بسم الله الرحمن الرحيم
(عنوان المحاضرة)
كيف سقطت الأمة ؟ وكيف تنهض؟
ألقيت في حفل تكريم الفائقين
(الخميس 11من صفر 1428هـ/1من مارس 2007م)
مدرسة كفر غنّام الثانوية
أولا : متى بدأ خط الانحراف؟
• الردة
• معركة صفين (بين على ومعاوية ) رضي الله عنهما.
• نشأت الفرق الإسلامية.
• التيار الغالب كان تيارا إسلاميا فكان يجرف التيارات الأخرى في طريقه، ولكنها كانت تنخر في جسد الأمة.
• على رغم من تعدد الفرق والمذاهب إلا أن الأمة كانت لا تفكر في بديل عن الإسلام .
• استمرت الفتوحات الإسلامية ، وانتقلت أمتنا من البداوة إلى الحضارة كما قال ابن خلدون ، وتصاعد منحنى تقدمها إلى نهايته ، وتوازى مع تصاعد المنحنى الحضاري منحنى آخر هو ذلك الترف الذي هد كيان أمتنا ، وانقسمت دولة الخلافة إلى إمارات متنازعة ، فتكالبت أمم الأرض علينا من تتر وفرنجة ، ولكن كانت هناك ميزة نفتقد إليها الآن ، هي التمسك بالإسلام ، وهو البحث عن بديل آخر ، وقد بلغ بنا الضعف مبلغا كبيرا، حتى إن التتري كان يأمر المسلم أن يقف مكانه حتى يأتيه بالسيف ، وربما يذهب هذا التتري وينسى ذلك المسلم ، والمسلم لا يبرح مكانه من الخوف ، ورغم ذلك لم يفكر المسلم في تبديل عقيدته أو شريعته ، بل إنه لم يشعر بالانهزام قط، وإنما كان يؤمن إيمانا كاملا أنه أفضل من عدوه ، وأنه إلى الجنة وأن عدوه إلى النار ، ولم يفكر المسلمون أنذاك في البحث عن بديل آخر للدين الإسلامي، ولم يظنوا أن حل مشكلاتهم ستكون في غير الدين الإسلامي، وأن الغزاة ليسوا إلا كفارا همجا ، قد فاقهم هو في عالم الإنسانية النبيلة.
ثانيا: متى بدأت النهضة؟
• الاختلاف في تحديد البداية الحقيقية للنهضة
• البعض يزعم أن النهضة بدأت بقدوم الحملة الفرنسية ، والبعض يزعم أن النهضة بدأت في القرن السابع عشر، ولاشك أن هذا يخالف منطق التاريخ ، ومنطق توالد الأحداث . ومنهج الاسترداد التاريخي في إعادة بناء وقائع التاريخ يوقفنا أمام سؤال مهم ، ألا وهو إذا كان الغرب هو سبب نهضتنا ، وهو سر تنويرنا ، فلم جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر ، ولم احتل الغرب عالمنا الإسلامي ؟ وهل كان الغرب مخلصا حقا في إنهاض العالم الإسلامي من غفوته؟ ولم يحاصر نهضتنا الآن في العراق ، وفي مصر.
• إن منطق بناء الوقائع يرجح رأي الذين قالوا بأن نهضتنا بدأت بالفعل في بداية القرن السابع عشر، وأن الغرب صاحب الثأر التاريخي الذي خبر حربنا ، وأفاد من مواجهتنا قدم إلينا هذه المرة ليحاربنا بأسلوب جديد ، هذا الأسلوب الجديد هو إنهاض الأمة على أساس غربي ، بمعنى آخر ، إحداث خلل في المنظومة الفكرية الأصيلة التي قامت عليها نهضتنا ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، و في بداية القرن السابع عشر ، ومن أردا التوسع فليرجع إلى كتاب العلامة الشيخ محمود شاكر " رسالة في الطريق لثقافتنا"
• إذن نحن أمام تيارين عريضين تصديا لقيادة النهضة، تيار ديني ، تبنى أن يكون الدين هو منطلق النهضة ، وتيار غربي تنويري كما يطلق على نفسه ، تبنى الفكر الغربي ليكون منطلقا للنهضة‘ ولا يزال الصراع محتدما بين التيارين إلى الآن.
• وبهذا نصل إلى السؤال الذي طرحناه سلفا :" كيف بدأت النهضة؟
• بدأت النهضة في معترك من الصراع المرير بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية ، قاد الفكرة الإسلامية الشوكاني والصنعاني في اليمن، وبعدهم محمد بن عبد الوهاب في السعودية ، ثم البنا في مصر ، ومن تحت عباءته خرجت بقية الاتجاهات الإسلامية الأخرى التي تصدت لقيادة النهضة على أساس ديني أو تراثي كما يحلو للبعض. بينما تصدى لقيادة الأمة على أساس الفكرة الغربية رفاعة الطهطاوي ، وخير الدين التونسي، وجمال الدين الأفغاني ، ومحمد عبده ، ولطفي السيد، وطه حسين ، ومنصور فهمي . إذن فنهضة الأمة بدأن في حالة من الاحتقان والصدام ، وجو من التردد، وربما في هذا ما يوحي ببعض أسباب تأخر النهوض ، وعدم تحقيق ما كان منتظرا من هذه النهضة التي بدأت قبل اليابان بثمانين عاما، وقبل روسيا بمائتي عام ، بل إن الفجوة قد ازدادت اتساعا بيننا وبين الغرب المتقدم على الرغم من أن الغرب يعيش على العقول المهاجرة من مصر ، والعالم الإسلامي ، وقد ذكرت أحدث الإحصاءات أن مصر هاجر منها في 25 سنة الكبيسة الماضية ما يقرب من 30,000 ألف عالم ، وكان قد هاجر منها قبل ذلك ما يقرب من 10,000 ألاف عالم .
• لقد حرّم الغرب علينا تعلم أسرار التكنولوجيا أو التقنية ، وفرض علينا مفاهيمه في صور وأشكال متعددة من قومية إلى اشتراكية إلى ديمقراطية إلى رأسمالية ، إلى عولمة، أو أمركة .
• ونحن في هذا الجو الخانق المحبط الذي تفرض علينا فيه الحلول الغربية لإشكالياتنا، كيف ننهض؟!!!!
• للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف شروط النهضة، وسوف ألخص الإجابة فيما يلي:
1. أول خطوات التقدم نقد الذات ، لا جلد الذات ، ومعرفة المستطاع ، والممكن، و المتاح في واقعنا ، وما ينبغي أن نكون عليه ، لنصل من المستطاع والممكن والمتاح إلى ما ينبغي أن نكونه.
2. لابد أن نفرق بين التكديس والبناء ، وأن نبدأ في البناء الحقيقي ، لا التكديس الطفيلي الذي ينم عن جهل حقيقي بأهدافنا ، وغاياتنا.
3. معادلة التقدم ← إنسان + دين + تراب + زمن .
4. الإنجاز الحضاري هو تجلي لأفكار نبتت في تربة قيم الأمة المسلمة ، ولا يمكن أن ننجز إذا حاولنا استنبات أفكارنا في تربة القيم الغربية ، وهذا ما أثبتته الدراسات المعاصرة لعلم الحضارة وعلم الثقافة ، وهذا ما يدلل بشكل قاطع على فشلنا في تحقيق نهضة واعية بذاتها ، قادرة على التفاعل مع الواقع مع قدرتها على الاحتفاظ بهويتها ، وخصائصها وسماتها ، فتعفي الأمة من حالة الفوضى والتخبط الذي يبدد مجهود الجيوش العاملة التي طحنتها لقمة العيش ، وبدد أملها وأحبطها الواقع المظلم الذي لا نرى بعد طفاوة ظلمته شعاعا شارد أو بارقة أمل ، جذوة مشتعلة.
5. التاريخ منطلق للنهضة ، لامعينا للفخر ، ولا شرنقة تفرض علينا غربة الزمان والمكان ، فالتاريخ هو التربة التي تتشبث بها جذورنا ، وهو الماضي الذي نستطيع أن نجرده لنحيا به في كل زمان ومكان ، وهو ذاتيتنا وسماتنا التي تهبنا البقاء والتفرد ، وتمنحنا التميّز القادر على حفظنا من الذوبان في الآخر.