غولٌ عصريٌّ
بقلم :-
خالد الأهدل


كان طريقي مزروعاً بالصخر ، مزدحماً بالحفر ، لكني واصلت السير وحدي في درب العمر المقفر00 كثيرا ما كنت أتعثر00 لكني سرعان ما كنت أنهض ، تجاوزت كل العقبات .. لم تثن شراعي أمواج الظلمة ، وحين تعترض طريقي تلك المستنقعات العفنة لتغتال خطوي .. أمتطي صهوة الرغبة في معانقة الشمس 00
كبوت كثيراً لكن سرعان ما نهضت لأواصل سيري ..
أحيانا كنت أتمهل قليلاً لأسرق لحظات من غفوة الزمن أحتسي فيها بعضا من أكواب الراحة تقوى بها قدماي المتعبتان ثم أواصل السير .. التهمت تلك الرحلة أطنانا من سنوات العمر ، وانهارا من عرق القلب ، حتى وصلت أخيرا منتصف الوقت المكان .. حيث كان هناك .. يقف متشحا بالليل ، يقيم من جسده المترهل جداراً يسد عليَّ منافذ الدرب 00
لم تستطع نظارته الفخمة أن تخفي الشرر المتطاير من حفرتي عينيه .
حاولت أن أتعامى .. أن أتجاهل هذا الكائن المباغت حتى لا أوقف عجلة السير، ورحت ابحث عن ثقب ، عن كوة اجتاز منها هذا الحائط الليلي .. لكنه امسك بتلابيبي ورفع جسدي الناحل عالياً ، حيث رأيت عن قرب وجهه الأحمر المنتفخ الأوداج وقد انتشرت على صفحته ثقوب الجدري تنبعث من قعرها غازات الحقد العفنة00
وحين ارتسمت على وجهي علامات الدهشة قال لي بنبرة متعرجفه : ( إلى أين؟ لقد تجاوزت بك أحلامك الحد المسموح به !!! أرجع وإلا... ) ورمى بي أرضا .. لملمت عظامي وأنفاسي المبعثرة وما تبقى من حطام الجسد المرهق وصرخت بحدة : ( ولكني تعبت كثيراً وعليَّ مواصلة الرحلة ولا تملك حق إيقافي ) ...
انشغلت يداه بترتيب ربطة العنق الانيقة وبنفض ما علق على بدلته الباريسية من حبات غبار .. وبصوت متهدج تسلل من فكيه المطبقتين قال: ( إن الحياة لي وحدي ولغيري الطوفان )00
رجوته متضرعاً متوسلاً00نثرت أمام عينيه صفحات القلب البيضاء وقدميّ الداميتين وعينيّ الغائرتين .. فأصلح نظارته ثم أطلق من مغارات أنفه ضحكة مجلجلة اقشعر منها بدني وشمخ بأنفه المعقوف عالياً

تراجعت قليلا ، ثم فتحت أبواب القلب لتتدفق منها خيول الرغبة الجامحة وشلالات الإصرار الهادرة ، تسحق في طريقها ذلك الغول العصري المتعجرف 00 ورحت أواصل السير نحو مملكة الشمس .




صنعاء – سبتمبر 2001م