية الفصيحة ووسائلها
المنهجية للناطقين بها وبغيرها؛
ج- الإسهام في إنجاز مشروع اللسانيات التربوية التي
تستجيب لحاجات المدرسين المعرفية باستفادتها من منجزات البحث اللساني المعاصر.
1-
الإشكال العام:
يقوم هذا
الموضوع على إشكال مركزي عنوانه كالآتي:
ما الدعم الذي يمكن أن تقدمه اللسانيات النظرية لإشكال
تعليم أو تدريس اللغة العربية الفصيحة في التعليم بمختلف أسلاكه، وكيف يمكن
استثمار افتراضات اللسانيات النظرية للنهوض بتعليم هذه اللغة للناطقين بها
وبغيرها؟
2- مفاهيم الموضوع:
يتداول الموضوع زمرة من المفاهيم تقتضي نوعا من الدقة،
أهمها ما يلي:
2-1- اللغة
اللغة نسق يتكون من ثلاثة مستويات: مستوى علمي ومستوى
أدبي، ومستوى الحياة العامة، وهي ليست وسيلة للتواصل فحسب، بل هي مدخل من المداخل
العامة للحفاظ على الأمن القومي والنسيج الاجتماعي والاقتصادي والكشف عن وجود
اللغة وتفسيره يتحدد بالأدوار التي تقوم بها هذه اللغة بمكوناتها السالف ذكرها،
والحفاظ عليه رهن بسياسة وحكامة لغويتين كافيتين، علاوة عن تخطيط لغوي وتدبير محكم
يسمح بانتشار هذه اللغة. ناهيك عن الدور المنوط بأهلها باستعمالها والعناية بها
وبإعمالها[2].
2-2-
التواصل
كتب الكثير كما هو معلوم، عن التواصل في اللسانيات ،
وأثمر النقاش فيها تصورين اثنين على الأقل:
أ-
تصور يسعى إلي وصف الكيفية التي تتم بها عملية التواصل؛
ب- وتصور يسعى إلى تقديم تفسير ذهني للعملية ذاتها، بانشغاله
في الإجابة عن إشكال مركزي عنوانه: كيف نتواصل باللغة[3]؟
ينطلق التصور الثاني- على أهميته – من البحث في طبيعة
القدرة التي تشرف على عملية التواصل، وخلص إلى أن هذه القدرة قدرة تواصلية،
وبمكونات محددة، ويمثل لها نموذج محدد، من داخل إطار مناسب لها، هو نموذج مستعملي
اللغة الطبيعية.
2 -3- اللسانيات النظرية:
تتحدد اللسانيات النظرية
باعتبارها اللسانيات المعنية بالبحث في قدرة المتكلم التواصلية، والمعنية بتقديم نماذج
نحوية تفسر بها كيفية عمل هذه القدرة في إنتاج الكلام وفهمه.
2-4- اللسانيات البيداغوجية:
تتحدد اللسانيات البيداغوجية
باعتبارها تيارا لسانيا ُتستثمر فيه نتائج الأبحاث المحرزة في اللسانيات النظرية
في مجال تعليم اللغات.
3- اللسانيات رافد من روافد
بيداغوجية اللغات:
جدير بالذكر أن إشكال
تعليم اللغات إشكال ينحدر من إشكال يعلوه هو إشكال التعلم عامة، وجدير
بالذكر كذلك أن النظريات التي تبحث فيه متعددة،
وتختلف من حيث الأهداف، ومن حيث منطلق التفسير، مبررات ذلك أحسبها في أن
التعلم عملية معقدة يتداخل فيها ما هو ذهني
ووجداني بما هو حسحركي. وهذا ما يجعل هذه العملية تقتضي البحث في خصائص
النمو عند الطفل باعتبارها مدخلا من المداخل الأساس لوضع البرامج والمناهج، مثلما
تقتضي العناية بحاجات المتعلم، والكشف عن قدراته، ومعرفة قابلياته وحوافزه[4]،
علاوة على أنها تحيل بشكل مباشر إلى الحديث عن الوظائف الذهنية والعقلية التي يمثل
الجهاز العصبي في الإنسان مقرها الرئيسي والأول[5].
لذلك، فإن بناء تصور علمي للنهوض بعملية تعليم اللغات
يقتضي، من بين ما يقتضيه، استثمار نتائج البحث التي راكمتها اللسانيات النظرية
المعنية بالبحث في قدرة المتكلم التواصلية في بيداغوجية اللغات، بهدف قيام لسانيات
بيداغوجية ذات كفاية عالية. وكلما كان هذا الاستثمار مبنيا على جملة من المبادئ
كلما حقق نتائج ايجابية، أهم هذه المبادئ هي:
أ- مراعاة ضوابط النقل الديداكتيكي: ذلك أن مهمة
البيداغوجي تتمثل في تحقيق النقل الديداكتيكي، وذلك بالاستيعاب الجيد للتفسير
العلمي لمختلف الظواهر اللغوية المستهدفة في اللسانيات، والتمكن من النقل
الديداكتيكي، ثم إجراء هذا النقل وفق ضوابط محددة.
ب-
الاستفادة من اللسانيات التي أثبتت كفايتها وجدواها في مجال تعليم اللغات، وجدير
بالذكر أن لنظرية النحو الوظيفي ما يؤهلها لذلك، سيما أن النظرية تعالج قضايا
اللغات الطبيعية ضمن إشكال التواصل عامة.
وأحسب
أن نفع نظرية النحو الوظيفي على بيداغوجية تعليم اللغات، يتمثل على الأقل في أن
المدرس الباحث المطلع على ما كتب فيها، ستزوده بعدة لغوية خالية من الشوائب، وتزوده
بمنهج علمي يزاوج بين تفسير الظواهر اللغوية ووصفها، كما أن استثمار النتائج
المحصلة في البحث في ظواهر اللغة العربية، الصوتية والصرفية، والمعجمية والتركيبية
والدلالية والتداولية من منظور وظيفي، وفق مقتضيات النقل الديداكتيكي، سيمكن لا
محالة ضمن عوامل أخري من النهوض باللغة
العربية وإنقادها من الوضع الذي آلت إليه[6].
خاتمة:
دافع هذا العرض عن أطروحة قوامها أن النهوض
بتعليم اللغة لعربية يقتضي استثمار ما راكمته اللسانيات من نتائج أبحاثها، وآمل أن
يكون خطوة أولى نحو صياغة تصور سليم ونظرة سديدة إلى إشكال تعليم اللغة العربية
الفصيحة، بوضعه في إطار مقاربة تواصلية ذات كفاية عالية.
المراجع
العربية:
البوشيخي، عزالدين
(1998):
قدرة المتكلم التواصلية وإشكال بناء الأنحاء، رسالة جامعية لنيل دكتوراه الدولة،
مرقونة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس.
(2002):
نحو استثمار اللسانيات في تعليم اللغة العربية، ضمن أعمال يوم دراسي في موضوع اللسانيات و تعليم
اللغة العربية وتعلمها،إعداد د.عبد العزيز العماري، سلسلة الندوات عدد14، كلية
الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس.
الفاسي الفهري، عبد القادر،
(1985أ):
اللسانيات واللغة العربية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء
(2004): دعم اللغة العربية تعزيزا للهوية
القومية والتنمية المجتمعية، تقارير ووثائق، معهد الدراسات و الأبحاث للتعريب
الرباط
(2000 ): عن التربية
والتعليم واللغة عند علال الفاسي، تقارير ووثائق، معهد الدراسات و الأبحاث للتعريب
الرباط.
المتوكل، أحمد،
(1989): اللسانيات الوظيفية: مدخل نظري، منشورات عكاظ، الرباط.
(1987): قضايا المنهج في اللغة والآداب، ضمن أعمال جمعية البحث في الآداب والعلوم
الإنسانية،ج 2، دار توبقال للنشر الدار البيضاء- المغرب.
(1985):
الوظائف التداولية في اللغة العربية، الطبعة الأولى، دار الثقافة، الدار البيضاء.
غريب، عبد الكريم،
(2006):الميثاق الوطني للتربية والتكوين قراءة
تحليلية منشورات عالم التربية، مطبعة
النجاح الجديدة/الدار البيضاء /المغرب
(2001): التعلم والاكتساب نحو مقاربة سيكو
بيداغوجية إجرائية، ضمن سلسلة سيكولوجية التربية، التعلم والاكتساب، مطبعة النجاح
الجديدة، الدار البيضاء/المغرب
المراجع
الأجنبية
Richards,J and
Rodgers,Th(1986):
Approaches and Methods
in Language Teaching a description and analysis, Cambridge University Press, Cambridge, 1986.
Murcia,M(2001):
language teaching approches an
aoveriew in teaching English as second or foreign languageHmle et Heinge Thomson learning3rd
ed, 2001.
Ennaji,M et sadiqui,F(1994)
application of modern linguistics
Afrique orient,casablanca,
1994.
Chomsky,N,
(1975,b) : Reflexion on language.Pantheon
Books, nerw york,
1975.
(1979) : Apropos des structures cognitives et leur
développement une réponse à piaget.In :
piattelli-Palmarini :théories du language, théories d’apprentissage. Editions du seuil, Paris,
1979.
(1980):
Language and Mind,MIT.Press
Dik, Simon
(1989): The Teory of Functional
Grammar, Part 1: The Structure of the clause, Foris Publications, Dodrecht – Holland.
(1997): The Teory of Functional
Grammar, Part2:Complex and Derived Constructions .Ed.by kees Hengeveld.Berlin;
NewYork: Moutond Gruyter.
Philippe champy et autres
(1994) :
Dictionnaire encyclopédique de l’éducation et
de la formation édition Nathan,paris, 1994.
D.Gaonac’h (2006:
L’apprentissage Précoce d’une langue
étrangère, Hachette, Paris, 2006.
Nadine, Bailly & Michael,
Cohen, L’Approche Communicative :
www.file://\\Poste05\d\appCommLing.htm
Peter, Matthewrs(1997) :
The Concise Oxford Dictionary of Linguistics, Oxford University
press,1997.
[1] - هذا الموضوع جزء من مشروع بحث لنيل شهادة
الدكتوراه في اللسانيات، ويتبنى نظرية
النحو الوظيفي إطارا نظريا، النظرية اللسانية التي استحدثها اللساني سيمون ديك (ديك1989)،
وطورها زمرة من ألمع اللسانيين في المغرب وخارجه. على سبيل المثال، أذكر مشروع
الدكتور أحمد المتوكل الرامي إلى بناء نحو اللغة العربية الوظيفي، في العديد من
أعماله، وأذكر مشروع الدكتور عز الدين البوشيخي الرامي إلى إغناء نموذج مستعمل
اللغة الطبيعية (ن.م.ل.ط.)، بإضافة قالب إلى قوالبه الخمس، وبالتدقيق في أنماط
التفاعل القائم بينها، وأذكر مشروع الدكتور مكنزي وزميله هنخفلد(2008) الرامي إلى
بناء نحو وظيفي للخطاب.
[2] - انظر البوشيخي(2010). وتتحدد اللغة بمعنى لغَوّت أي
تكلمت.
[3] - هذا التصور تتزعمه اللسانيات النظرية أو التفسيرية
باعتبارها الإطار العام الذي تندرج ضمنه اللسانيات الوظيفية، ويعد النحو الوظيفي
نموذجا لها.
[4] - انظرDe corte (1996).
[5] - بن الفقيه، العربي(2001)ص175.
[6] - انظر التفسير الوظيفي لعدد من
ظواهر اللغة العربية في كتابات الدكتور أحمد المتوكل.