جمعة سعد
























(1)


يقول القز ويني في كتاب التلخيص : " البديع علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة " .(1)
وهو يقصد بذلك مطابقة الكلام لمقتضى الحال , و"اختيار التركيب المناسب للموقف ". موقف المتكلم أو الكاتب من السامع أو القارئ , والموضوع الذي يساق فيه الحديث أو النص المكتوب شعرا كان أم نثرا .
أي أنه بعد إقامة البناء تأتي مرحلة التزين اللفظي , والتحسين , والتنميق بشتى صور البديع المعنوي واللفظي .
(2)
أهمية علم البديع
ومن النقاد من يهمل دور البديع عند نقده لنص شعري أو نثري , اعتقادا منه أن ذلك لا يقدم ولا يؤخر في حكمه على العمل الأدبي , " ولكن دراسة هذا العلم والأناة في تفهمها وتذوقها جديرة بإقناع الدارس أيا كان بأن استبعاد الجانب البديعي عند الحكم على عمل أدبي هو إجحاف وانتقاص في الحكم عليه " . (2)
قد يتكلف البعض , ويسرفون في التكلف , وقد يغالي آخرون ويتكلفون المغالاة ,
ولكن ذلك كله يذهب أدراج الرياح أمام النماذج الفذة و والصور الرائعة من المحسنات البديعية .
يقول أبو هلال العسكري : " إن هذا الفن من الكلام إذا سلم من التكلف وبرئ من العيوب كان في غاية الحسن ونهاية الجودة " (3)
انظر وتأمل قول الله عز وجل " وأنه هو أضحك وأبكى , وأنه هو أمات وأحيى "
وإلى قوله صلى الله عليه وسلم " فليأخذ العبد من نفسه لنفسه , ومن دنياه
لآخر ته, ومن الحياة للموت , فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الحياة من مستعتب , ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة والنار " ألا ترى أن الآية أعجزت بهذا الطباق الذي جعل الأمر كله لله , من الأمور البسيطة كالمشاعر لإنسانية من ضحك وبكاء , وسرور وألم , إلى القضايا الكبرى كالموت والحياة , وما بين هذا وذاك كله لله .
فما أجمل لبديع القرآني , وما أبعد أثره في النفس المرهفة , ونحن بدورنا نتساءل هل يمكن بعد ذلك أن يتنكر بعض النقاد لدور البديع في الحكم على الأعمال الأدبية بدعوى أن البعض يتكلف استخدامه , ومتى كان مضمون الأدب يحلو بغير صورة جميلة , وأسلوب رشيق , ومظهر بديع ؟ .
وتأمل الحديث النبوي الشريف لتصل إلى نفس النتيجة , بل تأمل قول الشاعر
(الحماسي ):
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد *** لنفسي حياة مثل أن أتقدم
إن الفلسفة الكبرى التي انطوى عليها هذا البيت , ونظرة الشاعر للحياة الحقيقية التي تتمثل في الإقدام على الموت طلبا للشهادة فتحيا الحياة الأبدية الحقيقية في الجنة , أو تستبقي الحياة في الدنيا كريما أبيا , فالشاعر لم يشأ أن يعيش حياة المهانة والذلة , وليست الحياة عند الشاعر نصف حياة ولا ربع حياة ولكنها الحياة التي لا تقبل القسمة .
قل لي بربك ما الذي فجر بركان هذه الفلسفة ؟!, وما الذي أعطى نظرة الشاعر هذا العمق ؟! ,أليس الطباق , الذي يعد في الحقيقة رمزا في بنية النص نستدل به على المعنى العميق , ونسبر من خلاله أعماق النص .
إذن ليست مسائل البديع بهذا المعنى – مجرد – تحسين لفظي ,لا علاقة له بالمعنى .

(3)
تاريخ البديع

مر البديع بثلاث مراحل : المرحلة الأولى .

مرحلة النشأة والاكتشاف على يد صريع الغواني (مسلم بن الوليد)
المتوفى سنة 208هـ , واقتصر عمله على مصطلحات لبعض الصور البيانية والمحسنات اللفظية والمعنوية من مثل الجناس والطباق.

أبي عثمان بن بجر الجاحظ : في كتاب البيان المتوفى سنة 255هـ, فهذا الكتاب اشتمل على الكثير من الفوائد إلا أن الإبانة عن حدود البلاغة تأتي مبثوثة في تضاعيفه .
وقد أشار الجاحظ إلى البديع بقوله : "والبديع مقصور على العرب ,ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة , وأربت على كل لسان , والشاعر الراعي كثير البديع في شعره , وبشار حسن البديع , والعتابي يذهب مذهب بشار" (1)

على أن كلمة بديع كانت تعني عند الجاحظ الصور والمحسنات اللفظية والمعنوية , ولم يحاول الجاحظ أن يضع الحدود والتعريفات لبعض أنواع البديع التي تعرض لها .


(1) الجاحظ : البيان والتبيين ج4 ص55.



المرحلة الثانية : التقعيد والتمييز :
أبو العباس عبد الله بن المعتز بن التوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد (247/296هـ) , كان شاعرا مطبوعا ,حسن الإبداع .
وهو واضع علم البديع الذي ألفه سنة 274هـ .

وعلى الرغم من أن البديع عنده لا يزال متداخلا مع علم البيان إلا أنه أطلق الأسماء على أنواع الجناس , ووضع المصطلحات , وقنن وقعد , وبذلك تكون محاولته هي المحاولة العلمية الأولى التي فتحت الباب أمام علماء البلاغة ليهتدوا به في التمييز بين فنون البلاغة المختلفة . وقد ذكر ابن المعتز ثلاثة عشر نوعا من أنواع البديع :
1. الالتفات
2. الاعتراض
3. الرجوع
4. حسن الخروج من معنى إلى معنى
5. تأكيد المدح بما يشبه الذم
6. تجاهل العارف
7. حسن التضمين
8. التعريض والكناية
9. الإفراط (المبالغة )
10. حسن التشبيه
11. الإعنات ( لزوم ما لا يلزم )
12. هزل يراد به الجد
13. حسن الابتداء ( براعة الاستهلال ).

"والخلاصة أن ابن المعتز بوضعه كتاب البديع قد قام بالمحاولة الأولى في سبيل استقلال هذا العلم البلاغي وتحديد مباحثه التي كانت مختلطة بمباحث علم المعاني وعلم البيان " (1)

(1) عبد العزيز عتيق : علم البديع ص 16


ثم جاء بعد ابن المعتز عدد من النقاد الذي ساروا على نهجه في تحرير البديع من بقية العلوم الأخرى مثل :
1. قدامة بن جعفر : توفي 337هـ , وقد أورد في كتاب نقد الشعر (14) نوعا من أنواع البديع :
1- الترصيع 2- الغلو 3- صحة التقسيم
4- صحة المقابلات 5- صحة التفسير6- التتميم
7- المبالغة 8- الإشارة 9- الإرداف
10- التمثيل 11- التكافؤ 12- التو شيح
13- الإيغال 14- الالتفات .
ويمكن من خلال المقارنة أن ترى ما اتفق فيه مع ابن المعتز وما اختلف فيه عنه .

أبو هلال العسكري : هو الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري , نسبة إلى مدينة " عسكر مكرم " من كور الأهواز بين البصرة وفارس .
وقد حصر أبو هلال ما وصله من ألوان البديع التي بلغت (41) نوعا , منها (18) من اختراع ابن المعتز , (9) من اختراع قدامة , (6) من اختراع أبي هلال , (8) عثر عليها من قراءة من سبقوه من علماء البلاغة .
ويلاحظ كذلك أن أبا هلال جارى ابن المعتز في اعتبار الاستعارة , والكناية , من أنواع البديع , مع أنهما من فنون البديع .
كما جارى ابن المعتز وقدامة معا في اعتبار "الاعتراض " من البديع , كما اعتبر هو نفسه "التذييل " من البديع , مع أن " الاعتراض " "والتذييل " أسلوبان من أساليب الإطناب الذي هو أحد أبواب علم المعاني .
ابن رشيق القيرواني : أبو علي الحسن بن رشيق الأزدي القيرواني أحد بلغاء القيروان وشعرائها (390/464 أو456).
لعل أعظم ما أسداه القيرواني إلى البلاغة العربية أنه في تقسيمه لكتابه أفرد أبوابا لعلم البيان وأخرى لعلم البديع مما يوحي بأنه قد بدأ يستقر في أذهان النقاد أن البيان شيء والبديع شيء آخر .
"وتتميز دراسة ابن رشيق بأنها أكثر تفصيلا , وإن كان قد سار على منهاج أشبه بمنهاج أبي هلال , فهو يعرف الفن البديعي ثم يشفعه بالأمثلة والشواهد ." (1)
(1) عبد العزيز عتيق : علم البديع ص28


عبد القاهر الجرجاني : ولد وعاش بجرجا ن ولم يفارقها حتى توفي بها سنة 471من الهجرة , وهو إمام في النحو , وأحد علماء الكلام على مذهب الأشاعرة , وله مؤلفات كثيرة في التفسير , والبلاغة , ولكن أشهرها " دلائل الإعجاز" الذي وضع فيه نظرية علم المعاني , و" أسرار البلاغة " الذي وضع فيه نظرية علم البيان .

الزمخشري : أسدى الزمخشري للبلاغة العربية خدمتين جليلتين :
1- أتم جار الله محمود ما بدأه عبد القاهر الجرجاني , وجاء هذا منثورا في تفسير الكشاف .
2- يعد الكشاف أفضل تطبيق لنظريتي البيان والمعاني , وتتبدي عبقرية جار الله محمود بن عمر الزمخشري أظم ما تتبدى في هذا التطبيق الدقيق لأبواب البيان والمعاني , أما البديع فلم يعره اهتماما , ولم " يعني في تفسيره بما جاء في آيات القرآن إلا عرضا, لأنه لم يكن يعد البديع علما مستقلا من علوم البلاغة , وإنما يعده ذيلا لها . " (1)

الوطواط : رشيد الدين العمري المتوفى سنة 573هـ , ألف في البلاغة الفارسية كتابا أسماه " حدائق السحر في دقائق الشعر " وهو كتاب يحاول أن يطبق فيه قواعد البديع العربي على الأدب الفارسي , إلا أنه لم يضف جديدا إلى علم البديع .

أسامة بن منقذ: هو أبو المظفر أسامة بن مرشد بن منقذ المتوفى سنة 584هـ , وبنو منقذ أصحاب قلعة قريبة من حماة تدعى " شيزر " , استولى عليها نور الدين محمود بن زنكي وأعاد بناءها وتحكم في بني منقذ فغادروها وتفرقوا في مناح مختلفة .
وله كتاب " البديع في نقد الشعر " . وهو يشتمل على خمسة وتسعين بابا ذكر فيه كثيرا من المحسنات البديعية .


(1) عبد العزيز عتيق علم البديع ص 33


القرن السابع الهجري


في القرن السابع نلتقي بسبعة من علماء البلاغة وهم حسب ظهورهم في عصرهم :
1- الرازي: وأخطر كتبه " نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز"
المتوفى سنة 606 هـ
وقد لخص في كتابه هذا كتابي أسرار البلاغة , ودلائل الإعجاز , ولخص أيضا بديعيات الوطواط ," وليس في الكتاب جديد يحسب للرازي , وكل ما له أنه استخدم في كتابه بعض فنون البديع المعروفة , وكان مرجعه الأول فيها كتاب " حدائق السحر في دقائق الشعر " (1) .

2- السكاكي : المتوفى سنة 626هـ وأهم كتبه " مفتاح العلوم "
بدأ يتفرغ لطلب العلم وعمره ثلاثون عاما , والسكاكي أول من قسم المحسنات البديعية إلى محسنات معنوية وأخرى لفظية , ولم يفرق أحد قبله بينها , وإنما كانت ترد مختلطة بعضها ببعض , اقتصر السكاكي على "26" نوعا فقط من المحسنات البديعية , ولم يضف عليها جديدا من عنده .


3- ضياء الدين ابن الأثير : 588- 637 هـ.
هو أبو الفتح نصر الله بن أبي الكرم محمد الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري نسبة إلى جزيرة ولد فيها , تدعى جزيرة ابن عمر بالموصل .
يعد كتابه " المثل السائر " – كما يقول علماء البيان – إن المثل السائر بمنزلة أصول الفقه لاستنباط أدلة الأحكام "
وابن الأثير لم ينظر إلى علم البديع كعلم قائم بذاته , كما فعلت مدرسة عبد القاهر, والزمخشري .

4- التيفاشي المغربي : التوفي بمصر سنة 651هـ , وله مؤلف في علم البديع أحصى فيه سبعين بابا من أبواب البديع .

3- زكي الدين ابن أبي الإصبع المصري : المتوفى سنة 654هـ وله ثلاثة كتب هي : كتاب الأمثال , وكتاب تحرير التجبير , وكتاب بديع القرآن .
جمع في كتاب التحرير (120) نوعا , بدأها بابن المعتز وقدامة , وثنى بما جمعه البلاغيون فبلغ (92) , وأضاف إليها (30) محسنا جديدا , منها (20) من زياداته , والباقي إما مسبوق إليه أو متداخل عليه .
وفي كتابه الثالث "بديع القرآن " عرض لما في القرآن من محسنات بديعية بلغ بها (108) .
ومما يلاحظ أنه أدخل مباحث المعني في البديع مثل , الإطناب , والتذييل , والاستقصاء , وكذلك علم المعاني .

4- علي بن عثمان الأربلي : المتوفى سنة 670هـ , كان معاصرا لابن أبي الإصبع , نظم قصيدة مدح من ستة وثلاثين بيتا في كل بيت نوع من أنواع البديع .
وهذه القصيدة تعد المحاولة الأولى فيما يسمى بالبديعيات حيث ينظم الشعراء فنون البديع شعرا
مثال ( المبالغة) :
وغرام أقله يذهل الآساد *** في خيسها عن الأشبال


5- ابن مالك : بدر الدين محمد ابن جمال الدين بن مالك الطائي الأندلسي أصلا الدمشقي , المتوفى سنة 686هـ , وأبوه جمال الدين بن مالك صاحب الألفية المشهورة .
ويلاحظ أن بدر الدين مثل غيره من علماء البلاغة يرى أن صلب البلاغة يتمثل في البيان والمعاني , وأن البديع تابع لهما , ولكنه مع ذلك جعلها علما قائما بذاته سماه علم البديع , وبذلك مهد الطريق أمام البلاغة لتصبح ثلاثة علوم "المعاني , البيان , البديع " .
كما انفرد عن البلاغيين السابقين بجعل المحسنات المعنوية قسمين : قسم يرجع إلى الإفهام والتبيين , وقسم يعود إلى التزيين والتحسين .

القرن الثامن الهجري
نلتقي في القرن الثامن الهجري ببعض علماء البلاغة الذين أسهموا في تطوير علم البديع :

1- يحيى بن حمزة : المتوفى سنة 749هـ , أهم كتبه
" الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز"
ويقع في ثلاثة أجزاء .
وكل ما ذكره في كتابه استوحاه من كتاب " المصباح في المعاني والبيان والبديع " لبدر الدين بن ملك .

2- التنوخي : المتوفى سنة 749هـ , صاحب الأقصى في علم البيان , يتبع طريقة ابن الأثير التي تعتبر البلاغة وحدة عضوية , وحظ البديع في كتابه ضئيل .

3- ابن قيم الجوزية : المتوفى سنة 751هـ
وله كتاب " الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلوم البيان " أحصى فيه ما يقرب من (80) نوعا من البديع , ثم يحصي في القسم الثاني منه (24) نوعا , وهي ترديد لما اهتدى إليه علماء البلاغة الذين سبقوه .

4- صفي الدين الحلي : المتوفى سنة 750هـ , وفي قصيدته نهج البردة المؤلفة من(145) بيتا والتي مطلعها :
إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم *** واقر السلام على عرب بذي سلم
وقد سمى بديعيته " الكافية البديعية في المدائح النبوية " , وخص الأبيات الخمسة الأولى منها بفن الجناس .
وتعد هذه هي المحاولة الثانية فيما عرف بفن البديعيات , والأولى للأربلي .






5- ابن جابر الأندلسي : محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي الضرير , المتوفى سنة 780هـ , وله بديعية على قافية الميم من بحر البسيط سماها " الحلة السيرا في مدح خير الورى " , وشرحها صاحبه أبو جعفر الغرناطي , ومطلع هذه البديعية :
بطيبة انزل ويمم سيد الأمم ***** وانثر له المدح وانشر طيب الكلم
ولم تختلف عن بديعيات الأربلي , والحلي .

6- عز الدين الموصلي : المتوفى سنة 789هـ , له بديعية مشهورة مطلعها :
براعة تستهل الدمع في العلم ***** عبارة عن نداء المفرد العلم
وزاد على من سبقوه أنه كان يودع كل بيت اسم النوع البديعي بطريق التورية , وعدد أبياتها (145) بيتا .


القرن التاسع الهجري ( قرن البديعيات )

تبارى علماء البلاغة في القرن التاسع في نظم البديعيات , وأول هؤلاء المتبارين :

1- ابن حجة الحموي المتوفى سنة 837هـ , وقد وضع لبديعيته شرحا مطولا أطلق عليه خزانة الأدب , وربما كان هذا الشرح أهم من البديعية ذاتها , لأنه قد حوله حقيقة إلى "خزانة أدب " أودعها الكثير من علمه ومعارفه .

2- السيوطي : المتوفى سنة 911هـ له بديعية سماها " نظم البديع في مدح خير شفيع "


3- عائشة الباعونية : المتوفاة سنة 922 هـ , لها بديعية في (130) بيتا اسمها : "الفتح المبين في مدح الأمين " .
4- صدر الدين بن معصوم الحسيني : المتوفى سنة 1117هـ في حيدر آباد , وله بديعية مطلعها :
حسن ابتدائي بذكري جيرة الحرم *** له براعة شوق تستحل دمي

5- عبد الغني النابلسي : المتوفى سنة 1143هـ له بديعيتان نحى في وحدة منحى صفي الدين وعائشة ( لم يذكر اسم النوع البديعي ) .
وفي الأخرى منحى عز الدين الموصلي وتقي الدين بن حجة , في الالتزام بذكر اسم النوع البديعي . .


وفي العصر الحديث نلتقي أيضا بآخرين من أصحاب البديعيات , ومن أشهرهم :

1- البيروتي : ولد في دمياط ونشأ في بيروت , وتوفي في دمشق سنة 1226هـ , وله بديعية مدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وذكر فيها الكثير من المحسنات , وشرحها مصطفى الماحي .


2- الساعاتي : هو محمود صفوت الزيلع الشهير بالساعاتي ( 1241- 1298هـ) , له بديعية في (142) بيتا التزم فيها بذكر اسم المحسن البديعي . وقد اهتم بشرح هذه البديعية شرحا وافيا عبد الله باشا فكري


3- الشيخ طاهر الجزائري : المتوفى سنة 1341هـ , وهو آخر من تعاطى هذا الفن , له بديعية وضع لها شرح سماه : " بديع التلخيص وتلخيص البديع "







1- المطابقة: (هي الجمع بين الضدين في كلام أو بيت من الشعر)
شواهده:
• قال تعالى ( وأنه هو أضحك وأبكى , وأنه هو أمات وأحيى )
• لئن ساءني أن نلتني بمساءة ** لقد سرني أن قد خطرت ببالك
****
وللمطابقة ثلاثة أنواع : إيجاب , سلب , إيهام التضاد:
• قوله تعالى : (باطنه فيه الرحمة , وظاهره من قبله العذاب )
***
• وقوله تعالى : (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)
***
• لا تضحكي يا سلم من رجل ** ضحك المشيب برأسه فبكى

*****
2- المبالغة : (هي الإفراط في الصفة , أو هي زيادة في المعنى لتأكيده ). وتنقسم إلى : تبليغ , إغراق , غلو , إيغال .
شواهده :
التبليغ : ( الممكن عقلا وعادة )
• قوله تعالى في وصف الشيء بالممكن القريب وقعه عادة :
( أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد براها )
***
• قول ابن نباتة المصري في سيف الدولة:
لم يبق جودك لي شيئا أؤمله ** تركتني أصحب الدنيا بلا أمل
***


الإغراق : ( الممكن عقلا لاعادة)
قوله تعالى : (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار )
***
ونكرم جارنا مادام فينا ** ونتبعه الكرامة حيث كان
***

الغلو : ( غير الممكن في العقل والعادة )
• قال شاعر يهجو رجلا :
تبكي السماوات إذا ما دعا ** وتستعيذ الأرض من سجدته
***
يقول ابن الرومي :
• لو أن قصرك يا ابن يوسف ممتل
إبرا يضيق بها فناء المنزل
وأتـــــاك يوسف يستعــير إبـــــــرة
ليخيط قـد قميصه لـم تفعل
***
• وأخفت أهل الشرك حتى أنه ** لتخافك النطف التي لم تخلق
***
• قول ابن هانئ الأندلسي في مدح المعز لين الله الفاطمي :
ما شئت لاما شاءت الأقدار ** فاحكم فأنت الواحد القهار
• قول المتنبي في مدح سيف الدولة :
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى ** إلى قول قوم أنت بالغيب عالم
*****
الإيغال : ( ضرب من المبالغة إلا أنه خاص في القوافي لا يعدوها)
يقول أبو هلال الإيغال "هو أن يستوفي معنى الكلام فبل بلوغه إلأى مقطعه , ثم يأتي بالمقطع فيزيد معنى آخر يزيد به وضوحا وشرحا وتوكيدا حسنا "
يقول الأعشى :
• كناطح صخرا يوما ليوهنها ** فلم يضرها وأهى قرنه الوعل
***

• ويقول امرؤ القيس :
إذا ما جرى شوطين وابتل عطفه ** تقول هزيز الريح مرت بأثأب
***
التتميم : ( هو أن يذكر الشاعر المعنى فلا يدع من الأحوال التي تتم بها صحته وتكمل معها جودته شيئا إلا أتى به "
• قوله تعالى : ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن 00)
***
• فلا تأمنن الدهر حرا ظلمته ** فما ليل مظلوم كريم بنائم
***

• لو أن الباخلين وأنت منهم ** رأوك تعلموا منك المطالا
***
التورية : ( أن يذكر المتكلم لفظا مفردا له معنيان , قريب , ظاهر غير مراد وبعيد خفي هو المراد ) .
• يقول تعالى : ( هو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار )

• يقول الوراق :
أصون أديم وجهي عن أناس ** لقاء الموت عندهم الأديب
ورب الشعر عنــــدهم بغيض ** ولو وافى به لهم "حبيب "
***
وللتورية أربعة أنواع : مجردة , ومرشحة , ومبينة , ومهيأة
*****

حسن التقسيم : ( أن تقسم الكلام قسمة مستوية تحتوي على جميع أنواعه , ولا يخرج منها جنس من أجناسه )
يقول تعالى : ( هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا )
ويقول بشار :
بضرب يذوق الموت من ذاق طعمه ** وتدرك من نجى الفرار مثالبه
فراحوا فريقا في الأسار, ومثـــــله ** قتيل , ومثل لاذ بالبحر هاربـه


يقول المتلمس :
ولا يقيم على ضيم يـــــــــراد به ** إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته ** وذا يشج فلا يرثي له أحــــد

الالتفات ( هو انصراف المتكلم عن الخطاب إلى الإخبار , وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك , ومن الالتفات الانصراف عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر ) . وله ثلاثة أنواع :
رجوع من الغيبة إلى الخطاب , ومن الخطاب إلى الغيبة .
رجوع عن المستقبل إلى الأمر وعن الماضي إلى فعل الأمر
رجوع في الإخبار عن الماضي بالمستقبل , وعن المستقبل بالماضي .

يقول تعالى : ( هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة ).
يقول العطل الهذلي :
تبين صُلاة الحرب منا ومنهمو ** إذا ما التقينا والمسالم بادن
يقول ابن النبيه :
من سحر عينيك الأمان الأمان ** قتلت رب السيف والطيلسان
أســــمـر كالرمــح لــــــه مقلة ** لو لــم تكن كحلا كانت سنان

الجمع : ( أن تجمع بين متعدد في حكم واحد )
يقول تعالى :
( المال والبنون زينة الحياة الدنيا )
( الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان )
يقول أبو العتاهية :
إن الفراغ والشباب والجدة ** مفسدة للمرء أي مفسدة

التفريق : ( إيقاع تباين بين أمرين من نوع واحد في المدح وغيره )
يقول الشاعر :
من قاس جودك بالغمام فما ** أنصف في الحكم بين شكلين
أنت إذا جدت ضاحــك أبـدا** وهو إذا جـــــاد ضاحك العين ويقول آخر :
قاسوك بالغصن في التثني ** قياس جهل بـلا انتصاف
هذاك غصن الخلاف يدعى ** وأنت غصن بلا اختلاف