حالة حوار
أخرج المذيع العلماني عماد الدين أديب مسرحية هزلية من فصل وحد، في موضوع واحد، هو الإخوان المسلمون الجماعة المحظورة.
وأبطال هذه المسرحية وإن اختلفت بعض وجوههم وأسمائهم إلا أنهم كرروا نفس الحجج الواهية التي تحدث بها قائدا فلولهم المنهزمة رفعت السعيد وصلاح عيسى، وقام عبد الله كمال بدور الكومبارس بمساندة بعض رؤساء التحرير، وبعض الوجوه غير المعروفة.
وهذا الحوار لم يرق- حتى- إلى مستوى الحوار مع الذات، إذا اعتبرنا الحزب الحاكم في مصر ذاتا تحاور نفسها، لأن حوار الذات يقتضي وجود ضمير حي يراجع صاحبه ويحاوره، ولكن أبطال هذا الديالوج ليس عندهم ذرة من ضمير أو خلق أو وطنية كما يدعون، وأحسب أن المشاهد الحصيف كان يخرج لسانه ساخرا من تلك الفلول التي لم تعد لها شبيه في الدنيا، ولكنها العمالة التي تفقد صحبها الحس الذكي الذي يكبح جماح كذبه ونزوات سفهه.
وإذا كان الحوار "يمثل المظهر الحسي للمسرحية، والصراع يمثل المظهر المعنوي"(1). "وهما معا يمثلان الخاصتين الفنيتين اللتين تميزان المسرحية"(2).
فحالة الحوار تلك افتقدت إلى هذين الأساسين الفنيين، على الرغم من أن الدولة وفرت للمخرج كل الإمكانيات، وأعد المخرج الكبير عماد الدين للأمر عدته، وجهز له أبطاله فيل الانتخابات النزيه بوقت طويل.
ويرجع الفشل في المسرحية الهزلية إلى أسباب عديدة يمكن إجمالها فيما يلي:
• أولا: لقد افتقدت المسرحية إلى أهم سمات الحوار العادل – حتى على المستوى الشكلي- ولذا جاء حوارا باهتا لا يتسم بالحيوية والصدق، فتحول الحوار إلى أسئلة تافهة، وأجوبة باردة مفتقدة إلى السخونة والحيوية.
• ثانيا: سذاجة البناء المسرحي، لعدم توفر الحوار في صلب البناء المسرحي، فقد انعقد الحوار بين المخرج(عماد)، والممثلين، لعدم وجود الطرف الآخر من أطراف الصراع المسرحي، حتى ثار فتى من فتيان الحزب الوطني معبرا عما يدور في عقله الباطن، معبرا عن عدم فناعته بهذا الحوار، فقال:" نحن نتحاور مع أناس غير موجودين، وكنت أتمنى لو أنهم كانوا معنا"، فقلت في نفسي كيف يجتمع أهل الشرعية المزيفة مع تلك الجماعة المحظورة..
• ثالثا ظهور أبطال الحوار: مهزوزين، باهتين، مشوهين، منهزمين، وظهر ذلك جليا في إجاباتهم التي أتت متشابهة، وحججهم الغير مقنعة، ويعود ذلك ببساطة شديدة إلى عدم قناعتهم أنفسهم بما يقولون، إذ كيف تتصف جماعة لها هذا التاريخ الوطني الكبير بأنها جماعة محظورة؟! وكيف يقتنع المشاهد بهذا الهراء؟! وكيف تسمى جماعة محظورة والأمة كلها تطلبها وتؤيدها وتقف وراءها، بعدما استشرى الفساد، وأصبحت العمالة تقترف في رابعة النهار.
• رابعا: فشل المخرج العملاق في بناء أبعاد واضحة لشخصيات المسرحية الهزلية، فظهروا وكأنهم أشباح، أو فلول منهزمة مقهورة، فظهروا في حالة تلاشي دائم، لا يستطيع أحدهم الالتفات، لذا لم تظهر لنا وجوههم، واجفة مرتعدة، فكيف يتحدث أحد نكرات مصر عن عبقرية خلاقة كسيد قطب، وهو لا يملك من موازين التقويم شيئا ؟!!، إن الأمم تبني متاحف الخلود لعظمائها، ونحن في فترتنا الحالية نهدم كل رمز من رموز العبقرية والبناء، من أجل أن تحتفظ ثلة آثمة بحق الإفساد في مصر.
• افتقاد المسرحية إلى الموضوع: فلم يتمكن المخرج العملاق عماد الدين أديب من يناء حدثه المسرحي ببراعة فجاءت المشاهد مكررة ومملة وماسخة، والأعجب من ذلك أن المسرح كان خاويا فلم يكن في المسرح مشاهدون، وإنما كانوا خلفية شاهدة على ديمقراطية مزعومة، ولقد ذكرني وجود هذا النوع من المشاهدين برجال مصر الذين يعملون في إحدى الدول العربية حينما كان يستأجرهم أحد المخرجين ليمثلوا خليفة المكان لبعض المشاهد، مما جعل الظلام يسيطر على خشبة المسرح، وتسلط الأضواء عن عمد على الجمهور، لأن مسرحية الغثيان التي يخرجها عماد لا يجب أن يطلع عليها أحد، لأنها تمثل مؤامرة على العقل المسلم.
• إن حالة حوار ستبقى شاهدا على زيف الإعلام المصري، وستبقى شاهدا فساده وفساد أجراء الفكر من العلمانيين الذين يتقاضون رواتبهم من السفارات الأجنبية، وعلى فلول الشيوعية المنهزمة، التي أصبحت تخجل من شيوعيتها، فافتعلت أدوار البطولة في مسرحية اللبرالية والديمقراطية المزيفة..
جمعة سعد